ملخص
تعيش جميع الكائنات الحية في مجتمعات بيئية، وفيها يتفاعل كل نوع حي بطرق مختلفة ومهمة مع غيره من الكائنات على مدار حياته. ويعتبر النمل أحد أكثر المخلوقات تفاعلًا على سطح الأرض، حيث يعيش في مجتمعات يسودها الطابع الاجتماعي، كما أنه ينخرط في تفاعلات متنوعة مع الحيوانات والنباتات والبكتيريا والفطريات. ومن ثم، سيسلط هذا المقال الضوء على أوجه التفاعل الكبرى التي تحدث بين الأنواع المختلفة من الكائنات الحية في الطبيعة، والتي تعرف بالعلاقات التطفلية والتنافسية وتبادل المنفعة، كما سيعرض أيضًا أمثلة واقعية من العالم المذهل الذي يعيش فيه النمل.
المقدمة
فكّر في جميع أنواع التفاعلات التي تحدث بينك وبين الكائنات الحية على مدار اليوم. فأنت تتواصل مع غيرك من البشر؛ مثل أصدقائك وعائلتك وجيرانك وزملائك في الدراسة. وربما تلعب مع حيواناتك الأليفة أو غيرها من الحيوانات، كما أنك تتناول الطعام الذي يأتي من النباتات، بل وربما الحيوان. وتمامًا كما تفعل أنت في حياتك، تتفاعل جميع الكائنات الحية مع بعضها البعض، حيث تتفاعل النباتات والحيوانات والكائنات الدقيقة في البيئة التي تعيش فيها.
ويمكن أن تحدث هذه التفاعلات بين أفراد نفس النوع من الكائنات الحية؛ مثل عمليات التفاعل التي تحدث بينك وبين أصدقائك وعائلتك، أو بينك وبين الأنواع المختلفة من الكائنات الحية مثل الحيوانات والنباتات. وهنا نؤكد على أن بعض الكائنات الحية تتفاعل على نحو أكثر من غيرها. ويعتبر النمل أحد أكثر الكائنات الحية تفاعليةً في العالم، حيث يمكن لنملة واحدة أن تقوم بالآلاف من التفاعلات في اليوم الواحد [1]. إذ يمكن أن تتواصل مع شقيقتها من أجل إيجاد موقع الطعام، أو ربما تطعم ملكة المستعمرة، أو تعتني بصغار النمل في المستعمرة، أو ربما تتقاتل مع مستعمرات النمل المجاورة من أجل السيطرة على المكان (الشكل 1). وهذه أمثلة على عمليات تفاعل داخلية بين أفراد نفس النوع، بمعنى أنها تقع بين أفراد نوعٍ معين من الكائنات الحية. ولكن يتفاعل النمل أيضًا مع أنواع مختلفة من الكائنات الحية، إذ يتفاعل مع النباتات ومع غيرها من الحشرات والفطريات والبشر، وحتى البكتيريا! وتعرف التفاعلات التي تحدث بين الأفراد الذين ينتمون إلى نوعين أو أكثر من الكائنات الحية باسم ”التفاعلات القائمة بين الأنواع المختلفة“.
ويهتم علماء الأحياء بمعرفة كيفية تفاعل الأنواع المختلفة من الكائنات الحية مع بعضها البعض، حيث يمكن لهذه التفاعلات أن تؤثر على طريقة عيشها والطريقة التي تتطور بها عبر الزمن، فضلًا عن أن هذه التفاعلات من الممكن أن تؤثر على الأنظمة البيئية التي تحدث بداخلها [2]. وهناك الكثير من التفاعلات التي تحدث بين الأنواع المختلفة من الكائنات الحية في الطبيعة، ولذا يصنفها علماء الأحياء وفق عدد الأنواع المشتركة في التفاعل (مثل أن تكون تفاعلات بين أفراد من أنواعٍ مختلفة، أو تفاعلات بين أفراد نفس النوع)، كما يصنفونها كذلك وفق نتائج التفاعل على الكائنات الحية المنخرطة فيه؛ إما نتائج إيجابية أو سلبية أو محايدة. وسيضرب هذا المقال المثال بالنمل لتسليط الضوء على أوجه التفاعل الكبرى بين الأنواع الحية التي تحدث في محيطنا كل يوم في كل مكان في العالم.
التفاعلات السلبية بين الأنواع المختلفة من الكائنات الحية
تسفر العديد من التفاعلات التي تحدث بين الأنواع المختلفة من الكائنات الحية عن وجود فائزين وخاسرين: حيث يستفيد أحد الطرفين، بينما يعاني الطرف الآخر، وهو ما يُعرف بالتفاعلات السلبية بين الأنواع. فعلى سبيل المثال، يعتبر الافتراس أحد أنواع التفاعلات التي تحدث بين الأنواع والتي يلتهم فيها أحد الكائنات الحية (مفترس) الكائن الآخر (الفريسة) وهو الأمر الذي يعتبر مفيدًا للمفترس، لا الفريسة! ويمكن للأنواع المختلفة من النمل أن تأكل العديد من الأشكال المختلفة، وتعتبر بعض أنواع النمل مفترسات مهمة. وغالبًا ما يأكل النمل المفترس الحشرات الأخرى مثل النمل الأبيض، واليرقات، في حين تتغذى أنواع أخرى منه على النباتات والفطريات فقط. وتتغذى نملة ماتابيلي على نوٍع واحد فقط من الطعام، وهو النمل الأبيض. حيث ينظم هذا النوع من النمل عمليات صيد كبيرة تقوم فيها العاملات من النمل بتصفية الأرَض من المستعمرات واصطياد أكبر عددٍ يمكن لهم حمله منه، وإحضاره إلى عش النمل لتغذية يرقاتها [3] (الشكل 2). ولكن بالرغم من أن أنواعًا عديدة من النمل تنتمي لفئة المفترسات، فإنها يمكن أن تمثل فريسة أيضًا لحيوانات أخرى، إذ يحب الكثير من الحيوانات أكل النمل؛ فالطيور مثلا تعد من آكلات النمل، وحتى الإنسان في بعض أجزء العالم يلتهم النمل! ويعرف الحيوان الذي يأكل النمل باسم حيوان آكل النمل. وهنا نؤكد أن مؤلفي هذه الورقة البحثية قد أكلوا يرقات النمل التي أعدت لهم خصيصًا، ومن ثم يمكننا أن نؤكد أنها كانت لذيذة ومغذية.
وهناك نوعٌ آخر من التفاعلات السلبية يعرف باسم ”التطفل“. فعلى غرار ما يحدث في عملية الافتراس، تسفر علاقة التطفل عن فائزين وخاسرين، مع التأكيد على أن وجود الخاسرين ضروري لحدوث هذا التفاعل. إذ تحدث العلاقة التطفلية عندما يسرق أحد الكائنات الحية موردًا من موارد الطعام من غيره من الكائنات. فعلى سبيل المثال، تتطفل بعض أنواع النمل التي تعرف باسم ”النمل الاستعبادي“ على مستعمرات النمل المجاورة لتسرق يرقاتها، ثم إن هذا النمل الاستعبادي يرعى هذا النمل الصغير المسروق للعمل في مستعمرته. ويتطفل العديد من الكائنات الحية الأخرى على مستعمرات النمل، مثل ما تقوم به بعض أنواع محددة من الفراشات! حيث يخدع هذا النوع من الفراشات النمل عن طريق جعله يعتقد أن يرقات الفراشات ليست إلا يرقات للنمل، ومن ثم يقوم النمل بإحضار يرقات الفراش إلى داخل عشه ويطعمهما كما لو كانت نملة.
وحيث إن يرقة الفراش تستفيد من الطعام الذي كان سيُعطى لصغار النمل بدلًا عنها، فيعتبر هذا مثالًا على التفاعل التطفلي [4].
ويعتبر التنافس أو العلاقة التنافسية نوعًا آخر من أنواع التفاعل السلبي بين الأنواع المختلفة من الكائنات الحية. فهو يحدث بين اثنين من الكائنات الحية التي تتقاتل على نفس المورد، مثل الطعام أو المنطقة أو الزوجة. ويعتبر النمل من المنافسين الشرسين، وعلى الرغم من صغر حجمها إلا إنها تستطيع أن تتنافس مع كائنات حية أخرى أكبر كثيرًا من حجمها. وهناك بعض الأنواع من النمل تعيش في غابات السافانا في شرق أفريقيا ولا تبني أعشاشًا لها تحت الأرض ولكنها تعيش على الأشجار الشائكة. وتعتبر هذه الأشجار مصدرًا غذائيا شائعًا للحيوانات الكبيرة مثل الفيلة والزراف، وهو ما يعني أنه يتوجب على النمل حماية مساكنه من أن تلتهمه مثل هذه الحيوانات. فمن تُراه سيفوز في منافسة طرفاها نملة وفيل؟ من السهل أن تعتقد أن النملة لن تضاهي مثل هذه الحيوانات الضخمة، ولكن عندما يبدأ الفيل في التهام الشجرة التي يقيم النمل عليها منزله، فإن النمل سيرد بمهاجمته بقوة، حتى إنه يتسلق داخل خرطوم الفيل ليعضه ويلدغه.
التفاعلات الإيجابية بين الأنواع المختلفة من الكائنات الحية
على النقيض من عمليات الافتراس والتطفل والتنافس، لا تسفر التفاعلات التي تحدث بين بعض أنواع الكائنات الحية عن فائزين وخاسرين، بل يكون الجميع فائزًا فيها. فعندما يستفيد الطرفان من بعضهما البعض خلال أحد التفاعلات، يعتبر هذا النوع من التفاعلات بين الأنواع الحية تفاعلًا إيجابيًا، وغالبًا ما يعبر عنه بتبادل المنفعة. ومن الحقائق الشيقة عن النمل أنه يقيم العديد من علاقات تبادل المنفعة مع غيره من الكائنات الأخرى. وتشتمل بعض علاقات تبادل المنفعة هذه على حشرات أخرى، مثل حشرة المن. فحشرات المن صغيرة وطرية وبطيئة الحركة، وهي تتغذى على عصائر النباتات؛ وعلى الرغم من أن حشرات المن تبدو كفريسة سائغة ولذيذة للنمل، فإن غالبية النمل لا يتغذى عليها. بل على النقيض من ذلك، يقوم النمل بحماية المن من المفترسات الأخرى، بينما يتغذى هو (النمل) على السائل السكري المغذي الذي يخرجه المن. وحيث إن النمل يحصل على الطعام في حين يحصل المن على الحماية، فإن هذا النوع من التفاعل يعود بالنفع على كلا الطرفين.
كما يقيم النمل علاقات تبادل منفعة مع النباتات عن طريق حماية النباتات، على سبيل المثال، من الحيوانات آكلة العشب (مثل الفيلة)، كما ينظف النمل الفطريات من على أوراق النباتات، فضلًا عن أنه يغرس بذور النبات في التربة. وتتميز النباتات ذات الجذور الدموية بامتلاكها تراكيب خاصة تعرف باسم البلاستيدات الدهنية، والتي يحب النمل أن يأكلها. وعليه، فعندما يجد النمل واحدة من بذور هذا النوع من النبات، فإنه يأخذها إلى العش، حيث يزيل البلاستيدات الدهنية منها ويقوم بإطعامها ليرقات النمل. ثم تتخلص النملة بعد ذلك من البذرة تحت الأرض بطريقة نموذجية، فيما يمثل ذلك فرصة جيدة لنموها واستنباتها (الشكل 3). وعن طريق أخذ البذور إلى عش النمل، يكون النمل بهذا قد نقل البذور بعيدًا عن النبات الأم؛ ومن ثم فعندما تنبت الشتلات الجديدة، فإنها لن تتنافس مع النبات الأم على الضوء أو العناصر الغذائية. ويعتبر ذلك مفيدًا لكل من النباتات والنمل.
تعتمد الكثير من النباتات على النمل لنقل بذورها. وفي واقع الأمر، تعتبر عملية غرس البذور في الأرض عن طريق النمل شائعة جدًّا، حتى إن لها اسمها الخاص وهو ”الزراعة بالنمل“.
تشترك أنواع أخرى من النمل في علاقات تبادل منفعة مع الكائنات الحية الدقيقة؛ مثل الفطريات والبكتيريا. حيث يعيش النمل قاطع الأوراق في الغابات، وهو يشتهر بتقطيع أوراق النباتات إلى أجزاء صغيرة بحيث يحملها إلى أعشاشها (الشكل 4). ولكن النمل قاطع الأوراق لا يأكل أوراق النبات في واقع الأمر، بل يستخدمها بدلًا من ذلك في بناء أكوامٍ من السماد العضوي ينمو عليها نوعٌ معين من الفطر، حيث يقوم بعد ذلك بإطعام هذا الفطر إلى صغاره من النمل. ويستفيد النمل من هذا التفاعل، حيث يوفر الفطر الطعام للمستعمرة، كما يستفيد الفطر بدوره، حيث إن النمل يُحضِر له أوراقًا طازجة لينمو عليها، كما أن النمل يحمي الفطر من الحشرات، فضلًا عن أنه يحمل الفطر معه عند تشييد مستعمرات جديدة [5].
الخلاصة
تتفاعل الأنواع الحية المختلفة من حولنا مع بعضها بعضًا في جميع النظم البيئية؛ بداية من الصحراء ومرورًا بالغابات والأنهار والمحيطات وانتهاءً بالمزارع والمدن. وتعيش جميع الكائنات الحية داخل مجتمعات بيئية، كما أن لكل منها علاقات مهمة تربطها مع غيرها من الكائنات الحية. ويمكنك رؤية أمثلة على التفاعلات السلبية والإيجابية في النمل والإنسان وغيرها من الأنواع. والسؤال هنا: كيف يمكنك تصنيف التفاعل بين طفل وحيوانٍ أليف؟ ماذا عن العلاقة بين البستاني والخضراوات؟ أو بين النحلة والزهرة؟ وماذا عن العلاقة بين الإنسان والنمل؟ نأمل أن تلاحظ وتفكر في التفاعلات التي تحدث من حولك كل يوم على الرغم أنه من السهل ألا تلاحظها. فكلما عرفنا المزيد عن التفاعلات بين النباتات والحيوانات والكائنات الحية الدقيقة، ازداد فهمنا لكيفية قيام الأنواع الحية والمجتمعات البيئية بوظيفتها بالإضافة إلى كيفية تطورها.
إقرار
منحنا Piotr Naskrecki مشكورًا الإذن لاستخدام صورته كأساسٍ للصورة الأصلية، هجوم النمل الأبيض (الشكل 2). دُعمت المؤلفة MW من قبل مؤسسة العلوم الطبيعية لزمالة أبحاث ما بعد الدكتوراة في مجال علم الأحياء.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
المراجع
[1] ↑ Chomicki, G., and Renner, S. S. 2017. The interactions of ants with their biotic environment. Proc. R. Soc. B Biol. Sci. 284:20170013. doi: 10.1098/rspb.2017.0013
[2] ↑ Barraclough, T. G. 2015. How do species interactions affect evolutionary dynamics across whole communities? Annu. Rev. Ecol. Evol. Syst. 46:25–48. doi: 10.1146/annurev-ecolsys-112414-054030
[3] ↑ Schmidt, C. A., and Shattuck, S. O. 2014. The higher classification of the ant subfamily Ponerinae (Hymenoptera: Formicidae), with a review of ponerine ecology and behavior. Zootaxa 3817:1–242. doi: 10.11646/zootaxa.3817.1.1
[4] ↑ Als, T. D., Vila, R., Kandul, N. P., Nash, D. R., Yen, S. H., Hsu, Y. F., et al. 2004. The evolution of alternative parasitic life histories in large blue butterflies. Nature 432:386–90. doi: 10.1038/nature03020
[5] ↑ Hölldobler, B., and Wilson, E. O. 2011. The Leafcutter Ants: Civilization by Instinct. New York, NY: Norton.