مفاهيم أساسية علم الأعصاب وعلم النفس نشر بتاريخ: 10 ديسمبر 2021

الدلالة العلمية للكلام أثناء النوم

ملخص

هل أخبرك أحد والديك أو إخوتك أو أصدقائك من قبل أنك كنت تتحدث أثناء النوم؟ لا داعي للخجل! فقد أظهرت دراسة حديثة أن أكثر من نصف البشر قد مروا بتجربة الكلام بصوت عالٍ أثناء النوم [1]، وقد يكون هذا التقدير أقل من الحقيقي، إذ لا يلاحظ غالبية الناس أنهم يتحدثون أثناء النوم إلا إذا أيقظهم شخص آخر أو أخبرهم بذلك في اليوم التالي. يُركزّ أغلب علماء الأعصاب وعلماء اللغة وعلماء النفس المعنيين بدراسة اللغة اهتمامهم على إنتاجنا اللغوي ومهارات فهمنا اللغوية على مدار اليوم. ومن ثم، ستسلط هذه الدراسة الضوء على ما توصل إليه العلماء حول إنتاج الكلام الواضح أثناء الليل. ونعتقد أن دراسة الكلام أثناء النوم ستكون على نفس القدر من المتعة والفائدة المعلوماتية التي تحققها دراسة الكلام أثناء اليقظة.

ما المقصود بالكلام أثناء النوم؟

يمكن تصنيف الكلام أثناء النوم باعتباره ضمن عائلة أكبر تشمل أنواع أكثر من “أساليب التعبير أثناء النوم”؛ مثل الغمغمة والضحك والأنين والتصفير أثناء النوم. وقد لاحظ الفيلسوف الإغريقي القديم هِرَقْليطُس من مدينة “إفسوس” بالفعل شخصًا يتحدث أثناء النوم قبل 2500 عام، أي أن الأمر ليس اكتشافًا حديثًا. ويحدث ذلك في جميع الأعمار (طالما أن المرء قادر على الكلام!) وقد يحدث في جميع أوقات الليل. ويعتقد العلماء أن الكلام أثناء النوم أكثر انتشارًا بين الأطفال مقارنة بالبالغين، ولكن قد يرجع هذا ببساطة إلى أن الأطفال عادةً ما يتم سماعهم أكثر من البالغين (من قبل والديهم على سبيل المثال).

في بعض الأحيان، يصنف الكلام أثناء النوم ضمن الأفعال اللاإرادية التي تحدث أثناء النوم (أو ما يسمى بالخطل النومي)، مثل السير أثناء النوم أو الجز على الأسنان أو حتى أنواع اضطرابات النوم التي قد يؤذي المريض نفسه أو شريكه في السرير بسببها حين يقوم بحركات لا إرادية أثناء النوم. بيد أن الكلام أثناء النوم عادة ما يكون أمرًا بسيطًا ولا يتطلب أي علاج. ولكن يُستثنى من ذلك ظاهرة الكلام أثناء النوم التي يعاني منها المريض بعد التعرض لصدمة ما، مثلما يحدث مع الجنود الذين يخوضون الحروب.

متى نتحدث أثناء النوم؟

يتألف النوم البشري من مراحل مختلفة (راجع مقال “لماذا ننام؟”) لمؤلفيه Manoach وStickgold للاطلاع على نظرة عامة شيقة)، ويمكن تمييز هذه المراحل من خلال فحص تسجيلات النشاط الكهربي عبر الحساسات التي يتم تركيبها على فروة رأس شخص ما، وهي طريقة تسمى بالتخطيط الكهربائي للدماغ (EEG، انظر الشكل 1). وعلى الرغم من أن الأحلام قد تحدث في جميع مراحل النوم، فإننا نحلم بصورة أكثر وضوحًا في مرحلة تُسمى “نوم حركة العين السريعة” (REM) بسبب حدوث حركات سريعة في العين أثناء النوم. وخلال هذه المرحلة من النوم، تصاب جميع عضلات الجسم بالشلل (طبعًا باستثناء عضلات العين) وذلك بفعل البنى العصبية في جذع الدماغ والتي تمنعنا من التحرك والتعبير عن أحلامنا. وبالتالي، لا تحدث الحركات المركبة مثل المشي أثناء النوم عادةً إلا في مراحل النوم الأخرى بخلاف مرحلة نوم حركة العين السريعة. وفي مثل هذه الحالات، يكون جزء صغير من المخ يقظًا بينما باقي الأجزاء نائمة [2]. ويبدو أن هذا الأمر ينطبق على الكلام أثناء النوم أيضًا: فإنتاج الكلام يستدعي التخطيط والقيام بتسلسل سريع من الحركات العضلية. وعليه، فمن المرجح ألا يحدث هذا إلا في الحالة التي تكون فيها العضلات غير مصابة بالشلل وفي مراحل النوم الأخرى عدا مرحلة نوم حركة العين السريعة [3]. ويدل هذا على أن الحديث الذي يعلو به صوتنا أثناء النوم (الكلام أثناء النوم) ليس بالضرورة إفصاحًا عما نقوله في صمت في أحلامنا أو كوابيسنا (الحديث أثناء الحلم). إلا أن التقارير قد رصدت حالات عن الكلام بصوت واضح أثناء النوم في مرحلة نوم حركة العين السريعة، وهو ما قد يحدث حينما يفشل جذع الدماغ في شلَ عضلات الجسم [4]. وفي كل الأحوال، يوضح الكلام أثناء النوم وأثناء الأحلام أن المخ لا يكون “متوقفًا عن العمل” تمامًا أثناء النوم.

شكل 1 - النشاط الكهربي للمخ كما سجلته خمس أقطاب كهربائية (إلكترودات) موضوعة على فروة رأس شخص ما، ووحدة قياسها ميكروفولت (V).
  • شكل 1 - النشاط الكهربي للمخ كما سجلته خمس أقطاب كهربائية (إلكترودات) موضوعة على فروة رأس شخص ما، ووحدة قياسها ميكروفولت (V).
  • لوحظت انحرافات طفيفة في الموجات مما يعني أن الشخص بدأ بالنعاس قليلا، وبالمثل فإن فحص هذه الموجات في وقت نوم الشخص يمكننا من تحديد مراحل النوم المختلفة.

ماذا يقول الناس أثناء نومهم؟

ينص الرأي الشائع، مثلما يحدث في الأغاني الشعبية والروايات، على أن الناس غالبًا ما يميلون إلى الكشف عن أعمق أسرارهم أثناء النوم لأنهم لا يتحكمون فيما يقولونه. ويمكن أن تكون أغنية Nightmares للمغني Josh Ritter خير مثال على ذلك. ولكن أظهرت الأبحاث أن الإفصاح عن الأسرار الشخصية أثناء النوم ما هو إلا أمر نادر الحدوث وغير شائع [5]، على الرغم من أن التلميح عن الأشياء والأشخاص الذين قابلهم الفرد أثناء يومه ليس أمرًا بعيد الحدوث، فقد يعكس الكلام أثناء النوم مشاعر الفرد، والتي ليست بالضرورة مشاعر “سرية”. لنلقِ الآن نظرة على ما يقوله الناس بالفعل أثناء نومهم ونقارنه بحديثنا خلال اليقظة في النهار. إليك بعض الأمثلة حول الكلام أثناء النوم، مأخوذة من قاعدة بيانات كبيرة [5]:

مثال A: ''مم، هم - نعم، نعم''

مثال B: ''شجرة طاووس؟! هناك شجرة مليئة بالطواويس وطيور السنونو ومزيج خلاب من الألوان، بالطبع بالـطــــــبع راااائع - أحضر آلة التصوير، يا رامي، ولا تنس أن تشغل الفيلم وإلا سأنفجر غيظًا حينما أعود - هيا! ''يا إلهي! - عليك أن ترى هذا'' [قيلت هذه الجملة في جو من الحماس يكسوه الحذر الشديد].

مثال C: ''أريد أن أدون شبكة - ملاحظة - ملاحظة''

لا تبدو هذه التعبيرات للوهلة الأولى مختلفة كثيرًا عما نقوله أثناء اليوم. وفي حقيقة الأمر، وبالمصطلحات اللغوية، فإن التشابه بين الكلام أثناء النوم والكلام أثناء اليقظة واضح جلي بالفعل. قد تكون التعبيرات بسيطة وقصيرة مثل ما ورد في المثال A، والتي لا تختلف كثيرًا عن الردود القصيرة الموازية في أي حوار يومي. أما المثال B، فيوضح - على الجانب الآخر - مدى تعقيد الكلام أثناء النوم.

يتضمن هذا المثال أنواعًا مختلفةً من صيغ الكلام فهو يحتوي على سؤال ووصف لمشهد مرئي وأمر (أحضر لي آلة التصوير) موجه لمخاطب محدد (رامي)، مع أنماط متنوعة من إيقاع الصوت. وتشير القدرة على الحديث أثناء الليل، كما ورد في الأمثلة أعلاه، إلى أن شبكات المخ التي تشارك في عملية إنتاج الحديث قد تكون فعالة ونشطة أثناء النوم. وبحسب الأبحاث التي أجريت على المشاركين اليقظين، اكتشفنا أن الجزء الأكبر من هذه الشبكات يقع في الفص الجبهي والفص الصدغي، وبالأساس في نصف الكرة المخي الأيسر.

وعلى غرار ما يحدث في لغة الحديث العامية اليومية، قد يحتوي الكلام أثناء النوم على بعض الأخطاء الكلامية. ويوضح المثال C هذا الخطأ الكلامي المزعوم، والذي يقوم المتحدث أثناء النوم بتصحيحه على الفور. كما أن مشكلات إيجاد الكلمات والترميز الصحيح للأصوات التي تتألف منها الكلمات تكون أكثر شيوعًا أثناء النوم مقارنة بالحديث اليومي. وفي بعض الأحيان، قد يصل الأمر إلى الحد الذي يشبه الصعوبات في إيجاد الكلمات، وهي المشكلة التي يعاني منها الأفراد المصابون بأنواع محددة من الحبسة - وهو نوع من الاضطراب اللغوي يسببه خلل في وظائف أجزاء من المخ. والسمة الأخرى التي يمكن الإشارة إليها في نماذج الكلام أثناء النوم هي غياب الترابط الموضوعي في التعبيرات المتلاحقة. فقد تكمن إحدى الاحتمالات في أن هذه التعبيرات المتلاحقة قد تكون مرتبطة بمحتوى حلم ما تتابع فيه المشاهد غير المترابطة بسرعة على الرغم من اختلافها في المواضيع. وعلى النقيض من هذه القدرات المنخفضة أثناء النوم، أشارت بعض التقارير السردية إلى أن هناك أشخاصًا كانوا أكثر إبداعًا وفصاحة أثناء نومهم مقارنة بما هو الحال أثناء اليقظة، مثلما يحدث إذا كان الشخص يتحدث لغة ثانية. ومن ضمن الاختلافات بين الكلام أثناء النوم والحديث أثناء اليقظة خلال الحياة اليومية أن الناس عادةً لا يتذكرون في صباح اليوم التالي أنهم قد تحدثوا أثناء نومهم، وهو ما يعني أنهم لا يتذكرون شيئًا مما قالوه أثناء النوم من الأساس.

وعلى عكس مشكلات إيجاد الكلمات والغياب العرضي للترابط بين العبارات أثناء النوم، فإن القواعد اللغوية للجمل التي تقال أثناء النوم دائمًا ما تتسم بالدقة البالغة. فيبدو أن مخ الإنسان قادر على إنتاج جمل صحيحة لغويًا أثناء النوم، وهو ما قد يشير إلى أن بناء التركيبة اللغوية للجملة أثناء إنتاج الحديث (بما في ذلك الحديث أثناء اليقظة) ما هو إلا عملية تلقائية بنسبة كبيرة يمكنها أن تحدث دون أن يوليها المتحدث الكثير من الانتباه، وهو ما يتيح الفرصة بدوره للمتحدث في أن يركز أكثر على محتوى الرسالة [6]. وفيما يلي مثالًا يوضح كيف يمكن أن تكون دراسة الكلام أثناء النوم أمرًا مفيدًا في فهمنا لعملية إنتاج الكلام أثناء اليقظة أيضًا. يلخص المربع 1 بعض الحقائق الممتعة حول الكلام أثناء النوم.

المربع 1 - بعض الحقائق الممتعة حول الكلام أثناء النوم.

  • يحدث الكلام أثناء النوم في جميع الأعمار وقد يحدث في جميع أوقات الليل.
  • يُعتقد أن الكلام أثناء النوم أكثر انتشارًا بين الأطفال عنه في البالغين.
  • لا يكون المخ “متوقفًا عن العمل” تمامًا أثناء الليل، وإلا لما أمكن الكلام أثناء النوم.
  • هناك الكثير من الأغاني عن الكلام أثناء النوم وأثناء الأحلام، مثل أغنية Talking In Your Sleep لفريق The Romantics.
  • قد يكون الكلام أثناء النوم، في بعض الأحيان، أكثر إبداعًا من الكلام الذي ننتجه أثناء النهار!

الخلاصة والتوقعات المستقبلية

باختصار، هناك الكثير من أوجه التشابه الواضحة بين الكلام أثناء اليقظة والكلام أثناء النوم، إلا أن هذا لا ينفي وجود بعض الاختلافات أيضًا. ومن المثير للاهتمام أن دراسة الكلام أثناء النوم لم تلق رواجًا بين العلماء خلال الـ 30 عامًا المنصرمة. فهناك الكثير من الأسئلة التي لم نجد لها إجابات بعد، كما أن هناك الكثير من الأشياء التي يجب اكتشافها. وعلى وجه التحديد، لا يوجد حتى الآن تفسير عصبي وافٍ للاختلافات بين الكلام أثناء النوم والكلام أثناء اليقظة فيما يتعلق بدرجات نشاط شبكات المخ التي تشارك في عملية إنتاج الكلام، لذلك قد يجد الجيل الجديد من العقول الشابة في الكلام أثناء النوم موضوعًا رائعا للدراسة.

مسرد للمصطلحات

عالم لغوي (Linguist): هو الشخص الذي يدرس لغة ما أو عدة لغات مختلفة. وقد يتخصص بعض علماء اللغة، على سبيل المثال، في وصف اللغات التي لا يتحدثها إلا مجموعات صغيرة من الناس، في حين يحاول آخرون فهم سبب تغير لغة ما عبر الزمان. ولكن للأسف، لا يهتم كثير من علماء اللغة بدارسة الكلام أثناء النوم.

عالم أعصاب (Neuroscientist): هو الشخص الذي يدرس المخ (وبعض أجزاء الجهاز العصبي الأخرى). يحاول بعض علماء الأعصاب، على سبيل المثال، فهم ما يحدث داخل أمخاخنا أثناء النوم.

التخطيط الكهربائي للدماغ (Electroencephalography (EEG)): هي طريقة تُمكّن الباحثين والأطباء من مشاهدة وتحليل نشاط المخ من خلال تركيب حساسات صغيرة (أقطاب كهربية) على فروة الرأس.

الفص الجبهي (Frontal lobe): هو جزء من المخ يقع في المنطقة الأمامية للرأس خلف الجبهة.

الفص الصدغي (Temporal lobe): هو جزء من المخ يقع فوق الأذنين وخلفهما في كلٍّ من نصفي الكرة المخية.

نصف الكرة المخي (Hemisphere): ينقسم المخ إلى جزء أيسر وجزء أيمن يفصل بينهما شق طولي عريض، ويطلق على هذين الجزءين المرتبطين نصف الكرة المخية الأيسر ونصف الكرة المخية الأيمن.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.


المراجع

[1] Bjorvatn, B., Grønli, J., and Pallesen, S. 2010. Prevalence of different parasomnias in the general population. Sleep Med. 11:1031–1034. doi: 10.1016/j.sleep.2010.07.011

[2] Bassetti, C., Vella, S., Donati, F., Wielepp, P., and Weder, B. 2000. SPECT during sleepwalking. Lancet 356:484–485. doi: 10.1016/S0140-6736(00)02561-7

[3] Arkin, A. M., Toth, M. F. , Baker, J., and Hastey, J. M. 1970. The frequency of sleep talking in the laboratory among chronic sleep talkers and good dream recallers. J. Nerv. Ment. Dis. 151:369–374. doi: 10.1097/00005053-197012000-00002

[4] Uguccioni, G., Pallanca, O., Golmard, J. L., Dodet, P., Herlin, B., Leu-Semenescu, S., et al. 2013. Sleep-related declarative memory consolidation and verbal replay during sleep talking in patients with REM sleep behavior disorder. PLoS One 8:e83352. doi: 10.1371/journal.pone.0083352

[5] Arkin, A. N. 1981. Sleep Talking. Psychology and Psychophysiology. Hillsdale, NJ: Lawrence Erlbaum Associates.

[6] Kempen, G. 1981. De architectuur van het spreken. Interdisciplinair Tijdschrift voor Taal Tekstwetenschap 1:110–123.