ملخص
يستمتع جميع الناس بزيارة الشاطئ، واللعب في الماء، أو السباحة فيه، ولكن أحيانًا يُمكن أن يتسبب ارتطام الأمواج بالشاطئ في خلّق تيارات قوية ضيقة يُمكنها سحبك من العمق الذي أنت عليه، إلى مياهٍ أكثر عمقًا، حيث يُحتمل أن تجد نفسك في مأزق. ونسمِّي هذه التيارات "التيارات الساحبة“، وتُعد السبب الرئيسي وراء حوادث الغرق، ومحاولات الإنقاذ على شواطئ ركوب الأمواج. وتُعد “السباحة بالقرب من حراس الإنقاذ، وتجنب السباحة إذا لم يتواجد أيٌ منهم”؛ هي أفضل الطرق للبقاء آمنًا على هذه الشواطئ. ويوجد أمران مهمان بشأن التيارات الساحبة ينبغي لك معرفتهما: (1) كيفية رصدها والتعرف عليها، و(2) ما يجب فعله إذا علقت داخل أحد التيارات. وهذا ما نريد أن نخبرك به في هذا المقال!
مقدمة
من الأنشطة الممتعة على الشاطئ مشاهدة الأمواج واللهو معها، والتي تتكون على الأرجح على بعد مئات الأميال من الشاطئ.
تقطع هذه الأمواج مسافات طويلة في المياه العميقة قبل أن تصل إلى الشاطئ. وبينما تصبح المياه أكثر ضحالة، تتباطأ الأمواج ثم تصبح أكثر انحدارًا، حتى تنهار أخيرًا وتنكسر. وتقذف الأمواج المنهارة الكثير من الفقاعات الهوائية في الماء؛ ما يجعل المياه تبدو بيضاء وذات رغوة، وتُسمَّى “المياه البيضاء”. وتنهار معظم الأمواج في منطقةٍ تُسمى “بمنطقة ركوب الأمواج”، لأن هذا هو المكان الذي يُمكنك فيه اللحاق بالأمواج ثم ركوبها!
وبينما تتحرك المياه البيضاء نحو الشاطئ، لا تستمر المياه في التجمع والتراكم على الشاطئ ببساطة (وإلا كان الشاطئ سينغمر بأكمله تحت المياه)، بل تتدفق المياه وتعود أدراجها بعيدًا عن الشاطئ؛ وهذا بفضل تيارات قوية وضيقة تسمى التيارات الساحبة. ورغم وجود أنواع مختلفة ومتعددة من هذه التيارات الساحبة، فإن معظمها وببساطة يشبه الأنهار، حيث تتدفق تلك التيارات في قنواتٍ عميقة بين الحواجز الرملية الضحلة. وتُعتبر الحواجز الرملية تلالًا رملية تختلف في شكلها وحجمها، وتتواجد تحت الماء، وبها قنوات عميقة تتدفق من خلالها المياه. وتتكون التيارات الساحبة بفعل الأمواج المنهارة، بينما تؤدي الحواجز الرملية دورًا مهمًّا في تكوين تلك التيارات. وبما أن الأمواج تنهار بشكل رئيسي في المناطق الضحلة، نلاحظ وجود الكثير من الأمواج المنهارة والمياه البيضاء عبر الحواجز الرملية، ولكننا لا نجد العدد نفسه من الأمواج عبر القنوات؛ حيث تكون المياه أكثر عمقًا. وهذا يعني أن أسهل الطرق بالنسبة للمياه كي تتجه عائدةً بعيدًا عن الشاطئ؛ هي القنوات الأكثر عمقًا التي يتكون فيها معظم التيارات الساحبة [1]. يوضح الشكل 1 كيف يبدو نمط دوران المياه هذا. فالتيارات الساحبة لا تتواجد في كل الشواطئ، ولكن إذا راقبتَ الأمواج المنهارة (المياه البيضاء) في إحدى مناطق ركوب الأمواج الواسعة، فقد تلاحظ أحد هذه التيارات.
لِمَ تُعد التيارات الساحبة خطيرة؟
حتى في الأحوال الجوية المستقرة، قد تتدفق هذه التيارات الساحبة سريعًا بعيدًا عن الشاطئ من خلال تلك القنوات، وأحيانًا يحدث ذلك بسرعة 2 متر/ثانية (أي 2.2 ياردة/ثانية)؛ أي ما يعادل سرعة بعض السبَّاحين في الألعاب الأوليمبية! وهذا يعني أنه حتى التيارات الساحبة متوسطة القوة، يُمكنها سحب السبَّاحين بمختلف قدراتهم بعيدًا عن الشاطئ. ويُمكن لأي تيار ساحب تحريك أي شخص ببساطة لمسافة تعادل امتداد أحد ملاعب كرة القدم في دقيقةٍ واحدة. وما يجعل هذه التيارات خطيرةً هو أنك لا تشعر بأي شيء سوى أنك تتحرك مع التيار حيث لا تشعر بالخوف إلا عندما تُفاجأ بنفسك متواجدًا بعيدًا عن المنطقة الآمنة من الشاطئ، وحينها يبدأ معظم الناس في الشعور بالفزع. وعندما يشعر الناس بالفزع، يحاولون عادةً السباحة عائدين إلى الشاطئ في اتجاهٍ معاكس للتيار؛ وقد يعرضهم ذلك لخطر استنفاذ كامل طاقتهم.
هناك العديد من الخرافات الرائجة حول التيارات الساحبة. إحداها: أن التيار الساحب تيارٌ معاكس يتواجد تحت الماء ويسحبك بقوة أسفل الماء [2]. وتتسبب هذه الخرافة في شعور الناس بالفزع عندما يتخيلون أنهم قد علقوا بأحد هذه التيارات؛ فهم لا يرغبون في أن يُسحبوا أسفل الماء! إلا أن التقييمات العلمية تشير إلى أن التيارات الساحبة لا تسحبك لأسفل [3]. ومن الخرافات الأخرى، أن التيارات الساحبة ستظل تسحبك بعيدًا عن الشاطئ دون توقف. وهذا أيضًا اعتقاد خاطئ؛ حيث إن معظم التيارات تسحبك إلى الداخل حتى تصل إلى المكان الذي تنهار فيه الأمواج، وأحيانًا إلى مكانٍ أبعد قليلًا، ولكنها تتوقف في نهاية المطاف.
لسوء الحظ، يعلّق الناس بالتيارات الساحبة على الشواطئ في جميع أنحاء العالم، وتنطوي عمليات الإنقاذ التي يقوم بها حراس الإنقاذ، على إنقاذ الأشخاص العالقين في تلك التيارات. ويُشير هذا إلى أن عشرات الآلاف من الناس يعلقون في التيارات الساحبة كل عام. وبالتأكيد أنه لولا المساعدة المقدمة من حراس الإنقاذ، لكان من المحتمل وقوع عدد مهول من حالات الغرق. إذن، لماذا يتورط الكثير من الناس مع التيارات الساحبة؟ هذا لأنهم لا يسبحون بالقرب من حراس الإنقاذ، أو ليسوا على علمٍ بكيفية رصد التيار الساحب، أو لا يعلمون بما يُسمَّى بالتيار الساحب من الأساس أو آلية حدوثه.
كيف أتجنَّب التيارات الساحبة؟
أفضل الطرق لتجنًّب التورط مع التيارات الساحبة؛ هي تعلُّم كيفية تجنب هذه التيارات في المقام الأول. فكما ذُكر سابقًا، أفضل الطرق لتظل آمنًا؛ هي السباحة دائمًا بالقرب من أحد حراس الإنقاذ، أو في المناطق التي حدّدها حراس الإنقاذ باعتبارها مناطق آمنة للسباحة. والمناطق الآمنة في الدول مثل: أستراليا، ونيوزيلندا، والمملكة المتحدة هي:
منطقة مُحدّدة بزوجين من الأعلام ذات اللونين الأحمر والأصفر، والتعليمات هي: “اسبح دائمًا بين هذه الأعلام” (الشكل 2). ينتشر حراس الإنقاذ في الدول الأخرى على طول الشاطئ، ويوجد في تلك الدول أعلام ملوَّنة مختلفة تشير إلى مستوى السلامة - تمامًا مثل دولة الولايات المتحدة - حيث يشير العلم الأحمر إلى الظروف الخطيرة، والعلم الأخضر إلى الظروف الآمنة للسباحة.
إلَّا أن حراس الإنقاذ ليسوا موجودين دائمًا. وفي هذه الحالة، ينبغي لك اتّباع التعليمات دائمًا: “إذا لم تكن واثقًا، فلا تخرج إلى السباحة”، أو تأكد من جعل ارتفاع الماء لا يزيد مُطلقًا عن ارتفاع خصر الجسم، وخاصةً إذا كنت سبَّاحًا مبتدئًا. وحافِظ دائمًا على تثبيت أقدامك على الرمل.
قد تكون هناك إشارات تحذيرية على بعض الشواطئ تشير إلى وجود مخاطر مثل التيارات الساحبة. وينبغي لك إلقاء نظرة على الإشارات الموجودة على الشاطئ لأنها ربما تشير إلى مواقع التيارات الساحبة، أو تنبهك بوجود مخاطر أخرى. وإذا لم يكن هناك أي حارس من حراس الإنقاذ، أو أي إشارات، وما زلت ترغب في السباحة (وهو أمرٌ غير موصَّى به!)، فيجب عليك أن تضع في حسبانك أنه ربما توجد تيارات ساحبة. وفي هذه الحالة، تعد معرفة كيفية تحديد التيارات الساحبة أمرًا بالغ الأهمية.
قد تكون مهمة تحديد التيارات الساحبة صعبة قليلًا عليك، إذا لم تكن على علمٍ بما يتوجب تفقده. إذ تختلف التيارات الساحبة في شكلها عن المياه المحيطة بها. هل تتذكر أننا ذكرنا سابقًا أن التيارات الساحبة تحدث في قنوات عميقة، حيث لا توجد أمواج منهارة؟ هذا هو المفتاح الأول لكيفية تمكننا من تحديد هذه التيارات. تفقَّد المناطق في المياه التي لا توجد بها أمواج منهارة، وخاصةً الفجوات الضيقة من المياه الأكثر ظُلمةً وهدوءًا التي تمتد بعيدًا عن الشاطئ. فربما تكون هذه أحد التيارات الساحبة، وهناك أمثلة جيدة على ذلك مبينة في الشكل 3. ولأن التيارات الساحبة تبدو هادئةً؛ يعتقد بعض الناس أنها أكثر الأماكن أمانًا للسباحة، وغالبًا ما يُفضِّلون الدخول إلى المياه والتواجد داخل التيار الساحب بالفعل! وبينما تحمل التيارات الساحبة المياه بعيدًا عن الشاطئ، والأمواج تدفع المياه تجاه الشاطئ، تحدث بعض التداخلات، ويبدو سطح المياه التي بها أحد التيارات الساحبة أنه غير مستوٍ، أو أن تكوينه مختلف عن المياه المحيطة.
تحمل التيارات الساحبة المخلفات الطافية على سطح الماء، مثل: الرغاوي وجسيمات الرمال، بعيدًا عن الشاطئ (الشكل 3D). وأحيانًا يصعُب التعرف على هذه التلميحات المرئية، لذا فأنت بحاجةٍ إلى استغراق دقائق عديدة لمراقبة المياه، وملاحظة تلك الإشارات الدالة على وجود التيارات الساحبة.
ماذا تفعل إذا علّقت في أحد التيارات الساحبة؟
إذا اعتقدت بأنك قد علقت في أحد التيارات الساحبة، فحاول أن تهدأ، وتذكَّر أن التيار الساحب لن يسحبك أسفل المياه، بل سيأخذك في رحلةٍ قصيرةٍ فحسب. فإذا كنت على أحد الشواطئ التي يوجد بها حراس إنقاذ، فارفع أحد ذراعيك في الهواء لإرسال إشارة طلبًا المساعدة، بينما حاول أن تظل مستقرًا في المياه ومحافظًا على إبقاء رأسك فوق المياه دون بذل جهد كبير. وسوف يلاحظ حراس الإنقاذ هذه الإشارة ويأتون لإنقاذك، وربما، بتلك الإشارة، تُلفت انتباه السبَّاحين أو راكبي الأمواج الآخرين في هذه المنطقة الذين يُمكنهم مساعدتك على الخروج. وقد أوضحت بعض الأبحاث أن التيارات الساحبة عادةً ما ستجلبك في النهاية إلى الشاطئ مرةً أخرى [4]، لذا تأكد فقط أن تطفو على سطح الماء ووفر طاقتك.
وإذا اعتقدت بالفعل أنك لا تتجه نحو الشاطئ وأن أحدًا لم ينتبه إليك، فيجب عليك حينها أن تتذكر أنه حتى السباحون في الألعاب الأوليمبية لا يُمكنهم السباحة خروجًا من التيارات الساحبة، لذا لا تحاولْ السباحة عكس اتجاه التيار عائدًا مباشرةً إلى الشاطئ. وبدلًا من ذلك، حاول أن تكتشف الاتجاه الذي يدفعك فيه التيار الساحب ثم اسبح معه ببطء عبر التيار - ولكن بانتظام - إلى أحد الجانبين واستهدف المناطق التي بها المياه البيضاء. كما أن التيارات الساحبة لا يزيد عرضها عامةً عن 15 مترًا (16.4 ياردة)، لذا فأنت فقط تحتاج إلى السباحة لمسافةٍ قصيرة في محاولتك للخروج من التيار. وبمجرد أن تخرج منه، ينبغي أن تكون قادرًا على أن تنهض وتعود أدراجك نحو الشاطئ في المناطق التي تلاحظ وجود أمواج منهارة فيها.
وهذه مجرد نظرة عامة وسريعة على كيفية تحديد التيارات الساحبة، وكيفية الهرب منها. هناك العديد من الموارد المعلوماتية الجيِّدة حيث يُمكنك تعلُّم المزيد عن التيارات الساحبة1.
الخلاصة
التيارات الساحبة عبارة عن تدفقات خطيرة من المياه تبتعد عن الشاطئ، ويُمكنك ملاحظتها على الشواطئ التي توجد بها أمواج تنهار في مناطق ركوب الأمواج، وتتسبب هذه التيارات في إيقاع الكثير من الناس في مشكلات خلال السباحة. وغالبًا ما تحدث التيارات الساحبة في القنوات الأكثر عمقًا، بين المناطق التي تنهار بها الأمواج، ويُمكنها التدفق بسرعة تصل إلى 2 م/ث. ومن الأهمية بمكان الاستعانة بالمهارات التي تعلمتها في هذا المقال لمحاولة تحديد التيارات الساحبة، ومن ثمَّ يُمكنك تجنب تلك التيارات خلال التواجد على الشاطئ.
ويُمكنك تفقُّد المناطق التي يوجد بها مياه هادئة بين مناطق الأمواج المنهارة، أو تحرك المخلفات والترسبات بعيدًا عن الشاطئ. وإذا علقت بأحد التيارات الساحبة، فعليك الهدوء، وحاول أن تطفو على سطح الماء، وتذكَّر أن التيار لن يسحبك أسفل المياه. ويُمكنك رفع أحد ذراعيك لإرسال إشارة طلبًا للمساعدة، وابقَ طافيًا واسبح ببطء تجاه الأمواج المنهارة الموجودة على أي جانب من جانبي التيار؛ لتساعدك على العودة مرةً أخرى إلى الشاطئ. وبالطبع، السباحة دائمًا بالقرب من أحد حراس الإنقاذ؛ هي الطريقة المُثلى لتظل آمنًا!
مسرد للمصطلحات
التيار الساحب (Rip Current): ↑ تدفق قوي لمياه البحر يتواجد على الشاطئ، ويُمثِّل خطرًا على حياة الإنسان.
الحاجز الرملي (Sandbar): ↑ تلال رملية تختلف في شكلها وحجمها، وتتواجد تحت الماء وبها قنوات عميقة تتدفق المياه من خلالها.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
الحواشي
1 ↑ National Oceanic and Atmospheric (NOAA) ، المورد العلمي للتيارات الساحبة: Rip Current Science Resource: https://www.weather.gov/safety/ripcurrent-science
Beachsafe—Surf Life Saving Australia: https://beachsafe.org.au/surf-safety/ripcurrents
Science of the Surf: http://www.scienceofthesurf.com
RNLI DRIBs (UK): http://www.ripcurrents.co.uk/
المراجع
[1] ↑ Castelle, B., Scott, T., Brander, R. W., and McCarroll, R. J. 2016. Rip current types, circulation and hazard. Earth Sci. Rev. 163:1–21. doi: 10.1016/j.earscirev. 2016.09.008
[2] ↑ Gallop, S. L., Woodward, E., Brander, R. W., and Pitman, S. J. 2016. Perceptions of rip current myths from the central south coast of England. Ocean Coast. Manage. 119:14–20. doi: 10.1016/j.ocecoaman.2015.09.010
[3] ↑ MacMahan, J., Brown, J., Brown, J., Thornton, E., Reniers, A., Stanton, T., et al. 2010. Mean Lagrangian flow behavior on an open coast rip-channeled beach: a new perspective. Mar. Geol. 268:1–15. doi: 10.1016/j.margeo.2009.09.011
[4] ↑ Pitman, S., Gallop, S. L., Haigh, I. D., Masselink, G., and Ranasinghe, R. 2016. Wave breaking patterns control rip current flow regimes and surfzone retention. Mar. Geol. 382:176–90. doi: 10.1016/j.margeo.2016.10.016