ملخص
البحر الأبيض المتوسط هو واحد من أكبر البحار في العالم وبه تنوع كبير في الأنواع البحرية. غير أن البحر الأبيض المتوسط يواجه حاليًا تهديدات مختلفة، تُعد الأنواع الدخيلة واحدة من أهمها. وللتصدي لهذه المشكلة، من المهم للغاية أن نفهم كيفية وصول الأنواع الدخيلة ومكان وجودها في البحر الأبيض المتوسط. وعلاوةً على ذلك، من الضروري أن نقيّم ما إذا كانت الأنواع الدخيلة تؤثر على الأنواع البحرية المحلية، وإذا كان الأمر كذلك، فما نوع هذه التأثيرات. سيصف هذا المقال معرفتنا الحالية بتأثيرات الأنواع الدخيلة في البحر الأبيض المتوسط.
البحر الأبيض المتوسط وأنواعه البحرية
البحر الأبيض المتوسط هو أحد أكبر البحار في العالم، حيث يحيط به 22 بلدًا مختلفًا من ثلاث قارات مختلفة هي أوروبا وآسيا وأفريقيا. يُعد البحر الأبيض المتوسط مكانًا فريدًا، حيث يضم حوالي 17000 نوع بحري مختلف. من بين هذه الأنواع، يعيش حوالي 3500 نوع فقط في البحر الأبيض المتوسط وليس في أي مكان آخر في العالم.
على الرغم من تفرد البحر الأبيض المتوسط وكثرة عدد الكائنات الحية التي تعيش فيه، فإنه مهدد بالانقراض بسبب الأنشطة البشرية. قد يمكن لبعض الأنشطة البشرية -مثل الصيد أو السباحة والإفراط في استخدام الموارد البحرية وتلوث البيئة البحرية- أن تتسبب في التدمير المباشر للنظم البيئية البحرية (مجتمعات الأنواع المتفاعلة وبيئتها). وقد أدت بعض الأنشطة البشرية -مثل الشحن- إلى إدخال أنواع من البحار الأخرى. ونحن نطلق على هذه الأنواع الأنواع الدخيلة، ويمكنها أن تتسبب في مشكلات خطيرة للأنواع المحلية التي تعيش في البحر الأبيض المتوسط [1].
ما مشكلة الأنواع الدخيلة؟
بمجرد وصولها إلى بيئتها الجديدة، لا تتمكن بعض الأنواع الدخيلة من البقاء على قيد الحياة، لأن الظروف في البيئة الجديدة قد تكون مختلفة للغاية عن الظروف في موائلها السابقة. وقد تحب الأنواع الدخيلة الأخرى -تلك الأكثر قدرة على التكيف- حقًا الظروف الجديدة وتبدأ في التكاثر وتتزايد أعدادها وتتوسع في جميع أنحاء المنطقة التي تحتلها. وفي بعض الحالات، قد تكون الأنواع الدخيلة مفيدة لمواطنها الجديدة، حيث تضطلع بأدوار بيئية مفيدة وتدعم جيرانها المحليين (فمثلًا، تصبح مصدرًا للغذاء للأنواع المحلية أو تنظف المياه الملوثة).
لكن، في معظم الحالات، يكون للأنواع الدخيلة تأثيرًا سلبيًا على النظم البيئية المحلية. فمثلًا، قد تتنافس الأنواع الدخيلة على الغذاء والمساحة مع الأنواع المحلية، أو قد تكون مفترسات شرهة للأنواع المحلية. وغالبًا ما لا يكون للأنواع الدخيلة أي أعداء في بيئتها الجديدة، مما يمنحها ميزة على الأنواع المحلية -وفي النهاية- قد تتسبب الأنواع الدخيلة في انقراض بعض الأنواع المحلية. وعندما تتسبب أنواع دخيلة في مشكلات كبيرة في النظام البيئي، فإنها تُسمى الأنواع الدخيلة الغازية.
ولكن كيف تصل الأنواع الدخيلة إلى مواطنها الجديدة؟
يمكن للنوع البحري الانتقال إلى منطقة جديدة بعدة طرق مختلفة، تُسمى مسارات الدخول [2]. ومن المهم تحديد مسار الدخول الذي استخدمه كل نوع دخيل للوصول إلى منطقة جديدة، لأن هذه المعرفة قد تساعدنا على التحكم في حركة الأنواع الدخيلة الجديدة. وإحدى الطرق التي يمكن أن تصل بها الأنواع الدخيلة إلى البحر الأبيض المتوسط هي من خلال قناة السويس، وهي قناة من صنع الإنسان تربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر. وتُسمى الأنواع التي تصل إلى البحر الأبيض المتوسط من خلال قناة السويس بأنواع ليسبسيان، على اسم المهندس (فرديناند دي ليسبس) الذي أشرف على بناء قناة السويس. وقد يساعد الشحن أيضًا في دخول أنواع دخيلة من أماكن بعيدة، كمسافرين خلسة إما داخل مياه الصابورة التي تخزنها السفن في خزانات خاصة للحفاظ على ثباتها، أو متصلة بسطح بدن السفينة. وقد تسبب البشر أيضًا في دخول بعض الأنواع إلى البحر الأبيض المتوسط عمدًا لتربيتها في مرافق الاستزراع المائي، وهربت بعض الأنواع الدخيلة أو أُطلقت من أحواض السمك العامة أو الخاصة [3].
كيف نعرف بوصول نوع دخيل إلى البحر الأبيض المتوسط؟
كثيرًا ما تصل أنواع جديدة إلى البحر الأبيض المتوسط من خلال مسارات دخول مختلفة. ونظرًا لكثرة عدد الأنواع الدخيلة الجديدة ولحجم البحر الأبيض المتوسط الكبير، فمن الصعب للغاية اكتشاف الأنواع الدخيلة الجديدة. ويبذل العلماء من العديد من البلدان قصارى جهدهم لإيجاد الأنواع الدخيلة هنا ومراقبتها ورصدها، وجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات. ومع ذلك، لا يقتصر رصد الأنواع الدخيلة على العلماء فقط. فالعديد من الأشخاص يزورون البحر الأبيض المتوسط للسباحة أو الغوص أو الصيد (شكل 1). وهؤلاء المواطنون مدعوون أيضًا للإبلاغ عن الأنواع الدخيلة للمدونات والسلطات المسؤولة عن التعامل مع هذا التهديد. نُطلق على هذا علم المواطن؛ وهو عبارة عن مساهمة المواطنين في جمع البيانات التي تساعد العلماء. ولتجميع جميع بيانات الأنواع الدخيلة من مصادر مختلفة بحيث يسهل إيجادها، أنشأت المفوضية الأوروبية الشبكة الأوروبية للمعلومات عن الأنواع الغريبة (EASIN)، حيث يمكن للناس مشاركة المعلومات حول الأنواع الدخيلة في جميع أنحاء أوروبا، بما في ذلك البحر الأبيض المتوسط. للمزيد من المعلومات، قم بزيارة الموقع الإلكتروني (https://easin.jrc.ec.europa.eu).
ما مسارات الدخول الرئيسية للأنواع الدخيلة في البحر الأبيض المتوسط؟
للإجابة على هذا السؤال، استخدمنا جميع سجلات الأنواع الدخيلة من قاعدة بيانات الشبكة الأوروبية للمعلومات عن الأنواع الغريبة حتى يناير 2014. ووجدنا 986 نوعًا دخيلًا في البحر الأبيض المتوسط. ثم ربطنا كل نوع دخيل بمسار دخول واحد على الأقل. في بعض الأحيان كان هذا سهلًا، بينما كان الأمر صعبًا للغاية مع بعض الأنواع الدخيلة. ولاكتشاف مسارات الدخول، نحتاج أولًا إلى معرفة الموطن الأصلي للأنواع الدخيلة. ثم، اعتمادًا على المكان الذي رصدنا فيه الأنواع الدخيلة في المرة الأولى، يمكننا استنتاج مسار الدخول. فمثلًا، إذا وجدنا نوعًا دخيلًا، موطنه الأصلي البحر الأحمر، في منطقة قريبة من مدخل قناة السويس، يمكننا أن نستنتج أن هذا النوع ربما دخل البحر الأبيض المتوسط بالانتقال من البحر الأحمر عبر قناة السويس. وعلى المنوال نفسه، إذا رأينا نوعًا دخيلًا، موطنه الأصلي المحيط الأطلسي، في ميناء شرقي البحر الأبيض المتوسط، يمكننا أن نستنتج أنه ربما وصل إلى هناك على متن سفينة. ومع ذلك، في بعض الأحيان يكون الأمر أكثر تعقيدًا، وقد يكون مسارا دخول أو أكثر مسؤولين عن دخول الأنواع الدخيلة. وفي دراستنا، تمكننا من العثور على مسار دخول لـ799 نوعًا دخيلًا، ومسارين أو أكثر محتملين لـ114 نوعًا دخيلًا. ولم نتمكن من وضع افتراضات معقولة حول مسارات دخول 73 نوعًا دخيلًا.
وتبين لنا أن أهم مسار دخول إلى البحر الأبيض المتوسط هو قناة السويس، التي كانت مسؤولة عن دخول 420 نوع ليسبسيان.
ومعظم هذه الأنواع موجودة حاليًا في الجزء الشرقي من البحر الأبيض المتوسط [3] (شكل 2). وثاني أهم مسار هو الشحن، المسؤول عن دخول 308 أنواع دخيلة منتشرة في جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط، وخاصة بالقرب من الموانئ (شكل 2). وقد كان الاستزراع المائي مسؤولًا عن دخول 64 نوعًا دخيلًا، توجد بشكل رئيسي في منطقتين بهما مرافق الاستزراع المائي، هما بحيرة ثاو (خليج الأسد، فرنسا) وبحيرة البندقية (شمال البحر الأدرياتيكي، إيطاليا) (شكل 2).
هل تؤثر هذه الأنواع الدخيلة على التنوع البيولوجي للبحر الأبيض المتوسط؟
لقد اكتشفنا أن عدد أنواع الأسماك الدخيلة الموجودة في أجزاء معينة من البحر الأبيض المتوسط -مثل البحر المشرقي وبحر إيجه الجنوبي الشرقي- أكثر من المناطق الأخرى. وأظهرت أنواع اللافقاريات الدخيلة (حيوانات بدون عمود فقري) نمطًا مشابهًا، ولكن كان لها أيضًا وجود كبير على طول الساحل الفرنسي، في بحيرة ثاو، على طول البحر الأدرياتيكي الشمالي وشرق صقلية. وقد أظهرت الطحالب الدخيلة نمطًا معاكسًا، مع وجود المزيد من أنواع الطحالب الدخيلة في مناطق غرب البحر الأبيض المتوسط. لذا، كشف لنا تحليلنا أن توزيع الأنواع الدخيلة يختلف حسب مسار الدخول المستخدم ويعتمد على نوع الأنواع الدخيلة (أسماك، لافقاريات، طحالب). وتبين لنا أيضًا أن تكوين الأنواع الدخيلة -أي مجموعة جميع الأنواع الدخيلة الموجودة في منطقةٍ ما- يتنوع بين المناطق المختلفة. وأخيرًا، من خلال تحليل مجموعة الأسماك المحلية واللافقاريات- وجدنا نمطًا عكس نمط الأنواع الدخيلة. ويشهد غرب البحر الأبيض المتوسط وجود عدد أكبر من الأنواع المحلية مقارنة بشرق البحر الأبيض المتوسط، في حين يشهد شرق البحر المتوسط وجود أنواع دخيلة أكثر من غرب البحر الأبيض المتوسط (شكل 3). لذا، نعم تؤثر الأنواع الدخيلة إلى حد كبير على التنوع البيولوجي للبحر الأبيض المتوسط.
ما المساعدة التي يمكنك تقديمها؟
يحتاج العلماء والمواطنون على حدٍ سواء إلى المساهمة للمساعدة في منع الغزو المستمر للأنواع الدخيلة. ولكن كيف يمكن للأشخاص العاديين المساعدة؟ أولًا، يجب على المواطنين تبني سلوكيات مسؤولة من شأنها الحد من دخول الأنواع الدخيلة إلى البحر الأبيض المتوسط. فمثلًا، يجب أن يحرص الأشخاص الذين لديهم أحواض مائية منزلية على عدم إطلاق كائناتهم البحرية مطلقًا في البرية. ويجب على الصيادين -عند السفر لمسافات طويلة من أجل الصيد- أن ينظفوا معداتهم جيدًا قبل استخدامها مجددًا، لأن المعدات المُلوثة يمكن أن تنقل الكائنات الحية من مكان إلى آخر.
وينبغي أن يصبح المواطنون أيضًا على دراية بمشروعات علم المواطن المختلفة الموجودة في بلدانهم، التي يمكنهم من خلالها المساهمة في الكشف المبكر عن الأنواع البحرية الدخيلة ورصدها. وبهذه الطريقة، يمكن للمواطنين المساهمة بصورة هادفة في منع الغزو البيولوجي، من خلال إبلاغ العلماء والسلطات المختصة.
ملاحظات ختامية
يُعد الغزو البيولوجي أحد أكبر التهديدات للنظم البيئية المحلية والأنواع الموجودة في البحر الأبيض المتوسط. وخلال العقود الثلاثة الماضية، تسارع تغير التنوع البيولوجي في البحر الأبيض المتوسط أكثر من أي منطقة بحرية أخرى في العالم، نتيجة للأنشطة البشرية، مثل الشحن والاستزراع المائي وافتتاح قناة السويس. تُعد قناة السويس وما نتج عنها من هجرة أنواع ليسبسيان هي أهم سبب لهذا الدخول السريع للأنواع الدخيلة إلى البحر الأبيض المتوسط. وعلى مدى العقدين الماضيين، ارتفعت درجة حرارة البحر الأبيض المتوسط، لا سيما في المناطق الشرقية، ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه في المستقبل. وتدعم درجات الحرارة المرتفعة إنشاء وانتشار الأنواع التي تحب المياه الدافئة، مثل أنواع ليسبسيان المهاجرة، التي تعيش عادةً في البحار الأكثر دفئًا. وفي هذه الأيام، تُعد الأنواع الدخيلة جزءًا مهمًا من العديد من النظم البيئية، وقد تؤدي إلى تغيير طريقة عمل النظم البيئية. ومن المهم معرفة عدد الأنواع الدخيلة في كل نظام بيئي، لفهم اتجاه التغيير ورصد تأثيرات الأنواع الدخيلة وفعالية الخطوات المتخذة لمنع عمليات الدخول الجديدة. ومن الأهمية بمكان فهم تأثير الأنواع الدخيلة على النظم البيئية، لأن بعض الأنواع الدخيلة قد يكون لها فوائد للأنواع المحلية وموائلها، لذا لا يلزم التحكم في تلك الأنواع الدخيلة. ومع ذلك، تشكّل الأنواع الدخيلة الأخرى خطرًا على النظم البيئية. ويساعد فهم الأنواع التي تساعد النظام البيئي وتلك التي تضر النظام البيئي العلماء على تحديد أولوية الأنواع الدخيلة للتحكم فيها أو إبادتها.
مسرد للمصطلحات
الأنواع الدخيلة (Alien species): ↑ هي الأنواع الموجودة خارج نطاق موطنها الأصلي، وانتقلت إلى مناطق جديدة بسبب الأنشطة البشرية.
الأنواع المحلية (Native species): ↑ هي الأنواع التي توجد بصورة طبيعية في منطقةٍ ما.
الأنواع الدخيلة الغازية (Invasive alien species): ↑ هي الأنواع التي تدخل في منطقةٍ ما، حيث تعيش وتتكاثر وتتوسع، مسببة مشكلات في النظام البيئي الجديد.
مسارات الدخول (Introduction pathways): ↑ هي طرق دخول نوع إلى موقع جديد خارج نطاقه الأصلي.
التنوع البيولوجي (Biodiversity): ↑ هو تنوع الأنواع التي تعيش في المنطقة.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
مقال المصدر الأصلي
↑ Katsanevakis, S., Coll, M., Piroddi, C., Steenbeek, J., Ben Rais Lasram, F., Zenetos, A., et al. 2014. Invading the Mediterranean Sea: biodiversity patterns shaped by human activities. Front. Mar. Sci. 1:32. doi: 10.3389/fmars.2014.00032
المراجع
[1] ↑ Babić, I., Hudina, S., and Bielen, A. 2017. Invasion of the Chinese pond mussels—what makes these harmless-looking animals so dangerous? Front. Young Minds 5:56. doi: 10.3389/frym.2017.00056
[2] ↑ Katsanevakis, S., Zenetos, A., Belchior, C., and Cardoso, A. C. 2013. Invading European seas: assessing pathways of introduction of marine aliens. Ocean Coast. Manage. 76:64–74. doi: 10.1016/j.ocecoaman.2013.02.024
[3] ↑ Zenetos, A., Gofas, S., Morri, C., Rosso, A., Violanti, D., Raso, J. E. G., et al. Alien species in the Mediterranean Sea by 2012. A contribution to the application of European Union’s Marine Strategy Framework Directive (MSFD). Part 2. Introduction trends and pathways. Mediterr. Mar. Sci. 13:328–52. doi: 10.12681/mms.327