Frontiers for Young Minds

Frontiers for Young Minds
القائمة
مفاهيم أساسية علم الفلك والفيزياء نشر بتاريخ: 28 يوليو 2023

لماذا يستحيل الهروب من ثقب أسود؟

ملخص

هل سمعت من قبل عن الثقوب السوداء؟ تبدو الثقوب السوداء كأجسام في قصة خيال علمي. وهذه الأجسام عبارة عن مناطق كثيفة مظلمة في الكون، ولها قوة سحب جاذبية كبيرة جدًا لدرجة أنه ما من شيء يستطيع الهروب منها، ولا حتى الضوء. ولهذا السبب نجد هذه الثقوب شديدة السواد، إذ ينعدم بها الضوء ولا يمكننا رؤيتها. يعتقد الفيزيائيون أن الثقوب السوداء من عجائب الكون الجديرة بالدراسة. فما السبب؟ السبب أنه عندما يسقط شيء في ثقب أسود، فما من مجال لعودته. والأدهش من ذلك أن قوانين الفيزياء لا تفسر لنا ما يحدث عندما يسقط شيء في ثقب أسود ويصل إلى مركزه، أي أن الثقوب السوداء عبارة عن ألغاز كونية ضخمة. في هذا المقال، سنقدم مقارنة تشبيهية من شأنها مساعدتنا على حلّ هذه الألغاز. وستعطينا هذه المقارنة طريقة جديدة للتفكير في الزمان والمكان.

ما المقصود بالثقوب السوداء؟

الثقوب السوداء من عجاب الكون الأكثر إدهاشًا. وهي مناطق كثيفة مظلمة في الفضاء ذات قوة سحب جاذبية كبيرة للغاية لدرجة أنه يستحيل على أي شيء الهروب منها.

حتى الضوء لا يستطيع الهروب من هذه المناطق. ولهذا السبب نعجز عن رؤية الثقوب السوداء، فالعينان لا تستطيعان رؤيتها. يجد الفيزيائيون صعوبة في فهم هذه الأجسام لأنه ما من شيء يستطيع الخروج منها. وحتى قوانين الفيزياء تقف عاجزة (حتى الآن على الأقل) عن شرح ما يحدث عند سقوط شيء ما في ثقب أسود. وبالتالي تبقى الثقوب السوداء ألغازًا كونية، ويسعى العديد من العلماء بجد لحل هذه الألغاز.

لفهم ما يجرى في الثقوب السوداء (شكل 1)، علينا أولاً معرفة المزيد من المعلومات حول الزمان والمكان. لم يستطع أحد فهم الزمان والمكان بشكل أفضل من ألبرت أينشتاين تقريبًا، وهو الفيزيائي الشهير ذو الشعر المجعد العجيب. وعلى الرغم من استخدام أينشتاين للرياضيات المتقدمة لصياغة أفكاره حول الكون، يمكننا فهم المبادئ الأساسية لنظريات أينشتاين باستخدام الصور والمقارنات التشبيهية ومخيلتنا. والمقارنات التشبيهية أدوات تعلم مفيدة في الفيزياء لأنها تقارن المفاهيم العلمية المجردة بمفاهيم مألوفة في الحياة اليومية [1]. وفي هذا المقال، تُستخدَم المقارنة التشبيهية بنهر لاستكشاف السبب في استحالة الهروب من ثقب أسود [2].

شكل 1 - الثقوب السوداء عبارة عن مناطق في الزمكان ذات قوة جاذبية كبيرة للغاية لدرجة أنه يستحيل على أي شيء (بما في ذلك الضوء) الهروب منها.
  • شكل 1 - الثقوب السوداء عبارة عن مناطق في الزمكان ذات قوة جاذبية كبيرة للغاية لدرجة أنه يستحيل على أي شيء (بما في ذلك الضوء) الهروب منها.
  • ولذلك نجد هذه الثقوب سوداء، كما أن هذا هو السبب في أنه يمكننا فحسب رؤية المادة المحيطة في هذه الصورة (حقوق الصور: 4.0 Telescope CC BY).

ما هو الزمكان؟

لنبدأ بمفهوم النسبية العامة، وهي نظرية أينشتاين التي تربط بين الزمان والمكان من جهة والجاذبية من جهة أخرى. تقوم النظرية على فكرة أينشتاين التي تنص على عدم اعتبار الزمان والمكان منفصلين بل عنصرين مرتبطين يكوّنان معًا الزمكان. والزمكان هو سبيلنا لوصف كل الأحداث في الكون، أي مكان وقوعها وزمانه. على سبيل المثال، لو أردت لقاء أصدقائك بعد المدرسة، يجب أن تتفقوا على موقع اللقاء (المكان) ووقت ذلك (الزمان). والتفكير في كل الأزمان والأماكن بهذا الكون مجتمعة أمرٌ صعب الاستيعاب كمفهوم، فالكون في غاية الاتساع. إذًا، كيف يمكننا تصور الزمكان؟

الزمكان يتدفق كنهر

لحسن الحظ، عند محاولة فهم الزمكان، يمكن للمقارنات التشبيهية تخليصنا من هذه المعضلة. فهنا تكون المقارنة التشبيهية بين بنية الزمكان وتدفق المياه [24]. الزمكان البعيد جدًا عن الكواكب والنجوم يكون مسطحًا وسلسًا بلا أي حركة، تمامًا كبحيرة كبيرة هادئة يمكن أن تطفو الأشياء والأشخاص فيها. يمكنك أن تبقى في مكانك بلا حركة أو أن تسبح في أي اتجاه بسهولة. يشبه هذا السيناريو طفو رواد الفضاء بحُرية في الفضاء الخارجي، حيث يمكنهم بسهولة التحرك لأعلى ولأسفل ونحو اليسار واليمين.

يتغير السيناريو السابق عند النظر إلى الزمكان المحيط بأجسام هائلة مثل الكواكب والنجوم والثقوب السوداء. فالزمكان القريب من هذه الأجسام الكونية لم يعد ثابتًا وسلسًا، بل منحنيًا ودواميًا، تمامًا كالجداول المائية أو الأنهار الجارفة. تخيل جداول مائية جارفة تتدفق من أجزاء بحيرة معينة. لا تستطيع رؤية هذه التيارات المائية أو إدراك وجودها عندما تكون بعيدًا للغاية عنها لأن الماء من حولك لا يتحرك. ولكن إذا سبحت إلى جزء مختلف من البحيرة بالقرب من أحد هذه التيارات، ستبدأ في الشعور بأن التيار يسحبك معه. على نفس المنوال، يشعر رواد الفضاء بسحب جاذبية الكواكب إذا اقتربوا منها للغاية.

إذا كان التيار ضعيفًا للغاية، تكون بالقرب من كوكب (جدول مائي)، مثل الزمكان حول كوكب الأرض. ولكن قوة السحب تشتد بالقرب من نجم (نهر)، مثل الزمكان حول الشمس، وتكون أشد وأشد بالقرب من سيل ثقب أسود. وكلما اقتربت من التيار، احتجت إلى السباحة بسرعة أكبر لو أردت الهروب من قبضته الساحبة القوية. عليك بذل مجهود كبير للعودة إلى المنطقة الهادئة في البحيرة حيث يمكنك البقاء في مكانك والطفو للاستمتاع بحمام شمس. ينطبق الأمر نفسه على الزمكان، فكلما اقتربت من جسم كوني، زادت صعوبة الهروب من قوة الجاذبية التي تسحبك إلى داخل ذلك الجسم.

شرح أفضل للجاذبية

من خلال المقارنة التشبيهية بالنهر، نفهم نقطة أساسية في نظرية أينشتاين، وهي أن الزمان والمكان مرتبطان بالجاذبية. فالجاذبية هي ما تجعل التفاح يسقط من الشجر وما تجعلك ثابتًا على الأرض. تعرف على الأرجح أن الجاذبية عبارة عن قوة جذب بين الأجسام الضخمة: فكتلة كوكب الأرض تسحب كل شيء إلى المركز، وهذا السحب مرتبط بقوة الجاذبية.

يُعد هذا الوصف للجاذبية مثالاً جيدًا للغاية على ما يحدث لكوكب الأرض. ولكن أينشتاين أدرك وجود تفسير أفضل يمكنه شرح كل عمليات الجاذبية في الكون، ألا وهو تفسير الزمكان. بحسب نظرية أينشتاين، تشكل الجاذبية بنية الزمكان، فالأجسام الضخمة مثل الكواكب والنجوم تتحكم في شكل انحناء الزمكان، وانحناء الزمكان يتحكم في شكل حركة هذه الأجسام. وبفضل المقارنة التشبيهية بالنهر، يسهل فهم هذا التفاعل بين الزمكان والجاذبية، فالتنقل في الزمكان كالسباحة في المياه.

إذا لم يكن هناك كوكباً أو نجماً، فكأنك تسبح في بحيرة. المياه هادئة ويمكنك الطفو في أرجائها بنفس الطريقة التي يطفو بها رائد فضاء في الفضاء الخارجي. أما بالقرب من الكواكب، فالمياه كالأنهار الجارفة. ويسحبك النهر تمامًا كما يُسحَب جسم قريب في الفضاء لأسفل نحو السطح في كوكب الأرض.

لقد أحدثت نظرية أينشتاين حول الجاذبية ثورة في العلم لأنها قدمت طريقة أفضل للتفكير في الكون. وتوقعت النظرية أيضًا وجود الثقوب السوداء، وهي مناطق يكون فيها سيل الزمكان قويًا للغاية لدرجة أنه لا شيء يستطيع الهروب منه، ولا حتى الضوء. يبدو هذا الثقب كشارع من اتجاه واحد، فالأجسام قد تسقط في هذا الثقب، ولكن ما من شيء يمكنه العودة. الأمر غريب، أليس كذلك؟ في البداية، اعتقد أينشتاين أن الثقوب السوداء لا يمكن أن تكون حقيقية بسبب غرابتها المفرطة. ربما أربكته المعادلات للغاية ولم يستوعبها بشكل كامل. ولكن كلما طالت دراسة أينشتاين وغيره من العلماء الفيزيائيين للمعادلات، زادت قناعتهم بوجود هذه الثقوب السوداء.

السقوط في ثقب أسود

لن نستخدم المعادلات لشرح الثقوب السوداء لك بالطبع، بل سنستخدم طريقة أقل تعقيدًا، وهي تلك المقارنة التشبيهية بالنهر. لنرى كيف أن المقارنة التشبيهية بالنهر تساعدنا على فهم ما سيحدث لو سقطت في ثقب أسود. تخيّل أنك تعود للبحيرة وتجدها على حدود نهر بتيار جارف للغاية. إذا اقتربت كثيرًا من النهر ولم تقاوم، فسيسحبك التيار إلى النهر. ستجد نفسك تتحرك مع النهر وستزيد سرعتك تدريجيًا. قد تتعب من جرّ النهر لك وتقرر السباحة للعودة إلى البحيرة. ولكنك تلاحظ أنه كلما ابتعدت عن البحيرة، احتجت إلى السباحة بسرعة أكبر للعودة، كما تعتمد جهودك على مكان السيناريو، فالهروب من الكوكب (الجدول المائي) أسهل من الهروب من النجم (النهر) حيث يحتاج الأمر إلى بذل جهد أكبر. ولكن إذا كانت لياقتك البدنية جيدة، يمكنك دومًا النجاح في ذلك.

يكون التيار عند سيل الثقب الأسود أشدّ بكثير منه عند الكواكب (الجداول المائية) أو النجوم (الأنهار)، كما يتسم سيل الثقب الأسود بشيء آخر وهي أنه يكوّن شلالاً. عندما تقترب من الشلال، لا شيء يبدو غريبًا أو غير عادي، فسرعتك تستمر في الزيادة والمياه تحملك لأسفل باتجاه الجدول المائي. ولكن فور اجتياز الشلال، تجد العودة مستحيلة (شكل 2). وحتى لو سبحت بقوة كبيرة، لا يمكنك السباحة لأعلى الشلال، فالتيار قوي للغاية وسيدفعك بعيدًا دائمًا. ولا يمكن لأصدقائك مساعدتك أيضًا، فهم موجودون أعلى الشلال ولا يسمعونك أو يرونك وأنت بالأسفل.

شكل 2 - في هذه المقارنة التشبيهية بالنهر، يشبه أفق الحدث في ثقب أسود الشلال، فعندما تسقط من شلال، لا يمكنك السباحة لأعلى للعودة إلى القمة.
  • شكل 2 - في هذه المقارنة التشبيهية بالنهر، يشبه أفق الحدث في ثقب أسود الشلال، فعندما تسقط من شلال، لا يمكنك السباحة لأعلى للعودة إلى القمة.
  • وينطبق الأمر نفسه على الثقوب السوداء، إذ لا يمكنك العودة عندما تجتاز أفق الحدث.

يلاحظ الفيزيائيون ظاهرة مماثلة حول الثقوب السوداء، وهي أفق الحدث. تمامًا كما أن الشلال يمثل نقطة اللاعودة في سيناريو البحيرة الذي عرضناه، فإن أفق الحدث يمثل نقطة اللاعودة حول الثقب الأسود. وبدلاً من المياه، نجد أن الجاذبية هي ما سيسحبك للأسفل ويمنعك من العودة.

يمكنك تخيل أفق الحدث كسطح يحيط الثقب الأسود. فأي شيء خارج هذا السطح، بما في ذلك رواد الفضاء أو الصخور أو الضوء، يمكنه الهروب من الثقب الأسود. ولكن فور اجتياز هذا السطح، ما من شيء يمكنه الهروب مهما كانت سرعته، وهذا بسبب سحب الجاذبية الشديد باتجاه مركز الثقب الأسود. ولا حتى الضوء يمكنه الهروب على الرغم من أنه أسرع شيء في الكون. وبما أن الضوء لا يستطيع الهروب، ستعجز عن رؤية ما يحتويه أفق الحدث. يشبه الأمر أفق كوكب الأرض الذي تستحيل رؤية ما ورائه [5]. وهذا هو سبب انبهار الفيزيائيين الكبير بالثقوب السوداء، فهم يعرفون أن الأجسام تظل موجودة بعد اجتياز أفق الحدث ولكن ما من سبيل لهم لرصد ما يحدث بالضبط بسبب القوة الشديدة للجاذبية.

الخاتمة

في البداية، يبدو مفهوم الثقب الأسود وأفق الحدث كلغز محيّر. ولكن لحسن الحظ، تساعدنا المقارنة التشبيهية بالنهر في حل جزء من هذا اللغز. والمقارنات التشبيهية وسيلة مدهشة يستخدمها العديد من الفيزيائيين لفك طلاسم المفاهيم الفيزيائية المعقدة. من الناحية الرياضية، نجد أن هذه المقارنة التشبيهية بالنهر صحيحة [2]، ولكننا لا نحتاج إلى فهم رياضيات الزمكان حتى نستخدم المقارنة التشبيهية. بدلاً من دراسة معادلات الزمكان المعقدة، نتخيل الزمكان حول ثقب أسود كنهر. ثم نستكشف خواص الثقوب السوداء وآفاق الأحداث بتصوّر أنفسنا نسبح في هذا النهر ونسقط من شلال. بطبيعة الحال، قد يضللنا هذا التبسيط في بعض الأحيان ونحن نتابع التصوّر [1, 4]. ولهذا السبب على الفيزيائيين إدخال الرياضيات في مخيلتهم لفهم العالم المحيط فهمًا كاملاً. إذا عملت أنت على تدريب المخيلة الخاصة بك وكذلك مهاراتك في الرياضيات، فقد تحل ما تبقى من الألغاز الغامضة حول الثقوب السوداء التي ما زالت تحيّر الفيزيائيين اليوم.

مسرد للمصطلحات

الثقوب السوداء (Black Holes): منطقة موجودة في الزمكان (الزمان المكاني) تكون الجاذبية فيها قوية جدًا لدرجة أنه يستحيل حتى على الضوء الهروب منها. وتتوقع نظرية ألبرت أينشتاين للجاذبية وجود الثقوب السوداء.

المقارنات التشبيهية (Analogies): تصف المقارنات التشبيهية شيئًا ما بالنسبة لشيء آخر. ويستخدم العلماء هذه المقارنات حتى يستوعبون بشكل أفضل المفاهيم المعقدة ويشرحونها (على سبيل المثال، الثقوب السوداء) بمقارنتها وتشبيهها بأفكار مألوفة (الأنهار مثلاً).

النسبية العامة (General Relativity): هي نظرية أينشتاين حول الجاذبية التي تنص على أن المادة (الكواكب والنجوم وما إلى ذلك) تتحكم في شكل انحناء الزمكان وأن انحناء الزمكان يتحكم في شكل حركة المادة.

الجاذبية (Gravity): يشار إلى الجاذبية في الغالب على أنها قوة جذب بين الأجسام الضخمة، ولكن الفيزياء الحديثة تصف الجاذبية على أنها انحناء هندسة الزمكان.

الزمكان (Spacetime): نسيج الكون المؤلّف من عناصر الزمان والمكان المرتبطة. ويستخدم الفيزيائيون مصطلح الزمكان لوصف الأحداث الجارية في الكون.

أفق الحدث (Event Horizon): المنطقة المحيطة بثقب أسود والتي عندما يجتازها أي جسم، يستحيل عليه الابتعاد عن الثقب. الأمر مشابه للسقوط من شلال، إذ لا يمكن السباحة للأعلى.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.


المراجع

[1] Kersting, M., and Steier, R. 2018. Understanding curved spacetime - the role of the rubber sheet analogy in learning general relativity. Sci. Educ. 27:593–623. doi: 10.1007/s11191-018-9997-4

[2] Hamilton, A. J. S., and Lisle, J. P. 2008. The river model of black holes. Am. J. Phys. 76:519–32. doi: 10.1119/1.2830526

[3] Taylor, E. F., and Wheeler, J. A. 2000. Exploring Black Holes: Introduction to General Relativity. San Francisco, CA: Addison–Wesley Longman.

[4] Pössel, M. 2021. “Models and analogies in teaching general relativity,” in Teaching Einsteinian Physics in Schools, eds M. Kersting and D. Blair (New York, NY: Routledge). p. 145–59.

[5] Thorne, K. S. 1995. Black Holes & Time Warps. Einstein’s Outrageous Legacy. New York, NY: W.W. Norton & Company.