ملخص
تتمتع الأعضاء والأنسجة في جسم الإنسان بالقدرة على مقاومة الإصابات التي تلحقها جراء أنشطة الحياة البشرية اليومية، ولكن يبقى من المحتمل أن تفشل في ذلك لأسبابٍ عديدةٍ. فلذلك يوجد الطب التجديدي، وهو مساحة علمية جديدة تستكشف أدوات جديدة، لإصلاح الأعضاء والأنسجة التالفة واستبدالها. ويشتمل الطب التجديدي على مجموعة واسعة من العلاجات؛ مثل العلاج باستخدام الخلايا الجذعية، والمواد الحيوية. ويُشير مصطلح المعالجة بالمواد الحيوية إلى المواد الذي تُحدث تفاعلًا مع جسم الإنسان. ويُمكن أن تُصمّم هذه المواد الحيوية باستخدام مواد مختلفة، وتصلح لاستعمالاتٍ متعددةٍ، وتتشابه مع العضو أو الأنسجة التي تحل محلها. وتتطور صناعة المواد الحيوية باستمرارٍ، وكلما زادت معرفتنا عن تفاعلات المواد الحيوية مع الجسم على المستوى الخَلَوِيّ، زاد تطور علاجاتها أكثر فأكثر.
المواد الحيوية: وحدات بنائية لإصلاح الأنسجة
للأعضاء والأنسجة في جسم الإنسان وظائف دقيقة ومعقدة. وتعتمد حياتنا على أداء هذه الأعضاء لوظائفها على نحو سليم دائمًا. ومع ذلك، في بعض الأحيان تكون هذه الأعضاء والأنسجة مُعرّضة للتلف، ويُمكن أن تفشل في أداء وظائفها نتيجة تعرُّضها للأمراض أو الحوادث. وتتوفر العديد من العلاجات الطبية التي يُمكن أن تُساعد في علاج الأعضاء التالفة، لكن العديد من هذه العلاجات ما يزال يفتقر إلى القدرة على إصلاح العضو حتى يسترجع وظيفته بشكلٍ كاملٍ. فعلى سبيل المثال، لا تستطيع العلاجات الحالية تحسين وظيفة القلب، عقب تعرُّضه لأزمةٍ قلبيةٍ.
يبحث مجال الطب التجديدي في تقديم أدوات جديدة، تُصلح الأعضاء المُتضررة، وتستبدل الأنسجة التالفة [1]. يَستخدم الطب التجديدي ما يُسمى بهندسة الأنسجة، بهدف وضع إستراتيجيات جديدة، لإصلاح الأعضاء والأنسجة التالفة. وتعني هندسة الأنسجة استخدام علم الأحياء والكيمياء والهندسة؛ لصُنع مواد جديدة تتوافق مع جسم الإنسان، ويُمكن أن تُستخدم لإصلاح أو استبدال الأعضاء والأنسجة [2]. تتوفر مجموعة واسعة من العلاجات، التي تندرج تحت طاولة الطب التجديدي، رغم أن المواد الحيوية تعد أكثر الأدوات المستخدمة شيوعًا. وتُشبه المواد الحيوية لعبة ليجو، في بنائها للكتل، وتُستخدم في معالجة الأنسجة والأعضاء مثل القلب، والجلد، والقرنية، والجهاز العصبي [3]. صُممت المواد الحيوية لتُزرع في الجسم؛ لاستبدال الأعضاء أو الأنسجة التالفة، أو معالجتها. وتحتوي المواد الحيوية غالبًا على ميزات معينة، تَسمح لها بالاتصال بالخلايا والأنسجة والأعضاء البشرية، دون أن يرفضها الجسم. ويُطلق مسمى الهندسة الحيوية على الصناعة التي تُكوّن المواد الحيوية وتستخدمها؛ لتحسين العلاجات الطبية الحالية [2, 3].
يَستخدم الطب التجديدي مجموعة مُتنوعة من الأساليب، لتطبيق علاجاته، والتأكد من فاعليتها. ويشتمل الطب التجديدي على: (1) العلاج بالخلايا الجذعية، وهي خلايا غير ناضجة يُمكن أن تُصبح أو تَنتج أي خلية أو نسيجًا مطلوبًا، (2) الهندسة الحيوية باستخدام المواد الحيوية، كما وصفنا هنا، و(3) الأدوية والعلاجات الدوائية [1, 3]. ومع تغير الطب التجديدي تتغير أساليب العلاجات المُطبّقة أيضًا، وغالبًا ما يحدث ذلك بالجمع بين الأساليب الموجودة، أو إنشاء أساليب جديدة تكون ملائمة بشكلٍ أفضل للعلاج. وتقود المواد الحيوية، والهندسة الحيوية، والطب التجديدي الطريق حاليًّا نحو ابتكار علاجاتٍ طبيةٍ جديدةٍ، خاصةً لإصلاح الأعضاء التي كان يُعتقد سابقًا أنها غير قابلة للإصلاح.
قصة المواد الحيوية
تحسنت المواد الحيوية بشكلٍ كبيرٍ وملحوظٍ منذ تطورها الأول، وما زالت قيد التغيير، طالما يستمر العلماء في محاولة فهم أكبر للأمراض، وكيف تتفاعل تلك المواد مع الجسم [3].
يُمكن أن تُصنع المواد الحيوية من موادٍ متعددةٍ، ويعتمد نوع المادة على الغرض التي ستُستخدم له [2, 3]. فعلى سبيل المثال، يُمكن أن تُنتَج من أنواعٍ متنوعةٍ من العناصر الطبيعية كالكولاجين والذي يُوجد في الجسم أو الألجينات والتي تأتي من الطحالب البحرية، والمواد الاصطناعية كالمعادن، أو من مزيج بين الإثنين [2, 3]. لم تتفاعل المواد الحيوية القديمة مع جسم الإنسان، لكنها كانت تتشابه مع الأعضاء التالفة في الخواص الفيزيائية، وكانت تُستخدم لإصلاح الأعضاء التالفة أو استبدالها. وتُصنع هذه المواد غالبًا من فلزات متنوعة، أو الخزف، أو من مواد كالمطاط. كانت هذه المواد الحيوية الأوّلية القديمة تُستخدم بشكلٍ شائعٍ كأطراف اصطناعية، وهي أجزاء اصطناعية من الجسم مثل: الساق أو القلب، لكنها كانت ضعيفة التوافق مع الجسم، وغالبًا ما يرفضها الجسم. فلا تستطيع المواد أن تتفاعل مع جسم الإنسان على المستوى الخلوي، وهو هدف يأمل قطاع المواد الحيوية أن يصل إليه في يومنا هذا. أدت أوجه التقدم في مجال المواد الحيوية إلى جعل المواد قادرة على التفاعل مع جسم الإنسان؛ للتعزيز من القدرة على الشفاء وتحفيز عملية التجدد. وتمتاز المواد الحيوية الجديدة بنشاطها الحيوي، والذي يعني أنها قادرة على التفاعل مع جسم الإنسان، وتستطيع بناء روابط مع الأنسجة. ويظهر هذا في عملية زراعة مفصل الورك، حيث يزداد نمو العظام، مما يسمح بنمو طبقة من الكالسيوم - تسمى هيدروكسيباتيت - على مفصل الورك المزروع. اِبتُكِرت أحدث المواد الحيوية - والمعروفة بالجيل الثالث من المواد الحيوية - للتفاعل مع جسم الإنسان، وإحداث رد فعل خاص ينبعث من خلايا الجسم. فبمقدرة الجيل الثالث من المواد الحيوية أن يُحاكي بنية الجسم الطبيعي للإنسان ثلاثي الأبعاد؛ وتحفيز تجدد (إعادة إنماء) الأنسجة [3]. واستطاع العلماء تطوير المواد الحيوية تطويرًا هائلًا؛ وما زال تطوريها قيد الاستمرار، وتتغير خصائصها للعمل بشكلٍ أكثر فاعليةٍ داخل جسم الإنسان.
ما الشكل الذي تتخذه المواد الحيوية؟
تستطيع المواد الحيوية أن تتخذ أشكالًا عديدةٍ؛ وتُنتَج من موادٍ كثيرةٍ ومختلفةٍ. وبشكلٍ مثاليٍ، ينبغي أن تأخذ المواد الحيوية بنية مسامية، وهذا يعني أنها تحتوي على ثقوبٍ صغيرةٍ؛ تسمح بمرور الغازات والسوائل وحتى الخلايا من خلالها، مُماثلةً بذلك للأعضاء والأنسجة التي تهدُف مُعالجتُها. وتُحمّل الخلايا التي تساعد في عملية الشفاء أيضًا في هذه الثقوب الصغيرة التي تتخلل المواد الحيوية [2]. وبهذه الطريقة، نستطيع استخدام مادة حيوية مسامية؛ لنقل الخلايا إلى الأنسجة التالفة. وتُساعد المادة الحيوية في الحفاظ على الخلايا الجديدة في الأنسجة، وتكون في الوقت ذاته ضرورية لتعزيز عملية الشفاء. وفضلًا عن ذلك، فإن البنية المسامية للمادة الحيوية تشبه كثيرًا ”النسيج الخارجي للخلية“، والتي تُشبه الخطاطيف التي ”تُمسك بها“ الخلايا في الجسم [2, 3]. ويُمكن استخدام المواد الحيوية كما هي كعلاج، أو كالمثال أعلاه، يُمكن تعديلُها لحمل الأدوية أو الخلايا؛ للمساعدة في إصلاح الأنسجة التالفة (الشكل 1). فمثلًا، يُمكن استخدام المواد الحيوية للمُساعدة في عملية الشفاء أو إصلاح القلب؛ عقب مروره بأزمةٍ قلبيةٍ.
ويمكن استخدام هذه المواد بمفردها، أو مع الخلايا الجذعية التي تستطيع أن تُصبح أنواعًا مختلفةً من الخلايا، بما في ذلك خلايا القلب. كما يُمكن تجهيز بعض المواد الحيوية للتحلُل، وذلك بعد انتهاء عملية الشفاء [2, 3]. ويُمكن أيضًا تصنيع المواد الحيوية لإطلاق بعض الأدوية التي يُمكن أن تُساعد في عملية الشفاء [1, 3]. وربما تؤدي أوجه التطور المستقبلية في المواد الحيوية إلى إنتاج العديد من العلاجات الجديدة، بما في ذلك الأعضاء الاصطناعية. ومن شأن ذلك أن يلغي قائمة الانتظار الطويلة لعمليات زراعة الأعضاء.
المواد الحيوية تُحْيِي الآمال في الشفاء
تفشل الأعضاء في تماثل الشفاء أو في أداء وظيفتها نتيجة أسباب عديدة ومُختلفة، وترجع غالبًا إلى مجموعة من العوامل. ويُعد القلب أحد أكثر الأعضاء شيوعًا في تعرضهِ للفشل، وأحد أكثرها في الامتثال لعملية الشفاء. ويُستخدم مصطلح أمراض القلب والأوعية الدموية (CVD) في الإشارة إلى الأمراض التي تَحدُث للقلب والأوعية الدموية. فالمرضى الذين يعانون من أمراض القلب والأوعية الدموية معرضون لخطر الإصابة بالنوبات القلبية، والتي يُمكن أن تُسبب أضرارًا كبيرةً للقلب وموت خلايا القلب [2, 4]. يُؤدي هذا الضرر إلى تعطيل وظيفة عضلة القلب، والتي تتكون من خلايا نابضة تُسمى ”الخلايا العضلية القلبية“. ويُقلل فقدان خلايا عضلة القلب من قدرة القلب على ضخ الدم إلى جميع أنحاء الجسم [1, 2, 4]. وكنا نعتقد سابقًا أن خلايا عضلة القلب غير قادرة على التجدد. إلا أننا قد اكتشفنا مؤخرًا أن خلايا عضلة القلب لديها بعض القدرة على التجدد [1]. وبينما ما زلنا نتعلم عن القدرات التجددية لجسم الإنسان، فمن الضروري أن نعلم أن العديد من الأعضاء - مثل القلب - هي أعضاء بطيئة في عملية الشفاء، وبالتالي تتسم عملية علاج أي ضرر يصيب هذه الأعضاء بالصعوبة. وتعد عمليات زراعة الأعضاء هي الخيار المتاح لاستبدال الأنسجة أو الأعضاء التالفة. ومع ذلك، يوجد نقص شديد في الأعضاء المتاحة لعمليات الزراعة. ففي كندا، يموت حوالي خمسة مرضى كل أسبوع في انتظار عملية زراعة الأعضاء [5]. هنا يظهر دور الطب التجديدي واعدًا باعتباره علاجًا فعالًا لإصلاح القلب والأعضاء الأخرى التي تتعافى ببطء، وبمثابة حلًا بديلًا عن عمليات زراعة الأعضاء؛ كما هو موضح في الشكل 2.
لكن تريَّث...هل هناك أيه قيود؟
على الرغم من أن المواد الحيوية تحمل آمالًا كبيرة وواعدة، فإنها لا تزال علاجًا قيد التطور؛ أي لم يتم استكشاف إمكاناتها العلاجية الكاملة بعد. ومن الجدير بالذكر أن بعض قيود المواد الحيوية تتعلق بكيفية تفاعلها مع جسم المريض. فعلى سبيل المثال لا الحصر، في حين أن المواد الحيوية قادرة على محاكاة البيئة ثلاثية الأبعاد للعضو أو الأنسجة التي تقوم بإصلاحها، فإنها لا تزال مختلفة عن العضو الفعلي، وقد يفرض هذا قيودًا على عملية تجديد الأنسجة. فمثلًا، يجب أن تكون المواد الحيوية الموضوعة في القلب قادرة على الانقباض مع القلب النابض، وإلا قد تُسبب عدم انتظام ضربات القلب [2]. وأيضًا في الماضي لم تكن المواد الحيوية تسمح بتدفق كمية كافية من الأكسجين عبر القلب للحفاظ على صحته [2]. ومؤخرًا، وحتى الآن، كانت المواد الحيوية قادرة فقط على إصلاح مساحة تبلغ حوالي ربع حجم القلب؛ لذلك تصبح هذه المواد عديمة الجدوى في حالة النوبة القلبية الكبيرة التي تُلحق بالقلب ضررًا بالغًا [1, 2]. وكلما استمر العلماء في التعرف على الأسباب الكامنة وراء الأمراض، ستتحسن قدرتهم على تطوير مواد حيوية جديدة لعلاج المزيد من الأمراض. وبالإضافة إلى ذلك، لا تزال المواد الحيوية نفسها تتطور، ونأمل أن يؤدي هذا إلى الحصول على مواد يُمكنها علاج مجموعة كبيرة من الأمراض علاجًا ناجحًا.
أوجه القصور الأخرى التي تشوب المواد الحيوية ليست مادية بحتة، ولكنها تتضمن مشكلات أخلاقية (القيم والقواعد الأخلاقية)؛ وتتعلق بالقوانين المنظمة لاستخدامها. كما توجد مخاوف أخلاقية حول نوع المواد المستخدمة، ومن أين تأتي، على سبيل المثال، هل من الأخلاق استخدام المواد المأخوذة من البشر في صنع هذه المواد؟
ثانيًا، قد يكون تنظيم المواد الحيوية للتأكد من أنها آمنة للمرضى أمرًا عسيرًا؛ نظرًا لوجود مجموعة كبيرة من المواد الحيوية مصنوعة من مكونات مختلفة، وتُستخدم لأغراض مختلفة.
نحن بحاجة إلى طرق أفضل؛ للتأكد من فاعّلية هذه العلاجات الجديدة في تجددّ الأعضاء والأنسجة التالفة، بطريقة لا تضر بالمريض.
الخُلاصة
أُحرزنا بالفعل تقدمًا كبيرًا نُشيد به في مجالي المواد الحيوية والطب التجديدي؛ ولكن لا يزال هناك العديد من الإنجازات التي يُمكن أن نحققها. وعلى الجيل القادم من العلماء أن يستمر في التعرف على التفاعلات التي تحدث بين جسم الإنسان والمواد الحيوية وكيفية فهمها من أجل تطوير علاجات جديدة أكثر فاعليةً.
مسرد للمصطلحات
التجدد (Regeneration): ↑ إعادة النمو.
المسام (Porous): ↑ عبارة عن ثقوب صغيرة تسمح بمرور الهواء والسوائل وحتى الخلايا.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
إقرار
يشكر EA وES جميع المتدربين الذين عملوا في مختبراتهم، والذين مثّلوا مفتاحًا للتطوير في مجال المواد الحيوية الجديدة لإصلاح الأعضاء، وأسهموا أيضًا في فهم التفاعلات الكامنة بين الخلية والمادة الحيوية بشكل أفضل. يود المؤلفان (EA وES) أيضًا أن يشكرا دعم وكالات التمويل الكندية، ومنها مجلس العلوم الطبيعية والبحوث الهندسية (NSERC)، والمعاهد الكندية للبحوث الصحية (CIHR)، بالإضافة إلى معهد القلب بجامعة أوتاوا. تشكر CL منحة الملكة إليزابيث الثانية للحصول على درجة الماجستير.
المراجع
[1] ↑ Steinhauser, M. L., and Lee, R. T. 2011. Regeneration of the heart. EMBO Mol. Med. 3:701–12. doi: 10.1002/emmm.201100175
[2] ↑ Chaudhuri, R., Ramachandran, M., Moharil, P., Harumalani, M., and Jaiswal, A. K. 2017. Biomaterials and cells for cardiac tissue engineering: current choices. Mater. Sci. Eng. C 79:950–7. doi: 10.1016/j.msec.2017.05.121
[3] ↑ Bhat, S., and Kumar, A. 2013. Biomaterials and bioengineering tomorrow’s healthcare. Biomatter 3:e24717. doi: 10.4161/biom.24717
[4] ↑ Cannon, B. 2013. Cardiovascular disease: biochemistry to behaviour. Nature 493:S2–S3. doi: 10.1038/493S2a
[5] ↑ Blood, Organ and Tissue Donation: Canada.ca (2018) [cited 2018 October 29, 2018]. Available online at: https://www.canada.ca/en/public-health/services/healthy-living/blood-organ-tissue-donation.html#a32