ملخص
يمكننا رؤية الثلج في كل الأوقات؛ إما في صورة مكعباتٍ مع المشروبات المنعشة، أو عندما يتكتل متكونًا من مياه الأمطار المتساقطة في فصل الشتاء، أو في الأفلام السينمائية؛ كفيلم ”فروزن“ (Frozen)، أو فيلم ”الكوكب الأزرق“ (The Blue Planet). لكن هل خطر في ذهنك ولو مرة وتساءلت: كيف يتكوَّن الثلج بالضبط، وما العوامل التي تُحدِّد ملامح شكله الأخير؟ سنتقصى، في هذا المقال، كيفية تأثر عملية تكوّن الجليد بفعل حركة الماء خلال عملية التجمّد، وبفعل الاتجاه الذي تأتي منه البرودة، وبفعل الملح المُذاب في الماء.
كيف تتكون مكعبات الثلج في الفريزر؟
يمكنك أن تستكشف بنفسك كيفية تكُوَّن قطع الثلج، إذا كان لديك مُبرد (فريزر) في مطبخك. فكل ما عليك فعله هو أن تأتي بقوالب مكعبات الثلج، ثم تملأُها بالمياه، وتضعها في الفريزر ثم تنتظر إلى الغد. إذا لم يفتح أحدٌ الفريزر بعد وضعك لقالب مكعبات الثلج بداخله، فستتجمد المكعبات ببطء لتبدو للناظر وكأنها قطعة من الزجاج الشفاف. وهذا يعني أن ذرات الماء تتجمد متخذةً شكلًا بلوريًا منتظمًا.
لكن السؤال هنا: ماذا لو فتح شخص ما الفريزر؟ سوف تؤدي مقاطعة عملية تكوّن الثلج إلى ظهور أشكال غير منتظمة. وسيؤدي ذلك إلى تكون ثلج غير شفاف، لأن جزيئات الماء لم تكن متراصة بانتظام عند تجمُّدِها. وقد يتخلل الثلج طبقات غير شفافة، وقد يكون السطح أقل نعومة.
حركة مستمرة: موجات البحر تُعطل عملية تشكلّ الجليد
يزخر البحر بالموجات المتلاطمة المستمرة التي تعطل عملية تكُّون الجليد. وعندما يتكون الجليد في البحر، فإنه يبدو مختلفًا تمامًا عن نظيره الذي تكوَّن في فريزر الثلاجة. إذ يمر تكوُّن الجليد البحري بمراحل عديدة مختلفة عن تلك المذكورة سالفًا.
ففي البداية؛ تحدث مرحلة برودة المياه، التي ما تزال على حالتها السائلة (انظر الركن الأيسر العلوي من الشكل 1A). ثُم، هناك منطقة بدأ فيها الجليد بالتشكُل في صورة بلورات صغيرة على شكل إبرة تتجمع معًا لتكوين جليد ذائب (الشكل 1A، في المنتصف). يُعرقل الثلج الذائب الموج القادم من المياه المفتوحة إعاقة بسيطة، ولكن لا تزال هناك موجات كافية تمنع الإبر من التجمد معًا وتشكيل سطح جليدي أملس.
وفي بعض الأحيان خلال يوم هادئ يخلو من الموجات التي تعيق عملية تكون الجليد، يمكن أن تتجمد الإبر الثلجية معًا مكونةً طبقات الثلج حينها. في البداية، تكون هذه الطبقة شفافةً بما يكفي لرؤية الطحالب التي تنمو على القاع الرملي تحتها (انظر الشكل 1B). وبعد تكَوُّن هذه الطبقة الرقيقة، يمكن أن تتفتَّت إلى جُسيمات عديدة من الجليد الطافي على سطح المياه.
توجد عادةً أمواج خلال عملية تكوُّن الجليد، ويمكنك رؤية مكعبات الثلج [الشكل 1A (الركن السفلي الأيمن)، وC]. وتتكون أقراص الثلج عندما تتجمد الإبر الجليدية معًا بحيث تطفو على سطح البحر في هيئة قطع ثلجية أكبر حجمًا؛ ثم تقترب حواف القطع الثليجية عندما تحركها الأمواج وتصطدم ببعضها البعض. وتصبح حواف الجليد مستديرة بفعل هذه الاصطدامات، وتندفع القطع التي تنفصل فوق الجليد الطافي المستدير، مما يعطي أقراص الجليد بروزًا حول حوافها. وبمرور الوقت، تتجمد أقراص جليدية أصغر حجمًا معًا لتشكل أقراصًا أكبر فأكبر في الحجم حتى تتجمد معًا في نهاية الأمر لتغطي مساحات كبيرة من البحار (الشكل 1D).
من أعلى إلى أسفل: اتجاه عملية تجمّد المياه
لنفكر لوهلة؛ لِمَ يوجد ماء سائل تحت الجليد؟ لماذا لا يتكون الجليد بكامل عمق المياه، مثلما يحدث في مكعبات الثلج في الفريزر؟ حسنًا؛ بصورة ما، فإن عملية تكون الجليد في البحر لم تنته بعد. فلو كان الجو باردًا لمدة كافية، لكان من الممكن أن يتجمد المحيط بكامل عمقه. ولكن يوجد سببان يمكنهما تفسير لَمَ تبدو عملية تجمد المحيط بأكمله صعبة مقارنة بمكعبات الثلج داخل الفريزر - ولا تتعلق هذه الأسباب بوجود كمية أكبر من الماء في المحيط عما هو موجود في الفريزر.
فعندما يتكوّن الثلج في الفريزر، تكون مكعبات الثلج محاطة بالهواء البارد من كل اتجاه، على عكس ما يحدث في البحيرة أو المحيط، حيث يوجد الهواء البارد أعلى سطح الماء فقط، وهو ما يعني أن المياه لا تزال محاطة من الأسفل والجوانب بمزيد من المياه أو بقاع البحر/ البحيرة، والتي تعد أكثر دفئًا من الهواء. لذلك لا يمكن أن يحدث التبريد، وبالتالي التجمّد، إلا من أعلى إلى أسفل.
وأحيانا يمكننا حتى أن نرى أن الجليد يتكون من أعلى إلى أسفل. يوضح الشكل 2 سطح بحيرة متجمد، وفقاعات الهواء المحبوسة داخل الجليد. السؤال هنا: كيف تواجدت فقاعات الهواء هذه هناك؟ يتسم قاع البحيرة بطبيعته الطينية، وفي بعض الأحيان تصعد الفقاعات خلال الماء، لتصل إلى السطح. وحين تكون هناك طبقة جليد رقيقة تغطي البحيرة لا تتمكن فقاعات الهواء من الخروج من الماء وتبقى محبوسة تحت الجليد. ومع استمرار الهواء البارد القادم من أعلى السطح، يتشكل الجليد متجهًا إلى أسفل المياه، ويتكون حول الفقاعات، حتى يصبح الجليد في النهاية سميكًا بما يكفي ليحيط بالفقاعات بالكامل؛ واحدة تلو الأخرى. ومع استمرار تصاعد المزيد من فقاعات الهواء، فإنها تُحبس أيضًا داخل طبقات الثلج التي تزداد سماكة، أسفل أول طبقة من الفقاعات.
برودة من جميع الجوانب: مكعبات الثلج داخل الفريزر
إذا كان لديك فريزر (مبرد) قديم، فقد لا تتجمد مكعبات الثلج بشكل متساوٍ حتى مع وجود عُنصر التبريد ظاهرًا على الجدار الخلفي للمجمد. لملاحظة هذا، يمكنك إضافة قطرات من ألوان الطعام إلى الماء قبل وضع قالب الثلج داخل الفريزر. حيث لا تتناسب ألوان الطعام مع التركيب البلوري المنظم الذي يشكله الماء النقي عندما يتجمد، ومن ثم يُطرد اللون من التركيب البلوري، مما يثري المياه السائلة المتبقية بمزيد من الألوان، ويزيد من صعوبة تجمدها. يمكن أن يؤدي هذا إلى ظهور مكعبات متنوعة بأشكال طريفة كما هو موضح في الشكل 3. ففي الشكل 3B مثلًا، يمكنك أن ترى أن مكعبات الثلج في الصف الخلفي من الفريزر تبدو مختلفة للغاية عن تلك الموجودة في الصف الأمامي، رغم أنها مكونة من نفس الماء، ووضعت في قالب المكعبات ذاته، ومن ثم في الفريزر في نفس الوقت. وتوضح الصورة التي تُظهر مكعبات الثلج في الصف السفلي من القالب أن الثلج قد تكوّن بدايةً من جميع جوانب المكعب مرورًا باتجاه المنتصف، مما تسبب في إزاحة اللون من التركيب البلوري الخاص به حيث دُفع به باتجاه المنتصف. وفي الشكل 3A، والصف العلوي من الشكل 3B، يمكنك أن ترى أن طبقة الثلج الشفافة أكثر سمكًا في جانبٍ واحدٍ مقارنة بباقي الجوانب، وهو الجانب الذي كان يواجه الجزء الخلفي الذي يحتوي على عنصر التبريد، حيث كانت عملية التجميد هناك هي الأسرع. أما مكعبات الثلج في الصف الأمامي من القالب (الشكل 3C)، حيث تمت عملية التجميد من الأعلى في الأساس، فنجد أن اللون قد تجمد بالخارج صوب أسفل مكعب الثلج مما أدى إلى تكون ثلج شفاف بالأعلى وهبوط الثلج الملون إلى الأسفل. وتتشابه طريقة ”التبريد من الأعلى“ مع طريقة تجمّد البحيرات والبحار.
مزيد من التشويق: مياه البحر مالحة
يتشابه ما يحدث في تجربة تجميد المياه المضاف إليها ألوان الطعام مع ما يحدث في البحر، كما تساعدنا التجربة أيضًا على تفسير السبب وراء صعوبة تجمّد مياه البحر على هيئة مكعبات ثلج مقارنة بمياه الصنبور. بالطبع، لا تحتوي مياه البحر على ألوان طعام؛ ولكنها تحتوي على الملح، مما يجعل تفاعلها مشابهًا لتفاعل المياه المحتوية على ألوان الطعام. ولسوء الحظ، فإن الملح في مياه البحر ليس مرئيًّا كما هو الحال مع ألوان الطعام، ولكن الملح في مياه البحر عادة ما يكون أكثر من كمية ألوان الطعام الموجودة في المياه المستخدمة في مكعبات الثلج في الشكل السابق. لإعداد مياه تحتوي على نفس قدر الملح الموجود في مياه البحر، تضاف ملاعق صغيرة من الملح إلى كل لتر واحد من ماء الصنبور (تحتوي الملعقة الصغيرة على 5 جرامات من الملح، وعادة ما يحتوي اللتر الواحد من مياه البحر على 35 جرامًا من الملح). وينتج عن تجمد هذه المياه المالحة باستخدام قوالب الثلج العديد من الاستنتاجات المثيرة للاهتمام: أولًا، تستغرق عملية التجمد مدة أطول مقارنة بتجمد المياه العذبة. ثانيًا، لا تبدو مكعبات الثلج المصنوعة من المياه المالحة بنفس شفافية ونقاء مكعبات الثلج المكونة من المياه العذبة. ثالثًا، عندما يتم نزع مكعب الثلج من القالب، ستجد على الأرجح بعض المياه عالية الملوحة غير المجمدة في قاع القالب.
لمقارنة تركيب مكعبات الثلج المصنوعة من المياه العذبة وتلك المصنوعة من المياه المالحة، يمكن إضافة قدر صغير من ألوان الطعام بدقة إلى مكعبات الثلج (انظر الشكل 3D). إذ يكون للجليد المتجمد من الماء المالح هيكل مسامي يشبه الإسفنج، ويتسرب اللون من خلالها إلى داخل مكعب الثلج. وهذه هي المسام التي يندفع إليها الملح المُركَّز بينما تُكوِّن المياه العذبة الثلج من كل جانب. ومع ذلك، فإن مُكعبات الثلج المكونة من المياه العذبة عبارة عن كتلة صلبة من الجليد تتسلل من حولها ألوان الطعام.
مشاهدة الثلج!
إذا دققنا في الأمر، لوجدنا أن طريقة تكون الثلوج تخبرنا بكثير من المعلومات. فالنظر إلى الثلج والتفكير في السبب وراء الشكل الذي يتخذه يعد أمرًا مذهلًا حقًّا. إذ نفكر قائلين: هل قوطعت عملية التجميد؟ أي من الجوانب تعرض للتبريد أولًا؟
هل هناك مواد ذائبة داخل المياه؟ يجسد الشكل 4 موجزًا لما تعلمناه حول عملية تكوّن الثلوج. وفي المرة القادمة التي تنظر فيها إلى الثلج، يمكنك التعرف على الطريقة التي يتكون بها!
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.