ملخص
هل تعلم أن درجة الحرارة في أعماق الكرة الأرضية مرتفعةً جدًا، وبمقدور مثل هذه الحرارة أن تُولِّد طاقة؟ ويُمكن لهذه الطاقة، والتي تُسمى بالطاقة الحرارية الجوفية، أن تُولِّد طاقةً كهربيةً تكفي العالم أجمع! والمياه هي ضربة بداية هذه العملية. حيث تتواجد المياه داخل الصخور في كل مكان تقريبًا، وحتى أسفل سطح الأرض بالأعماق، حيث تبلغ الحرارة درجات مرتفعة جدًا. وتتسم المياه الموجودة داخل الصخور الساخنة بحرارتها الشديدة، وعندما يصعد هذا السائل إلى سطح الأرض يُمكنه توليد طاقة كهربية تُستخدم في إنارة مصباح كهربي، أو شحن هاتفك المحمول، أو تزويد سيارتك بالطاقة الكهربية! فالطاقة الحرارية الجوفية طاقة متجددة! فهي لا تُطلق غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ولا تنضب، ومتوفرة طوال الوقت؛ وهذا لأن درجة حرارة باطن الأرض مرتفعة دائمًا. ويرغب العلماء في توسيع نطاق استخدام الطاقة الحرارية الجوفية مستقبلًا لتشمل تطورات تكنولوجية، ويأملون في جلب هذه الطاقة الكبيرة المُذهلة إلى عدد أكبر من المدن والقرى.
ما المقصود بالطاقة الحرارية الجوفية؟
الطاقة الحرارية الجوفية هي طاقة متجددة يتم الحصول عليها من الحرارة الموجودة في باطن الأرض. ويُمكننا استخدام هذه الطاقة ليس في الحصول على الطاقة الكهربية فحسب، ولكن يُمكننا الاستفادة منها في تسخين المباني وتبريدها، وفي المنتجعات الصحية، وفي الينابيع الساخنة.
ولكن من أين تأتي هذه الحرارة؟ تُعتبر الحرارة الموجودة بمركز الأرض مُنتجًا ثانويًّا لتفاعلات كيميائية ونووية تحدث عميقًا في لب الكرة الأرضية، وتحدث منذ مليارات السنين. وتُعد الحرارة أحد المنتجات الثانوية الأكثر شيوعًا لهذه التفاعلات، حيث تهاجر ببطء بعد ذلك داخل الكرة الأرضية حتى تصل إلى الأماكن التي يُمكننا الوصول إليها عن طريق الحفر في الأرض. ولأن تلك التفاعلات التي تحدث عميقًا في باطن الكرة الأرضية، ستستمر في الحدوث، فستُستبدل أو تتجدَّد أي كمية نستخدمها من الحرارة. فتعتبر الطاقة الحرارية الجوفية بالاقتران مع الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة الكهرومائية مصدرًا متجددًا للطاقة لأنه بإمكاننا استخدامه إلى الأبد.
من أين يُمكننا الحصول على الطاقة الحرارية الجوفية؟
رُغم أن الحرارة التي تخرج من مركز الأرض تهاجر إلى السطح في كل مكان، فإن الحرارة تتركز على حواف الصفائح التكتونية. فالصفائح التكتونية قطعٌ من سطح الكرة الأرضية تتراصُّ معًا مثل قطع الأحجية، وتتحرك ببطء بقدر سرعة نمو أظافرك. وقد تتحطم هذه الصفائح إلى قطعٍ صغيرة في المناطق التي تصلها ببعضها البعض، أو تنزلق أسفل بعضها البعض؛ ويتسبب ذلك في جعل حوافها ذات درجة حرارة مرتفعة، واعتبارها أماكن مُفعمة بالطاقة. وفي الحقيقة، تتصف حواف الصفائح التكتونية بحدوث الكثير من الزلازل في نطاقها مثل تلك المناطق في كاليفورنيا، والبراكين مثل تلك المناطق في اليابان.
فعلى سبيل المثال، يُطلق على حافة صفيحة المحيط الهادي “حزام النار”؛ وهذا خاصةً بسبب أعداد الزلازل والبراكين الهائلة التي تحدث في تلك المنطقة (انظر الشكل 1). وتُعدُّ منطقة غرب الولايات المتحدة جزءًا من حزام النار هذا، لذلك تخرج الكثير من الحرارة إلى سطح الكرة الأرضية في الولايات، مثل: نيفادا وكاليفورنيا. حيث ستجد محطات توليد الطاقة التي تعتمد على الطاقة الحرارية الجوفية الموجودة بالولايات المتحدة.
اطَّلع على خريطة الصفائح التكتونية أعلاه، وعلى الدول التي تعبُر من خلالها حدود تلك الصفائح. هل تلاحظ نمطًا معينًا؟ ستجد أن الدول التي تتمتع بوجود الكثير من الطاقة الحرارية الجوفية، مثل: أيسلندا وإندونيسيا، تقع مباشرةً على قمة إحدى حواف الصفائح. وقِس على ذلك المناطق الممكنة حول العالم التي تتمتع بوجود طاقة حرارية جوفية!
ما مقدار الطاقة الكهربية المتولدة من الطاقة الحرارية الجوفية في الوقت الحالي؟
الكثير من الجيجا واط! يُمكن للجيجا واط، التي يتم اختصارها عادةً بـGW، تزويد حوالي مليون منزل بالطاقة الكهربية. ويتم توليد ما يقارب 12.8 جيجا واط من الطاقة الكهربية من الطاقة الحرارية الجوفية حول العالم، ومن بينها 3.5 جيجا واط تقريبًا في الولايات المتحدة فقط. ويُمكن لنسبة الطاقة التي تُعادل 3.5 جيجا واط تزويد 3.500.000 منزل تقريبًا بالطاقة، ويعادل هذا العدد عددَ جميع المنازل الموجودة في ولاية جورجيا تقريبًا! وتبدو هذه النسبة من الطاقة قليلة، ولكنها على وشك أن تزداد؛ فهناك 1.3 جيجا واط تقريبًا من الطاقة الكهربية الإضافية التي تولَّد من الطاقة الحرارية الجوفية قيد التطوير!
ما الذي يُكوِّن خزانات الطاقة الحرارية الجوفية؟
نحتاج إلى ثلاثة عوامل كي نتمكن من الاستفادة من الطاقة الحرارية الجوفية الموجودة في باطن الأرض، وهي: (1) الحرارة، و(2) السوائل، و(3) درجة النفاذية، أو الممرات داخل الصخور.
فكما ناقشنا للتو أن الحرارة التي تخرج من مركز الأرض تهاجر إلى سطح الكرة الأرضية دون تدخل الإنسان، حيث تتواجد هذه الحرارة تحت الأرض في كل مكان، إلا أن كمية الحرارة تتغير من مكان لآخر تغيرًا طفيفًا.
ونحتاج أيضًا إلى السوائل المستقرة داخل الصخور الموجودة تحت الأرض؛ كي تمتص حرارة جوف الأرض، وتجلبها إلى السطح، ومن ثمَّ نتمكن من الاستفادة منها. ولا تشبه تلك السوائل المياه العادية إطلاقًا، فهي لا تشبه مياه الصنبور، أو مياه المحيط، أو مياه الزراعة، أو أي مياه قد رأيتها من قبل. فألوان تلك السوائل غير مألوفة، وروائحها غريبة، وتتدفق بآليةٍ مختلفة.
وأخيرًا، نحن بحاجة إلى توفر مسارات أو ممرات لتلك المياه لتتدفق تحت الأرض. وعادةً ما تكون تلك المسارات عبارة عن شقوق، أو تتمثل في التصدعات التي تتواجد داخل الصخور، وهي عبارة عن ممرات ضيقة جدًا ومتصلة ببعضها البعض. وتسمح تلك الشقوق للسوائل بأن تنتشر ببطء، وبأن تزداد درجة حرارتها.
وتُنشئ هذه العوامل الثلاثة، عند توافرها معًا في آن واحد، أحد خزانات الطاقة الحرارية الجوفية. ويُمكننا سحب المياه ذات درجة الحرارة المرتفعة باستخدام إحدى المضخات خارج الخزان، وإرسالها عبر إحدى محطات توليد الطاقة التي تعتمد على الطاقة الحرارية الجوفية، ومن ثمَّ الاستفادة منها في تشغيل التوربينات، وتوليد الطاقة الكهربية. ويمكن، بعد ذلك، إطلاق الطاقة الكهربية خارج المحطة عبر خطوط النقل وتزويد المنازل بالطاقة. وإذا لم تتوفر تلك العوامل معًا في آنٍ واحد، فلن نتمكن من توليد أي نوع من أنواع الطاقة باستخدام الطاقة الحرارية الجوفية.
وقد تتساءل قائلًا: “حسنًا، ربما الحرارة طاقة متجددة، ولكن ماذا عن السوائل؟ هل يُمكنك استهلاك كل السوائل ذات درجة الحرارة المرتفعة؟”. في الحقيقة، يُمكن إدخال المياه ذات درجة الحرارة المرتفعة التي استُخدمت في إنتاج الطاقة إلى باطن الأرض مرةً أخرى، حيث تزداد درجة حرارة الماء مرةً أخرى ومن ثمَّ نستطيع توليد الطاقة الكهربية ثانيةً (انظر الشكل 2). إنها دورةٌ مثالية!
هل يستطيع الإنسان إنشاء موارد طاقة حرارية جوفية خاصة به؟
تُجرى أبحاث عديدة حاليًا تهدف إلى اكتشاف طريقة لإنشاء خزانات طاقة حرارية جوفية في الأماكن التي تتواجد أسفلها صخور ذات درجة حرارة مرتفعة في باطن الأرض.
توجد صخور ذات درجة حرارة مرتفعة في بعض المواقع، ولكن لا تتوفر درجة نفاذية مناسبة أو سوائل بالقدر الكافي الذي يُمكِّننا من جلب الحرارة إلى سطح الأرض بغرض إنتاج الطاقة. وفي هذه الحالات، من الممكن ضخ سوائل في الصخور ذات درجة الحرارة المرتفعة، ومن ثمَّ خلق حالة من النفاذية. ومن شأن هذا النوع من خزانات الطاقة الحرارية الجوفية التي يصنعها الإنسان أن يسمح بإنتاج الطاقة الكهربية باستغلال الطاقة الحرارية الجوفية. ولن يتوقف الأمر على بناء محطات توليد طاقة على سطح الأرض تعتمد على الطاقة الحرارية الجوفية، بل سنتمكن من بناء خزانات حرارية جوفية تحت سطح الأرض. وسيُحدِث ذلك تغيُّرًا جذريًّا، وقد نتمكن من توليد طاقة كهربية إضافية تعادل 500 جيجا واط، أي تزيد عن الطاقة الكهربية التي تُنتَج حاليًا باستخدام الطاقة الحرارية الجوفية.
ما الأبحاث التي من شأنها تعظيم مواردنا من الطاقة الحرارية الجوفية؟
يعمل الكثير من الأشخاص من تخصصاتٍ مختلفة على اكتشاف طريقةٍ لتسخير المزيد من الطاقة الحرارية الجوفية. فمثلًا، يدرِّس علماء الحاسوب الآن كيفية البحث عن الصخور ذات درجة الحرارة المرتفعة، ويخترع المهندسون طرقًا جديدة للحفر من أجل بناء خزانات الطاقة الحرارية الجوفية ويخترعون طرقًا لبنائها. ويبذل الكثير من العلماء قصارى جهدهم للخروج من مختبراتهم، ووضع اختراعاتهم المتعلقة بالطاقة الحرارية الجوفية تحت الاختبار على أرض الواقع. وأخيرًا وليس آخرًا، تُعدُّ المشاركة جزءًا كبيرًا من عملية تطوير الطاقة الحرارية الجوفية. مثل مشاركة المعلومات والأفكار، والتطلع للمستقبل، والإسهام في أبحاث العلماء الآخرين. فمجتمع الطاقة الحرارية الجوفية هو بمنزلة عائلة مترابطة بإحكام، وأفرادها دائمًا ما يشجعون ويساعدون بعضهم البعض.
وخلاصة القول، لقد ذكرنا تعريف الطاقة الحرارية الجوفية والأماكن التي يُمكن إيجادها فيها، وأيضًا ما يجب توفره لاقتناء أو إنشاء أحد خزانات الطاقة الحرارية الجوفية. ولا شك أن الطاقة الحرارية الجوفية تعد غذاءً للبيئة، وتقريبًا لا تنضب، ومتاحة دائمًا، وربما تساعد في المستقبل على تزويد المدن والقرى حول العالم بالطاقة والحرارة.
مسرد للمصطلحات
الطاقة الحرارية الجوفية (Geothermal Energy): ↑ طاقة حرارية تتولد وتُخزَّن في باطن الأرض.
الطاقة المتجددة (Renewable Energy): ↑ طاقة يتم الحصول عليها من الموارد التي تتجدَّد باستمرار دون تدخل الإنسان على مدار عمر البشرية.
الصفائح التكتونية (Tectonic Plates): ↑ قطعٌ من قشرة الكرة الأرضية تتراصُّ معًا مثل قطع الأحجية. وتتحرك هذه الصفائح، بمرور الوقت، وتتداخل مع بعضها، مما يتسبب في حدوث نشاط بركاني وزلازل على حوافها.
الجيجا واط وتُختصر عادةً إلى (GW) Gigawatt (Usually Abbreviated GW): ↑ وحدة قياس الطاقة. ويُمكن للوحدة الواحدة من الجيجا واط تزويد مليون منزل بالطاقة.
درجة النفاذية (Permeability): ↑ يُقصد بها قدرة أي مادة على السماح للسوائل بالمرور من خلالها، وعادةً ما تمر السوائل من خلال الشقوق أو الثقوب الصغيرة المتصلة ببعضها البعض الموجودة في تلك المادة.
خزانات الطاقة الحرارية الجوفية (Geothermal Reservoir): ↑ يُقصد بها أي مكان يُمكن من خلاله استخراج الطاقة من الأرض، بفضل ظروفه المواتية لذلك.
التوربينات (Turbine): ↑ عبارة عن جهاز ميكانيكي يدور ويُنتج الطاقة الكهربية عندما يقترن بأحد المولِّدات.
مورد لا ينضب (Inexhaustible): ↑ أي مورد لا ينتهي أو ينفد.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.