ملخص
كيف يعمل المخ؟ شَغل هذا السؤال عقول العلماء لمئات السنين. ولكي يكتشف العلماء كيفية عمل المخ، كان عليهم أن يقوموا بالكثير من التجارب وابتكار طرق لفحص المخ واختباره. وفي عام 2005، ابتكر العلماء تقنية جديدة، تُسمى علم الوراثة البصرية. وتستخدم هذه التقنية مزيجًا من الضوء والهندسة الوراثية (تغيير المعلومات الوراثية للكائن الحي من خلال إدخال معلومات إلى الشفرة الوراثية أو حذفها منها) للتحكم في خلايا المخ. وقد أصبح هذا العلم (علم الوراثة البصرية) شائعًا جدًا، حيث أصبح يستخدم الآن في مختبرات الأبحاث المعنية بالمخ في كل أرجاء العالم. ويساعدنا هذا العلم على اكتشاف الكثير من الأشياء الجديدة حول المخ. ونبين هنا في طيات هذا المقال ما يجعل علم الوراثة البصرية ذا أهمية خاصة في دراسة المخ.
يوجد في المخ والجهاز العصبي خلايا خاصة تسمي العصبونات أو الخلايا العصبية، والتي تعمل سويًّا لإنتاج جميع أفكارنا وتشكيل سلوكنا. ولكي نفهم كيفية تحكم المخ في السلوك، فإننا بحاجة إلى فهم كيفية تواصل هذه الخلايا العصبية فيما بينها. يتسم المخ البشري بالتعقيد الشديد، ولكن الكثير من خصائصه تتشابه مع خصائص أمخاخ الحيوانات الأخرى. يعني هذا أن علماء الأعصاب (العلماء المعنيين بدارسة المخ والجهار العصبي) بمقدورهم استخدام الحيوانات البسيطة لاكتشاف أشياء جديدة عن المخ البشري. ولقد كانت هذه هي الطريقة التي اكتشفوا بها كيفية تواصل الخلايا العصبية فيما بينها.
كيف تتواصل الخلايا العصبية مع بعضها البعض؟
تتواصل الخلايا العصبية باستخدام مزيجٍ من النشاط الكهربي والكيميائي. اكتشف العلماء الأوائل هذا الأمر من خلال الملاحظات والتجارب الذكية. ففي أواخر القرن الثامن عشر، كان هناك عالم إيطالي يُدعى Luigi Galvani يسير في أحد الأسواق خلال عاصفة برقية. فرأى بعض أرجل الضفادع معروضة للبيع، ولاحظ أنها كانت ترتعش. فافترض أن الكهرباء الناتجة عن العاصفة هي ما ينشط الأعصاب في أرجل الضفادع. فقرر أن يختبر هذه الفرضية في مختبره. استخدم Galvani شيئًا ما يسمح بسريان التيار الكهربي اسمه الإلكترود (القطب الكهربي) لتمرير التيار الكهربي في الجهاز العصبي للضفادع. وهو ما تسبب في حدوث رعشة واهتزاز في أرجلها. وكانت هذه أول دراسة استثارة كهربية في علم الأعصاب [1]. وفي ضوء هذه النتيجة، توصل Galvani إلى أن الخلايا العصبية بمقدورها استخدام الإشارات الكهربية لتمرير المعلومات. وهو الأمر المهم الذي يجب أن تعرفه! والآن وبعد أن علمنا كيف تتواصل الخلايا العصبية مع بعضها البعض، نستطيع البدء في التحدث بلغتها. فيمكننا استخدام الإشارات الكهربية لتشغيل بعض الخلايا العصبية، ثم نرى ماذا يحدث بعدها. وهذا هو بالضبط ما شرع العلماء في فعله.
لم يُستخدم أسلوب الاستثارة الكهربية في رسم خريطة للمخ البشري حتى أربعينيات القرن الماضي. إذ كان يعمل دكتور Wilder Penfield، جراح المخ، مع مرضى يعانون من الصرع. ومن المعلوم أن الصرع يتسبب في توليد إشارات كهربية غير طبيعية في المخ، وهو ما يجعله أمرًا خطيرًا. ولذا تتطلب الحالات الحادة من هذا المرض تدخلًا جراحيًا في المخ لإيقاف الصرع. وعليه، رسم الدكتور Penfield خريطة لأمخاخ مرضاه لاكتشاف أي أجزائها يعد الأكثر أهمية. حيث سيساعده هذا الأمر في التعرف على مناطق المخ التي لا ينبغي عليه أن يعمل عليها. وقد استخدم Penfield أسلوب الاستثارة الكهربية لرسم هذه الخريطة، تمامًا كما فعل Galvani. فأوصل قطبًا كهربيًا صغيرًا في مناطق حركية في المخ. ثم أرسل إشارة كهربية ولاحظ حركات المرضى. تسببت الاستثارة في إحدى مناطق المخ في جعل أحد الأصابع يرتعش، بينما تسببت استثارة منطقة أخرى مختلفة قليلًا في جعل إحدى القدمين تنتفض. وهو ما جعل الدكتور Penfield يدرك أن هنالك مناطق معينة في المخ تتحكم في مناطق معينة في الجسد. ولاحظ الدكتور Penfield أيضًا أن مواقع المناطق الحركية في المخ كانت متشابهة في جميع مرضاه. فأنشأ رسمًا بيانيًا للنتائج التي توصل إليها، وهو ما أعطانا أول خريطة وظيفية لمناطق الحركة في المخ البشري [2]. ولا تزال الخرائط الوظيفية للمخ التي رسمها الدكتور Penfield والتي تعرف باسم “homunculus” أو ما يعني ”مخططات صغيرة” تستخدم حتى يومنا هذا.
وقد تغيرت تجارب استثارة المخ منذ أربعينات القرن الماضي. حيث واجهت دراسات الاستثارة الكهربية بعض المصاعب. وكانت إحدى المشكلات التي واجهت هذه الدراسات هو أن المخ قد يتلف عند إدخال القطب الكهربي إليه. كما تمثلت إحدى المشكلات الأخرى في أن الاستثارة الكهربية تنشط النسيج كله بصفة عامة، بطريقة غير انتقائية (الشكل 1A). فهو مثل استخدام البلدوزر في وقت يمكن فيه استخدام جاروف - فعلى الرغم من أن البلدوزر فعال، فإنه ليس دقيقًا جدًا أو حذرًا. في عام 2005، ابتُكرت تقنية جديدة لإجراء استثارة أكثر دقة للمخ. وقد عرفت هذه التقنية باسم علم الوراثة البصرية.
ما هو علم الوراثة البصرية؟
إن علم الوراثة البصري هو طريقة للتحكم في نشاط الخلايا العصبية باستخدام الضوء والهندسة الوراثية. إن الهندسة الوراثية هي عملية يقوم من خلالها العلماء بتغيير المعلومات المرمزة في الشفرة الوراثية (الخرائط الوراثية) للكائن الحي. وفي دراسات علم الوراثة البصرية، يأخذ العلماء الشفرة الوراثية للخلايا العصبية التي يريدونها ويضيفون إليها قطعة شفرة جديدة. تسمح الشفرة الجديدة لهذه الخلايا العصبية بتصنيع بروتينات خاصة تعرف باسم ”الأوبسينات” (opsins)، وهي تستجيب للضوء. تتكون الأوبسينات بصورة طبيعية، وقد اكتُشفت للمرة الأولى في الطحالب، والتي تستخدم هذه البروتينات لتساعدها على التحرك نحو اتجاه الضوء. ولكن كيف يدخل بروتين الأوبسين داخل الخلايا العصبية؟ يتطلب هذا الأمر بعض التقنيات المعملية المتخصصة. دعونا نفحص فأرًا كمثال لنا. كي يتمكن بروتين الأوبسين من الدخول في الخلايا العصبية للفأر، يجب إدخال الشفرة الوراثية له بحذر في الشفرة الوراثية للخلايا العصبية في الفأر. وإذا حدثت هذه العملية على نحو صحيح، فيجب أن يكون البروتين قد دخل إلى جميع الخلايا العصبية في الفأر. وحيث إننا نفهم الكثير عن الشفرة الوراثية للفأر، فيمكننا اختيار المكان الذي نضع فيه هذا البروتين. فيمكننا إدخال الأوبسين في نوع معين من الخلايا العصبية، أو في موقعٍ معين في المخ. فيمكننا أن نختار بالضبط الخلايا العصبية التي نريد أن نتحكم فيها.
ويعرف بروتين الأوبسين الأكثر شهرة في علم الأعصاب باسم بروتين channelrhodopsin-2 (ChR2).. ويأتي بروتين الأوبيسن من الطحالب الخضراء من نوع Chlamydomonas reinhardtii [3]. يتم تنشيط هذا البروتين عن طريق الضوء الأزرق، وهو ما يعني أنه يعمل فقط عند تسليط الضوء الأزرق عليه وأنه لا يستجيب لأنواع الضوء الأخرى. فعندما يتم إدخال بروتين ChR2 في الخلايا العصبية، فإن هذا يعني أن الخلايا العصبية يمكن أن تتحول إلى نشطة بالضوء الأزرق. وتظل الخلايا العصبية مع بروتين ChR2 نشطة طالما كان الضوء الأزرق مسلطًا عليها [4]. وهو ما يعطينا تحكمًا خاصًا في تحديد وقت نشاط الخلايا العصبية. وفي الظروف الطبيعية، لا تتأثر الخلايا العصبية بالضوء الأزرق (الشكل 1B)، ولذا فإن الخلايا العصبية التي تحوي بروتين ChR2 هي فقط التي تتأثر بالضوء الأزرق (الشكل 1C).
الاستثارة بواسطة علم الوراثة البصرية أكثر انتقائية من الاستثارة الكهربية
على غرار الطرق الكثيرة الموجودة في المدن، يوجد العديد من الممرات في المخ. إذا ما أردت أن تعلم كيفية اتصال النقطة أ بالنقطة ب في المدينة، فيمكنك ببساطة النظر إلى جميع الطرق ورسم خارطة طريق. ويعد هذا نوعًا من الخرائط التركيبية: وهي تساعدنا في فهم كيفية بناء الطرق وإنشائها. ولكن، هنالك عادة الكثير من الطرق للوصول من النقطة أ إلى النقطة ب، ولذا فكيف لنا أن نعرف أن هذا الطريق هو الأكثر شهرة؟ لاكتشاف هذا الأمر، نحن بحاجة إلى النظر إلى السيارات التي تسير على الطرق في الوقت الذي تنتقل فيه من النقطة أ إلى النقطة ب. وتعد هذه خريطة وظيفية: وهي تساعدنا على فهم كيفية استخدام الطرق. وفي المخ، تشبه الخلايا العصبية الطرق، في حين أن الإشارات التي تسافر من خلية عصبية إلى أخرى تشبه السيارات. وفي الظروف الطبيعية، يكون المخ نشطًا جدًا ويوجد الكثير من الإشارات على الطرق في جميع الأوقات. وفي جميع أرجاء خارطة المخ، تبدأ السيارات رحلاتها وتتوقف في أوقات مختلفة. وبسبب فرط النشاط، لا يمكننا أن نرى الأنماط أو نفهم كيف ترتبط الأشياء ببعضها. ولاكتشاف هذه الأنماط، سيكون من المفيد لنا أن نكون قادرين على التحكم في الوقت الذي تبدأ فيه الإشارة رحلتها وكذلك المكان.
تخيل أن هناك سيارات في جميع الطرق في مدينتنا. وأنها تنتظر إشارة للانطلاق على الطرق (الشكل 2A). يمكننا في دارسة الاستثارة الكهربية أن نتحكم في توقيت بداية رحلة السيارات، ولكن ليس لدينا الكثير من التحكم في اختيار السيارات التي ستخرج على الطرق. فمع الاستثارة الكهربية تكون الاستثارة عامة. فجميع السيارات القريبة من الاستثارة ستنطلق على الطريق. وهو ما يعني أن هناك المزيد من النشاط الذي سينجم عن الاستثارة (الشكل 2B). وفي دراسة الاستثارة بواسطة علم الوراثة البصرية، يمكننا أن نختار بدقة أي السيارات التي نريد أن نرسلها على الطريق، بل وموعد إرسالها أيضًا.
ويمكننا اختيار مجموعة من السيارات حسب موقعها (على سبيل المثال، يمكننا اختيار إرسال جميع السيارات في حي ما على الطريق)، كما يمكننا أن نختار إرسال السيارات حسب نوعها (على سبيل المثال، يمكننا اختيار إرسال الشاحنات فقط على الطرق) (الشكل 2C). وتعد هذه استثارة انتقائية. ويكون تتبع حركة السيارات أكثر سهولة في هذه الحالة. كما تخبرنا الاستثارة الانتقائية بالكثير عن كيفية عمل سيارات (إشارات) بعينها على الطريق.
كيف يُستخدم علم الوراثة البصرية في رسم خريطة للمخ؟
يمكن استخدام علم الوراثة البصرية بطرق متعددة لرسم خريطة لمخ فأر (تمت مراجعته في المرجع [5]).
وتمامًا مثل قدرتنا على تكبير خريطة الطرق الخاصة بالمدينة لرؤية الطرق السريعة الرئيسية (الشكل 3A)، أو تكبير الخريطة لرؤية مربع سكني معين في المدينة (الشكل 3B)، يمكننا أيضًا أن نقرب المخ أو نُصغره. فبإمكاننا أن نكبر صورة المخ لرؤية كيفية اتصال المناطق الضخمة فيه، وآلية عملها مع بعضها البعض (الشكل 3C). وإذا كنا مهتمين بالتعرف على الطريق الذي تسلكه المعلومات في رحلة سفرها عبر المسافات الطويلة في المخ، أو التعرف على هذه المناطق المتصلة في المخ، فسيكون النظر إلى الصورة المكبرة أمرًا جيدًا ومفيدًا في هذا الشأن. فعلى سبيل المثال، تميل المدن الكبرى إلى أن يكون فيها الكثير من الطرق والطرق السريعة التي تشق أحيائها ومجمعاتها السكنية، لأن الكثير من الناس يسافرون من هذه المدن وإليها. وباستخدام علم الوراثة البصرية لاستثارة منطقة محددة في المخ وتسجيل الاستجابات في مناطق المخ الأخرى، يكون بمقدورنا أن نكتشف أي المناطق أكثر ازدحامًا - أي نشاطًا - في المخ. ويعد هذا أمرًا مهمًا لفهم كيفية إنتاج سلوكيات معينة، فضلًا عن أنه مهم لفهم ماذا يحدث لو حدث تلف في المخ في منطقة بعينها (على سبيل المثال، لو وقعت حادثة في الشارع الرابع، كيف سيتم إعادة توجيه المرور؟)
كما أنه باستطاعتنا أن نكبر صورة المخ لرؤية كيفية اتصال الخلايا العصبية مع بعضها (الشكل 3D). وباستخدام علم الوراثة البصرية، يمكننا أن نفحص آلية عمل الخلايا العصبية مع بعضها البعض، وذلك عن طريق استخدام الضوء لتنشيط بعض الخلايا العصبية وتسجيل استجابة الخلايا العصبية الأخرى.
ويعتبر المنظر التفصيلي مفيدًا في فهم آلية تواصل الخلايا العصبية مع بعضها البعض وتوقيت حدوث ذلك. وبإمكان هذا الأمر أن يكون مفيدًا جدًا في التعرف على الأمراض التي تعوق عمليات التواصل بين الخلايا العصبية في منطقة معينة؛ وهو ما يحدث عندما يصاب شخص ما بسكتة دماغية (اقرأ المزيد عن هذا الأمر في القسم التالي).
من شأن رسم خريطة لمسارات المخ بالاستعانة بعلم الوراثة البصرية أن يفتح أمامنا المجال لاحتماليات كثيرة لفحص كيفية عمل المخ. وحيث إن تقنيات علم الوراثة البصرية تتحسن ويجري تخليق أو اكتشاف المزيد من بروتين الأوبسين، فهناك احتمال أن نتمتع بمزيد من التحكم في دراسات استثارة المخ. وربما سيكون بمقدورنا أن نستخدم الأوبسينات المتعددة للتحكم في الأنواع المختلفة والمتعددة من الخلايا العصبية في نفس الوقت. وحيث إن كل أوبسين يستجيب لنوعٍ معين من الضوء، فبإمكاننا استخدام ضوء مختلف للتحكم في أنواع مختلفة من الخلايا العصبية. وفي الحقيقة، تعمل بعض الأوبسينات على جعل بعض الخلايا العصبية غير نشطة في حالة وجود النوع الصحيح من الضوء.
ففي المثال الذي قدمناه حول رسم خريطة لطرق المدينة، نستطيع أن نستخدم الإشارات المتعددة في التحكم في حركة السيارات. فبمقدورنا إرسال مجموعة واحدة من السيارات على الطريق عند إعطاء إشارة معينة (مثل، الضوء الأزرق)، في حين أنه بمقدورنا أيضا إرسال مجموعة أخرى منها على الطريق حال إعطاء إشارة مختلفة (مثل، الضوء الأحمر). ويمكننا من خلال استخدام مثل هذه التجربة والظروف أن نبدأ في إجراء التجارب على هاتين المجموعتين من السيارات: فماذا سيحدث إذا تحركت السيارات التي أعطيت اللون الأحمر أولًا؟ وماذا سيحدث لو تحركت السيارات التي أعطيت اللون الأزرق أولًا؟ وماذا سيحدث لو تحركت المجموعتان في آن واحد؟ سيساعدنا هذا الأمر على فهم كيفية تفاعل المجموعات المختلفة من السيارات مع بعضها البعض.
وإذن، فكيف يختار العالم التقنية أو نوع الأوبسين الذي سيستخدمه؟ ستعتمد الإجابة على التساؤل البحثي الذي يريد العالم تقصيه ودراسته. يسلط القسم التالي الضوء على بعض هذه التساؤلات التي تم فحصها باستخدام علم الوراثة البصرية.
اكتشافات حديثة بفضل علم الوراثة البصرية
بدأ العلماء المعنيون بدراسة المخ في استخدام علم الوراثة البصرية في عام 2005 [3]. ومنذ ذلك الحين، استُخدمت الطرق القائمة على هذا العلم لدراسة المخ من نواحٍ متفرقة - بداية من كيفية اتصال مجموعة من الخلايا العصبية مع بعضها البعض ووصولًا إلى عمليات التفاعل بين المناطق الأكبر في المخ (تمت مراجعته في المرجع [5]). وقد استخدمت العديد من الدراسات الأخرى طرق علم الوراثة البصرية لتقصي موضوعات وتساؤلات بحثية مختلفة. وتشمل قائمة التساؤلات المطروحة مؤخرًا: أين يوجد الخوف في المخ؟ كيف يمكن حساب المخاطر والمكاسب؟ كيف تخزن الذاكرة المعلومات؟ (تمت مراجعته في المرجع [6]). إننا نستخدم علم الوراثة البصرية على الفئران لفحص كيفية تغير المخ بعد الإصابة بسكتة دماغية [7]. تحدث السكتة الدماغية عندما يتوقف تدفق الدم الساري إلى منطقة ما في المخ أو ينخفض. وهو ما يعد أمرًا خطرًا، حيث إن إمدادات الدم تحمل الأكسجين وغيره من العناصر الغذائية التي يحتاجها المخ ليبقى على قيد الحياة. ولو ظلت منطقة ما في المخ لفترة طويلة بدون أكسجين، فسوف تموت الخلايا العصبية بها في نهاية المطاف. وهو ما يسبب بدوره مشكلات في هذه المنطقة من المخ على وجه التحديد، وأيضًا في غيرها من المناطق المتصلة بها. إننا نريد من دراستنا هذه أن نكتشف كيف لسكتة دماغية صغيرة في منطقة معينة في المخ أن تؤثر على العديد من المناطق الأخرى فيه.
ولنبدأ في هذا الأمر، استخدمنا بروتين ChR2 لمساعدتنا في رسم خريطة وظيفية لمخ الفأر. ثم عقدنا مقارنة بين خرائط الحيوانات المصابة بسكتة دماغية وغيرها التي لم تصب بها. فوجدنا أن الخرائط تتغير مع مرور الوقت. فبعد أسبوع واحد من الإصابة بالسكتة، انخفض النشاط العام للمخ على نحو كبير. ومما يثير الدهشة أن النشاط كان منخفضًا حتى في المناطق البعيدة عن موضع السكتة. وبعد مرور 8 أسابيع من الإصابة بالسكتة، ارتفع معدل نشاط المخ إلى مستوى أعلى، ولكنه لم يعد إلى المعدل الطبيعي. وبناء على هذه البيانات، توصلنا إلى أن السكتات الدماغية الصغيرة بمقدورها أن تُخلف تأثيرًا كبيرًا على كيفية عمل المخ إجمالًا. إن فهم ما يحدث للمخ بعد إصابته بسكتة دماغية قد يساعد العلماء على التوصل إلى علاجات أفضل لمرضى السكتات الدماغية. وما هذا إلا مثال واحد فقط يوضح أوجه الاستفادة من علم الوراثة البصرية، وكيف أن بمقدوره المساعدة في تقصي بعض التساؤلات البحثية المتعلقة بالمخ. ومن المرجح أن يستمر العلماء المعنيون بدراسة المخ في استخدام هذا العلم لسنوات عديدة قادمة.
مسرد للمصطلحات
العصبونات أو الخلايا العصبية (Neurons): ↑ تتواصل خلايا خاصة في المخ مع بعضها البعض عن طريق إرسال واستقبال إشاراتٍ كهربية وكيميائية. توجد مليارات الخلايا العصبية في مخ الإنسان، وتعد الإشارات التي ترسل بين هذه الخلايا أساس جميع أفكارنا وسلوكنا.
دراسة الاستثارة الكهربية (Electrical Stimulation Study): ↑ هي تقنية لتنشيط الخلايا العصبية أو المسارات العصبية عن طريق إدخال شحنة كهربية صغيرة في النسيج وإرسال شحنة كهربية إليه. وهو ما يتسبب في إحداث نشاط كهربي في النسيج.
علم الأعصاب (Neuroscience): ↑ هو فرع من فروع العلم يٌعنى بدارسة المخ والجهاز العصبي.
علم الوراثة البصرية (Optogenetics): ↑ تقنية تستخدم مزيجًا من الضوء والهندسة الوراثية للتحكم في نشاط الخلية.
الهندسة الوراثية (Genetic Engineering): ↑ عملية تغيير المعلومات في الشفرة الوراثية (المخططات الوراثية) لكائن حي عن طريق إضافة معلومات أو حذفها. وتعرف الهندسة الوراثية في بعض الأحيان باسم التعديل الوراثي.
الأوبسينات (Opsins): ↑ هي بروتينات تستجيب لنوع معين من الضوء (مثل بروتين ChR2 الذي يستجيب فقط للضوء الأزرق). تستخدم هذه البروتينات في علم الأعصاب للتحكم في نشاط الخلايا العصبية.
بروتين Channelrhodopsin-2 (ChR2): ↑ هو البروتين الذي يستجيب للضوء الأزرق. فعند إدخال بروتين ChR2 في الخلايا العصبية، يمكن استخدام الضوء الأزرق لتنشيط هذه الخلايا. يعد بروتين ChR2 البروتين الأشهر في مجموعة الأوبسينات في دراسات علم الوراثة البصرية.
السكتة الدماغية (Stroke): ↑ يحمل الدم في الظروف الطبيعية الأكسجين وغيره من العناصر الغذائية الأخرى للمخ. ولكن عند انقطاع إمدادات الدم أو انخفاضها، لا يحصل المخ على الأشياء التي يحتاجها لأداء وظيفته على النحو المرجو. وهو ما يعرف بالسكتة الدماغية، والتي بإمكانها إحداث مشكلات وخلل وظيفي مستمر.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
مقال المصدر الأصلي
↑ Lim, D. H., LeDue, J., Mohajerani, M. H., Vanni, M. P., and Murphy, T. H. 2013. Optogenetic approaches for functional mouse brain mapping. Front. Neurosci. 7:54. doi: 10.3389/fnins.2013.00054
المراجع
[1] ↑ Kolb, B., Whishaw, I. Q., and Teskey, G. C. 2016. An Introduction to Brain and Behavior. 5th ed. New York, NY: Worth.
[2] ↑ Penfield, W., and Edwin, B. 1937. Somatic motor and sensory representation in the cerebral cortex of man as studied by electrical stimulation. Brain 60(4):389–443. doi: 10.1093/brain/60.4.389
[3] ↑ Nagel, G., Szellas, T., Huhn, W., Kateriya, S., Adeishvili, N., Berthold, P., et al. 2003. Channelrhodopsin-2, a directly light-gated cation-selective membrane channel. Proc. Natl. Acad. Sci. U.S.A. 100:13940–5. doi: 10.1073/pnas.1936192100
[4] ↑ Boyden, E. S., Zhang, F., Bamberg, E., Nagel, G., and Deisseroth, K. 2005. Millisecond-timescale genetically targeted optical control of neural activity. Nat. Neurosci. 8:1263–8. doi: 10.1038/nn1525
[5] ↑ Lim, D. H., LeDue, J., Mohajerani, M. H., Vanni, M. P., and Murphy, T. H. 2013. Optogenetic approaches for functional mouse brain mapping. Front. Neurosci. 7:54. doi: 10.3389/fnins.2013.00054
[6] ↑ Deisseroth, K. 2015. Optogenetics: 10 years of microbial opsins in neuroscience. Nat. Neurosci. 18(9):1213–25. doi: 10.1038/nn.4091
[7] ↑ Lim, D. H., LeDue, J., Mohajerani, M. H., and Murphy, T. H. 2014. Optogenetic mapping after stroke reveals network-wide scaling of functional connections and heterogeneous recovery of the peri-infarct. J. Neurosci. 34(49):16455–66. doi: 10.1523/JNEUROSCI.3384-14.2014