Frontiers for Young Minds

Frontiers for Young Minds
القائمة
مفاهيم أساسية التنوع الحيوي نشر بتاريخ: 28 فبراير 2022

إقليم سيرادو: كنز التنوع الحيوي الذي يطارده شبح الإهمال!

ملخص

هل سمعت من قبل عن إقليم سيرادو الحيوي؟ هل تعرف ماذا يقصد ببؤرة تنوع حيوي معرضة للخطر؟ ستتعلم في هذا المقال السبب الذي يحتم علينا الاهتمام بالتنوع البيئي في إقليم سيرادو الحيوي. ويُقصد بكلمة "إقليم حيوي“ مجتمعًا من النباتات والحيوانات يمتد على مساحة ضخمة من الأراضي، وتتشارك مناطقه نفس سمات المناخ وخواص الموائل الطبيعية. وتتفرد الأقاليم الحيوية الاستوائية بكونها تمتلك أعظم مجموعة متنوعة من النباتات والحيوانات على سطح الأرض. ومع ذلك، فعندما نذكر التنوع الحيوي في المناطق الاستوائية، تكون منطقة الأمازون أول ما يتبادر إلى أذهان الناس. يتمتع إقليم سيرادو بتنوع حيوي هائل، والحفاظ عليه مهم للغاية ويضاهي أهمية الحفاظ على منطقة الأمازون. ومع ذلك، فلا يزال مسلسل نسيان إقليم سيرادو الحيوي مستمرًا، كما لا يزال الإقليم مهملًا، وهو ما يؤدي إلى تدمير المناطق الطبيعية. دعونا نتعلم المزيد عن هذا الإقليم الحيوي الرائع، وساعدونا على نشر المعرفة للناس حول ضرورة المحافظة على هذا الإقليم!

مقدمة

ما المقصود بسيرادو؟ هو إقليم حيوي استوائي شاسع المساحة، يتألف من حشائش السافانا والأراضي العشبية القائمة وسط غابات رطبة وجافة. وتعني كلمة “سيرادو” (cerrado) في اللغة الإسبانية مغلقًا أو موصدًا أو سميكًا أو كثيفًا. أما في البرازيل، فقد استخدمت الكلمة لوصف الأنظمة البيئية الجافة وجميع الأنواع الحية الأصلية التي تكيفت على العيش في هذا المناخ المتغير موسميًّا. أين يقع إقليم سيرادو؟ يقع إقليم سيرادو في مرتفعات وسط البرازيل، ويغطي مساحة 2 مليون كم2 تقريبًا أو 21% من الأراضي البرازيلية. ويمثل هذا الإقليم ثاني أضخم إقليم حيوي في أمريكا الجنوبية، بعد إقليم الأمازون. وتعادل مساحته الإجمالية حجم ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وإيطاليا وإسبانيا مجتمعة. ولكن، لِمَ يُعد سيرادو بؤرة تنوع حيوي معرضة للخطر؟ لتصنيف أي منطقة باعتبارها بؤرة تنوع حيوي معرضة للخطر أو مهددة، فلا بد وأن يعيش فيها عدد من الكائنات الحية غير موجود في أي مكان آخر على سطح الأرض. كما يجب أن تكون المنطقة معرضة لخطر التدمير، وبها نسبة أقل من 30% من النباتات الطبيعية التي يفترض أن تكون موجودة فيها. وبمعنى آخر، يُقصد بكلمة “بؤرة تنوع حيوي” وجود تنوع حيوي لا يمكن الاستغناء عنه. ومن الجدير بالذكر أنه يوجد ما يزيد على 4800 نوع من النباتات والفقاريات (الحيوانات ذات العمود الفقري) في إقليم سيرادو، علما بأن هذه الكائنات لا توجد في أي مكان أخر على سطح الأرض. ومع ذلك، فإن هذا التنوع الحيوي الكبير معرض للخطر بسبب سوء تصرف القادة السياسيين، وافتقار مجتمعنا إلى المعرفة والوعي في هذا الشأن.

أغنى منطقة حشائش سافانا في العالم

يضم إقليم سيرادو البرازيلي أكبر غابات حشائش السافانا وأوسعها في أمريكا الجنوبية (الشكل 1). وغابات السافانا عبارة عن مناظر طبيعية تنتشر فيها الأشجار والشجيرات مكونة مظلات خشبية متفرقة هنا وهناك. ويعتبر إقليم سيرادو أيضًا موطنًا لمجموعة كبيرة متنوعة من الموائل الطبيعية، بداية من المراعي الخضراء الشاسعة إلى الغابات الظليلة الجافة [1]. وتوجد الغابات الرطبة أيضًا على طول الجداول المائية والأنهار كممرات خضراء (أو دهاليز) في كل أرجاء المشهد الطبيعي. وفي كل موئل من هذه الموائل الفريدة، تعيش مجموعات مختلفة من النباتات والفقاريات والحشرات والكائنات الحية المجهرية التي تكيفت وتأقلمت على العيش فيها. وبفضل هذا التنوع الحيوي في البيئة، يعتبر إقليم سيرادو أحد أغنى مناطق حشائش السافانا الاستوائية [2].

شكل 1 - صورة تظهر كمية الغطاء النباتي الطبيعي الذي يظل كما هو (باللون الأخضر)، وموقع وحجم المحميات الوطنية (باللون الأصفر واللون الأحمر)، وكامل المنطقة التي أزيلت منها الغابات (باللون الوردي).
  • شكل 1 - صورة تظهر كمية الغطاء النباتي الطبيعي الذي يظل كما هو (باللون الأخضر)، وموقع وحجم المحميات الوطنية (باللون الأصفر واللون الأحمر)، وكامل المنطقة التي أزيلت منها الغابات (باللون الوردي).
  • يمكنك أن ترى أن إقليم سيرادو يغطي منطقة كبيرة من الأراضي البرازيلية. ومن سوء الحظ، فإن مساحة صغيرة من الإقليم فقط (أقل من 3% منه) هي المحمية الآن بموجب القانون. المصدر: Françoso، وآخرون [3].

يوجد في إقليم سيرادو ما يزيد على 12 ألف نوع من الأنواع الحيوية المختلفة؛ من بينها 4000 نوع لا يوجد إلا في منطقة سيرادو فقط، ويشمل ذلك جميع أنواع الأعشاب والنباتات القصيرة تقريبًا. عندما يوجد نبات ما في منطقة معينة، دون أي مكان آخر في العالم، نُسميه نوعًا متوطنًا في هذا المكان. وتشمل قائمة النباتات الفريدة من نوعها في إقليم سيرادو نخلة عملاقة تعرف باسم “بوريتي” (الشكل 2A)، والتي تنمو في الأراضي العشبية والغابات التي تغطيها المستنقعات. وهذه الشجرة مهمة لكثير من الطيور، حيث تبني عليها أعشاشها، كما تحصل منها على غذائها. ومن أكثر الطيور البارزة التي تبني أعشاشها على هذه الشجرة الببغاء أزرق الحلق (الشكل 2B). يُنشئ هذا النوع (الببغاء) حياة زوجية دائمة بينما يتنقل بين أشجار النخيل التي تنمو في هذه المستنقعات بعد نمو ثمارها. كما يعتمد كل من السناد والخنازير البيكارية والأسماك والقرود على ثمار هذا النخيل كمصدر رئيسي للغذاء. ومن المذهل أن عددًا كبيرًا من الحيوانات يرتبط بشجرة واحدة، وبقاء هذه الأنواع يعتمد عليها. ومن حيث الجمال، يحتوي الإقليم على أشجار وشجيرات فائقة الجمال، تُضفي ألوانًا خلابة على المنظر الطبيعي لهذا الإقليم، مثل أشجار البلوط أو البوق (الشكل 2C) ذات البرعم الجميل ذي اللون الوردي الساطع، والزهور ذات الألوان الصفراء والبيضاء والقرمزية. وتعتبر ”cigana-do-Cerrado” من الشجيرات الشائعة في الإقليم، حيث تقف بلونها القوي الضارب إلى الحمرة بين حشائش السافانا (الشكل 2D).

شكل 2 - أمثلة على التنوع البيئي الفريد من نوعه في الأنواع الحية والموائل الموجودة في منطقة إقليم سيرادو.
  • شكل 2 - أمثلة على التنوع البيئي الفريد من نوعه في الأنواع الحية والموائل الموجودة في منطقة إقليم سيرادو.
  • (A) موئل طبيعي لنخلة ”bruiti” (الاسم العلمي: Mauritia flexuosa) والتي تنمو في أراضٍ عشبية تغطيها المستنقعات؛ (B) الببغاء أزرق الحلق (الاسم العلمي: Araglaucogularis)، والذي يعتبر أحد الطيور الأكثر لفتًا للنظر في منطقة سيرادو؛ (C) أشجار البلوط أو البوق الرائعة من طائفة Tabebuia ذات البراعم وردية اللون والزهور ذات الألوان القرمزية والصفراء والبيضاء والبنفسجية؛ (D) شجيرة "cigana-do-Cerrado“ واسمها العلمي (Caliandra dysantha) من الشجيرات الشائعة، حيث تقف بألوانها القوية الضاربة إلى الحمرة بين حشائش السافانا؛ (E) الذئب ذو العرف (Chrysocyon brachyurus) - هذا الحيوان الثديي ذو اللون الذهبي المائل للحمرة والأذن الضخمة والسيقان الطويلة؛ (F) حيوان المدرع الضخم (Priodontes maximus) الذي يطوي جسمه في الصدفة على ظهره حينما يستشعر أي تهديد. (G) حيوان آكل النمل العملاق (Myrmecophaga tridactyla) الذي ينمو ليبلغ طوله من أنفه إلى قاعدة ذيله 7 أقدام؛ (H) الحمامة الأرضية ذات العيون الزرقاء (Columbina cyanopis)؛ (I) طائر “ميناس جيرايس” (Phylloscartes roquettei) المدرج على القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض؛ (J) تتضمن أضخم الطيور في أمريكا الجنوبية طائر “القنزعية” ذو الساق الحمراء (Cariama cristata)؛ (K) طائر الروحاء (Rhea americana)؛ (L) أحد أكثر الزواحف غرابة هو السحلية الدودية العملاقة (Amphisbaena alba)؛ (M) مجموعة الأفاعي المرجانية (Apostolepis sp.) التي تشمل ستة أنواع متوطنة في إقليم سيرادو. (N) مثال على أنواع الضفادع المهددة بالانقراض في إقليم سيرادو (Odontophrynus moratoi).

وقبل حوالي 20 ألف سنة تقريبًا، عاشت ثدييات كبيرة، تعرف بالحيوانات الضخمة، جنبًا إلى جنب مع الإنسان البدائي في إقليم سيرادو. وقد عثر العلماء على حفريات متعددة لحيوان المدرع العملاق وحيوان الكسلان العملاق في هذه المنطقة. والحفرية هي بقايا أو آثار كائن حي عاش في فترة ما قبل التاريخ، وحفظت هذه البقايا في قالب متحجر أو شُكلَت في الصخور. ويظل إقليم سيرادو إلى الآن الموطن الرئيسي للكثير من الثدييات الحية النادرة. ويعتبر الذئب ذو العرف من أندر أنواع الثدييات (الشكل 2E) في هذا الإقليم، وهو حيوان ذو لون ذهبي يميل إلى الحمرة، وأذن ضخمة وسيقان طويلة تشبه الثعلب، ويمكنه أن ينمو إلى ارتفاع يبلغ 2.7 قدم، في حين قد يبلغ وزنه 50 رطلًا. ويعتبر حيوان المدرع الضخم (الشكل 2F) وحيوان آكل النمل العملاق (الشكل 2G) - الأضخم في العالم - اثنين من أكثر الثدييات شهرة في هذه المنطقة. وعندما يشعر حيوان المدرع بالخطر، يقوم بالدفاع عن نفسه من خلال طي جسمه عن طريق ثني رأسه وقدمه تحت الصدفة، والانتظار حتى يزول الخطر. وينمو آكل النمل العملاق حتى يبلغ طوله 7 أقدام من أنفه إلى قاعدة ذيله الضخم الذي يشبه العَلم.

يتمتع آكل النمل باستراتيجية تغذية تقوم على لعق أطنان من النمل والنمل الأبيض بأقصى سرعة ممكنة، حيث يغطى لسان الحيوان آلاف من الخطاطيف الصغيرة التي تُستخدم للإمساك بالحشرات سويًّا من خلال كميات كبيرة من اللعاب. ويزور آكل النمل العملاق ما يصل إلى 200 عش في الساعة الواحدة لالتهام آلاف الحشرات التي يحتاجها لإشباع جوعه.

وفيما يتعلق بالتنوع الحيوي في الطيور، يوجد بمنطقة سيرادو أكثر من 800 نوع من الطيور، منها حوالي 20 نوعًا قد استوطنوا الإقليم. وبعض هذه الطيور مدرجة على القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض التابعة للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة؛ مثل الحمامة الأرضية ذات العيون الزرقاء (الشكل 2H) وطائر “ميناس جيرايس” الأصفر (الشكل 2I). يزور الكثير من مشاهدي الطيور إقليم سيرادو البرازيلي بسبب التنوع البيئي الاستثنائي للطيور فيه. وتشمل قائمة الطيور الأضخم في أمريكا الجنوبية طائر “القنزعية” ذي الساق الحمراء (الشكل 2J)، وطائر الروحاء الأعظم (الشكل 2K) والذي يعد أضخم طائر في القارة. وذكور طائر الروحاء هي التي ترعى صغارها. ويتغذى هذا الطائر في الغالب على الفواكه واللافقاريات والفقاريات الصغيرة؛ مثل السحالي والثعابين والقوارض. ومن الصعب اكتشاف جميع حالات التنوع البيئي للحشرات في إقليم سيرداو. إذ يخمن العلماء وجود أكثر من 50000 نوع من الحشرات؛ منها الفراشات والعث والنمل الأبيض والدبابير والنحل، في هذه المنطقة في انتظار أن يكتشفها العلماء.

أحد أكثر الزواحف غرابة: السحلية الدودية العملاقة (الشكل 2L)، والتي تنمو ليبلغ طولها 3 أقدام، وتتغذى على النمل والخنافس والعناكب. ومن بين أنواع الزواحف الأخرى، يندرج 30 نوعًا من أصل 220 تحت قائمة الأنواع المتوطنة، بما في ذلك 6 أنواع من الأفاعي المرجانية (الشكل 2M). أما البرمائيات في الإقليم، فهي معرضة بشدة لخطر الانقراض بسبب تلوث المياه. ومن الأمثلة على هذه الأنواع المهددة ضفدع الصاروخ (الشكل 2N)، والذي يعيش في مناطق قليلة في الإقليم.

ظهر تهديد للبرمائيات مؤخرًا في إقليم سيرادو متمثلًا في فطر قوي جدًا يُسمى (Batrachochytrium dendrobatidis ويعرف اختصارًا بـ ”Bd”)؛ وهذا الفطر مسؤول عن التدهور العالمي في أعداد الضفادع وانقراضها. وقد اكتشف العلماء وجود هذا الفطر في إقليم سيرادو للمرة الأولى في عام 2013، حيث هاجم نوعين من أنواع الضفادع. ويصيب هذا الفطر جلود الضفادع، ولأن البرمائيات تتنفس وتأخذ الماء عن طريق جلودها؛ فإن الضفدع المتضرر بهذا الفطر لن يعود قادرًا على التنفس بصورة طبيعية. وفي غضون أشهر قليلة، قد تصبح مجموعات كبيرة من الضفادع على وشك الانقراض.

ولا يقتصر تميز إقليم سيرادو على التنوع الحيوي، فهذا الإقليم يحتوي على حشائش السافانا الأكثر رطوبة في العالم، حيث تحمل الرياح الماء المتبخر من منطقة الأمازون إلى إقليم سيرادو. الرطوبة أمر مهم جدًا، حيث إنها مسؤولة عن تحديد موسم الأمطار في المنطقة. وتمثل الأمطار الساقطة خلال موسم الأمطار الموارد المائية للعديد من الأنهار التي تأوي ما مجموعه 800 نوع من الأسماك، يوجد منها 200 نوع تقريبًا في إقليم سيرادو فقط. ويمثل المطر أيضًا مصدرًا مهمًا للمياه للمحاصيل الغذائية وملايين الأشخاص في أمريكا الجنوبية.

نبع مياه في أمريكا الجنوبية!

يمثل إقليم سيرادو، في قلب البرازيل، ينبوع مياه لأكثر الأنهار أهمية في أمريكا الجنوبية، وهي: أنهار توكانتينز، ونهر بارانا –باراجواي، وساو فرانسيسكو. كما ينظر العلماء أيضًا إلى إقليم سيرادو باعتباره “مهد المياه”، حيث يحتضن ثلاثة مستودعات مياه جوفية ضخمة. وتشبه هذه المستودعات البرك أو الخزانات الضخمة التي تخزن المياه في طبقات عميقة جدًا تحت الأرض. ومن الجدير بالذكر أن جذور الأشجار في إقليم سيرادو تمتد عميقًا في الأرض، وتكون أضخم من الغطاء الشجري، ومن ثم فإن أنظمة الجذور هي المسؤولة عن امتصاص مياه الأمطار ونقلها إلى هذه المستودعات. وبسبب عملية إزالة الأشجار (قطع الغابات)، توقفت النباتات عن توصيل المياه إلى مناطق أعمق في التربة، ومن ثم توقفت المستودعات عن إمداد العديد من ينابيع المياه في المنطقة بالمياه. ويعتقد العلماء أن كمية المياه في هذه المستودعات قد وصلت بالفعل إلى مستواها الأدنى. وهو ما يعني أن حماية إقليم سيرادو أصبحت ضرورة ملحة لضمان الحفاظ على مصادر المياه خلال التغير المناخي.

كيف تواجه النباتات في إقليم سيرادو الجفاف والحرائق؟

هل تعلم أن جذور النباتات المتوطنة في إقليم سيرادو يمكنها النمو ثلاث مرات قدر حجم جذعها؟ لقد أثَرت المناخات الجافة والموسمية على إقليم سيرادو لآلاف السنين، إذ كانت المنطقة تستقبل 1100 و1600 مم من مياه الأمطار خلال الفترة من أكتوبر إلى إبريل، في حين تظل المنطقة جافة كما الصحراء بقية شهور السنة، وهو ما يعني أنه يتوجب على النباتات والحيوانات أن تحيا في ظل هذه الظروف شديدة الجفاف. وتعد استراتيجية “إعادة توزيع المياه”، والتي طورتها الأشجار، الاستراتيجية الأكثر أهمية للبقاء على قيد الحياة في البيئات التي تعاني شحًّا في الأمطار. ففي خلال الفترات الأشد جفافًا، تغوص جذور النباتات أعمق في الأرض بحثًا عن المياه الباقية من الموسم المطير.

وفي هذه الاستراتيجية، ينقل الجذر الرئيسي الماء إلى الجذر السطحي، والذي يقوم بدوره بإعادة توزيع المياه في الطبقات العليا من التربة. وتعد هذه الاستراتيجية، التي تشبه مضخة مياه طبيعية تقوم بإعادة توزيع المياه بين الطبقات العميقة من التربة والجذور الضحلة، أحد أوجه التكيّف الضرورية للعديد من الأشجار في إقليم سيرادو. وبحلول موسم الأمطار، ينقلب الموقف: حيث تمتص الجذور السطحية مياه الأمطار وتنقلها إلى الجذر الرئيسي، الذي يخزن بدوره المياه تحت الأرض على عمق أمتار عديدة.

وتمثل الحرائق أيضًا جزءًا من النظام البيئي في إقليم سيرادو، ومن ثم طورت النباتات العديد من أوجه التكيف للتأقلم مع الحرائق؛ مثل اللحاء الفليني الذي يحميها من الحرارة، والأوراق الجلدية والشمعية التي تقاوم الذبول وفقدان الماء، فضلًا عن قدرتها على إعادة التبرعم بسرعة كبيرة جدًا بعد الحريق بفضل الأنظمة الجذرية الغائرة في الأرض (الشكل 3). وتساعد الحرائق المنتظمة في هذا الإقليم على إعادة تدوير العناصر الغذائية في قلب التربة، كما تساعد البذور الخاملة على التبرعم والنمو، فضلًا عن حثها لزهور معينة على التبرعم والنمو.

شكل 3 -  بعض الأمثلة على أوجه التكيف مع الحرائق والتي اكتسبتها النباتات المتوطنة في إقليم سيرادو.
  • شكل 3 - بعض الأمثلة على أوجه التكيف مع الحرائق والتي اكتسبتها النباتات المتوطنة في إقليم سيرادو.
  • (A,B) اللحاء السميك والفليني؛ (C) القدرة على إعادة التبرعم والنمو بعد الحريق؛ (D) مثال على حادثة اشتعال حريق في حشائش السافانا بمنطقة سيرادو البرازيلية؛ (E) أوراق جلدية وخشنة؛ (F) التبرعم الفائق بعد الحريق.

سكان إقليم سيرادو الأصليون

ليست النباتات وحدها من تكيفت على العيش في إقليم سيرادو، حيث استوطن الإنسان الإقليم على مدار ما يزيد على 12000 سنة، حتى إن الإقليم به بعض الأجزاء الغنية بالتراث الثقافي. وتمثل المعرفة التاريخية لهؤلاء الأشخاص طبقة مهمة في التنوع الحيوي في إقليم سيرادو. ويعد إقليم سيرادو موطنًا لـ 216 منطقة داخلية (يقطنها مواطنون أصليون من مواطني أمريكا الجنوبية)، و83 مجموعة عرقية مختلفة. ومع ذلك، لا يستطيع العديد من هذه الجماعات الدفاع عن ملكيتهم للأراضي، وهو ما يعد أحد العوامل التي تهدد بانقراض العديد من القبائل. إن الحق في العيش والعمل على أرض إقليم سيرادو أمر مهم جدًا لهذه الجماعات. فهذا يمكنهم من الوصول إلى المصادر الحيوية الضرورية لبقائهم ولمواصلة طرقهم التقليدية في العيش.

ويعد بيع المنتجات التي يصنعها السكان المحليون في إقليم سيرادو فكرة جيدة كي يتمكن سكان الإقليم من إعالة أنفسهم من خلالها. وقد اكتسبت بعض هذه المنتجات شهرة في الأسواق العامة. وتدعم منتجات الفواكه؛ مثل جوز البارو (Dipteryx alata)، وثمرة بيكي واسمها العلمي (Caryocar brasiliensis)، ودقيق جاتبوا واسمه العلمي (Hymenaeastigonocarpa)، وثمرة الأساي واسمها العلمي (Euterpe edulis)، ومربى بروتي واسمها العلمي (Mauritia flexuosa)، بالإضافة إلى المستحضرات التجميلية والطبية اقتصاد سكان الإقليم، كما تساعد أيضًا على المحافظة على التنوع البيئي. وتعتبر الطرق القديمة المستخدمة في الزراعة وتسويق المنتجات المصنعة من النباتات من الوسائل المهمة في حماية إقليم سيرادو؛ حيث تساعد في ضمان بقاء الموارد الطبيعية للأجيال المستقبلية.

مستقبل إقليم سيرادو

لا يحظى إقليم سيرادو بنفس شهرة إقليم الأمازون، علمًا بأنه على نفس الدرجة من الأهمية، إن لم يكن أهم من حيث التنوع الحيوي. وتغطي الحدائق القومية في إقليم سيرادو مساحة 7.5% فقط (الشكل 1)، بينما تبلغ مثل هذه الحدائق نسبة 46% من منطقة الأمازون. وتستخدم منطقة شاسعة من إقليم سيرادو في الزراعة [4]. وحيث إنه من المتوقع أن يرتفع الطلب على إنتاج الغذاء بشدة على مدار العقود القادمة، فمن المحتمل أن تُستبدل النباتات المتوطنة في الإقليم بالمراعي الخضراء والمزارع. وتثير عملية الاستبدال هذه قلقًا كبيرًا؛ حيث من المتوقع أن تموت الكثير من نباتات إقليم سيرادو وحيواناته جراء هذا التغيير في استخدام الأراضي [5]. ويوجد خطر عالمي آخر يهدد هذا الإقليم، وهو التغير المناخي العالمي. فالحرارة آخذة في الارتفاع، بينما تقل كميات الأمطار في المنطقة. وقد أثرّت التغييرات الجارية بالفعل على العديد من الأنواع التي تعتمد على الحرارة الخارجية لتنظيم درجة حرارة أجسامها؛ مثل السحالي والبرمائيات. وعلاوة على ذلك، فإذا لم يتم إبطاء وتيرة قطع أشجار الغابات، وتقليل حجم الأشجار المقطوعة جراء الزراعة، فإن العلماء يتوقعون حدوث انقراض كارثي خلال السنوات القليلة المقبلة [6].

إن إقليم سيرادو بحاجة ملحة إلى مزيد من الجهود الرامية إلى الحفاظ على البيئة. ومن الضروري أن يتكاتف المجتمع البرازيلي لحماية هذا الإقليم. كما أنه من الضروري أيضًا أن تركز استراتيجيات المحافظة على البيئة على الحفاظ على التنوع الحيوي، ووقف قطع الأشجار وإزالتها، وحماية المناطق الغنية بالنباتات والحيوانات المتوطنة. لا تتركوا إقليم سيرادو يتهاوى في فخ النسيان! ساعدونا في نشر المعلومات حول جمال هذا الإقليم الحيوي وأهميته، والذي يعد أحد أهم بؤر التنوع الحيوي المعرضة للخطر في العالم.

مسرد للمصطلحات

إقليم حيوي (Biome): منطقة بيئية ضخمة على سطح الأرض يعيش على ظهرها حيوانات ونباتات تأقلمت مع بيئاتها. ويمكن تعريف الإقليم الحيوي أيضًا في ضوء العوامل غير الحية فيه؛ مثل المناخ، والخواص الجيولوجية، والتربة، والغطاء النباتي.

التوطن (Endemic): الحالة التي يقتصر فيها وجود نوع حيوي محدد على منطقة معينة، بحيث لا يوجد في أي مكان آخر على سطح الأرض.

القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض التابعة للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (Iucn Red List): القائمة العالمية الأكثر اكتمالًا التي تسرد حالة المحافظة على النباتات والحيوانات. وتُعنى هذه القائمة بتقييم خطر الانقراض لآلاف من المجتمعات والأنواع الحيوية. ويواصل الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة تحديث هذه القائمة.

الانقراض (Extinction): اختفاء نوع من أنواع الكائنات الحية. يحدث الانقراض عادة بسبب تغير الظروف والأحوال بطريقة لم تعد تناسب النوع. وإذا لم يَنجُ أي عضو من النوع المتضرر وفشل في التكاثر، فسوف ينقرض النوع بأكمله.

التكيّف (Adaptation): تغيير أو عملية تشمل تغييرًا يصبح الكائن الحي أو النوع من خلالها أكثر تأقلمًا مع بيئته.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.

إقرار

نتوجه بالشكر لروبر برانداو على تعليقاته المفيدة والتي عززت جودة النسخ الأولى من المقال. كما نشعر بالامتنان لجميع التعليقات التي قدمها المراجعون الصغار من مدرسة جيلف مونتيسور و كريستينا م كاروسو على قيادة فريق المراجعة مع الطلاب. كما نتوجه بالشكر لفريق مجلة فرونيرز للعقول الشابّة، ولا سيما مديرة المجلة إيما كلايتون واختصاصية تطوير المجلة هدويج انز على مساعدتهما الحثيثة في المراجعة والتدقيق اللغوي بالإنجليزية.


المراجع

[1] Ratter, J. A., Ribeiro, J. F., and Bridgewater, S. 1997. The Brazilian Cerrado vegetation and threats to its biodiversity. Ann. Bot. 80(3):223–30. doi: 10.1006/anbo.1997.0469

[2] Klink, C. A., and Machado, R. B. 2005. Conservation of the Brazilian Cerrado. Conserv. Biol. 19(3):707–13. doi: 10.1111/j.1523-1739.2005.00702.x

[3] Françoso, R. D., Brandão, R., Nogueira, C. C., Salmona, Y. B., Machado, R. B., and Colli, G. R. 2015. Habitat loss and the effectiveness of protected areas in the Cerrado Biodiversity Hotspot. Natureza Conservação 13(1):35–40. doi: 10.1016/j.ncon.2015.04.001

[4] Marris, E. 2005. Conservation in Brazil: the forgotten ecosystem. Nature 437(7061):944–5. doi: 10.1038/437944a

[5] Strassburg, B. B., Brooks, T., Feltran-Barbieri, R., Iribarrem, A., Crouzeilles, R., Loyola, R., et al. 2017. Moment of truth for the Cerrado hotspot. Nat. Ecol. Evol. 1:99. doi: 10.1038/s41559-017-0099

[6] Strassburg, B. B., Latawiec, A., and Balmford, A. 2016. Brazil: urgent action on Cerrado extinctions. Nature 540(7632):199. doi: 10.1038/540199a