Frontiers for Young Minds

Frontiers for Young Minds
القائمة
مفاهيم أساسية علم الأعصاب وعلم النفس نشر بتاريخ: 20 نوفمبر 2023

التفكير المخالف للواقع: سؤال ''ماذا لو؟''

ملخص

هل شخصيتك حالمة؟ وإلى أي مدى؟ قد تتخيل أحيانًا أشياءً سخيفة، مثل معلّمك وهو يركب لعبة على شكل جرّار (عذرًا لو جاءت هذه الصورة في مخيلتك للتوّ)، ولكن بعض أفكارك الحالمة يمكن أن تكون أكثر واقعية. الكل، سواء كانوا بالغين أو أطفالاً، يجد نفسه يتخيل كيف كانت ستتغير الأحوال في حياتهم. وعند بذل بعض الجهد العقلي، نبتكر وندرس سيناريوهات مغايرة لما وقع بالفعل. وهذا النوع من التخيل يُسمى بالتفكير المخالف للواقع، وهو شائع ويخطر ببالنا في العادة عند تأمّل تجارب ماضية. من المثير للاهتمام أن تطبيق التفكير المخالف للواقع يمكن أن يعزز مهارات الاستدلال العلمي لدينا، ويساعدنا على اتخاذ قرارات أكثر ذكاءً. فدعونا إذًا نلقي نظرة على معلوماتنا الحالية حول التفكير المخالف للواقع وسبب كونه قوة عقلية خارقة وفريدة.

مقدمة حول التفكير المخالف للواقع

هل وجدت نفسك مرة مستغرقًا في التفكير، ومتسائلاً عما كان سيحلّ بحياتك لو تغيّرت الأحداث؟ كحال العديد من الناس، قد تجد عقلك يتخيل تجارب إيجابية أو ممتعة كنت ستمر بها لو ما وقع لك بالفعل لم يحدث. على سبيل المثال، ماذا لو انتقلت أسرتك إلى مكان بعيد قبل عدة سنوات؟ كنت ستلتحق بمدرسة أخرى وتكوّن صداقات مختلفة وربما تستكشف أماكن مدهشة أو تجرب هوايات رائعة. ما التأثير الذي كانت ستتركه فيك هذه التجارب اليوم؟ هذا مثال على التفكير المخالف للواقع، وهو الميل الطبيعي الذي تتخيّل فيه تغيرات في سيناريو الأحداث الماضية [1].

عندما يدرس علماء النفس التفكير المخالف للواقع، يحاولون الإجابة عن أسئلة حول كيفية استخدام البشر للخيال والسبب في استخدامه [2]. والعديد من العلماء يهتمون كثيرًا بفكرة أن الخيال لا يجمح بالكامل على عكس اعتقاد الكثير من الناس، بل يدفعنا لتصور أشياء مشابهة للواقع [2]. ويتم ذلك في العقل من خلال حذف أو إضافة تفاصيل إلى تجاربنا اليومية. ونظرًا لأن السيناريوهات التي نتخيلها تكون قريبة من الواقع في العادة، فالخيال بإمكانه إرشادنا إلى الخيارات التي ينبغي لنا اتخاذها في الواقع [3]. وهذا الارتباط بالحياة الواقعية يجعل التفكير المخالف للواقع موضوعًا بحثيًا في غاية الأهمية.

مَن الذي يستخدم التفكير المخالف للواقع؟ وكيف يتم ذلك؟

نعرف بالطبع أن البالغين يستخدمون التفكير المخالف للواقع بسهولة وبشكل متكرر، ولكن الباحثين شككوا ذات مرة فيما إذا كان الأطفال يمكنهم أيضًا الانخراط في التفكير المخالف للواقع، فما السبب؟ السبب أنه يتطلب بذل قدر كبير من طاقة الدماغ ويحتاج إلى مهارات تزداد قوة مع تقدمنا في العمر. فمن جانب، يستخدم التفكير المخالف للواقع الوظائف التنفيذية في الدماغ التي تراقب أفكارنا وسلوكياتنا وتتحكم فيها لمساعدتنا على تحقيق أهدافنا [4]. فعند التفكير بشكل مخالف للواقع، تتأكد الوظائف التنفيذية من أننا نتجاهل أفكارنا حول ما حدث حتى نستطيع التركيز على تخيل احتمالات جديدة [4]. وبما أن الوظائف التنفيذية تواصل التطور حتى الدخول في مرحلة البلوغ [4]، فقد يحدث المثل لمهارات التفكير المخالف للواقع لدينا. تشارك الذاكرة العرضية [1] أيضًا في التفكير المخالف للواقع، فهي تخزّن ذكرياتنا عن الأحداث التي وقعت في حياتنا. وعند استخدام الذاكرة العرضية، يمكننا تذكر معلومات حول السيناريوهات التي مررنا بها وتصوّرها. قد يواجه الأطفال الصغار صعوبة في تذكر أحداث من الماضي، ما يعني أن الذاكرة تستغرق بعض الوقت حتى تكون قوية بما يكفي لاستخدامها إلى جانب الخيال. وتُعد الوظائف التنفيذية والذاكرة العرضية من المهارات المعقدة التي يصعب على الدماغ إتقانها والتوفيق بينها.

تم إجراء أبحاث مختبرية في جامعة تورونتو، وثبت فيها أن الأطفال بعمر 4 و5 سنوات يمكنهم التفكير بشكل مخالف للواقع كالبالغين إذا لم تكن المهمة شديدة التعقيد [5]. في هذه الدراسة، عرضنا على أطفال بعمر 3 و4 و5 سنوات جهازًا بسيطًا يضيء عند وضع مكعبات خضراء أو زرقاء أعلاه. أما عند وضع مكعبات حمراء أعلى الجهاز، فلا يحدث أي شيء. وبعد أن تعلّم الأطفال ما يقوم به كل مكعب، وضعت إحدى الباحثات مكعبين على الصندوق في الوقت نفسه وسألتهم عما كان سيحدث لو لم تضع مكعبًا معينًا بالأعلى.

اختبار مهاراتك في التفكير المخالف للواقع

هل يمكنك تقمص دور أحد مشاركينا بالنظر إلى شكل 1؟ في شكل 1A، تضع الباحثة مكعبًا أخضر وآخر أزرق على الجهاز، فيضيء. تذكّر أن وضع هذين المكعبين يؤدي إلى إضاءة الجهاز، والآن فكّر في هذا السؤال المخالف للواقع، ما الذي كان سيحدث لو لم تضع الباحثة المكعب الأخضر على الجهاز؟ هل كان الجهاز سيضيء على أي حال؟

شكل 1 - في الدراسة التي أجريناها، رأى الأطفال أولاً زوجًا من المكعبات يتم وضعهما على جهاز فيضيء.
  • شكل 1 - في الدراسة التي أجريناها، رأى الأطفال أولاً زوجًا من المكعبات يتم وضعهما على جهاز فيضيء.
  • في أحد الأمثلة، رأى الأطفال المكعبين الأزرق والأخضر موضوعين على الجهاز [تمامًا كما في (A)]، في حين رأى الأطفال في مثال آخر المكعبين الأحمر والأخضر موضوعين على الجهاز [تمامًا كما في (B)]. يؤدي وضع المكعبين الأزرق والأخضر إلى إضاءة الجهاز، على عكس المكعب الأحمر. في كلتا الحالتين، سألنا الأطفال عما كان سيحدث لو لم يتم وضع المكعب الأخضر على الجهاز.

لنجرّب شكل 1B في المرة التالية حيث تضع الباحثة مكعبًا أخضر وآخر أحمر على الجهاز. تذكّر أن المكعبات الخضراء تضيء الجهاز، على عكس المكعبات الحمراء. والآن أعد التفكير في نفس السؤال المخالف للواقع، ما الذي كان سيحدث لو لم تضع الباحثة المكعب الأخضر على الجهاز؟ هل كان الجهاز سيضيء على أي حال؟

في شكل 1A (مكعب أخضر + مكعب أزرق)، قلت على الأرجح إن الجهاز كان سيضيء، ولكن مع شكل 1B (مكعب أخضر + مكعب أحمر)، ربما كانت إجابتك أن الجهاز لم يكن ليضيء لو لم تضع الباحثة المكعب الأخضر عليه. في دراستنا، وجدنا أن الأطفال بعمر 4 و5 سنوات قدّموا إجابة صحيحة عن هذين السؤالين، على عكس الأطفال بعمر 3 سنوات. قد تبدو هذه المهمة سهلة لك، ولكنها أصعب بالنسبة للأطفال الصغار، فعليهم تذكّر ما حدث (باستخدام الذاكرة العرضية)، ولكن مع تجاهل معرفتهم بالمكعب الأخضر (باستخدام الوظائف التنفيذية) للتوصل إلى إجابة. إن قدرة طفل بعمر 4 سنوات على الإجابة عن هذين السؤالين تثبت أن بإمكانه التفكير في السيناريوهات البسيطة المخالفة للواقع. ويستمر نمو هذه القدرات مع تقدّم الأطفال في العمر، ويصبح بإمكانهم التفكير في أحداث واقعية متزايدة في التعقيد، على سبيل المثال ما الذي ستؤول إليه حياتك لو انتقلت إلى مكان آخر جديد.

متى نستخدم التفكير المخالف للواقع ولماذا؟

ما زال علماء النفس يحاولون معرفة المزيد حول سبب انخراط البشر في التفكير المخالف للواقع، وما زالت المناقشات دائرة بينهم حول ذلك. في بعض الأحيان، نستخدم التفكير المخالف للواقع لمجرد إرضاء فضولنا، بتصور ''ماذا لو؟'' كتجربة عقلية صغيرة [2]. قد نتخيل أنفسنا نحصل على إفطار مفاجئ من فطائر البان كيك بالتوت بدلاً من وجبة الشوفان المعتادة، أو قد نتصور رد فعلنا لو وجدنا عنكبوت على الملعقة قبل تناول قضمة من الطعام. في أحيان أخرى، قد نستخدم التفكير المخالف للواقع بطريقة تساعدنا على اكتشاف سبب ونتيجة الأحداث [5]، تمامًا كما يفعل العلماء عند ابتكار الفرضيات وتصميم التجارب. يمكننا تخيل كيف أن رؤية عنكبوت على الملعقة سيتسبب في إسقاطنا الطعام على الأرض، وتكون النتيجة فوضى في الغرفة. ومن خلال تصوّر هذا السيناريو المخالف للواقع، يمكننا تحفيز مهارات الاستدلال العلمي [2]، الأمر الذي يوصّلنا إلى فرضية أن العناكب على الملاعق تصيب الناس دائمًا بالذعر والخوف، ما قد يؤدي إلى تناثر الطعام على الأرض. (بالمناسبة، لا ننصح بتجربة ذلك على أصدقائك.) توضّح هذه الأمثلة أننا لا نفكر بشكل مخالف للواقع لمجرد الهروب من حياتنا الواقعية، بل هو أداة مدهشة يمكننا استخدامها لإنشاء روابط في حياتنا ولفهم العالم من حولنا بصورة أفضل.

يمكن أيضًا أن يساعدنا التفكير المخالف للواقع على التعلم من أخطائنا السابقة. فقد اكتشف علماء النفس أن الأفكار المخالفة للواقع تطرأ في الأغلب عندما يتذكر الناس شيئًا سلبيًا حدث لهم، وعلى وجه الخصوص لو كانوا مثلاً يشعرون بالندم أو الذنب تجاه شيء قاموا وبه وأدى بهم إلى ذلك الوضع [3]. حاوِل تذكر تجربة سلبية مررت بها، مثل إيذاء مشاعر صديق بدون قصد أو إهمالك في الاستعداد لاختبار في المدرسة (كما في شكل 2). قد تشعر بالندم بمجرد التفكير في هذه اللحظة…وهكذا يبدأ تفكيرك المخالف للواقع. ستفكر على الأرجح فيما كان يجدر بك قوله أو فعله لتجنب هذه النتيجة السلبية.

شكل 2 - مثال عملي على التفكير التكيفي المخالف للواقع: تفكّر فتاة في الماضي عندما كان عليها اختبار ولم تكن مستعدة له.
  • شكل 2 - مثال عملي على التفكير التكيفي المخالف للواقع: تفكّر فتاة في الماضي عندما كان عليها اختبار ولم تكن مستعدة له.
  • ثم تفكّر فيما كان عليها فعله للنجاح في الاختبار، وتضع خططًا لتغيير سلوكها في المستقبل. هل فكرت مرة في شيء من الماضي تمنيت لو سار بشكل مختلف وغيّرت بناءً على ذلك خططك المستقبلية؟

إذًا، من خلال تخيّل طرق لتحقيق نتائج أكثر إيجابية، يمكن للبشر البقاء بصحة أفضل مع قدر أكبر من السعادة [3]. معنى هذا أن التفكير المخالف للواقع قد يكون سمة تكيفية، تساعدنا على الازدهار في البيئة التي نحيا فيها. هل يمكنك تخيّل كيف ستكون الحياة لو لم ينعم البشر بسمة التفكير المخالف للواقع؟ إن تخيّل احتمالات مخالفة للواقع لا يساعدنا فقط على استكشاف بدائل ممتعة لحياتنا الواقعية، بل هو أيضًا قوة عقلية خارقة تعدّنا لمستقبل أكثر إشراقًا في العالم الواقعي. لذا واصل الحلم، فأحلام اليقظة قد تعلّمك دروسًا مهمة وتدفعك للتصرف بطرق أكثر تكيفًا، بشرط ألا تكون كل أحلامك المخالفة للواقع هي لأشياء تافهة أو فطائر بان كيك.

إقرار

قدّم مجلس الأبحاث في العلوم الاجتماعية والإنسانية التابع للحكومة الكندية (SSHRC) الدعم إلى AN و Patricia A. Ganea في كتابة هذا المقال من خلال منحة تطوير الإحصاءات. وتشكر المؤلفتان فريق مختبر اللغة والتعلّم على كلماتهم التحفيزية، كما تشكران ''ليام هول'' على تصميم الأشكال.

مسرد للمصطلحات

التفكير المخالف للواقع (Counterfactual thinking): هو تخيّل ما ستؤول إليه الأحداث السابقة لو سارت بشكل مختلف. ويمارس الناس التفكير المخالف للواقع عند تأمل تجاربهم وتخيّل تغيير في السيناريو وتصوّر كيف سيتحوّل الوضع بسبب هذا التغيير.

الوظائف التنفيذية (Executive functions): مجموعة من المهارات العقلية التي تساعدنا في التركيز وتوجّه أفكارنا وتصرفاتنا بهدف إكمال المهام.

الذاكرة العرضية (Episodic memory): قدرة الدماغ على تخزين معلومات عن الأحداث الماضية نستخدمها لتذكر ما وقع في حياتنا.

السبب والنتيجة (Cause and effect): العلاقة بين حدثين عندما ينتج حدث ما عن الآخر.

الاستدلال العلمي (Scientific reasoning): استخدام التفكير المنطقي ومهارات حل المشاكل لابتكار واختبار أسئلة/نظريات علمية.

تكيفية (Adaptive): تدعم سلامة ووظائف كائن ما، سواء كان حيوانًا أو إنسانًا.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.


المراجع

[1] De Brigard, F., and Parikh, N. 2019. Episodic counterfactual thinking. Curr. Dir. Psychol. Sci. 28:59–66. doi: 10.1177/0963721418806512

[2] Byrne, R. M. J. 2016. Counterfactual thought. Annu. Rev. Psychol. 67:135–57. doi: 10.1146/annurev-psych-122414-033249

[3] Roese, N. J., and Epstude, K. 2017. The functional theory of counterfactual thinking: new evidence, new challenges, new insights. Adv. Exp. Soc. Psychol. 56:1–79. doi: 10.1016/bs.aesp.2017.02.001

[4] Beck, S. R., Riggs, K. J., and Gorniak, S. L. 2009. Relating developments in children’s counterfactual thinking and executive functions. Think. Reason. 15:337–54. doi: 10.1080/13546780903135904

[5] Nyhout, A., and Ganea, P. A. 2019. Mature counterfactual reasoning in 4- and 5-year-olds. Cognition. 183:57–66. doi: 10.1016/j.cognition.2018.10.027