ملخص
إذا سألك أحدهم: ≪ما هو أشد الحيوانات فتكًا في العالم؟≫قد لا تظن أن الإجابة ستكون حشرة أصغر من رأس دبوس! ومع ذلك، فإن أشد الحيوانات فتكًا في العالم هو في الواقع البعوض! تعني كلمة ≪بعوضة≫ ≪ذبابة صغيرة≫وقد تبدو غير مؤذية، إلا أن البعوض في الواقع يمكنه نقل أمراضًا مدمرة إلى البشر، مما يؤدي إلى وفاة أكثر من 600,000 شخص في جميع أنحاء العالم كل عام. وهذا يساوي تقريبًا عدد الوفيات الناجمة عن السرطان، ثاني أكبر مسبب للوفاة في الولايات المتحدة. ينتشر البعوض في جميع أنحاء العالم، ومن المحتمل أن تكون قد تعرضت له بنفسك (هو ولدغاته المثيرة للحكة!). لذا، ندعوك للاستمرار في القراءة لمعرفة المزيد عن هذه المخلوقات، بما في ذلك كيفية عيشها وأنواع البعوض العديدة الموجودة والأمراض الخطيرة التي يمكن أن تنقلها إلى البشر.
دورة حياة البعوض
هل سبق لك أن جلست في الخارج في ليلة صيفية دافئة، ربما بجانب بركة أو بحيرة، وسمعت شيئًا يطن حولك؟ ربما شعرت في وقت لاحق بالحكة ولاحظت ظهور تورم أو نتوءات منتفخة على ذراعيك أو ساقيك. من المحتمل أنك تعرضت للدغة بعوضة!
يمر البعوض بأربع مراحل متميزة كجزء من دورة حياته: البيضة واليرقة والخادرة والبالغة (الشكل 1) [1]. وتضع إناث البعوض بيضها على الماء أو بالقرب منه، وحتى داخل أشياء مثل الإطارات المهملة أو أجزاء من النباتات التي يمكن أن تحمل الماء. وبعد أن يفقس البيض (في أقل من 48 ساعة)، تعيش اليرقات والخادرات في الماء لمدة تتراوح بين أسبوع إلى أسبوعين تقريبًا. وتخرج البالغات من شرانق الخادرات وتقف على سطح الماء أو تتشبث بالنباتات القريبة حتى تجف أجنحتها وتستطيع الطيران بعيدًا. وتستغرق دورة الحياة من بيضة إلى بالغة إلى بيضة جديدة عادةً حوالي أسبوعين في المناخات الدافئة. ويختلف عمر البعوضة حسب النوع ويمكن أن يتأثر بالعوامل البيئية مثل الرطوبة والوقت من السنة، ولكنه عادةً ما يكون نحو 20 يومًا.

- شكل 1 - دورة حياة البعوضة.
- تبدأ دورة الحياة عندما يوضع البيض على سطح الماء أو بالقرب منه. ويتطور البيض إلى يرقات. ثم تمر اليرقات بأربع مراحل نمو، وتكبر أكثر فأكثر! تتشكل الخادرة، وتخرج البعوضة من الماء كبعوضة بالغة. والبعوضة البالغة هي الشكل الذي من المحتمل أن تكون قد صادفته؛ أي البعوضة التي يمكنها الطيران! يظهر الشكل الأوقات التقريبية لكل مرحلة، ولكن قد تختلف الأوقات باختلاف أنواع البعوض.
هل تعلم أن إناث البعوض فقط هي التي تستطيع لدغ البشر؟ وتضع الإناث البيض لإنتاج الجيل التالي من ≪الصغار≫. ولذلك، يحتجن إلى البروتين الذي يحصلن عليه من التغذي على دماء البشر أو الحيوانات الأخرى.
وتتغذى إناث البعوض أيضًا على السكر كمصدر للطاقة، إذ تحصل عليه من رحيق الأزهار أو عصارة الأشجار أو الفواكه. أما عن ذكور البعوض، فإن السكر هو غذائهم الوحيد. وتشبه أنثى البعوض إلى حدٍ ما مصاصي الدماء الصغار!
مملكة البعوض المتنوعة
ينتمي البعوض إلى فصيلة من الكائنات الحية تسمى البعوضيات، وهي مشتقة من الكلمة اللاتينية ≪gnat≫ التيتعني ≪بعوضة≫. وثمة ثلاث فصائل فرعية للبعوض هي الأنوفيلينات والكلوسينات وتوكسورينشيتيناي، تحتوي على ما يصل إلى 112 مجموعة أصغر. ولقد تعرف العلماء على أكثر من 3600 نوع من البعوض، ولكن بعضها فقط يساهم في نشر الأمراض بين البشر؛ معظمها من البعوض الذي ينتمي إلى الفصيلتين الفرعيتين الأنوفيلينات والكلوسينات. ويعيش البعوض في كل موطن تقريبًا على هذا الكوكب. وبعض الأنواع ليست انتقائية في الأكل وتتغذى على دماء العديد من أنواع الحيوانات، في حين أن البعض الآخر انتقائي للغاية، ولديه تفضيلات قوية وثابتة (فمثلًا تتغذى بعوضة الزاعجة المصرية بشكل شبه كامل على البشر).
البعوض والأمراض
يُعرف البعوض باسم النواقل أو الناقلات التي تحمل كائنات مدمرة مسببة للأمراض تسمى مسببات الأمراض وتنقلها إلى الإنسان والحيوانات الأخرى من خلال لدغاتها. بيد أن البعوض نفسه لا يعاني عادةً من الآثار السلبية للأمراض التي ينقلها لأن البعوض نفسه قد طور طرقًا لمكافحتها [2]! والأمراض التي ينقلها البعوض، أو الأمراض التي تنتشر عن طريق لدغات البعوض الحامل للعدوى، ناجمة عن فيروسات مثل غرب النيل وزيكا والحمى الصفراء وحمى الضنك. ويمكن للبعوض أيضًا نقل أنواع أخرى من مسببات الأمراض، بما في ذلك الطفيليات التي تسبب الملاريا والديدان المستديرة الصغيرة التي تسبب داء الفيلاريات اللمفي (الجدول 1). جميع هذه الأمراض لها تأثير كبير على البشر، حيث تؤدي أمراض مثل الملاريا إلى إصابة 247 مليون حالة سنويًا على مستوى العالم، بينما يبلغ عدد حالات الإصابة بأمراض أخرى مثل الحمى الصفراء حوالي 200,000 حالة سنويًا. وقد تسببت الملاريا نفسها في وفاة أكثر من 600,000
النوع الرئيسي للبعوض الناقل | المناطق الأكثر شيوعًا | الأعراض الأكثر شيوعًا لدى البشر | اسم المرض | نوع الكائن المسبب للمرض |
---|---|---|---|---|
أنوفليس (بعوضة الملاريا) | مناطق واسعة من أفريقيا وجنوب آسيا، وأجزاء من أمريكا الوسطى والجنوبية، ومنطقة البحر الكاريبي، والشرق الأوسط، وأوقيانوسيا | حمى وقشعريرة وصداع وآلام في العضلات وإرهاق | ملاريا | طفيلي |
أنوفليس، كيولكس، إيديس، مانسونيا، أوكليروتاتوس، كوكويليتيديا | المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية في آسيا وأفريقيا وغرب المحيط الهادئ وأجزاء من منطقة البحر الكاريبي وأمريكا الجنوبية | تجمع سوائل والتهاب وتورم في الغدد اللمفاوية أو الأطراف (الساقين وأجزاء أخرى من الجسم) وحمى | داء الفيلاريات اللمفي | طفيلي |
كيولكس (Culex) | أفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط وأمريكا الشمالية وغرب آسيا | حمى وصداع وآلام الجسم وطفح جلدي وآلام المفاصل | غرب النيل | فيروس |
الزاعجة (Aedes) | أفريقيا الاستوائية، وجنوب شرق آسيا، وجزر المحيط الهادئ | حمى وطفح جلدي وآلام المفاصل واحمرار العينين وصداع وآلام العضلات | فيروس زيكا | فيروس |
الزاعجة (Aedes) | أفريقيا، وجنوب شرق آسيا، وشبه القارة الهندية، ومنطقة المحيط الهادئ، والمناطق الاستوائية في الأمريكتين | حمى وآلام المفاصل وتورمها وصداع وآلام العضلات وطفح جلدي | حمى الشيكونغونيا | فيروس |
الزاعجة (Aedes) | أفريقيا، والأمريكتان، والشرق الأوسط، وآسيا، وجزر المحيط الهادئ | حمى وأوجاع في الجسم وغثيان وقيء وطفح جلدي | حمى الضنك | فيروس |
الزاعجة والمدمومة Haemagogus)) | المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية في أفريقيا وأمريكا الجنوبية | حمى وصداع وآلام العضلات وغثيان وقيء وتعب ويرقان | الحمى الصفراء | فيروس |
كيولكس، الزاعجة | أمريكا الشمالية وآسيا وأوقيانوسيا | صداع وحمى وآلام في العضلات والمفاصل وإرهاق | التهاب الدماغ (بأنواعه: الخيلي الشرقي، سانت لويس، لاكروس، وما إلى ذلك) | فيروس |
- جدول 1 - الأمراض التي ينقلها البعوض مع مسبباتها ونواقلها.
حالة وفاة على مستوى العالم في عام2022، وهو عدد مماثل لعدد الوفيات الناجمة عن السرطان في الولايات المتحدة.
كيف تحمي نفسك من البعوض؟
بعد أن عرفت الآن عن العديد من الأمراض التي يمكن أن ينقلها البعوض، قد تتساءل: ≪لماذا لا نقضي على جميع البعوض؟≫. وفي حين أن هذا سؤال وجيه، فإن القضاء على أي كائن حي سيكون له عواقب سلبية متتالية على النظم البيئية. فمثلًا، ستفقد المفترسات الطبيعية ليرقات البعوض، مثل السمك أو الخفافيش، مصدرًا رئيسيًا للغذاء. ومن ثمّ، يمكننا عوضًا عن ذلك التفكير في الخطوات التي يمكن أن تقي من الأمراض التي ينقلها البعوض. وأسهل طريقة لحماية الناس من هذه الأمراض هي الوقاية من لدغات البعوض، لأن هذه هي الطريقة التي تنتشر بها مسببات الأمراض إلى البشر.
كما تعلم الآن، ليس كل البعوض يحمل مسببات الأمراض، ولكن يمكن للأشخاص الذين يعيشون في مناطق يُعرف فيها أن البعوض ينقل الملاريا وغيرها من الأمراض التي ينقلها البعوض أن يحموا أنفسهم من هذه الحشرات اللادغة بطرق مختلفة (الشكل 2).

- شكل 2 - الوقاية من انتشار الأمراض التي ينقلها البعوض.
- تشمل طرق الوقاية من مخالطة نواقل البعوض أو منع انتقال المرض الملابس الواقية مثل الأكمام الطويلة والسراويل التي تغطي الجلد، والناموسيات المعالجة بالمبيدات الحشرية، والرش المتبقي في الأماكن المغلقة لقتل البعوض الذي يهبط على الأسطح، والمواد الطاردة للحشرات التي يمكن رشها على الملابس، والأدوية الوقائية، واللقاحات.
فإحدى أفضل الطرق للوقاية من لدغات البعوض -مثلًا- هي الحماية الشخصية، مثل تغطية أكبر قدر ممكن من الجلد عن طريق ارتداء قمصان بأكمام طويلة وسراويل طويلة [3]. ويمكن للناس أيضًا النوم تحت ناموسيات مُعالجة بالمبيدات الحشرية تحتوي على مواد كيميائية مؤذية للحشرات، لتفادي لدغات البعوض خلال الليل. ثمة أيضًا مبيدات حشرية يمكن رشها في المنازل، بحيث تقتل البعوض عندما يستقر على الأسطح المرشوشة بعد أن يتغذى. وقد خضعت كل هذه المبيدات الحشرية لاختبارات مكثفة، وعلى الرغم من أنها لا تشكِّل تهديدًا كبيرًا على البشر، ينبغي استخدامها حسب التوجيهات للحد من التعرض المفرط وتجنب أي آثار سلبية على البشر والبيئة. وتوجد أيضًا مواد طاردة للبعوض يمكن استخدامها في المنازل أو على الملابس. ولما كان البعوض يضع بيضه في المياه الراكدة أو بالقرب منها، يوصى أيضًا بإزالة أشياء مثل الإطارات والأكواب المهملة والأشياء الأخرى التي قد تجمع المياه، وتغطية مصادر المياه الأخرى مثل براميل المطر لتقليل الموائل التي يمكن أن تضع فيها إناث البعوض بيضها.
وبعد سنوات عديدة من دراسة الأمراض التي ينقلها البعوض، ابتكر العلماء لقاحات لمنع انتشار بعض الأمراض من البعوض إلى الإنسان. وتوجد حاليًا لقاحات للوقاية من الحمى الصفراء والتهاب الدماغ الياباني، لكن العلماء يواصلون جهودهم لتطوير لقاحات جديدة وأكثر فعالية لأمراض أخرى، بما في ذلك الملاريا وحمى الضنك. وقد أُحرز تقدم في مجال لقاحات الملاريا، حيث يتوفر بالفعل أول لقاح معتمد، يسمى RTS,S/AS01، في بعض البلدان الأكثر تضررًا في أفريقيا، مثل غانا وملاوي [4]. وقد أوصت منظمة الصحة العالمية مؤخرًا بلقاح جديد آخر للملاريا يُسمى R21/Matrix-M. كما توجد أدوية مضادة للملاريا يمكن تناولها للوقاية من الملاريا أو لعلاجها فور الإصابة بها.
وتتوفر الأدوية أيضًا لبعض الأمراض الأخرى التي ينقلها البعوض، ولكن في أغلب الحالات، تعتمد رعاية المرضى المصابين بالعديد من الفيروسات التي ينقلها البعوض على التحكم في الأعراض. وأخيرًا، من الأهمية بمكان التثقيف حول كل من الأمراض التي ينقلها البعوض وأدوات الوقاية المناسبة حتى يعرف أكبر عدد ممكن من الناس كيفية حماية أنفسهم. والآن بعد أن أصبحت على دراية كاملة بالبعوض، والأمراض التي ينقلها، وطرق الوقاية من لدغاته، يمكنك تثقيف الآخرين أيضًا!
مسرد للمصطلحات
النواقل (Vectors): ↑ هي كائنات حية، مثل الحشرات أو الحيوانات، تعمل كوسيلة لنقل/نشر الأمراض إلى حيوانات أو بشر آخرين.
مسببات الأمراض (Pathogens): ↑ هي الكائنات المسببة للأمراض مثل البكتيريا، أو الفيروسات أو الفطريات أو الطفيليات.
الأمراض المنقولة بالبعوض (Mosquito-Borne Disease): ↑ هي الأمراض التي تنتشر عن طريق لدغات البعوض الحامل للعدوى.
المبيد الحشري (Insecticide): ↑ هو مادة كيميائية تُرش أو تُستخدم بطريقة أخرى لقتل الحشرات.
المواد الطاردة (Repellents): ↑ هي المواد التي تُستخدم لردع الحشرات أو إبعادها.
اللقاح (Vaccine): ↑ هو علاج طبي يُعطى لمساعدة الجسم على محاربة الأمراض عن طريق تدريب الجهاز المناعي.
الدواء المضاد للملاريا (Antimalarial Drug): ↑ هو دواء يستخدم لعلاج الملاريا و/أو الوقاية منها.
إفصاح أدوات الذكاء الاصطناعي
تم إنشاء النص البديل (alt text) المرفق بالأشكال في هذه المقالة بواسطة "فرونتيرز" (Frontiers) وبدعم من الذكاء الاصطناعي، مع بذل جهود معقولة لضمان دقته، بما يشمل مراجعته من قبل المؤلفين حيثما كان ذلك ممكناً. في حال تحديدكم لأي خطأ، نرجو منكم التواصل معنا.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
المراجع
[1] ↑ Mattingly, P. F. 1969. The Biology of Mosquito-Borne Disease. Allen & Unwin: London.
[2] ↑ Yee, D. A., Bermond, C. D., Reyes-Torres, L. J., Fijman, N. S., Scavo, N. A., Nelsen, J., et al. 2022. Robust network stability of mosquitoes and human pathogens of medical importance. Parasit. Vect. 15:216. doi: 10.1186/s13071-022-05333-4
[3] ↑ Hemingway, J., Shretta, R., Wells, T. N. C., Bell, D., Djimdé, A. A., Achee, N., et al. 2016. Tools and strategies for malaria control and elimination: what do we need to achieve a grand convergence in malaria? PLoS Biol. 14:e1002380. doi: 10.1371/journal.pbio.1002380
[4] ↑ Björkman, A., Benn, C. S., Aaby, P., and Schapira, A. 2023. RTS,S/AS01 malaria vaccine—proven safe and effective? Lancet Infect. Dis. 23:e318–e322. doi: 10.1016/S1473-3099(23)00126-3