ملخص
هل سبق لك أن سبحت في المحيط وأعجبت بمنظر الأسماك العديدة التي تعيش في الشعاب المرجانية؟ هل لاحظت الهياكل الملونة التي تشبه الصخور؟ هذه الصخور الملونة هي في الواقع حيوانات تسمى حيوانات المرجان. حيوانات المرجان هي العناصر الأساسية التي تتكون منها الشعاب المرجانية وتوفر موئلًا للعديد من الأنواع البحرية. ومع ذلك، فإن حيوانات المرجان حساسة للغاية للتغيرات البيئية. فلقد تسبب تأثير الأنشطة البشرية في ارتفاع درجة حرارة محيطاتنا. وتصارع حيوانات المرجان من أجل البقاء على قيد الحياة. ولكن هناك أمل: فقد تعلمت بعض حيوانات المرجان كيف تعيش في مياه دافئة، مثل البحر الأحمر، وفي أماكن تتسم بالمناخ الحار في الصيف. وهذا يبين لنا أن هناك فرصة لحيوانات المرجان للنجاة. لقد درسنا حيوانات المرجان التي تعيش في البحر الأحمر ووجدنا أنها تكيفت مع المياه الدافئة باستخدام آليات محددة، وبعض المساعدة من أصدقائها من الطحالب. نأمل أن نتمكن من التوصل إلى طريقة لمساعدة حيوانات المرجان الأضعف والأكثر عرضة للخطر من خلال معرفة ما يعزز من قوة بعض هذه الحيوانات.
الحياة الحساسة لحيوانات المرجان
تنتمي حيوانات المرجان إلى فصيلة اللافقاريات، وهي نفس الفصيلة التي ينتمي إليها قنديل البحر وشقائق النعمان. تمتلك حيوانات المرجان هيكلًا يشبه العظام يميزها عن باقي أعضاء فصيلتها.
تعيش حيوانات المرجان مع طحالب صغيرة تسمى المتعايشات. تساعد حيوانات المرجان والطحالب بعضها البعض على التعايش. وهذا ما يعرف بالتعايش في علاقة تكافلية. تمنح حيوانات المرجان الطحالب الحماية، وتمنح الطحالب حيوانات المرجان الطاقة اللازمة لبناء هيكل ضخم [1].
عندما تحدث تغيرات بيئية كثيرة، تتعرض حيوانات المرجان والطحالب للإجهاد والضغط، وتفشل في التواصل بشكل جيد. ثم تتوقف عن مساعدة بعضها بعضًا، وتترك الطحالب حيوانات المرجان. ولأن الطحالب هي السر وراء اكتساب حيوانات المرجان لألوانها الجميلة، تتحول حيوانات المرجان إلى اللون الأبيض بعد مغادرة الطحالب لها. هذا ما نعرفه باسم ابيضاض حيوانات المرجان. ومن الأسباب الرئيسية لانفصال حيوانات المرجان والطحالب ارتفاع درجات الحرارة. إذ يؤدي ارتفاع درجات حرارة المياه إلى إجهاد حيوانات المرجان والطحالب وبالتالي يؤدي إلى عملية الابيضاض. هذا وقد أدى تغير المناخ وغيره من التأثيرات البشرية إلى زيادة درجات حرارة المحيطات في جميع أنحاء العالم. وتشهد الشعاب المرجانية صيفًا أكثر سخونة في كل عام. والسؤال الواجب طرحه هنا هو: مقدار الحرارة التي يمكن أن تعيش فيها الشعاب المرجانية؟
فحص الخلايا لكشف أسرار حيوانات المرجان
قبل ابيضاض حيوانات المرجان، لا تظهر علامات كثيرة أخرى تدل على الإصابة بالإجهاد. لذا، فإذا أردنا أن نفهم الحالة الصحية لحيوانات المرجان، فعلينا أن ندرس خلاياه. لدينا الكثير من المعلومات داخل الخلايا، بما في ذلك الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (DNA)، والحمض النووي الريبي (RNA)، والبروتينات. يمكن أن تساعدنا هذه الجزيئات في العثور على أدلة حول الاتصال بين حيوانات المرجان والطحالب. ولكن أيضًا، يمكن لهذه الجزيئات أن تعلمنا كيف نعرف متى يصيب الإجهاد حيوانات المرجان.
عندما يتعرض كائن حي للإجهاد، ستتفاعل كل خلية في جسمه مع هذا الإجهاد. وستفعل جميع الأعضاء ما بوسعها للبقاء على قيد الحياة. لمواجهة الإجهاد، ستستخدم الخلية حمضها النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (DNA) لإنتاج الحمض النووي الريبي (RNA)، بحيث يمكنها بعد ذلك إنتاج البروتينات التي تقاوم الإجهاد (الشكل 1). إذا تعرض كائن حي للإجهاد من قبل، فيمكنه مواجهة الإجهاد بشكل أسرع وأفضل. اعتبر الأمر يشبه زيارة مدينة: في أول مرة تزورها فيها، ستحتاج إلى خريطة للعثور على فندقك. كلما زرت المدينة كثيرًا، قلت حاجتك للخريطة لأنك ستتذكرها، وستعود إلى الفندق بشكل أسرع. تتذكر حيوانات المرجان التي كانت تعيش في المياه الساخنة أفضل طريقة للنجاة والتعايش. يمكننا رؤية هذه الذاكرة في الخلايا. إذ تبدأ الخلايا التي تعرضت للإجهاد في الماضي في إنتاج بروتينات مختلفة وإنتاج البروتينات المناسبة أسرع. لذا، فهي تقاوم بطريقة تختلف عن حيوانات المرجان التي لم تعش في المياه الساخنة من قبل. تتيح لنا دراسة هذه الاختلافات معرفة ما يجعل بعض حيوانات المرجان قادرة على تحمل الحرارة بينما يفشل بعضها الآخر في ذلك.
دراسة حيوانات المرجان ذات القدرة الجيدة على التأقلم مع درجات الحرارة العالية
يمكن أن تتمتع حيوانات المرجان بمستويات متفاوتة من القدرة على مقاومة ارتفاع درجات الحرارة. ويمكن أن تؤثر البيئة التي تنمو فيها حيوانات المرجان على سلوكها. تعلمت العديد من أنواع حيوانات المرجان العيش في المياه الأكثر حرارة في العالم، مثل البحر الأحمر أو الخليج العربي. هذا يوضح أن حيوانات المرجان قادرة على التكيف مع البيئات الأكثر إجهادًا. لمعرفة ما يجعل بعض حيوانات المرجان أكثر قدرة على التحمل من غيرها، استخدمنا نموذجًا حيًا وهو: شقائق النعمان البحرية الصغيرة من نوع الإيبتاسيا (Aiptasia). ترتبط شقائق النعمان بحيوانات المرجان، ولكن دراسة الإيبتاسيا أسهل من غيرها من حيوانات المرجان، لأنها تنمو بسرعة وليس لها هيكل عظمي. أردنا أن نفهم ما الذي يجعل بعض الحيوانات تتمتع بقدرة أفضل من غيرها على التأقلم مع درجات الحرارة. ما الذي تفعله هذه الحيوانات بشكل مختلف للتعايش مع الحرارة لهذا درسنا الإيبتاسيا من أماكن مختلفة حول العالم: كارولينا الشمالية، وهاواي، والبحر الأحمر (الشكل 2).
أخذنا شقائق النعمان من كل مكان من هذه الأماكن ووضعناها في درجة الحرارة نفسها وهي 25 درجة مئوية لأكثر من عام واحد. بالنسبة لبعض الأنواع من شقائق النعمان، قمنا بتسخين الماء ببطء حتى 32 درجة مئوية. تعرضت شقائق النعمان للإجهاد الحراري لمدة 24 ساعة. بعد ذلك، أخذنا خلايا من شقائق النعمان لمقارنة مستويات الإجهاد والمقاومة. سمحت لنا دراسة الحمض النووي الريبي (RNA) والبروتينات في خلايا شقائق النعمان بعقد مقارنة بين كيفية تعامل أنواع شقائق النعمان المختلفة مع درجة الحرارة.
التخلص من المواد الكيميائية السامة لتحمل الإجهاد الحراري
عندما تتعرض الكائنات إلى الإجهاد، فإنها تنتج عددًا من المواد الكيميائية السامة. في معظم الأوقات، تتمكن كل خلية في الجسم من التخلص من المواد الكيميائية قبل أن تصبح خطرة. لكن في بعض الأحيان، وخاصة في حالة التعرض للإجهاد الشديد، لا تتمكن الخلايا من التخلص من المواد الكيميائية الناتجة عن الإجهاد. ثم تتراكم هذه المواد الكيميائية حتى تصبح سامة وتلحق أضرارًا جسيمة بالخلايا. إحدى المواد الكيميائية الشائعة التي تزداد استجابة للإجهاد تُسمى أنواع الأكسجين التفاعلية (ROS).
تُعد أنواع الأكسجين التفاعلية منتجًا جانبيًا عاديًا لعملية التنفس الخلوي، وهو مصطلح علمي يُطلق على الطريقة التي تنتج من خلالها الخلايا الطاقة التي تحتاجها للعيش. يعمل الإجهاد على زيادة كمية الطاقة التي تنتجها الخلايا، والذي بدوره يؤدي إلى زيادة مستويات أنواع الأكسجين التفاعلية. نظًرًا لما يخلفه إنتاج المزيد من أنواع الأكسجين التفاعلية من سموم، فقد ارتبط إنتاج أنواع الأكسجين التفاعلية بابيضاض شقائق النعمان، كما هو الحال مع حيوانات المرجان. تتمثل المشكلة الأكبر في أنه ليس على شقائق النعمان التعامل فقط مع أنواع الأكسجين التفاعلية الخاصة بها، ولكن أيضًا مع أنواع الأكسجين التفاعلية التي تنتجها الطحالب التي تعيش معها. يمكن أن تنقل الطحالب أنواع الأكسجين التفاعلية التي تنتجها إلى شقائق النعمان [3]. مما يتسبب في زيادة مستوى السموم الكلي لأنواع الأكسجين التفاعلية في شقائق النعمان. يمكن لشقيقة النعمان، التي تتمكن من إزالة سمية أنواع الأكسجين التفاعلية بشكل صحيح حتى في حالة تعرضها للإنهاك، أن تتكيف مع درجات الحرارة المرتفعة بشكل أفضل من تلك التي تواجه مشكلة في إزالة سمية أنواع الأكسجين التفاعلية. عقدنا مقارنة بين شقائق النعمان المأخوذة من المواقع الثلاثة من خلال قياس مستويات أنواع الأكسجين التفاعلية قبل وبعد تعرضها للإجهاد الحراري. وكان لشقائق النعمان التي تعيش في البحر الأحمر أدنى مستويات من أنواع الأكسجين التفاعلية. توضح لنا هذه النتيجة أن شقائق نعمان البحر الأحمر يمكن أن تعيش في المياه الدافئة نظرًا لقدرتها على التخلص من المواد الكيميائية السامة، مثل أنواع الأكسجين التفاعلية، بشكل أسرع من شقائق النعمان الأخرى. نظرًا لأن شقائق النعمان مرتبطة بحيوانات المرجان، فمن المحتمل بشكل كبير أن تؤدي عملية التخلص من المواد الكيميائية السامة هذه إلى الحفاظ على صحة حيوانات المرجان في المياه الدافئة أيضًا.
الطحالب تساعد شقائق النعمان على التكيف مع درجة الحرارة
نحن نعلم أنه يمكن للطحالب نقل أنواع الأكسجين التفاعلية إلى شقائق النعمان. لذلك، كلما زاد تعرض الطحالب للإجهاد، زاد تعرض شقائق النعمان للإجهاد. لا يمكننا دراسة شريك واحد دون الأخر في الأنظمة المعقدة مثل الشعاب المرجانية.
نرى أن شقائق نعمان البحر الأحمر قد تمكنت من البقاء على قيد الحياة في المياه الدافئة نظرًا لقدرتها على التخلص من المواد الكيميائية السامة بسرعة. بعد ذلك، كنا بحاجة إلى فهم ما إذا كانت الطحالب تساعد شقائق النعمان أم تؤذيها. قمنا بقياس تركيز أنواع الأكسجين التفاعلية التي تنتجها الطحالب عندما كانت تعيش داخل شقيقة النعمان بالمقارنة مع تركيزها عندما كانت تعيش خارجها (الشكل 3).
في شقائق نعمان البحر الأحمر، تبين لنا أن تركيز أنواع الأكسجين التفاعلية أقل في الطحالب التي تعيش داخل شقائق النعمان وخارجها، وهذا يعني أن الطحالب التي تعيش في البحر الأحمر أقل عرضة للإجهاد الناجم عن درجات الحرارة الدافئة من تلك التي تعيش مع شقائق نعمان كارولينا الشمالية أو هاواي. من خلال التعامل مع الإجهاد بشكل أفضل، تمكنت الطحالب من إنتاج كمية أقل من أنواع الأكسجين التفاعلية. وهذا يعني أنه قد تم نقل كمية أقل من أنواع الأكسجين التفاعلية إلى شقيقة النعمان، لذلك وبشكل عام، فإن كلا الكائنين لديهما كمية أقل من المواد الكيميائية السامة للتعامل معها. وعليه فإن شقائق النعمان التي تعيش في البحر الأحمر أقل عرضة للإجهاد من تلك التي تعيش في مناطق أخرى. أظهرت مستويات أنواع الأكسجين التفاعلية، التي تنتجها الطحالب في شقائق النعمان الأخرى، أن الطحالب الأخرى أكثر حساسية للحرارة (الشكل 3). بوسعنا رؤية أنه يمكن للطحالب مساعدة شقائق النعمان، وكذلك أيضًا حيوانات المرجان، على التكيف بشكل أفضل مع درجات الحرارة المرتفعة.
الطحالب وشقائق النعمان تشترك في هذا الأمر سويًا
أظهرت دراسة استجابة كلا الشريكين اللذين يتعرضان للإجهاد، شقائق النعمان والطحالب، أهمية كل منهما للآخر. ففي حال عدم تمكن الطحالب من التكيف بشكل جيد مع الإجهاد الحراري، فإن شقائق النعمان ستعاني أيضًا. أظهرت نتائجنا أن شقائق النعمان التي تعيش في البحر الأحمر لا تختلف كثيرًا عن تلك التي تعيش في المياه الباردة. وبدلًا من ذلك، فإنها تحصل فقط على المزيد من المساعدة من أصدقائها الطحالب. ونظرًا لارتباط شقائق النعمان وحيوانات المرجان، فنعتقد أن هذه النتيجة ستنطبق على حيوانات المرجان أيضًا. يوضح هذا كيف يمكن لشراكات معينة بين الطحالب وحيوانات المرجان أن تؤدي إلى مستويات نجاح أعلى في بقاء حيوانات المرجان في بيئات المياه الدافئة.
من خلال الفهم الأفضل لعلاقة الطحالب بحيوانات المرجان، نأمل في إيجاد طرق تساعد الشعاب المرجانية على البقاء في المستقبل.
مسرد للمصطلحات
اللافقاريات (Invertebrates): ↑ هي حيوانات لا تمتلك عمودًا فقريًا أو حبلًا شوكيًا مثل القواقع أو قناديل البحر.
شقائق النعمان (Anemones): ↑ هي إحدى الفصائل القريبة من حيوانات المرجان. لشقائق النعمان هياكل ونمط معيشة مماثل لحيوانات المرجان ولكنها أكثر إسفنجية. الإيبتاسيا هي أحد أنواع شقائق النعمان.
المتعايشات (Symbiodiniaceae): ↑ أحد أنواع الطحالب.
التكافل (Symbiosis): ↑ هو التفاعل أو العلاقة بين اثنين من الكائنات الحية المختلفة التي تعيش معًا بشكل وثيق، وعادةً ما يمنحهما ذلك ميزة لكلٍ منهما.
الطحالب (Algae): ↑ نبات بسيط للغاية يعتمد على الماء، مثل الأعشاب البحرية.
التكيف (Adaptation): ↑ هو التأقلم، بمعنى جعل نفسك أكثر ملاءمة للبقاء على قيد الحياة.
أنواع الأكسجين التفاعلية (ROS) (Reactive oxygen species): ↑ مركب كيميائي يتم إطلاقه أثناء التنفس الخلوي، قد يكون سامًا إذا لم تتخلص منه الخلية.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
مقال المصدر الأصلي
↑ Cziesielski, M. J., Liew, Y. J., Cui, G., Schmidt-Roach, S., Campana, S., Marondedze, C., et al. 2018. Multi-omics analysis of thermal stress response in a zooxanthellate cnidarian reveals the importance of associating with thermotolerant symbionts. Proc. Biol. Sci. 285:20172654. doi: 10.1098/rspb.2017.2654
المراجع
[1] ↑ Matthews, J. L., Crowder, C. M., Oakley, C. A., Lutz, A., Roessner, U., Meyer, E., et al. 2017. Optimal nutrient exchange and immune responses operate in partner specificity in the cnidarian-dinoflagellate symbiosis. Proc. Natl. Acad. Sci. U.S.A. 114:13194–9. doi: 10.1073/pnas.1710733114
[2] ↑ Cziesielski, M. J., Liew, Y. J., Cui, G., Schmidt-Roach, S., Campana, S., Marondedze, C., et al. 2018. Multi-omics analysis of thermal stress response in a zooxanthellate cnidarian reveals the importance of associating with thermotolerant symbionts. Proc. Biol. Sci. 285:20172654. doi: 10.1098/rspb.2017.2654
[3] ↑ Downs, C. A., Fauth, J. E., Halas, J. C., Dustan, P., Bemiss, J., and Woodley, C. M. 2002. Oxidative stress and seasonal coral bleaching. Free Radic. Biol. Med. 33:533–43. doi: 10.1016/S0891-5849(02)00907-3