ملخص
توجد الألوان في كل مكان في الطبيعة، وهي تنقل لنا العديد من الرسائل المفيدة. إذ تستخدم الزهور الألوان لتعبر عن رحيقها، وتغير الفواكه اللون عند نضجها، وتستخدم الطيور والفراشات أجنحتها الملونة للحصول على شريك للتزاوج أو لإرهاب أعدائها. ولفهم هذه الرسائل واستخدامها، يجب أن تكون الحيوانات قادرة على رؤية الألوان. يتمتع البشر برؤية ”ثلاثية الألوان”، مما يعني أن جميع الألوان التي نراها يمكن إنتاجها من خلال مزج ثلاثة ألوان أساسية وهي - الأحمر والأخضر والأزرق، وذلك لأن لدينا ثلاثة أنواع من خلايا استشعار الضوء في أعيننا؛ نوع حساس للضوء الأحمر، وآخر للضوء الأخضر، والآخر للضوء الأزرق. تختلف أنواع الكائنات الحية من حيث أنواع خلايا استشعار الضوء التي تمتلكها حيث يحتوي نحل العسل أيضًا على ثلاثة أنواع، ولكن لديه خلايا تستشعر الأشعة فوق البنفسجية بدلًا من الضوء الأحمر. علاوةً على ذلك، تحتوي الفراشات عادةً على ستة أنواع أو أكثر من خلايا استشعار الضوء، ولكننا وجدنا أن نوعًا واحدًا من الفصائل المعروفة باسم خطافية الذيل تحتوي على 15 نوعًا على الأقل من خلايا استشعار الضوء، وهذا رقم قياسي بين الحشرات. سنناقش في هذا المقال كيفية استيعابنا وتعاملنا مع الفراشات التي لديها مثل هذه العين المعقدة.
كيف نعرف ما إذا كانت الحيوانات يمكنها رؤية الألوان؟
يعتمد البشر اعتمادًا كبيرًا على رؤية الألوان من أجل استيعاب العالم من حولهم والتعرف عليه. الألوان هي إحدى خواص الضوء. ينتقل الضوء في موجات، وتُسمى المسافة بين موجتين الطول الموجي.
نحن نلاحظ أن لون الضوء يختلف باختلاف طوله الموجي؛ فالأطوال الموجية الطويلة تبدو مائلة إلى الحمرة وتبدو الأطوال الموجية القصيرة مائلة إلى الزرقة (الشكل 1A). بالنسبة للضوء الأبيض، فإنه يتكون من جميع الأطوال الموجية المختلطة معًا، ويمكنك رؤية ذلك عندما تنظر إلى قوس قزح في السماء، أو يمكنك حتى إثبات ذلك بنفسك (الشكل 1B): فإذا عكست ضوءًا صادرًا من قرص مدمج على سطح أملس، فسترى الضوء يتحلل إلى ألوان مختلفة تشبه قوس قزح أو ما يُسمى ”طيفًا”. نحن نطلق على نطاق الأطوال الموجية التي يمكننا رؤيتها ”الضوء المرئي”، والضوء المرئي له أطوال موجية تتراوح من حوالي 400 نانومتر (1 نانومتر = 10–9 أمتار)، والتي تبدو باللون البنفسجي، إلى 700 نانومتر، والتي تبدو باللون الأحمر. كما توجد أضواء تقع خارج نطاق الأطوال الموجية هذا، ولكننا لا نتمكن من رؤيتها [1].
تحتوي أعيننا على خلايا استشعار للضوء تُسمى المخاريط والعصي، وتستجيب خلايا المخاريط وخلايا العصي على حد سواء للضوء، لكن لكل نوع منهما وظائف مختلفة فيما يتعلق بالرؤية. تبرز أهمية العصي في الضوء الخافت، على سبيل المثال، في الليل، لأنها شديدة الحساسية للضوء، ومع ذلك لا يمكن للعصي اكتشاف الألوان، وهذا هو السبب في أن العالم يبدو بالأبيض والأسود تحت ضوء القمر. لذا نحن بحاجة إلى المخاريط لرؤية الألوان. تساعد المخاريط على رؤية الألوان، ولكنها تحتاج إلى ضوء ساطع حتى تعمل. يمتلك البشر عادةً ثلاثة أنواع من المخاريط: المخاريط الزرقاء (B)، والخضراء (G)، والحمراء (R)، ويمكن لكل نوع من أنواع المخاريط اكتشاف نطاق معين من الأطوال الموجية: تستجيب المخاريط الزرقاء بقوة أكبر للضوء الذي يبلغ طوله الموجي حوالي 420 نانومترًا وتستجيب المخاريط الخضراء للضوء الذي يبلغ طوله الموجي 534 نانومترًا، وتستجيب المخاريط الحمراء للضوء الذي يبلغ طوله الموجي 564 نانومترًا [1].
يمكننا قياس مستويات قوة استجابة المخاريط للأطوال الموجية المختلفة للضوء، وتمثيلها بيانيًا في صورة ما يسمى ”منحنيات الحساسية الطيفية”، كما ترى في الجانب الأيسر من الشكل 2A. على سبيل المثال، يمكن أن يستجيب المخروط الأزرق لضوء يبلغ طوله الموجي 500 نانومتر، ولكن بصورة ضعيفة. ففي المخاريط الزرقاء قد ينتج عن الضوء الساطع ذي الطول الموجي 500 نانومتر (الأخضر) استجابة مماثلة لاستجابة الضوء الخافت ذي الطول الموجي 420 نانومترًا (الأزرق). مما يعني أن المخاريط الزرقاء لا يمكنها تمييز الضوء الساطع الذي طوله الموجي 500 نانومتر عن الضوء الخافت الذي طوله الموجي 420 نانومترًا. لذا إذا لم يكن لدينا سوى المخاريط الزرقاء، فلن نتمكن من رؤية أي لون على الإطلاق، أي لن نرى سوى الاختلافات في درجات السطوع (الشكل 2B). يعتمد الحيوان على عملية تُعرف باسم المقارنة من أجل رؤية الألوان حيث يعالج المخ المعلومات المستقبلة الخاصة بالألوان عن طريق مقارنة النتائج المقدمة من نوعين أو أكثر من المخاريط. ولكي تتمكن العين من تمييز الألوان، يجب أن تحتوي على نوعين مختلفين على الأقل من مستشعرات الضوء.
إذن، بهذه الطريقة نستطيع أن نجزم ما إذا كانت الحيوانات الأخرى قادرة على رؤية الألوان أم لا. لا نستطيع بالطبع أن نطلب من الحيوانات أن تصف الألوان التي تراها، كما هو الحال مع البشر، ولكننا قادرون على تصميم تجارب تتناول سلوك الحيوان، ويمكن أن تختبر هذه التجارب رؤية الألوان لدى الحيوان. إلا أنها عملية صعبة، فلم تُكتشف القدرة على رؤية الألوان بنجاح إلا في عدد قليل من أنواع الحيوانات، حيث إن هذه التجارب صعبة التنفيذ. وغالبًا ما يكون من الأسهل التحقق مما إذا كانت عيون الحيوان تحتوي على فئتين أو أكثر من مستشعرات الضوء، لأننا نعلم أن وجود نوعين على الأقل من المستشعرات قد يسمح للحيوان بتمييز الألوان. لتحديد خلايا استشعار الضوء التي يمتلكها الحيوان، فإننا ننفذ اختبار ”الفيزيولوجيا الكهربائية”؛ وهي طريقة نقيس بها الإشارات الكهربائية التي ترسل المعلومات من العين إلى المخ. نُدخل أولًا قطبًا كهربيًا في خلية من خلايا استشعار الضوء، ثم نسلط سلسلة من الأضواء أحادية اللون (أضواء ذات نطاقات محدودة جدًا من الأطوال الموجية) على العين، على سبيل المثال، من 300 إلى 700 نانومتر بزيادة تدريجية تبلغ 10 نانومترات (أي 300، و310، و320، حتى 700 نانومتر)، ثم نسجل النشاط الكهربائي للخلية في استجابتها لكل طول موجي للضوء. ويمكننا أخيرًا جمع استجابات هذه الخلية عبر الطيف الكامل للأطوال الموجية. إذا كررنا هذه العملية مرة تلو الأخرى لتسجيل استجابات خلايا مختلفة، فقد نكتشف في النهاية عدد خلايا استشعار الضوء لدى الحيوان وأنواعها [2].
خلايا استشعار الضوء لدى الإنسان تختلف عن نظيرتها لدى الحيوان
هل يمتلك جميع الحيوانات خلايا استشعار الضوء نفسها التي نمتلكها؟ يمتلك نحل العسل ثلاثة أنواع من خلايا استشعار الضوء مشابهة للمخاريط التي نمتلكها، لكنها تتحول إلى أطوال موجية أقصر: فوق بنفسجية (UV) وزرقاء وخضراء بدلًا من زرقاء وخضراء وحمراء (الشكل 2A). في الواقع، لا ينجذب النحل إلى الزهور الحمراء على وجه التحديد، لأنه لا يرى اللون الأحمر جيدًا. ومثل بعض الأشخاص المصابين ”بعمى الألوان”، يعاني النحل صعوبة في تمييز اللونين الأحمر والأخضر. ومع ذلك، يمكن للنحل رؤية أنماط الضوء فوق البنفسجي غير المرئية بالنسبة لنا حيث تمتلك العديد من الزهور أنماط الضوء فوق البنفسجي على بتلاتها، وهي تعمل كإشارة لمساعدة النحل والحشرات الأخرى في العثور على الزهور وتلقيحها. بالإضافة إلى ذلك، يمتلك بعض الطيور والحشرات أنماط الضوء فوق البنفسجي أيضًا، وتستخدمها الحيوانات للتعرف على بعضها بعضًا. على سبيل المثال، وعلى النحو الموضح في الشكل 2C، تبدو الفراشات الصفراء من الذكور والإناث متطابقة تقريبًا عندما ننظر إليها، ولكن إذا التقطتنا صورًا باستخدام كاميرا حساسة للضوء فوق البنفسجي فقط، فيمكن رؤية أشكال مختلفة على الأجنحة بوضوح. ونظرًا إلى أن النحل يمتلك خلايا استشعار للضوء فوق البنفسجي ولا يمتلك خلايا استشعار للضوء الأحمر (الشكل 2A)، فمن المحتمل أنه يرى العالم بشكلٍ مختلف تمامًا عما نراه.
علاوةً على ذلك، لا تمتلك الحيوانات جميعها ثلاثة أنواع من خلايا استشعار الضوء مثل البشر والنحل. فعلى سبيل المثال، يمتلك العديد من الطيور أربعة أنواع من المخاريط، وهي: فوق بنفسجية وزرقاء وخضراء وحمراء (الشكل 2A) حيث يمكن أن ترى هذه الطيور نطاقات واسعة من الأطوال الموجية، تمتد من فوق البنفسجية إلى الحمراء، ومن المحتمل أيضًا أن تكون أفضل منا في تمييز الألوان المختلفة اختلافًا طفيفًا. تغيّر بعض الطيور حساسية المخاريط الخاصة بها وفقًا للأطوال الموجية المختلفة في الطيف باستخدام قطرات زيت ملوّنة موجودة داخل أعينها، وتعمل قطرات الزيت هذه بطريقة مماثلة للنظارات الشمسية المزودة بعدسات ملونة. ويُذكر أن بعض الحشرات التي تمتلك عيونًا مركبة تقوم بذلك أيضًا [2].
الفراشات هي مثال آخر على كائنات تتمتع بنظام معقد فيما يتعلق برؤية الألوان، فيبدو أن نظام رؤية الألوان التابع لها قد تطور من نظام ثلاثي الألوان يعتمد على خلايا استشعار للضوء فوق البنفسجي والأزرق والأخضر، مثل نظام النحل. وعلى مدى ملايين السنين، أصبح النظام الخاص برؤية الألوان لدى بعض الفراشات أكثر تعقيدًا من خلال إضافة خلايا استشعار إضافية للضوء ذات حساسيات طيفية مختلفة، ربما لمساعدتها في العثور على الزهور لشرب رحيقها. على سبيل المثال، تمتلك الفراشة الصفراء اليابانية خطافية الذيل (اسمها العلمي Papilio xuthus) ستة أنواع من خلايا استشعار الضوء: فوق البنفسجية والبنفسجية والزرقاء والخضراء والحمراء و”عريضة النطاق” (BB) (الشكل 3A). سُميت الخلايا عريضة النطاق بهذا الاسم لأنها تستجيب لمجموعة متنوعة من الأطوال الموجية المختلفة، بدلاً من لون واحد محدد [3]، وأجرينا مؤخرًا دراسة على فراشة المثلث الأزرق، (Graphium sarpedon)، ووجدنا أنها تمتلك ١٥ نوعًا مختلفًا على الأقل من خلايا استشعار الضوء في العين [4] (الشكل 3B)، وهذا هو أكبر عدد من أنواع خلايا استشعار الضوء المختلفة التي وجدت في حشرة على الإطلاق.
وتختلف، في بعض الفراشات، الحساسيات الطيفية لخلايا استشعار الضوء بين الجنسين من نفس الفصيلة، وهو ما يُسمى ”إزدواج الشكل الجنسي”. ففي الفراشة البيضاء الصغيرة، (Pieris rapae)، تتمتلك الإناث فقط خلايا استشعار للضوء البنفسجي، بينما يمتلك الذكور خلايا استشعار للضوء الأزرق مزدوجة الذروة (الشكل 3C).
وبالنسبة إلى فراشة الكبريت الغائمة، (Colias erate)، يوجد إزدواج للشكل الجنسي في عدد من خلايا الاستشعار للضوء الأحمر حيث تمتلك الإناث ثلاثة أنواع حساسة لدرجات مختلفة بنسبة طفيفة من الضوء الأحمر، بينما يمتلك الذكور نوعًا واحدًا فقط [5].
هل كلما زاد عدد خلايا استشعار الضوء، كان ذلك أفضل؟
ربما تتساءل لماذا تحتاج الفراشات لأنواع كثيرة من خلايا استشعار الضوء؟ وهل يؤدي وجود المزيد من الأنواع لتحسين رؤية الألوان؟ فلنلق نظرة على بعض الأمثلة للمزيد من الإيضاح. كما ناقشنا من قبل، لدى معظم البشر ثلاث فئات من المخاريط، ولكن يوجد لدى بعض الأشخاص (الذكور عادةً) نوعان من المخاريط التي تعمل بالكامل، مع وجود حساسية منخفضة في النوع الثالث، ونُطلق على هذه الحالة عمى الألوان [6]. وكما رأينا، يكفي وجود نوعين من المخاريط فقط لرؤية الألوان، ويعني هذا أن أغلب الأشخاص المصابين ”بعمى الألوان” لا يزال بإمكانهم رؤية الكثير من الألوان. وقد يكون من الأفضل تسمية هذه الحالة بضعف رؤية الألوان بدلًا من عمى الألوان. فإذا كان هناك شخص يعاني من ضعف في رؤية الألوان وآخر يمتلك رؤية طبيعية ويرى الشخصان نفس المشهد، فقد يرى كل منهما أشياء مختلفة إلى حد ما؛ فعادةً ما يواجه الأشخاص الذين يعانون من ضعف في رؤية الألوان صعوبة في التمييز بين اللونين الأحمر والأخضر. بعبارة أخرى، وجود عدد أقل من فئات خلايا استشعار الضوء يحد من القدرة على رؤية الألوان. ومن ناحية أخرى، يمتلك بعض الأشخاص أربعة أنواع من المخاريط، وهذا أمر نادر للغاية ولا يوجد إلا لدى الإناث، ويُعتقد أن هؤلاء الأشخاص لديهم القدرة على رؤية الكثير من الألوان مقارنة بالأشخاص الذين يمتلكون رؤية عادية حيث يسمح لهم المخروط الإضافي برؤية ألوان إضافية غير مرئية لمعظمنا [7]. يبدو أن وجود المزيد من خلايا استشعار الضوء يؤدي إلى رؤية الألوان بشكلٍ أفضل.
وحتى الآن، فإن أغنى مجموعة من خلايا الاستشعار للضوء التي تم العثور عليها في مملكة الحيوان موجودة في أعين جمبري فرس النبي (الروبيان السرعوف) القاطن بالشعاب المرجانية، والذي يمتلك ما يصل إلى 16 نوعًا (شكل 3D) [5]. ولذلك قد يفترض المرء أن جمبري فرس النبي هذا يمتلك رؤية أفضل للألوان مقارنة بأي حيوان آخر، ولكن في الواقع، تبين أن قدرته على رؤية الألوان ضعيفة بطريقة تدعو للتعجب [8]. يمكن للبشر تمييز الأطوال الموجية للضوء التي تختلف بمقدار ضئيل يصل إلى 1 نانومتر. ومع ذلك، يستطيع جمبري فرس النبي أن يرى بالكاد الاختلافات التي يبلغ قدرها 15 نانومترًا بين الأطوال الموجية، فيبدو أن العمليات الدماغية لدى جمبري فرس النبي تعالج المعلومات المستقبلة الخاصة بالألوان بطريقة مختلفة عن باقي الحيوانات الأخرى. وفيما يخص هذا الأمر، يعتقد بعض الباحثين أنه من الوارد أن جمبري فرس النبي لا يقارن المعطيات التي يحصل عليها من جميع أنواع خلايا استشعار الضوء المختلفة بنفس الطريقة التي تتبعها الحيوانات الأخرى، ولكنه قد يتخذ بدلًا من ذلك بعض ”طرق المعالجة المختصرة” لاكتشاف اللون بسرعة ولكن ليس بالدقة الكافية.
تتمتع الفراشة الصفراء اليابانية خطافية الذيل، P. xuthus، بقدرة جيدة على رؤية الألوان؛ فهي قادرة على اكتشاف اختلافات الأطوال الموجية البالغة 1 نانومتر، وذلك مشابه للأداء البشري حيث تحتوي أعينها على ستة أنواع مختلفة من خلايا استشعار الضوء، ولكن السؤال هنا هل تستخدمها جميعًا لرؤية الألوان؟ وللإجابة على هذا السؤال تم تدريب الفراشات على اكتشاف الفرق بين ضوءين بأطوال موجية مختلفة بنسبة طفيفة، مع إجراء محاكاة باستخدام الحاسوب للتنبؤ بأداء الفراشات في حالة استخدام تركيبات مختلفة من خلايا استشعار الضوء، وأشارت المحاكاة التي تمت باستخدام الحاسوب إلى أن رؤية الألوان لدى هذه الفراشات تعتمد بشكل أساسي على خلايا استشعار الضوء فوق البنفسجي والأزرق والأخضر والأحمر، مما يشير إلى أن قدرتها على رؤية الألوان يعتمد على نظام يتكون من أربعة ألوان، مثل الطيور. أما بالنسبة لفئتي خلايا استشعار الضوء الأخريين، البنفسجي وعريضة النطاق، فغالبًا لا يتم استخدامهما لرؤية الألوان، ويتم توظيفهما في بعض الوظائف البصرية الأخرى بدلًا من ذلك. ربما تعمل الوظائف البصرية للفراشة بشكل مشابه لتلك الخاصة بالبشر، حيث تعمل خلايا استشعار الضوء فوق البنفسجي والأزرق والأخضر والأحمر مثل المخاريط وتعمل خلايا الاستشعار عريضة النطاق والخلايا الخاصة برصد الضوء البنفسجي أو إحداهما مثل العصي.
ولكن هل يمكن تطبيق مقولة ”كلما زاد العدد، كان ذلك أفضل” عندما يتعلق الأمر بخلايا استشعار الضوء؟ وهل تعتقد أن فراشة المثلث الأزرق (G. sarpedon) التي تمتلك 15 فئة من خلايا استشعار الضوء في العين (الشكل 3B) تتمتع بقدرة أفضل على رؤية الألوان مقارنة بقدرتنا البصرية؟ في الحقيقة نحن لا نعرف ذلك بعد، ويمكن العثور على الإجابة فقط من خلال التجارب المستقبلية المقرر تطبيقها لدراسة سلوك الفراشات. ولكن، وفقًا للمعلومات المتعلقة بالقدرة على رؤية الألوان والمكتسبة من خلال دراسة البشر والفراشات، يبدو أن فراشات المثلث الأزرق لا تستخدم جميع أنواع خلايا استشعار الضوء لديها، والبالغ عددها 15 نوعًا، لرؤية الألوان فقط، ونعتقد أنها ربما تستخدم أربعة أنواع فقط لرؤية الألوان مثل فصيلة Papilio، وهي إحدى الفصائل المشابهة لفراشات المثلث الأزرق. وبمقارنة قدرتها البصرية بتلك الخاصة بالبشر، فيمكن القول إن إضافة مستشعرات الضوء فوق البنفسجي توسع بالتأكيد من نطاق الضوء المرئي حتى يصل إلى منطقة الطول الموجي للضوء فوق البنفسجي؛ مما يوسع من نطاق مجموعة الألوان التي يمكن رؤيتها. وقد تلعب الأنواع الأخرى البالغ عددها 11 نوعًا دورًا مفيدًا يتمثل في رصد منبهات معينة؛ مثل الأجسام سريعة الحركة التي تعبر السماء أو أطوال موجية معينة للضوء تنعكس من الأعداء ورفقاء التزاوج المحتملين.
كيف يمكننا استخدام البحث العلمي في المستقبل؟
من المستحيل أن نتمكن من رؤية العالم مثلما تفعل الفراشات حيث تفتقر أعيننا وعقولنا إلى القدرات والإمكانيات اللازمة لذلك، ولكن من المهم محاولة دراسة القدرة البصرية للفراشات وذلك من خلال جمع الأدلة من مختلف أنواع التجارب. علاوةً على ذلك، نركز أيضًا على رصد عملية تطور الأنظمة البصرية الخاصة برؤية الألوان مع مرور الوقت وذلك من خلال مقارنة قدرة العديد من الحشرات المختلفة على رؤية الألوان. وقد تساعدنا هذه العملية على اكتشاف المبادئ الأولية التي يمكننا استخدامها لبناء أنظمة ”بصرية” أفضل للذكاء الاصطناعي. تعتمد الطيور والحشرات على حاسة لديها لتوجيه رحلاتها وإيجاد الطعام وتجنب العقبات والحيوانات المفترسة. فنتخيل معًا لو كان بوسعنا برمجة طائرات التصوير الجوي وتمكينها من استخدام ”عيونها” (الكاميرات) لتوجيه نفسها بمهارة كما تفعل الحيوانات!
علاوةً على ذلك، يمكن استخدام البحث المتعلق بالقدرة البصرية للحشرات في مجال الزراعة. فمن المعلوم أنه يتم استخدام الكثير من المبيدات الحشرية الكيميائية في الزراعة في الوقت الحاضر لحماية المحاصيل، ولكن من المؤسف أن هذه المواد الكيميائية غالبًا ما تلحق الضرر بالبيئة. ويمكن أن تصبح الآفات الحشرية مقاومة لها. وهنا يأتي دورنا فمن الممكن إبعاد الحشرات عن المحاصيل بطريقة نظيفة وآمنة باستخدام الضوء بدلًا من المواد الكيميائية، ولتحقيق ذلك، يتعين علينا أولًا أن نفهم الطريقة التي تعمل بها عيون الحشرات.
مسرد للمصطلحات
رؤية الألوان (Color vision): ↑ هي القدرة على اكتشاف الاختلافات في الأطوال الموجية التي تشكل الضوء، بدلًا من رؤية سطوع الضوء فقط.
خلايا استشعار الضوء (أو "المستقبلات الضوئية") Light-sensing cell (أو ”photoreceptor”): ↑ هي نوع خاص من الخلايا العصبية الموجودة في عيون الحيوان والتي تنتج إشارات كهربائية عند سقوط الضوء عليها.
الفيزيولوجيا الكهربائية (Electrophysiology): ↑ هو قياس النشاط الكهربائي داخل الكائنات الحية. يعتبر التخطيط الكهربائي للقلب والتخطيط الكهربائي للدماغ من أساليب الفيزيولوجيا الكهربائية التي يستخدمها الأطباء لفحص البشر.
العين المركبة (Compound eyes): ↑ هي نوع العين الموجودة لدى معظم الحشرات والقشريات. تتكون هذه العين من العديد من الوحدات تُسمى عوينات (تصغير عين)، وتحتوي كل عوينة على عدسات يوجد وراءها مجموعة من خلايا استشعار الضوء.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
مقال المصدر الأصلي
↑ Chen, P.-J., Awata, H., Matsushita, A., Yang, E.-C., and Arikawa, K. 2016. Extreme spectral richness in the eye of the common bluebottle butterfly, Graphium sarpedon. Front. Ecol. Evol. 4:1–12. doi: 10.3389/fevo.2016.00018.
المراجع
[1] ↑ Land, M. F. and Nilsson, D.-E. 2002. Animal Eyes. Oxford: Oxford University Press.
[2] ↑ Cronin, T. W., Johnsen, S., Marshall, N. J., and Warrant, E. J. 2014. Visual Ecology. Princeton, Oxford: Princeton University Press.
[3] ↑ Arikawa, K. 2003. Spectral organization of the eye of a butterfly, Papilio. J. Comp. Physiol. A. 189:791–800. doi: 10.1007/s00359-003-0454-7
[4] ↑ Chen, P.-J., Awata, H., Matsushita, A., Yang, E.-C., and Arikawa, K. 2016. Extreme spectral richness in the eye of the common bluebottle butterfly, Graphium sarpedon. Front. Ecol. Evol. 4:1–12. doi: 10.3389/fevo.2016.00018
[5] ↑ Marshall, J. and Arikawa, K. 2014. Unconventional colour vision. Curr. Biol. 24:R1150–4. doi: 10.1016/j.cub.2014.10.025
[6] ↑ Backhaus, W. G. K., Kliegl, R., and Werner, J. S. 1998. Color Vision: Perspectives from Different Disciplines. Berlin, New York: Walter de Gruyter.
[7] ↑ Jordan, G., Deeb, S. S., Bosten, J. M., and Mollon, J. D. 2010. The dimensionality of color vision in carriers of anomalous trichromacy. J Vis. 10:12. doi: 10.1167/10.8.12
[8] ↑ Thoen, H. H., How, M. J., Chiou, T. H., and Marshall, J. 2014. A different form of color vision in mantis shrimp. Science. 343:411–3. doi: 10.1126/science.1245824