ملخص
تشكّل جسيمات البلاستيك المأخوذة من مواد التغليف ومنتجات العناية الشخصية والملابس الاصطناعية والعديد من الاستخدامات الأخرى خطرًا محتملًا على صحة المحيط. يمكن أن تطفو جسيمات البلاستيك الدقيقة والخفيفة على سطح البحر لمدة طويلة. ويُعد سطح البحر مكانًا ذا طبيعة خاصة: فهو غني بالمركّبات الكيميائية التي تنتجها الكائنات البحرية بالأسفل. وفي بعض الأحيان تجعل هذه المواد سطح البحر يبدو كطبقة لامعة أغمق أو أكثر إشراقًا. يربط سطح البحر أيضًا المحيط بالغلاف الجوي ويتحكم في التبادلات المهمة بين هذين النظامين، بما في ذلك تدفق الأكسجين، الذي هو عنصر أساسي للحياة، وتدفق ثاني أكسيد الكربون، وهو أحد الغازات الرئيسية المسؤولة عن تغير المناخ. وقد تؤدي جسيمات البلاستيك إلى زيادة كمية المُركّبات الكيميائية في طبقة سطح البحر، لأن الكائنات الحية الدقيقة البحرية (مثل البكتيريا) قد تكون أكثر إنتاجية في وجود جسيمات البلاستيك مقارنةً بإنتاجيتها في البيئات الخالية من البلاستيك. ومن الممكن أن ينجم عن زيادة الإنتاجية والنشاط البكتيري انخفاض في المحتوى الأكسجيني في الماء. ولقد أجرينا تجربة بسيطة لاستكشاف هذه الآلية.
سطح المحيط
إذا كنت تقضي يومًا هادئًا على البحر ونظرت إلى الماء من مسافة بعيدة فربما تلاحظ سطحًا زجاجيًا لامعًا. يبدو هذا أحيانًا وكأن ثمة غشاء من الزيت فوق الماء. وقد تبدو هذه البقع أغمق أو أفتح من الماء من حولها. وعندما يكون ثمة عدد قليل من الأمواج وتكون الشمس مشرقة وليس هناك الكثير من الرياح، قد يبدو سطح البحر كمرآة عاكسة مصقولة.
يتكوّن المحيط من مناطق مختلفة، وللطبقة السطحية خصائص خاصة تجعلها مختلفة عن الماء الموجود على بُعد بضعة سنتيمترات فقط بالأسفل. لكن المحيط يحتوي على كمية هائلة من المياه، من السطح نزولًا إلى القاع. ولكن لماذا يجب أن تكون هذه الطبقة السطحية الرقيقة مثيرة للاهتمام، إذا كانت لا تمثل سوى حيزًا صغيرًا من المحيط بأكمله؟ إليكم السر وراء الأهمية البالغة لهذه الطبقة الرقيقة. يغطي المحيط ما يقرب من 70% من سطح الأرض. ويعني هذا أن 70% من سطح الأرض هو سطح المحيط [1]. ولسطح المحيط مكانة مهمة، لأنه يربط بين نظامين: الماء والهواء. ولما كان سطح البحر يقع في المنتصف، فهو يتوسط جميع التبادلات بين المحيط والغلاف الجوي. ونحن نعتقد أن طبقة سطح البحر قد تكون بالغة الأهمية أيضًا لمناخ العالم. ولفهم السبب، دعونا نرجع خطوة إلى الوراء ونلقي نظرة على دورة الحياة في المحيط.
الحياة المجهرية في المحيط: دورة الكربون
العوالق النباتية والبكتيريا هي كائنات بحرية صغيرة تدعّم جميع أشكال الحياة في المحيط. ومع وجود ضوء الشمس وثاني أكسيد الكربون فقط، تستطيع العوالق النباتية إنتاج السكريات. تُسمى هذه العملية عملية التمثيل الضوئي. تحتوي السكريات على ذرات كربون وهيدروجين ولذلك تسمى الكربوهيدرات. والكربوهيدرات هي اللبنات الأساسية للكائنات الحية. وتنتج العوالق النباتية أيضًا الأكسجين (الشكل 1). وهذه المخلوقات الدقيقة الشبيهة بالنباتات الموجودة في المحيط هي مصدر 70% من الأكسجين الذي نتنفسه. تتناول البكتيريا الكربوهيدرات والأكسجين اللذين تنتجهما العوالق النباتية وتحولهما. وفي هذه العملية، تعيد البكتيريا ثاني أكسيد الكربون إلى الماء وسطح البحر وأخيرًا الغلاف الجوي.
وتعتمد جميع أشكال الحياة البحرية -من الميكروبات الدقيقة إلى الحيتان الكبيرة- على هذه الدورة، المعروفة باسم الدورة الجيوكيميائية للكربون. وفي الظروف المثالية، يكون إنتاج الأكسجين وثاني أكسيد الكربون واستهلاكهما متوازنين. وتنتج العوالق النباتية والبكتيريا المُركّبات الكيميائية «الجيدة» المصنوعة من الكربون، التي تُسمى المادة العضوية وتحولها. تتراكم هذه المادة العضوية بتركيزات عالية على سطح البحر، حيث تكون غذاءً للبكتيريا. ويمكن للبكتيريا العيش والنمو على سطح البحر عندما تكون ثمة تركيزات عالية من المادة العضوية. وكلما زادت المادة العضوية، زاد نشاط البكتيريا. ونتيجة لذلك، يُستهلك المزيد من الأكسجين ويُطلق المزيد من ثاني أكسيد الكربون عند السطح البيني للجو والبحر [2].
البلاستيك على سطح البحر
لسوء الحظ، ثمة مواد «سيئة» على سطح البحر أيضًا. ينشأ معظمها من التلوث الناجم عن الأنشطة البشرية، وأكثرها شيوعًا هو البلاستيك. يؤدي البلاستيك دورًا أساسيًا في حياتنا اليومية. بيد أن العديد من المواد البلاستيكية ذات الاستعمال الواحد التي نستخدمها، مثل الأكياس البلاستيكية وأكواب الوجبات الجاهزة وأغطيتها والماصّات البلاستيكية ينتهي بها المطاف في البحر، في مكان لا يجب أن تنتمي إليه. وقد كانت المواد البلاستيكية تتدفق بالفعل في المحيط منذ ما يقرب من 50 عامًا [3]. وعادةً ما تكون المواد البلاستيكية الموجودة على سطح البحر جسيمات خفيفة وصغيرة (بطول أقل من 5 مم) يُطلق عليها اسم الجزيئات البلاستيكية الدقيقة، التي تطفو في هذا الحيز البحري لفترة طويلة. ويأتي معظم هذه الجزيئات البلاستيكية الدقيقة من تفتيت الأجزاء الأكبر حجمًا من خلال تأثير الشمس والأمواج وحتى مضغ الحيوانات البحرية لها. تصل ألياف الجزيئات البلاستيكية الدقيقة إلى الشاطئ من خلال المياه التي تصرفها الغسالات المنزلية عند تعبئتها بملابس اصطناعية. وقد تُصرف بعض المواد البلاستيكية أو تضيع في البحر بدون قصد، مثل شبكات الصيد. غير أن ما يربو على 80% من البلاستيك الموجود في المحيط مصدره اليابسة: الأنهار والمنازل والنفايات التي يتم التخلص منها بطريقة غير صحيحة.
لنتخيل معًا ما يحدث على سطح البحر: لدينا الكثير من المادة العضوية والكثير من البكتيريا التي تحوِّلها وتنتج ثاني أكسيد الكربون. ثم يأتي البلاستيك. ولما كانت البكتيريا لا تستطيع السباحة ولكن تحملها التيارات، فإن أي جسيم كبير بما يكفي للبكتيريا لتلتصق به سيوفر لها مكانًا للعيش. وكلما زادت أماكن التصاقها، زاد عدد البكتيريا التي سينتهي بها المطاف إلى العيش في تلك البيئة. ومن ثمّ، فإن زيادة عدد البكتيريا تعني زيادة الأكسجين المُستخدم وزيادة ثاني أكسيد الكربون الذي سيتم إنتاجه (الشكل 2).
ماذا ينتج عن وجود البلاستيك في مياه البحر؟
تُعد دراسة سطح البحر أمرًا معقدًا. لذلك، أعدنا إنشاء بحر مُبسط في مختبرنا لدراسة الاستجابة البكتيرية للجزيئات البلاستيكية الدقيقة. فصنعنا مياه البحر بأنفسنا ثم أضفنا إليه من المادة العضوية والبكتيريا. ثم درسنا البكتيريا في وجود البلاستيك وعدم وجوده [4]. واستخدمنا خزانين صغيرين، يحتوي كل منهما على 4.5 لترات من مياه البحر الاصطناعية. كان أحد الخزانين -الذي يُسمى الضابط- خاليًا من الجزيئات البلاستيكية الدقيقة. وأضفنا حوالي 1300 جسيم من الجزيئات البلاستيكية الدقيقة في اللتر للخزان الآخر، الذي يُسمى المُعالَج (الشكل 3). وأخذنا عينات من سطح الماء والمياه الموجودة أسفل السطح في غضون 24 ساعة. وفي كل عينة، قِسنا نسبة الأكسجين والمادة العضوية وعدد البكتيريا. وقارنا القياسات بين الخزان الضابط والخزان المُعالَج.
ولاحظنا وجود المزيد من المادة العضوية في العينات المأخوذة من الخزان الذي يحتوي على الجزيئات البلاستيكية الدقيقة، وقد كان هذا الاختلاف أكبر في العينات المأخوذة من سطح الماء. فعندما تتراكم المادة العضوية على سطح الماء، قد تعيق تدفق الأكسجين إلى الماء بالأسفل. ولقد لاحظنا هذا في تجربتنا: كلما زادت المادة العضوية الموجودة، قلّ تركيز الأكسجين أسفل المياه السطحية مباشرةً (الشكل 4). ومن ثمّ، يمكننا أن نستنتج أنه عند وجود الجزيئات البلاستيكية الدقيقة، تنتج البكتيريا المزيد من المادة العضوية. وفي تجربتنا، يجب أن تكون البكتيريا قد حوّلت المادة العضوية التي أضفناها إلى الخزان وأنتجت مُركّبات عضوية جديدة. تستهلك هذه العملية الأكسجين.
ولا يتغير عدد البكتيريا طوال التجربة. وقد كانت هذه مفاجأة. ولكن لدينا تفسيرًا لها، وهو أننا يمكننا قياس البكتيريا الطليقة فقط. وقد تكون ثمة مليارات من البكتيريا عالقة بالجسيمات البلاستيكية الدقيقة التي لا يمكننا عدّها.
وتبيّن لنا أن هذه البكتيريا المرتبطة بالجسيمات ربما ساعدت على خفض تركيز الأكسجين.
وقد أثبتت تجربتنا مفهومًا مهمًا، وهو أن البكتيريا عندما تجد جزيئات بلاستيكية دقيقة، تنتج المزيد من المادة العضوية وتستهلك المزيد من الأكسجين. ولكن، لماذا تنتج البكتيريا المزيد من المادة العضوية عند وجود جسيمات البلاستيك؟ لأن البكتيريا تحب الالتصاق بالجسيمات. وعندما تجد جسيمات البلاستيك، تنتج المادة العضوية التي تساعدها على الالتصاق بالجسيمات وتحولها.
قد تساهم المواد البلاستيكية الموجودة في المحيط في تغير المناخ
يشكّل وجود الجزيئات البلاستيكية الدقيقة في سطح البحر مشكلة جسيمة يمكن أن تتداخل مع العمليات الحيوية الأساسية. وتتحكم هذه العمليات في تدفق الغازات المهمة -مثل الأكسجين- بين سطح البحر والغلاف الجوي. فباستخدام الأكسجين، تحول البكتيريا المادة العضوية الموجودة في مياه البحر وتنتج ثاني أكسيد الكربون في هذه العملية. وعند وجود الكثير من البلاستيك، تستهلك البكتيريا المزيد من الأكسجين. ويمثل هذا مشكلة بسبب قلة الأكسجين المتوفر لأشكال الحياة الأخرى. فالمحيط هو الرئة الزرقاء للأرض: وإذا قللنا من قدرته على إنتاج الأكسجين، فسوف نغير طريقة عمل هذه الرئة. وهذا في حد ذاته مشكلة، فعند وجود الكثير من المادة العضوية على سطح المحيط، قد يتباطأ تدفق الأكسجين من المحيط إلى الغلاف الجوي. وقد يتباطأ أيضًا تدفق ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي إلى المحيط. وحتى هذه مشكلة، لأن محيطاتنا هي واحدة من المصارف الرئيسية لثاني أكسيد الكربون، مما يعني أنها تمتص الكثير من ثاني أكسيد الكربون الذي ينفثه البشر في الغلاف الجوي من خلال احتراق الوقود الأحفوري، وهذا يتسبب في زيادة تأثير غازات الدفيئة والاحترار العالمي. وإذا استهلك المحيط كمية أقل من ثاني أكسيد الكربون، فقد يواجه كوكب الأرض تغيرات لا يمكن تصورها في مناخه. وتُعد كمية البلاستيك في محيطاتنا هائلة وتتزايد باستمرار. ومن هنا، علينا التفكير مليًا في عواقب زيادة كميات البلاستيك في أنهارنا ومحيطاتنا.
من المهم أن تتضافر جهودنا جميعًا نحن وعائلاتنا وأصدقائنا وعلمائنا ومجتمعنا لإيجاد حلول لهذه المشكلة العالمية.
مسرد للمصطلحات
العوالق النباتية (Phytoplankton): ↑ هي طحالب بحرية مجهرية تُعد غذاءً لمجموعة كبيرة من المخلوقات البحرية بما في ذلك الحيتان والروبيان والقواقع وقناديل البحر.
عملية التمثيل الضوئي (Photosynthesis): ↑ هي عملية تستخدمها النباتات وكذلك النباتات البحرية والكائنات الحية الأخرى لتحويل الطاقة الضوئية إلى طاقة كيميائية لإنتاج الغذاء للكائن الحي ليتمكن من البقاء. ويحتاج إجراء عملية التمثيل الضوئي إلى ثاني أكسيد الكربون والماء والضوء. ومن خلال الطاقة الضوئية، تحوِّل عملية التمثيل الضوئي ثاني أكسيد الكربون والماء إلى كربوهيدرات وأكسجين.
الكربوهيدرات (Carbohydrates): ↑ هي جزيئات حيوية تتكوّن من ذرات الكربون والهيدروجين والأكسجين. وقد يكون هذا المصطلح مرادفًا للسكريات، وهي مجموعة تتضمن السكريات والنشا والسليلوز.
الدورة الجيوكيميائية (Biogeochemical cycle): ↑ هي مسار تنتقل خلاله مادة كيميائية مثل الكربون. وتتضمن هذه الدورات المراحل التي تكون فيها المادة موجودة في الكائنات الحية والمراحل الأخرى التي تكون فيها موجودة في الكائنات غير الحية. وتُعد دورة الكربون دورة بيوجيوكيميائية مهمة بوجه خاص.
المادة العضوية (Organic matter): ↑ هي مُركّبات الكربون الموجودة في البيئات الطبيعية. وتأتي المواد العضوية من النباتات والحيوانات وفضلاتها.
الجزيئات البلاستيكية الدقيقة (Organic matter): ↑ هي قطع صغيرة من البلاستيك بطول أقل من 5 مم.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
إقرار
نتوجه ببالغ الشكر والتقدير لـTeresa Galgani لأن مساهمتها الفنية في هذه الرسوم التوضيحية كانت أساسية. وقد كان العمل الأصلي ممكنًا بفضل برنامج هورايزون 2020 للأبحاث والابتكار التابع للاتحاد الأوروبي بموجب اتفاقية منحة Marie Skłodowska-Curie Grant رقم 702747POSEIDOMMلـLUISA GALGANI. ونود أن نتوجه بالشكر لكلٍ من أنا وكلارا وستيفان وكارينا على أفكارهم واقتراحاتهم المفيدة. فقد ساعدنا حسهم النقدي وفضولهم تجاه الموضوع بصورة ملحوظة في عملية المراجعة.
مقال المصدر الأصلي
↑ Galgani, L., and Loiselle, S. A. 2019. Plastic accumulation in the sea surface microlayer: an experiment-based perspective for future studies. Geosciences 9:66. doi: 10.3390/geosciences9020066
المراجع
[1] ↑ MacIntyre, F. 1974. The top millimeter of the ocean. Sci. Am. 230:62–77. doi: 10.1038/scientificamerican0574-62
[2] ↑ Garabétian, F. 1990. Production de CO2 à l’interface air-mer. Une approche par l’étude des phénomènes respiratoires dans la microcouche de surface [CO2 production at the sea-air interface. An approach by the study of respiratory processes in surface microlayer]. Int. Rev. Hydrobiol. 75:219–29. doi: 10.1002/iroh.19900750208
[3] ↑ Carpenter, E. J., and Smith, K. L. 1972. Plastics on the Sargasso sea surface. Science 175:1240–1. doi: 10.1126/science.175.4027.1240
[4] ↑ Galgani, L., and Loiselle, S. A. 2019. Plastic accumulation in the sea surface microlayer: an experiment-based perspective for future studies. Geosciences 9:66. doi: 10.3390/geosciences9020066