ملخص
إذا كنت تعيش في منطقة ريفية وذهبت إلى مدينة مجاورة أو العكس، فقد تشعر باختلاف في درجة الحرارة بين المدينة والريف. عادةً ما تكون المناطق الريفية أكثر برودة، في حين أن المدن أكثر دفئًا من المناطق المحيطة بها. وهذا الاختلاف في درجة الحرارة يُسمى "تأثير الجزر الحرارية الحضرية". يحدث هذا التأثير لعدة أسباب، منها أنواع المواد المُستخدَمة لبناء المدن وافتقارها إلى الغطاء النباتي والمساحات الطبيعية. يتسبب هذا التأثير في أضرار لصحة الإنسان واقتصاد المدن، وكذلك للبيئة على كوكب الأرض. لحسن الحظ، تتوفّر عدة حلول للتعامل مع هذا التأثير، وبعضها مستمّد من الطبيعة.
أسباب الجزر الحرارية الحضرية
ما الذي تتصوّره عندما تتخيل مدينة كبيرة؟ قد يأتي في مخيلتك منظر ناطحات السحاب بالقرب من بعضها والمباني بالطوب الداكن والجسور والطرق الخرسانية والأسفلتية والقليل من الأشجار فقط (الشكل 1A). كل هذه الصفات للمدن تؤدي إلى ظاهرة الجزيرة الحرارية الحضرية، والتي تكون فيها المدن أشد حرارة من المناطق الريفية المجاورة لها. هناك ثلاثة أسباب رئيسية للجزر الحرارية الحضرية، وسنناقشها في الأقسام التالية.
- شكل 1 - (A) الاختلافات بين منطقة ريفية ومدينة.
- (B) تختلف كميات ضوء الشمس المنعكسة من أسطح مثل الأسفلت والطوب والتربة الخفيفة والماء والجليد. ومقدار الضوء الذي يعكسه سطح ما هو العاكسية. (C) النتح التبخري هو العملية التي يتبخر من خلالها الماء من النباتات (النتح) والتربة (التبخر). الغطاء النباتي في المدن أقل، ولذلك يقل النتح التبخري وبالتالي ترتفع الحرارة. (D) يحدث تأثير الوادي الحضري عندما تحجب المباني الشاهقة الرياح، مما يقلل التهوية ويحبس الحرارة.
الحرارة السطحية وتأثير العاكسية
تصف العاكسية مدى قدرة شيء ما على عكس ضوء الشمس. تعكس المواد المختلفة ضوء الشمس بشكل مختلف، ما يعني أن لكل منها عاكسية مختلفة (الشكل 1B). تمتص الأسطح الداكنة كميات أكبر من ضوء الشمس مقارنةً بالأسطح الفاتحة، ولذلك نقول إنها ذات عاكسية منخفضة لأن الطاقة الشمسية المنعكسة منها قليلة. معنى ذلك أن الأسطح الداكنة ذات مستوى أكبر من الحرارة السطحية، أي كمية الحرارة التي يمتصها سطح ما. والأسطح الداكنة أدفأ في الواقع بحوالي 10 إلى 25 درجة مئوية من الأسطح الفاتحة. في المدن، تكون عاكسية المباني والطرق (داكنة اللون عادةً) منخفضة وبالتالي خلال النهار تمتص وتخزّن كميات كبيرة من حرارة الشمس التي يتم إطلاقها ببطء في الليل. يؤدي هذا إلى ارتفاع في درجة حرارة المدينة، وبالتالي ظاهرة الجزر الحرارية الحضرية [1].
النتح التبخري
تحتوي المناطق الريفية عمومًا على عدد أكبر من الأشجار والنباتات مقارنةً بالمدن. وتوفر الأشجار والنباتات الظل، كما تساعد في خفض درجات الحرارة في الأماكن التي توجد بها، وتساهم كذلك في تبريد البيئة المحلية من خلال النتح التبخري (الشكل 1C). في هذه العملية، يتبخر الماء من النباتات (فيما يُسمى بالنتح) والتربة (فيما يُسمى بالتبخر) [2]. ويعمل النتح التبخري على تبريد الهواء من خلال إزالة الحرارة من الهواء المحيط أثناء تحوّل الماء من سائل إلى غاز. وهذه العملية جزء مهم من دورة المياه التي تصف حركة الماء في الغلاف الجوي لكوكب الأرض والبرّ والمحيطات. يمكنك القيام بتجربة صغيرة لملاحظة أثر النتح التبخري على التبريد. ابحث عن منطقة خضراء مثل الفناء الخلفي لمنزلك وقم بريّ كل الأشجار والنباتات والتربة. بعد دقائق معدودة، قد تشعر ببرودة أكبر في الهواء مع انخفاض درجة الحرارة. ولكن المدن ذات غطاء نباتي أقل، وبالتالي يقل فيها الظل والنتح التبخري. ويؤدي هذا إلى ارتفاع في درجة حرارة المدينة، وبالتالي ظاهرة الجزر الحرارية الحضرية.
تأثير الوادي الحضري
يُعد التصميم السيئ للمدن سببًا آخر للجزر الحرارية الحضرية. ففي المدن، عادةً ما يتم تشييد المباني قريبة جدًا من بعضها. ونتيجة لذلك، لا يمكن للرياح المرور بين المباني لتهوية المنطقة وتبريدها، وبالتالي يعلق الهواء الساخن والتلوث بين المباني، كما يحدث في الوادي العميق بين الجبال. ويُسمّى ذلك تأثير الوادي الحضري، ويعمل على رفع درجة الحرارة الإجمالية للمدينة وخفض جودة الهواء فيها في الوقت نفسه (الشكل 1D).
آثار الجزر الحرارية الحضرية
يمكن أن تسبب ظاهرة الجزر الحرارية الحضرية الكثير من المشاكل الصحية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية التي قد تؤثر على الحياة اليومية لسكان المدن. على سبيل المثال، في لاهور في باكستان، غالبًا ما تتجاوز درجات الحرارة 49 درجة مئوية (120 درجة فهرنهايت)، ما يؤدي إلى العديد من الحالات الصحية الطارئة الخطيرة ويؤثر على قدرة السكان على العمل. وعلى نحو مماثل، تشهد مدن مثل دبي في منطقة الخليج العربي درجات حرارة مرتفعة خلال فصل الصيف قد تتجاوز 50 درجة مئوية (122 درجة فهرنهايت).
وسنتناول في الأقسام التالية بعض الآثار السلبية لظاهرة الجزر الحرارية الحضرية.
الآثار البيئية
بسبب درجات الحرارة المرتفعة في المدن، هناك حاجة إلى الكثير من الطاقة الكهربائية لتبريد المباني والمنازل [3]. يمكن أن يؤدي هذا إلى زيادة في انبعاثات الملوثات الخطيرة والغازات المسببة للاحتباس الحراري كمنتجات ثانوية لمحطات الطاقة التي تولّد الكهرباء [1]. ترتبط ظاهرة الجزر الحرارية الحضرية ارتباطًا وثيقًا بالاحتباس الحراري، لأن كليهما يتضمنان ارتفاعًا في درجات الحرارة ولكن على مستويات مختلفة. فالاحتباس الحراري يزيد من متوسط درجات الحرارة في العالم كله، مما يمكن أن يفاقم من آثار الجزر الحرارية الحضرية من خلال جعل المدن أشدّ حرارة [4]. بالإضافة إلى ذلك، تُفاقم ظاهرة الجزر الحرارية الحضرية من آثار الاحتباس الحراري من خلال تأثيرها على دورة المياه وتسببها في المخاطر المناخية. على سبيل المثال، يقلل الجفاف من مستويات المياه، ما يحدّ من كمية الطاقة الكهرومائية التي يمكن إنتاجها [4].
الآثار الصحية
يعاني العديد من سكان المدن من مشاكل تنفسية لأن جودة الهواء في المدن رديئة جدًا. وغالبًا ما توفر درجات الحرارة المرتفعة في المدن ظروفًا مثالية لنمو الحشرات، ومنها ما يحمل الأمراض. والحشرات التي تنشر الأمراض إلى الكائنات الحية الأخرى تُسمّى النواقل. تزيد درجات الحرارة المرتفعة من عدد النواقل، وبالتالي تساهم في انتشار الأمراض الخطيرة التي تحملها النواقل في المدن. وقد تؤدي درجات الحرارة المرتفعة في المدن أيضًا إلى ضربات الشمس والنوبات القلبية وغيرها من المشاكل الصحية المرتبطة بالحرارة [3, 4].
الآثار الاقتصادية
عندما تشتد حرارة المدن بدرجة كبيرة، يذهب القليل من الناس إلى العمل وتتعطل الأعمال التجارية. على سبيل المثال، قد تضطر المصانع إلى الإغلاق إذا لم يذهب العمال إلى العمل، ما يؤدي إلى انخفاض الإنتاج. وفي بعض الأحيان، تتعطل محطات الطاقة أثناء موجات الحر الشديدة بسبب الزيادة المفاجئة في الطلب على الكهرباء لتبريد المباني. وفي مايو 2024، حدث انقطاع في الكهرباء في المكسيك بسبب موجة حر. وكل هذه العوامل تؤثر سلبيًا على اقتصاد المدن. عندما تقل الأعمال التجارية الجارية في مدينة، قد يقرر العديد من الناس الانتقال منها إلى المناطق الريفية المجاورة. وعندما يقل عدد الناس الذين يقضون وقتهم وينفقون أموالهم في مدينة، يتأثر اقتصادها بشكل أكبر.
حلول مستمدة من الطبيعة لمنع ظاهرة الجزر الحرارية الحضرية
لجعل المدن صالحة للعيش، من المهم العثور على حلول للحدّ من الآثار السلبية لظاهرة الجزر الحرارية الحضرية. هناك عدة حلول لهذه المشكلة، ومنها مواد التبريد والأسطح العاكسة والتصميم والتخطيط الحضري والحلول التكنولوجية والتدخلات المتعلقة بالسلوكيات والسياسات. تستند بعض الحلول إلى الطبيعة، مثل التخطيط الحضري الجيد وزراعة الغابات الحضرية وإنشاء مساحات خضراء في المدن، وهي حلول طبيعية يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا [4].
ويفضل الناس كثيرًا الآن الحلول الطبيعية لأن تكلفتها وآثارها البيئية أقل في الغالب.
دمج المسطحات المائية
خلال التخطيط الحضري، يُعد دمج المسطحات المائية الكبيرة (مثل البحيرات والبرك والقنوات وغيرها) في المدن من الحلول الطبيعية لزيادة برودة المساحات الحضرية (الشكل 2A). فالحرارة تبخّر الماء، ما يؤدي إلى زيادة برودة الأماكن [1]. وعلى الرغم من أن المسطحات المائية يمكنها فقط تبريد المنطقة المحيطة بها مباشرةً، فهي تجذب الملوثات إليها وتساعد في تنقية الهواء في المدن. ولكن هناك مشكلة كبيرة في مدى توفّر المياه، وخاصةً في المناطق الجافة التي تندر فيها الموارد المائية [2]. ولذلك قد تكون الخيارات الأخرى الموضحة أدناه خيارًا أفضل في البيئات ذات الموارد المائية المحدودة.
- شكل 2 - (A) تساعد الحدائق والمسطحات المائية الحضرية في تبريد المدن.
- (B) يساهم الغطاء النباتي فوق المباني في المدن في الحدّ من أثر الجزر الحرارية الحضرية.
الغابات الحضرية والمساحات الخضراء
يمكن زراعة الغابات الحضرية في أغلب المدن (الشكل 2A). تحتوي بعض الحدائق الحضرية، مثل سنترال بارك في مدينة نيويورك، على غابات حضرية. من خلال زراعة الأشجار في المدن، يمكن تقليل آثار الجزر الحرارية الحضرية لأن الأشجار تزيد من كمية النتح التبخري وتوفّر المزيد من الظل وتحسّن جودة الهواء. ويعتمد مقدار المساحة الخضراء التي تحتاج إليها مدينة ما على حجمها وتصميمها ونوع الغطاء النباتي. تشير الأبحاث إلى أن نحو 20% إلى 40% من الغطاء النباتي الأخضر في المدن يمكن أن يقلل بدرجة كبيرة من آثار الجزر الحرارية الحضرية من خلال خفض درجات الحرارة عن طريق الظل والنتح التبخري. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تقلل الحدائق الحضرية والشوارع المليئة بالأشجار من درجات الحرارة في مناطقها بما يتراوح بين درجتين و4 درجات مئوية (3.6 - 7.2 درجة فهرنهايت)، في المتوسط. يمكن أيضًا زراعة الأشجار عند ممرات المشاة والأحزمة الخضراء وبين حارات الطرق (الشكل 2B). وبغض النظر عن مكان زراعة الأشجار، فهي تعزز التنوع البيولوجي، ما يساعد في الحفاظ على صحة البيئة المحلية.
الأسطح الخضراء
يصعب أحيانًا زراعة الغابات الحضرية لقلة وفرة الأراضي في المدن. وفي هذه الحالات، يمكن الحصول على المساحات الخضراء عن طريق زراعة النباتات الخضراء على أسطح وجدران المباني (الشكل 2B). والأسطح التي تُزرع فوقها نباتات خضراء تُسمّى الأسطح الخضراء. هناك ثلاثة أنواع رئيسية للأسطح الخضراء: الممتدة والكثيفة وشبه الكثيفة. النوع الأرخص هو الأسطح الممتدة، وتُستخدَم لزرع نباتات بسيطة ومقاومة للأجواء الحارة والباردة مثل الأكاسيا والنيم. تساعد الأسطح الممتدة في زيادة عاكسية المباني وتتطلب درجة أقل من العناية. الأسطح الكثيفة هي النوع الأغلى تكلفة، وفيها يتم زراعة نباتات كبيرة وتكون احتياجات العناية كبيرة، وهي تشبه الحدائق ولكن على أسطح المباني ويمكن استخدامها أيضًا لزراعة الفواكه والخضراوات. أما الأسطح شبه الكثيفة، فهي مزيج من النوعين. وقد ثبت أن الأسطح الخضراء تقلل درجات حرارة المباني بما يتراوح بين 5 و7 درجات مئوية (9–12.6 درجة فهرنهايت).
الملخص
تؤثر ظاهرة الجزر الحرارية الحضرية على العديد من المدن حول العالم. لحسن الحظ، هناك عدة حلول طبيعية لتقليل درجات حرارة المدن والتخفيف من حدة هذه الظاهرة، ومنها دمج المسطحات المائية الكبيرة وزرع الأشجار. فعند إضافة المزيد من النباتات الخضراء والحدائق والمسطحات المائية إلى المدن، يمكن تبريد المناطق الحضرية وحماية التنوع البيولوجي على حد سواء. تعمل المساحات الخضراء على استعادة الموائل الطبيعية في المدن، فزيادة الزهور، على سبيل المثال، تعني زيادة عدد الحيوانات والطيور والحشرات. ويساعد التنوع البيولوجي المدن في الحفاظ على صحة النظم البيئية المحلية. والنظم البيئية الصحية تؤدي بدورها إلى تحسين صحة السكان وزيادة مدى سعادتهم من خلال توفير بيئة أنقى وأكثر راحة للناس والكائنات الحية الأخرى.
مسرد للمصطلحات
الجزيرة الحرارية الحضرية (Urban Heat Island): ↑ ظاهرة تكون فيها درجة حرارة مدينة ما أعلى من المناطق الريفية المجاورة لها.
العاكسية (Albedo): ↑ مقياس لمقدار ضوء الشمس الذي ينعكس من سطح ما.
الحرارة السطحية (Surface Heating): ↑ امتصاص المواد في المناطق الحضرية لحرارة الشمس.
النتح التبخري (Evapotranspiration): ↑ مزيج المياه المتبخرة من النباتات (النتح) والتربة (التبخر).
تأثير الوادي الحضري (Urban Canyon Effect): ↑ احتباس الحرارة وانخفاض تدفق الهواء وارتفاع درجات الحرارة في شوارع المدن الضيقة المحاطة بمبانٍ شاهقة.
النواقل (Vectors): ↑ أي كائنات حية تحمل المرض وتنشره من كائن حي إلى آخر، مثل البعوض.
التنوع البيولوجي (Biodiversity): ↑ كل أنواع الكائنات الحية في منطقة واحدة، مثل الحيوانات والحشرات والنباتات والبكتيريا.
الأسطح الخضراء (Green Roofs): ↑ أسطح ذات غطاء نباتي أو مغطاة بنباتات خضراء.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
إفصاح أدوات الذكاء الاصطناعي
تم إنشاء النص البديل (alt text) المرفق بالأشكال في هذه المقالة بواسطة "فرونتيرز" (Frontiers) وبدعم من الذكاء الاصطناعي، مع بذل جهود معقولة لضمان دقته، بما يشمل مراجعته من قبل المؤلفين حيثما كان ذلك ممكناً. في حال تحديدكم لأي خطأ، نرجو منكم التواصل معنا.
المراجع
[1] ↑ Sachindra, D. A., Ullah, S., Zaborski, P., Nowosad, M., and Dobek, M. 2023. Temperature and urban heat island effect in Lublin city in Poland under changing climate. Theor. Appl. Climatol. 151:667–90. doi: 10.1007/s00704-022-04285-0
[2] ↑ Ajjur, S. B., and Al-Ghamdi, S. G. 2021. Evapotranspiration and water availability response to climate change in the Middle East and North Africa. Clim. Change 166:1–18. doi: 10.1007/s10584-021-03122-z
[3] ↑ Tahir, F., and Al-Ghamdi, S. G. 2023. Climatic change impacts on the energy requirements for the built environment sector. Energy Rep. 9:670–6. doi: 10.1016/j.egyr.2022.11.033
[4] ↑ Ullah, S., You, Q., Ullah, W., Sachindra, D. A., Ali, A., Bhatti, A. S., et al. 2023. Climate change will exacerbate population exposure to future heat waves in the China-Pakistan economic corridor. Weather Clim. Extrem. 40:1–14. doi: 10.1016/j.wace.2023.100570