ملخص
التليسكوبات هي الأدوات الأساسية التي يستخدمها علماء الفلك في التوصل إلى اكتشافاتهم حول الكون، ومع التقدم التكنولوجي الذي تحقق على مدى السنوات العشرين الماضية، بات من الممكن الآن إنشاء شبكات من التليسكوبات الآلية؛ وقد بدأت هذه التليسكوبات الآلية في إحداث ثورة في الأنشطة الاستقصائية العلمية، كما أنها تجعل ذلك كله في متناول الطلاب والمعلمين، بطرق لم يسبق لها مثيل من قبل.
تاريخ موجز عن التليسكوب
خلال العصور الوسطى، إذا كنت تنظر إلى السماء ليلًا كنت لترى شيئًا مختلفًا تمامًا عن المنظر الذي تراه عند النظر إلى السماء اليوم. ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن السماء أصبحت الآن أكثر إشراقًا بسبب إنارة الشوارع والإضاءة الخارجية الأخرى، في جميع الأماكن باستثناء الأماكن النائية؛ وهذا أيضًا لأن فهمنا الحديث للكون يختلف تمام الاختلاف عن النظرة القديمة له.
في نظر الأشخاص القدامى، ظهرت النجوم كنقاط ضوء ثابتة، تقطعها فقط حركة الكواكب ببطء في السماء ليلًا. ومن حين لآخر كان يتم رصد وميض نيزك، وهو نجم ساطع قصير العمر، ونادرًا ما يظهر المذنب في السماء، بل ونادرًا ما يحدث انفجار مستعر أعظم فيحترق فجأة بشكل ساطع في السماء، على مدى فترات تتراوح بين أشهر أو ربما سنوات في بعض الأحيان.
قبل 400 عام حدثت ثورة علمية، حيث بدأت أوروبا الغربية في التفكير في العلوم والفنون على نحو مختلف تمام الاختلاف، أشبه بتفكير الإغريق القدامى؛ وكانت تلك الفترة تسمى عصر النهضة. خلال عصر النهضة، في مطلع القرن السابع عشر الميلادي، “اخترع” Thomas Harriot وGalileo Galilei التليسكوب الفلكي في وقت واحد تقريبًا (اخترع التليسكوب Hans Lipparshey، لكنهما كانا أول من استخدماه في علم الفلك).
ولقد تغير العلم من وقتها تغيرًا جذريًا. راقب Galileo كوكب المشتري ووجد أن له أقمارًا تدور حول الكوكب نفسه وليس الشمس أو الأرض؛ وكان مفتونًا بكوكب المشتري وأقماره وأصبح مقتنعًا بأن النظام الشمسي كان متشابهًا، حيث إن الشمس هي مركزه وليس الأرض، ولقد وقع في كثير من المشكلات بسبب إصراره على ذلك، حيث كانت وجهة نظره هذه ضد العقيدة الرسمية للكنيسة، لذا فقد يكون هذا هو السبب وراء تعرضه للمتاعب، ولكنه ربما كان أيضًا راجعًا إلى أنه كان عنيدًا جدًا في التعبير عن آرائه مما جعل له أعداءً أقوياء. وفي كل الأحوال، وجد Galileo نفسه رهن الإقامة الجبرية.
كان Isaac Newton، المشهور بنظريته في الجاذبية وقوانين الحركة، رائدًا أيضًا في هذه النظرية واستخدام العدسات والمرايا، فقد اخترع تليسكوبًا استخدم مرآة بدلًا من العدسات التي أصبحت الأساس لعلم الفلك البصري الحديث؛ حيث يمكن جعل التليسكوبات ذات المرايا أكبر بكثير من تلك التي تستخدم العدسات، كما تجعلها المرايا أقصر من التليسكوبات الكاسرة للضوء أو القائمة على استخدام العدسات.
وبالتدريج، ومع استخدام البشر تليسكوبات أكثر وأفضل لرؤية السماء ليلًا، زاد فهمنا للكون. ثم جاء الوقت الذي أصبح فيه التليسكوب محدود القدرة ليس بتقنياته، بل بسبب موقعه. كانت التليسكوبات المبكرة للغاية التي استخدمها العلماء Galileo وHarriot وNewton بمثابة تحسن كبير مقارنة بالرصد بالعين المجردة، ولكن مع تطور التكنولوجيا لضبط عملية بناء التليسكوبات، برزت مشكلة أخرى.
التليسكوبات البعيدة
يشكل الغلاف الجوي للأرض ضرورة أساسية لبقاء البشر، لأنه يسمح لنا بالتنفس، ويحول دون برودة الفضاء، ويحمينا من الإشعاع الضار المنبعث من الشمس، فضلًا عن الأشعة الكونية، والنيازك الصغيرة وغيرها من الأخطار القادمة من الفضاء. ومع ذلك، يمثل الغلاف الجوي العديد من المشكلات لعلماء الفلك، لأنه يتسبب في تألق ضوء النجوم. وهذا تأثير مشابه جدًا للضباب الحراري، وينبعث تألقها من جيوب في الغلاف الجوي تتغير باستمرار في درجة الحرارة والكثافة.
من شأن تقليل تأثير الغلاف الجوي على عمليات الرصد باستخدام التليسكوبات أن يحدث فارقًا كبيرًا في جودة عمليات الرصد. فعلم الفلك فريد من نوعه؛ حيث إنه تقريبًا مجهول تمامًا؛ فالبشر يجلسون في الأغلب على الأرض ويجمعون الضوء من الفضاء، لأن هذا هو كل ما يمكننا فعله تقريبًا للتعرف على الكون من حولنا. ولكي تكون عالم فلك، عليك أن تكون واسع الحيلة وتستطيع استخراج كل جزء من البيانات من كل جسيم من جسيمات الضوء في الفضاء. لم نتمكن من السفر إلى الفضاء إلا مؤخرًا، والمسافة التي قطعناها صغيرة جدًا مقارنة بمسافات الأشياء التي كنا نرصدها باستخدام التليسكوبات. ما زلنا بعيدين للغاية عن القدرة على زيارة النجوم والمجرات الأخرى لاكتشاف المزيد حول كيفية تكوُّنها، أو لأخذ قياسات ثقب أسود من أماكن قريبة.
إن الحاجة إلى الحد من التداخل من الغلاف الجوي واستخلاص أكبر قدر ممكن من المعلومات من خلال كمية الضوء الضئيلة المتاحة تعني أننا بحاجة إلى وضع تليسكوباتنا في مواقع غريبة وعجيبة، مثل قمم الجبال أو حتى قمم البراكين الخاملة. وتعمل هذه المواقع البعيدة على الحد من التلألؤ أو الوميض، لأن الغلاف الجوي أقل سمكًا في هذه الأماكن. إذا تم اختيار موقع ما بعناية، فيمكننا أيضًا التخلص من الوهج المنبعث من الأضواء الخارجية، التي تنعكس على الغلاف الجوي وتعطي السماء سطوعًا اصطناعيًا. جودة الهواء مهمة لعملية الرصد الجيدة، لأن أي جسيمات في الهواء ستعكس الضوء وستجعل السماء تضيء أيضًا. وأخيرًا، للطقس تأثير كبير على جودة عمليات الرصد؛ فمن الناحية المثالية، ينبغي أن تكون المراصد أعلى من الغيوم قدر الإمكان.
ومع أخذ كل هذه العوامل في الاعتبار، من المستحسَن إنشاء مرصد في مكان بعيد، بعيدًا عن المدن والمناطق المبنية، على بعد بضعة كيلومترات فوق مستوى سطح البحر (انظر الشكل 1).
بمجرد وضع التليسكوب في موقع ذي جودة عالية للغاية، يصبح التحدي هو استخدام هذه الأداة بفعالية لإجراء الأنشطة الاستقصائية العلمية. فعلى عكس التليسكوبات التي قد تشتريها لاستخدامها من منزلك، فإن عددًا قليلًا للغاية من المراصد الفلكية بها عدسات عينية متصلة بالتليسكوبات الخاصة بها، وحتى عدد أقل من علماء الفلك المحترفين ينظرون من خلال العدسات لتسجيل القياسات. وبدلًا من ذلك، تستخدم العديد من التليسكوبات التي تبحث عن الضوء المرئي الأجهزة مقترنة الشحنة (CCDs). فالأجهزة مقترنة الشحنة هي الأجهزة الموجودة داخل جميع الكاميرات الرقمية لالتقاط جسيمات الضوء. فعن طريق إلحاق جهاز رقمي عالي الجودة بالتليسكوب، يمنح ذلك علماء الفلك طريقة موثوقة لقياس كمية الضوء المنقولة من مصدر فلكي بدقة. وباستخدام فلاتر ملونة مع هذه الكاميرات، يستطيع علماء الفلك إجراء قياسات لكيفية ظهور كل هدف فلكي بألوان مختلفة. من شأن جمع هذه التقنية مع المعرفة بالفيزياء الفلكية أن يسمح لعلماء الفلك بجمع المعلومات حول ماهية الجسم والعمليات التي تحدث طوال عمره.
التليسكوبات الآلية
إذا كنت تمتلك تليسكوبًا واحدًا فقط، فأنت تحت رحمة الطقس. ما تزال العديد من المراصد تتطلب وجود علماء فلك في الموقع لتشغيلها، الأمر الذي قد يكون محبطًا للغاية إذا كان الطقس سيئًا.
مع وجود أنظمة مصممة بعناية لرصد أمور مثل أحوال الطقس، وظروف السماء، وحالات التليسكوب، والقياس عن بعد بالتليسكوب، والتحكم في جميع الجوانب الميكانيكية والكهربائية للمرصد، واتصال المرصد بالإنترنت، يمكن جعل معظم المراصد آلية وقابلة للتشغيل عن بعد. ما تزال هذه المراصد تتطلب من الشخص التحكم عن بُعد في كل جانب من جوانب عملها، على سبيل المثال، فتح قبة المرصد، وتحريك التليسكوب، وبدء توجيه الكاميرا. ولكن الأهم هو أن هذا الشخص يمكن أن يكون في أي مكان في العالم أثناء تحكمه في التليسكوب [1].
الرصد الآلي المؤتمت
بمجرد إعداد المرصد للتشغيل عن بُعد، فإن الجزء الأصعب حقًا هو التخلي عن مشغل التليسكوب وجعل المرصد قادرًا على “التفكير” مستقلًا بطريقة محدودة؛ وهذا يتطلب برامج كمبيوتر متطورة قادرة على اتخاذ قرارات بشأن ما إذا كانت الظروف الجوية مناسبة أم لا، وما يجب رصده، بالاستعانة بقائمة انتظار مجدولة مسبقًا. كما يجب أيضًا دمج خطط النسخ الاحتياطي في حالة حدوث خطأ ما. إذا علق التليسكوب أثناء الدوران (التحرك أو التوجيه إلى الموضع)، يجب أن يتعرف العقل الرقمي للمرصد على العلامات وينبه الشخص المسؤول حتى لا يتلف التليسكوب ويمكن إصلاحه.
يتطلب جعل مرصد قابلًا للتشغيل عن بُعد الكثير من الجهد والتكلفة، ولكن يمكن أن يُحدث ذلك فارقًا بين مرصد متوسط ومرصد عالمي المستوى من حيث الكفاءة.
من الناحية المثالية، يجب أن يأخذ العقل الرقمي للمرصد أيضًا جميع طلبات المراقبة من علماء الفلك حول العالم ويضعها في جدول زمني فعّال، مع الحد الأدنى من الفجوات فيما بينها. سيسمح هذا لمزيد من الأشخاص برصد المزيد من الأجسام الفلكية، مما يزيد بشكل كبير من إنتاجية المرصد؛ وإذا كان لدى المرصد مستودع بيانات على الإنترنت، فيمكن لعلماء الفلك مراقبة البيانات ثم تحليلها في غضون دقائق معدودة [2].
شبكة من التليسكوبات الآلية الذكية
ما تزال هناك مشكلة تتمثل في وجود تليسكوب واحد فقط في حالة سوء الأحوال الجوية أو طول فترة الصيانة. الإجابة بسيطة: بناء المزيد من التليسكوبات ونشرها في مواقع مختلفة. إن وجود تليسكوبات في نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي ونشرها بالتساوي عبر الأرض يسمح بمراقبة السماء بأكملها؛ والأفضل من ذلك أن إضافة اتصال بالإنترنت وبعض البرامج الخاصة من الممكن أن تعمل على إنشاء شبكة تليسكوب أكثر قوة من مجموع أجزائها، حيث سيتحول هذا المرصد إلى مرصد عالمي، ويكون للعقل الرقمي فيه المزيد من الموارد التي يمكن الاستفادة منها. فوجود شبكة من التليسكوبات الآلية يضمن في واقع الأمر وجود مكان ما على الكرة الأرضية مناسب لرصد الظواهر الفلكية المهمة.
مراقبة الكون المتغير
إن قسمًا كبيرًا من أبحاث علم الفلك المعاصر مخصص للأمور التي تتغير على مقاييس زمنية بالدقائق أو الأيام، وليس بآلاف السنين. تعد انفجارات النجوم الضخمة، والكويكبات التي تمر بالقرب من الأرض، والكواكب الجديدة خارج نظامنا الشمسي جميعها أمثلة على الأحداث التي يجب تقصيها ودراستها بسرعة؛ فإذا لم تتم دراسة هذه الأنواع من الأحداث بعمق بعد اكتشافها بفترة وجيزة، فقد لا تكون ثمة فرصة أخرى، وقد تضيع فرصة التعرف على المزيد عنها (انظر الشكل 2).
رُصدت معظم هذه الظواهر المثيرة للاهتمام واكتشافها بمساعدة التليسكوبات العملاقة التي تقوم بمسح السماء بأكملها بانتظام. ولأن وظيفتها الأساسية تتلخص في مسح السماء بالكامل باستمرار، فعندما تجد هذه التليسكوبات شيئًا جديدًا فإنها لا تملك الوقت الكافي لدراسته بالتفصيل، وهنا تلعب التليسكوبات الآلية دورًا فريدًا. إذ يمكن تنبيه التليسكوبات الآلية إلى اكتشاف جديد، كما يمكنها البدء في رصده على الفور؛ فغالبًا ما يكون إجراء القياسات بسرعة أمرًا محوريًا لفهم الأسس العلمية الكامنة وراء هذه الأحداث المثيرة للاهتمام، حيث تساعد هذه الأرصاد والقياسات علماء الفلك على فهم الكون بطريقة لم تكن ممكنة من قبل.
التعليم
تلعب التليسكوبات الآلية دورًا فريدًا أيضًا في مجال التعليم؛ فالآن بات بوسع الطلاب والمعلمين استخدام بعض المراصد الاحترافية الأكثر تقدمًا من الناحية التكنولوجية وذات الجودة العالية في العالم لإجراء دراساتهم الخاصة. وفي ظل وجود هذه المراصد الآلية المتاحة عبر الإنترنت، يمكن للطلاب في المدارس إجراء اكتشافاتهم ونشر نتائج أبحاثهم دون مغادرة فصولهم الدراسية.
تتطور إمكانيات التليسكوبات باستمرار وستتحسن بمرور الوقت؛ فقبل 400 عام، وباستخدام تليسكوب بحجم كلب صغير، أحدث Galileo ثورة في الطريقة التي ننظر بها إلى الكون، واليوم، باستخدام التليسكوبات الآلية، يستطيع علماء الفلك المحترفون والهواة، وطلاب المدارس والمعلمون تغيير الطريقة التي ننظر بها إلى الكون من خلال التوصل إلى اكتشافاتهم المهمة.
إسهامات المؤلف
يؤكد المؤلف ويقر أنه منفردًا المشارك الوحيد في هذا العمل وقد وافق على نشره.
مسرد للمصطلحات
المستعر الأعظم (Supernova): ↑ انفجار لنجم ضخم جدًا في نهاية عمره.
الرصد (Observation): ↑ مهمة تحريك تليسكوب إلى جزء معين من السماء ثم التقاط الصور.
مرصد (Observatory): ↑ مبنى يحتوي على تليسكوب (أو عدد من التليسكوبات).
جهاز مقترن الشحنة (CCD)(Charge Coupled Device): ↑ تستخدم الأجهزة مقترنة الشحنة (CCD) داخل الكاميرات الرقمية لتسجيل الضوء وتحويله إلى صور رقمية.
القياس عن بعد (Telemetry): ↑ معلومات مرسلة من معدات الاستشعار مثل التليسكوبات إلى مركز التحكم (البعيد في كثير من الأحيان). في حالة التليسكوبات الآلية، يمكن أن تكون هذه معلومات عن موضع التليسكوب أو القياسات المأخوذة من مستشعرات الطقس.
التحريك أو التوجيه (Slew): ↑ حركة التليسكوب أثناء تدويره في موضعه لرصد الهدف.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
المراجع
[1] ↑ SkyNet. Available online at: https://skynet.unc.edu/
[2] ↑ Las Cumbres Observatory. Available online at: https://lco.global