Frontiers for Young Minds

Frontiers for Young Minds
القائمة
اكتشافات جديدة صحة الإنسان نشر بتاريخ: 25 أكتوبر 2021

ظاهرة “التمويه الاجتماعي” لدى مرضى التوحد

ملخص

يحاول بعض المصابين بالتوحد إخفاء أعراض المرض أو تطوير وسائل جديدة للتأقلم معه. وهو ما يعرف بظاهرة التمويه. ويتضمن التمويه إيجاد حلول جديدة للعقبات التي يواجه مرضى التوحد صعوبات فيها، وإخفاء بعض أوجه التوحد ومحاولة التكيف والاندماج مع الآخرين. وبصفة عامة، قد يساعد التمويه بعض الأشخاص على تكوين صداقات، ولكنه قد يكون أمرًا مرهقًا، فضلًا عن أنه قد يتسبب في بعض الأحيان في إلحاق الضرر بالأفراد.

مقدمة

هل تعرف أي شخص مصاب بالتوحد؟ قد يكون الشخص أحد أفراد أسرتك أو صديقك أو زميلًا لك في المدرسة أو حتى أنت شخصيًا! ويعني التوحد أن الإنسان يجد صعوبة في التعامل أو التواصل مع الآخرين، وأنه قد ينظر للعالم من منظور مختلف. فعلى سبيل المثال؛ قد يجد مصاب التوحد صعوبة في ركوب القطار؛ لأنه يشعر أن الضوضاء الناجمة عنه عالية ومخيفة، ولكنه في الوقت نفسه قد يكون شغوفًا بالتعلم عن الحيوانات ويحب ملامسة حيوانه الأليف واحتضانه. ويختلف مصابو التوحد كل على حدة، مثلما يختلف الأفراد الأصحاء أيضًا عن بعضهم البعض.

يشعر بعض مصابي التوحد بأنهم مختلفون تمامًا عن باقي الناس، وقد يشعرون أنهم بحاجة إلى إخفاء مرض التوحد أو يحاولون إيجاد طرق للتعامل مع الأشياء التي يجدونها صعبة. ويطلق على هذا الأمر ظاهرة “التمويه” (أو التمويه الاجتماعي)، لأنها تشبه إلى حد ما الحرباء التي تغير لون جلدها كي تختفي في ثنايا البيئة المحيطة بها. فعلى الرغم من أن الحرباء لا تزال موجودة، فإنها تحاول أن تبدو مثل كل ما يحيط بها. وتشمل الأمثلة على التمويه في مرض التوحد إجبار الشخص نفسه على التواصل العيني مع الآخرين حتى وإن كان لا يرغب في ذلك، أو تحديد قائمة بأسئلة ليسألها في كل مرة يقابل فيها شخصًا جديدًا، كي لا يعجز عن إيجاد ما يقوله [1, 2].

كل الأفراد - سواء كانوا مصابين بالتوحد أم لا- يستخدمون أساليب التمويه الاجتماعي أحيانًا. فعلى سبيل المثال، إذا كنت تشعر بالخجل من مقابلة شخص جديد، فإنك قد تتظاهر بالشجاعة بطريقة قد لا تدركها أنت نفسك. ولكن حين يتعلق الأمر بمصابي التوحد، فإن التمويه يحدث في كل مرة يتحدثون فيها إلى شخص آخر، وهو أمر يستلزم بذل جهدٍ كبير [3].

معرفة المزيد حول التمويه!

على الرغم من أن مصابي التوحد قد تحدثوا عن التمويه في فترة من الفترات [4] فإن الأطباء والباحثين لا يزالون لا يعرفون الكثير عن هذه الظاهرة. إذ لا يعرف أحد ما إذا كان التمويه يستطيع مساعدة مرضى التوحد أم أنه حقًا يسبب لهم المزيد من المشكلات. وقد بدأ الباحثون في تعلم ومعرفة المزيد عن التمويه من خلال سؤال مرضى التوحد عن تجاربهم في التمويه أو إخفاء علامات هذا المرض وأعراضه [3, 5].

أفاد مرضى التوحد أنهم يخفون مرضهم لأنهم يريدون تكوين صداقات وروابط اتصال، ولأن التمويه قد يكون مفيدًا لهم. وقد يخفي بعض المرضى المصابين بالتوحد مرضهم عندما يكونون في المدرسة أو العمل، كي لا ينظر إليهم الناس بنظرة مختلفة، وكي يستطيعون التركيز في ما يجب عليهم فعله. بينما يخفي آخرون مرض التوحد عندما يقابلون أشخاصًا جدد، كي يتركوا انطباعًا حسنًا لديهم يساعدهم على تكوين صداقات معهم. ويتوقف بعض الأشخاص عن التمويه حين يتعرفون على شخص ما ويألفونه جيدًا، إذا اعتقدوا أن هذا الشخص يمكن أن يتقبلهم حتى وإن ظهرت عليهم أعراض التوحد بوضوح.

وقد توصلت العديد من الدراسات إلى أن مرضى التوحد يتبنون استراتيجيات عدة مختلفة لإخفاء المرض لديهم. ويمكنك الاطلاع على ملخص لأنواع الاستراتيجيات المختلفة في الشكل 1. فعلى سبيل المثال، قد يتدرب البعض على إظهار تعبيرات وجه ودودة أمام المرآة لأنهم يجدون صعوبة في إبداء هذه التعبيرات بطريقة طبيعية. ويطلق على هذا الأمر مصطلح “التعويض” لأن هؤلاء المرضى المصابين بالتوحد يحاولون تعويض أمر صعب يعانون منه مقارنة بالأشخاص الطبيعيين. وهناك استراتيجية أخرى تعرف بالتخفي، حيث يحاول مصاب التوحد إخفاء حقيقة مشاعره من خلال - مثلًا - تقليد ما يتحدث عنه شخص آخر إذا لم يجد ما يقوله. وقد يستخدم بعض مرضى التوحد استراتيجيات أخرى لمحاولة الاندماج والتأقلم مع الآخرين خشية التعرض للتنمر أو أن ينظر إليهم من منظور مختلف، وهو ما يطلق عليه اسم “الاندماج”. على سبيل المثال؛ قد يقف هؤلاء الأشخاص بالقرب من أطفال آخرين في ساحة الألعاب ولكن دون مشاركتهم في اللعب.

شكل 1 - الأنواع الرئيسية لاستراتيجيات التمويه (التعويض، التخفي، والاندماج) وأمثلة على هذه الاستراتيجيات.
  • شكل 1 - الأنواع الرئيسية لاستراتيجيات التمويه (التعويض، التخفي، والاندماج) وأمثلة على هذه الاستراتيجيات.

لماذا يعد فهم معنى التمويه وإدراكه ضروريًا؟

تتباين مشاعر مرضى التوحد تجاه ظاهرة التمويه. فبعض المرضى يرون التمويه أمرًا نافعًا، حيث يتيح لهم فرصة التحدث مع الآخرين والذهاب إلى المدرسة والحصول على وظيفة دون أن يُنظر إليهم نظرة مختلفة بسبب توحدهم. ولكن الكثير من مرضى التوحد الآخرين يريدون أن تكون لديهم القدرة على تحقيق ذاتهم وتكوين الصداقات بدون إخفاء مرضهم.

تحتاج ظاهرة التمويه إلى بذل جهد كبير. فإخفاء مظاهر شخصيتك والتظاهر بأنك شخص آخر أمر غاية في الإرهاق. يقول الكثير من مرضى التوحد إنهم إذا قضوا يومًا كاملًا في التمويه في المدرسة أو العمل، فإنهم بحاجة إلى الذهاب للمنزل والجلوس بمفردهم لبعض الوقت للتخلص من تبعات هذا الأمر. وقد قالت إحدى النساء في دراسة ما “إن الأمر مرهق للغاية!” [5]. ويشعر بعض مرضى التوحد الآخرين أنهم يصبحون نسخة مزيفة من أنفسهم، وعليه يريدون أن يكونوا قادرين على التوقف عن التمويه كي يكون أصدقاؤهم قادرين على معرفة ذاتهم “الحقيقية”.

تستطيع الدراسات قياس عملية التمويه بطرق عدة. وإحدى هذه الطرق هي المقارنة بين ما يشعر به الشخص وسلوكه الذي يبديه. فإذا كان هناك شخص ما يشعر أن لديه الكثير من السلوكيات التوحدية (مثل مواجهة صعوبات في التأقلم مع التغييرات المفاجئة)، ولكن لا يلاحظها الآخرون، فربما يمارس هذا الشخص ظاهرة التمويه بكثرة [2]. والطريقة الأخرى لقياس التمويه هي سؤال الأشخاص عن عدد استراتيجيات التمويه التي يمارسونها من خلال استبيان يدعى “استبيان تمويه سمات التوحد” (CAT-Q [1]).

من المهم أن يفهم الباحثون والأطباء المزيد حول كيفية قيام الناس بالتمويه، لأنه قد يؤثر عليهم سلبًا ويجعلهم على غير ما يرام. فعلى سبيل المثال، تشير بعض الدراسات أن الأشخاص الذين يمارسون ظاهرة التمويه بكثرة يعانون من مشكلات ذهنية أكثر مثل الاكتئاب أو القلق. ومن المهم أن نعرف المزيد عن أسباب حدوث هذه المشكلات الذهنية كي نتمكن من مساعدة الآخرين وتحسين حالتهم. هناك بعض المواقف التي تلعب فيها ظاهرة التمويه دورًا إيجابيًا (على سبيل المثال؛ في الطابور المدرسي حيث يحتاج مريض التوحد أن يجلس هادئًا)، ولكن هناك مواقف أخرى يزيد التمويه الأمور فيها سوءًا (مثل موعد الطبيب حين تحتاج أن تخبر طبيبك بالمشكلة التي تعاني منها). وإذا كان بإمكان مريض التوحد أن يختار الوقت الذي يستخدم فيه ظاهرة التمويه لإخفاء مرضه، فربما يجعله ذلك أكثر سعادة وشعورًا بتحقيق ذاته.

هل يختلف التمويه بحسب الجنس؟

يعتقد بعض مرضى التوحد وبعض الباحثين أن البنات تمارسن التمويه لإخفاء مرضهن أكثر من الأولاد. وقد يرجع السبب في ذلك إلى أن البنات تشعرن بضغط أكبر للاندماج مع الآخرين، أو لأن الناس عادة لا يدركون أن البنات قد يُصبن بالتوحد. وإذا كانت البنات تمارسن التمويه بشكل أكبر، فهذا يعني أن الأطباء والمعلمين يجدون صعوبة في معرفة ما إذا كانت الفتاة تعاني من صعوبات، أم لا.

أجريت الكثير من الدراسات حول اختلاف ظاهرة التمويه بحسب الجنس في السنوات القليلة الماضية، ولكن حتى الآن لم تقدم لنا هذه الدراسات إجابة مقنعة! وقد أظهرت بعض الدراسات أن الفتيات تظهرن اختلافًا أكبر بين المشاعر الناجمة عن مرض التوحد وسلوكهن، ما يعني أنهن تمارسن ظاهرة التمويه أكثر من الأولاد [2]. وأشارت دراسات أخرى أن الفتيات والنساء قد اعترفن باستخدام استراتيجيات التمويه أكثر من الأولاد [1]. ولكن كشفت دراسات أخرى في الوقت ذاته أن الأولاد والرجال يمارسون التمويه على نحوٍ متكرر أيضًا مما يعني أنه يجب على الأطباء والمعلمين أن يدركوا أن الأولاد أيضًا قد يواجهون صعوبات ما [3].

لا زلنا بحاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث لفهم الدور الذي يلعبه الجنس في ظاهرة التمويه الاجتماعي لدى مرضى التوحد فهمًا شاملًا. إننا نعرف في اللحظة الحالية أن جميع مرضى التوحد ربما يخفون مرضهم، وإنه لمن الضروري أن نظل نطرح الأسئلة عليهم حول كيفية تأثير التمويه عليهم.

الخلاصة

شرحنا في هذا المقال معنى التمويه لنساعد الباحثين والأطباء على فهم ما يعنيه التمويه الاجتماعي في مرضى التوحد. ويوضح المقال أيضًا أنه على الرغم من وجود بعض الجوانب الإيجابية للتمويه مثل القدرة على تكوين صداقات بشكل أسهل، فإنه قد يكون له آثاره الضارة على مرضى التوحد. وبحسب ما قاله الكثير من مرضى التوحد، فمن المهم أن نجعل بقية العالم مكانًا أكثر ودًا لمرضى التوحد لكي يستطيعوا أن يحققوا ذاتهم ويتقبلهم مجتمعهم وينخرطوا فيه. وحين يتحقق ذلك، لن يُضطر مرضى التوحد إلى ممارسة التمويه إلا في الحالات التي يرغبوا فيها فعل ذلك.

والآن وبعد أن تعلمنا الكثير عن ظاهرة التمويه، حان الوقت لمعرفة المزيد حول كيفية ممارسة الأشخاص المختلفين للتمويه. وعلى وجه التحديد، هل هناك اختلافات في الطرق التي يستخدم بها الأولاد والبنات تقنيات التمويه؟ هل تؤثر هذه الاختلافات في الطريقة التي تستخدم بها الأجناس المختلفة التمويه على قدرة الطبيب على تشخيص مرض التوحد لديهم؟ لا زلنا بحاجة إلى إجراء الكثير من الأبحاث!

مسرد للمصطلحات

التوحد (Autism): يشير التوحد إلى حالة يعالج فيها الإنسان العالم من منظور خاص ويفهم الآخرين بطريقة مختلفة عما يقوم به أغلب الناس. يولد الأفراد مصابين بالتوحد، وهو ما يؤثر بعد ذلك على طريقة نموهم. ويجد بعض المصابين بالتوحد صعوبة في التواصل أو التفاعل مع الآخرين، بل وربما يشعرون بالضغط في المواقف، أو الأماكن شديدة الضوضاء أو الإضاءة أو الازدحام.

التمويه (Camouflaging): إيجاد الطرق لإخفاء التوحد أو علاماته أو جعله أقل وضوحًا للآخرين، حتى وإن لم يدرك المريض ما يفعله.

التخفي (Masking): هو إخفاء بعض سماتك الخاصة، أو التظاهر بأنك شخص آخر. فعلى سبيل المثال، قد يحاول مريض التوحد إخفاء مرضه عن طريق التظاهر بالانضمام إلى لعبة حتى وإن لم يكن يفهم قواعدها.

التعويض (Compensation): يقصد به إيجاد وسائل للتغلب على الصعوبات المرتبطة بمرض التوحد. على سبيل المثال؛ قد يعوض مصاب التوحد عدم درايته باستخدام تعبيرات الوجه المناسبة بتقليد تعبيرات وجه شخصية معينة في برنامج تلفزيوني.

الاندماج (Assimilation): التأقلم والاندماج مع الآخرين. قد يحاول مصاب التوحد الاندماج مع الآخرين من خلال الجلوس بجانب نفس الشخص في الصف.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.


مقال المصدر الأصلي

Hull, L., Petrides, K. V., Allison, C., Smith, P, Baron-Cohen, S., Lai, M.-C., et al. 2017. “Putting on my best normal”: social camouflaging in adults with autism spectrum conditions. J. Autism Dev. Disord. 47:2519-34. doi: 10.1007/s10803-017-3166-5


المراجع

[1] Hull, L., Mandy, W., Lai, M., Baron-Cohen, S., Allison, C., Smith, P., et al. 2018. Development and validation of the camouflaging autistic traits questionnaire (CAT-Q). J. Autism Dev. Disord. 49:819–33. doi: 10.1007/s10803-018-3792-6

[2] Lai, M.-C., Lombardo, M. V., Ruigrok, A. N. V., Chakrabarti, B., Auyeung, B., Szatmari, P., et al., MRC AIMS Consortium. 2017. Quantifying and exploring camouflaging in men and women with autism. Autism 21:690–702. doi: 10.1177/1362361316671012

[3] Cage, E., and Troxell-Whitman, Z. 2019. Understanding the reasons, contexts and costs of camouflaging for autistic adults. J. Autism Dev. Disord. 49:1899–911. doi: 10.1007/s10803-018-03878-x

[4] Bargiela, S., Steward, R., and Mandy, W. 2016. The experiences of late-diagnosed women with autism spectrum conditions: an investigation of the female autism phenotype. J. Autism Dev. Disord. 46:3281–94. doi: 10.1007/s10803-016-2872-8

[5] Hull, L., Petrides, K. V., Allison, C., Smith, P., Baron-Cohen, S., Lai, M.-C., et al. (2017). “Putting on my best normal”: social camouflaging in adults with autism spectrum conditions. J. Autism Dev. Disord. 47:2519–34. doi: 10.1007/s10803-017-3166-5