مفاهيم أساسية التنوع الحيوي نشر بتاريخ: 29 مايو 2024

كيف تتحدث النباتات مع بعضها البعض؟

ملخص

عندما نفكر في النباتات، لا نتخيلها عادةً وهي «تتحدث» مع بعضها البعض. ولكنها بالتأكيد يمكنها أن تتواصل بعدة طرق مختلفة. فمنذ أكثر من قرن من الزمان، أشار عالم الأحياء تشارلز داروين إلى أن النباتات لها بنية تشبه الدماغ عند كُمات جذورها! في هذه الحالة، كانت فرضية الدماغ الجذرية التي اقترحها داروين خاطئة، غير أن الأبحاث الأكثر حداثة توضح لنا أن النباتات يمكنها أن تتواصل. فهي تتحدث مع النباتات الأخرى ومع الحيوانات وحتى مع الناس. وهي تفعل هذا في المقام الأول باستخدام المواد الكيميائية والصوت.

مقدمة

تستلزم جميع أشكال التواصل بين الكائنات الحية تبادل المعلومات (الإشارات) بين أطراف التواصل. ونحن نعرف أن الحيوانات تتواصل دائمًا مع بعضها البعض أثناء تنقلها في موائلها. فكِّر في تغريد العصافير أو زئير الأسود. وفي المقابل، غالبًا ما يُنظر إلى النباتات على أنها كائنات حية غير متحركة وعاجزة عن هذا الشكل من أشكال التواصل. وقد كان تشارلز داروين من أوائل العلماء الذين اعترضوا على هذه الفكرة.

أبحاث داروين المبكرة حول سلوك النبات

وفي ثمانينيات القرن التاسع عشر، أجرى تشارلز داروين وابنه فرانسيس سلسلة من التجارب على الجذور أوضحت أن كُمة الجذر هي أهم جزء في النبات. فكُمات الجذور تحس بالمحفزات مثل الضوء والجاذبية والمواد الكيميائية والصوت. وتنقل كُمة الجذر الرسائل التي تؤدي دور الإشارات التي تفعِّل عمليات على غرار النمو والحركة الاتجاهية وإنتاج الغازات الخاصة وإطلاقها. وهي عمليات شبيهة بما تقوم به أدمغة الحيوانات والبشر، لذا اقترح داروين وابنه أن كُمة الجذر يمكنها أن تؤدي وظيفة «دماغ» النبات (شكل 1). وها هي بعض الكلمات التي صرحوا بها:

ليس من قبيل المبالغة أن نقول إن كُمة الجذير [وهو الجذر الصغير]... لديها القدرة على توجيه حركات الأجزاء المجاورة -أي تتصرف مثل الدماغ... واستقبال الانطباعات من أعضاء الحواس وتوجيه الحركات المتعددة[1].

شكل 1 - أشار داروين إلى أن ذكاء النبات يُحتفظ به في «دماغ» النباتات الموجودة في كُمات الجذور، مثل الأشخاص المقلوبين رأسًا على عقب أو الحيوانات الأخرى.
  • شكل 1 - أشار داروين إلى أن ذكاء النبات يُحتفظ به في «دماغ» النباتات الموجودة في كُمات الجذور، مثل الأشخاص المقلوبين رأسًا على عقب أو الحيوانات الأخرى.
  • وقد اعتقد أن الغرض من الاحتفاظ بـ«دماغ» النبات تحت الأرض هو حمايته. وفي حين أن هذه الفرضية كانت غير صحيحة، فقد أوضحت الأبحاث الأخرى أن النباتات يمكنها التواصل.

وأوضح تشارلز داروين أيضًا أهمية المواد الكيميائية بوصفها إشارات تواصل في النباتات. وقد استُمدت بعض أقدم التقارير بشأن الإشارات الكيميائية في النبات من تجاربه في سبعينيات القرن التاسع عشر. كما أظهر داروين أن المواد القابلة للذوبان التي تُنتج عند طرف البراعم النامية لشتلات الشعير قد نُقلت من خلال السيقان، حيث تسببت في انقسام الخلايا وانحناء الساق. ونحن نعرف الآن أن هذه الإشارات الكيميائية هي هرمونات تُسمى الأوكسينات، تنتقل في جميع أنحاء أجسام النباتات وتضطلع بالعديد من الأدوار المهمة في نمط تطورها وشكلها العام.

المواد الكيميائية والصوت هما وسيلتا التواصل لدى النباتات

كانت إحدى الأفكار التي توصل إليها داروين هي أن النباتات كائنات نشيطة للغاية. ونحن نعرف الآن أن النباتات مُثبّتة عادةً في مكان واحد بواسطة أنظمة جذورها، ومع ذلك فهي لا تزال قادرة على الحركة. فمثلًا، إذا استخدمنا أجهزة قياس متطورة، يمكننا أن نلاحظ أن أوراق النباتات وجذورها ومحالقها في حركة إيقاعية ثابتة لأنها تستجيب للعوامل الخارجية مثل ضوء النهار والجاذبية ودرجة الحرارة والماء والمغذيات والتهديدات. فالنباتات لا تتحرك بطريقة عشوائية، بل بطريقة مقصودة. فهي تتحرك لاكتشاف المعلومات الرئيسية عن بيئاتها وللاستجابة بطريقة مناسبة وتوصيل هذه المعلومات للنباتات الأخرى باستخدام إشارات سهلة الفهم.

وعلى عكس الحيوانات، تظل النباتات عادةً في مكان واحد طوال حياتها (ما عدا الجذور، التي يمكنها أن تتحرك في جميع أنحاء التربة)، ولكن في بعض الأحيان قد يكون هذا الموقع بعيدًا عن المثالية. فمثلًا، قد يكون ثمة القليل من الضوء أو الماء، أو القليل جدًا من المغذيات اللازمة لنمو النباتات بفعالية.

وقد تكون النباتات المنافِسة موجودة بالفعل لمزاحمة النبات الجديد أو قد تهاجمه الآفات ومسببات الأمراض، ناهيك عن حيوانات الرعي. ومن ناحية التطور، من المنطقي أن يرسل النبات الذي يواجه هذه التهديدات إشارة بالمحنة التي يمر بها إلى النباتات الأخرى، حتى يمكنها تجنب المخاطر أو الدفاع عن أنفسها بصورة أفضل ضد التهديدات. وتوضح الأبحاث الحديثة أن أهم طريقتي تواصل يستخدمهما النبات هما المواد الكيميائية والصوت.

الإشارات الكيميائية - أهمية المُركّبات العضوية المتطايرة

المُركّبات العضوية المتطايرة هي النوع الأكثر شيوعًا من الإشارات الكيميائية التي تطلقها النباتات. وهي عبارة عن جزيئات صغيرة تُطلق في شكل غازات تنتشر بسهولة عبر الهواء، بعيدًا عن النبات الذي ينتجها. وتشبه بعض هذه المُركّبات العضوية المتطايرة النباتية كيميائيًا الفيرومونات التي تستخدمها العديد من الحيوانات. فمثلًا، يخضع عالم النمل إلى حد كبير إلى تحكم الفيرومونات التي تسمح للنمل بإيجاد الطعام والتعرّف على رفاقه في العش. ويُطلق على أحد أكثر المُركّبات العضوية المتطايرة النباتية شيوعًا اسم ميثيل جاسمونيت، الذي تنتجه النباتات التي تتعرض للهجوم وتطلقه (شكل 2). يتكوّن مركّب ميثيل جاسمونيت داخل النبات المصاب، مثلًا عندما يحاول حيوان أكله. وبمجرد إطلاق النبات المهاجم للميثيل جاسمونيت، ينتقل المّركّب عبر الهواء إلى الأجزاء غير التالفة من النبات نفسه وإلى النباتات المجاورة، حيث يفعِّل آليات الدفاع لدى الجيران غير المُعرضين للهجوم. ومن الُمركباّت العضوية المتطايرة ذات الصلة بالدفاع التي تنتجها النباتات ساليسيلات المثيل، والتي تشبه كيميائيًا مسّكِن الآلام البشري، الأسبرين.

شكل 2 - تستطيع النباتات حماية جيرانها من خلال التواصل معهم.
  • شكل 2 - تستطيع النباتات حماية جيرانها من خلال التواصل معهم.
  • فمثلًا، عندما يتعرض نبات لهجوم يسروع، يرسل النبات رسائل تحذير إلى جيرانه من النباتات، ويطلب منهم تعزيز أنظمة دفاعهم. وقد تكون رسائل التحذير في شكل روائح أو أصوات.

تطلق النباتات المُركّبات العضوية المتطايرة في الهواء لتنبيه جيرانها إلى التهديدات، وتستجيب النباتات المجاورة لهذه الإشارات من خلال الاستعداد للدفاع عن نفسها حتى قبل مهاجمتها.

فمثلًا، ستبدأ النباتات التي تكتشف المُركّبات العضوية المتطايرة في إنتاج مُركّبات مضادة للفطريات أو سموم مضادة للحشرات في غضون ثوانٍ لحماية أنفسها. وفي بعض الحالات، يمكن للمُركّبات العضوية المتطايرة الانتقال لمسافات طويلة تحت الأرض من خلال نظام الجذور. ويعني هذا أن النباتات يمكنها تحفيز الخلايا الجذرية لشّن استجابات دفاعية ضد غزو الفطريات أو البكتيريا في التربة. وتُطلق المُركّبات العضوية المتطايرة الأخرى من الخلايا الجذرية لجذب الفطريات أو البكتيريا المفيدة. ومن الأمثلة على هذه الفطريات والبكتيريا، الفطريات التي تساعد جذور النباتات على امتصاص مغذيات التربة بمزيد من الكفاءة، أو البكتيريا التي تحوِّل غاز النيتروجين من الغلاف الجوي إلى مغذيات تساعد النباتات على النمو بصورة أسرع. ومن ثمّ، تستخدم النباتات مُركّبات عضوية متطايرة معينة لتحذير جيرانها من التهديدات، في حين تسمح المُركّبات العضوية المتطايرة الأخرى للنباتات بجذب المزيد من الكائنات الحية المفيدة.

الإشارات الصوتية

نستخدم -نحن البشر- الموجات الصوتية للتواصل مع بعضنا البعض، غير أن الأذن البشرية لا يمكنها اكتشاف جميع الموجات الصوتية. ومن الخصائص الرئيسية للموجات الصوتية ترددها، الذي يُقاس بالهرتز. ولا يمكن أن يسمع البشر سوى الترددات الصوتية التي تتراوح من 20 إلى 20,000 هرتز. وتُسمى الأصوات ذات الترددات التي تقل عن 20 هرتز عادةً دون صوتية، في حين تُسمى الأصوات ذات الترددات التي تزيد عن 20,000 هرتز فوق صوتية.

وعادةً ما تكون الإشارات الصوتية التي تستخدمها النباتات بتردد يتعذر على الأذن البشرية سماعه، ولكن يمكن أن تلتقطها النباتات الأخرى والحيوانات [2]. وفي البرية، قد تتمكن النباتات من النمو جيدًا مع بعض الجيران دون البعض الآخر [3]. فعلى سبيل المثال، أوضحت دراسة أُجريت في أستراليا في عام 2013 جليًا التأثيرات المفيدة لنباتات الريحان على نمو نباتات الفلفل الحار، وهو ما يؤكد ما لاحظه العديد من البستانيين سابقًا في حدائقهم. في حين يقل نمو الفلفل الحار في وجود نباتات الشمر. يخّمن هؤلاء المؤلفون أن الاهتزازات الدقيقة في خلايا كل نبات قد تنتج «أصواتًا» ذات ترددات يمكن للنباتات الأخرى اكتشافها، وتخبرها بما إذا كانت تنمو بالقرب من جار «سيء» أم «جيد» [4].

وفي تجارب أخرى، اتضح أن جذور الذرة الصغيرة تصدر أصوات طقطقة بسيطة في الطرف الأدنى من نطاق السمع البشري (حوالي 220 هرتزًا). وعندما عُلقت الجذور في الماء حتى تتمكن من الحركة بسهولة أكبر، انحنت نحو هذه الأصوات. وتتضمن الأصوات الأخرى ما يبدو مثل انفجارات الفقاعات الغازية في أنسجة نسيج خشب النباتات، ولكن هذه موجات فوق صوتية لا تكتشفها سوى الحشرات وبعض الحيوانات الأخرى، لذا ربما تتواصل هذه النباتات مع الحيوانات [5]. وتُعد تقنية سماع انفجار فقاعات النباتات في الواقع بسيطة للغاية. فأجهزة الاستشعار الصوتية المُصممة لاكتشاف الشقوق في الجسور والمباني يمكنها التقاط الفرقعات الفوق صوتية.

وقد أوضح باحثون في الصين أن بإمكانهم زيادة المحاصيل النباتية من خلال بّث موجات صوتية ذات ترددات معينة. ومن ثمّ، قد تنطوي نصيحة البستاني القديم بالتحدث إلى نباتاتك على بعض الحقيقة. وعلاوةً على ذلك، درس باحثون آخرون كيف تؤدي الترددات المختلفة وشدة الأصوات إلى تغيير التعبير الجيني للنباتات. وتوضح النتائج التي توصلوا إليها أن الاهتزازات الصوتية تؤثر حقًا في التفاعلات الكيميائية الأساسية التي تحدث داخل الخلايا النباتية.

أهمية تواصل النباتات

خلاصة القول إن النباتات لديها قدرة رائعة على التواصل. فهي تواصل إطلاق الكثير من المعلومات المفيدة في البيئة، خاصةً باستخدام المواد الكيميائية والأصوات. ولقد بدأنا للتو في فهم كيفية إنتاج هذه المعلومات وكيف تلتقطها النباتات والحيوانات الأخرى بعد ذلك وتستخدمها لمنفعتها الخاصة. لذلك، في المرة القادمة التي تطأ فيها بعض العشب أو تقطف زهرة، تذكّر أن النبات المصاب المسكين ربما يصرخ لجيرانه في هذه اللحظة؛ ولكننا -نحن البشر- لا يمكننا سماعه.

مسرد للمصطلحات

كُمة الجذر (Root tip): هي الطرف المتنامي للجذر أو «قمته»، المعروف أيضًا بـ«غطاء الجذر».

الأوكسين (Auxin): هو هرمون نباتي يحفِّز نمو الساق أو تقوسه.

مسببات الأمراض (Pathogens): هي الكائنات الحية التي تُسبب الأمراض.

المُركّبات العضوية المتطايرة [Volatile organic compounds (VOCS)]: هي المُركّبات الغازية التي تؤدي دور المرسال الكيميائي بين الكائنات الحية.

الفيرومونات (Pheromones): هي مواد كيميائية تفرزها بعض الحيوانات تساعدها في التواصل مع الحيوانات الأخرى من نوعها.

التردد (Frequency): هو عدد مرات وقوع حدث متكرر لكل وحدة زمنية. ويُقاس التردد بالهرتز الذي يساوي حدثًا واحدًا في الثانية.

الموجات دون الصوتية (Subsonic): هي موجات صوتية بتردد <20 هرتز. ولا يستطيع البشر سماع هذه الترددات.

الموجات فوق الصوتية (Ultrasonic): هي موجات صوتية بتردد أكثر من 20,000 هرتز. ولا يستطيع البشر سماع هذه الترددات.

نسيج الخشب (Xylem): هو شبكة من «الأنابيب» الدقيقة في النباتات تنقل الماء والمعادن من الجذور إلى باقي أجزاء النبات.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.

إقرار

يتوجه المؤلفون بشكر خاص لباسل الكانجو، الطالب الذي احتل المركز الأول في مسابقة أولمبياد الأحياء السوري لعامي 2020 و2021 والحاصل على الميدالية البرونزية في تحدي الأولمبياد العالمي لعلم الأحياء لعام 2021 على قراءته النقدية للمقال. ونتوجه بالشكر أيضًا لهيئة التميز والإبداع (https://dca-net.org) لدعم الأنشطة العلمية لعلماء الأحياء الشباب من خلال توجيهات الهيئة الوطنية للأولمبياد العلمي السوري.


المراجع

[1] Baluska, F., Mancuso, S., Volkmann, D., and Barlow, P. W. 2009. The “root-brain” hypothesis of Charles and Francis Darwin: revival after more than 125 years. Plant Signal Behav. 4:1121–7. doi: 10.4161/psb.4.12.10574

[2] Hemachandran, H., Doss, C., and Siva, R. 2017. Plant communication: an unresolved mystery. Curr. Sci. 112:1990–1.

[3] Fernandez-Jaramillo, A. A., Duarte-Galvan, C., Garcia-Mier, L., Jimenez-Garciad, S. N., and Contreras-Medina, L. M. 2018. Effects of acoustic waves on plants: an agricultural, ecological, molecular and biochemical perspective. Scientia Horticult. 235:340–8. doi: 10.1016/j.scienta.2018.02.060

[4] Gagliano, M., and Renton, M. 2013. Love thy neighbour: facilitation through an alternative signalling modality in plants. BMC Ecol. 13:19. doi: 10.1186/1472-6785-13-19

[5] Lopez-Ribera, I., and Vicient, C. M. 2017. Drought tolerance induced by sound in Arabidopsis plants. Plant Signal Behav. 12:e1368938. doi: 10.1080/15592324.2017.1368938