مفاهيم أساسية علوم الأرض نشر بتاريخ: 28 نوفمبر 2024

الأسطح البينية: لا نراها، ولكنها تحيط بنا في كل مكان

ملخص

الأسطح البينية حولنا في كل مكان. والمقصود بالسطح البيني للموائع الحد الفاصل بين مائعين غير قابلين للامتزاج، ومن أهم الأمثلة على ذلك الزيت والماء؛ فهما لا يختلطان. ولتكوُّن هذه الأسطح البينية أهمية بالغة في حياتنا اليومية. وفي حين أنه لا يمكنك رؤية هذه الأسطح دائمًا، فإنك قد تصادفها في كل مكان. فيمكن أن تكون موجودة في الصابون والآيس كريم وحتى في جسمك. وفي هذا المقال، ستتعرف على ماهية السطح البيني ولماذا تحتاجه في حياتك اليومية وكيف يمكن تكوينه. أو لنكون أكثر دقة، كيف يمكنك تكوين سطحك البيني الخاص بك باستخدام جزيئات خاصة تُسمى المستحلبات.

ما هو السطح البيني؟

يمكن تصنيف العديد من المواد التي نصادفها في حياتنا اليومية على أنها موائع، وهي السوائل أو الغازات التي يمكنها الانسياب. ومن الأمثلة الشائعة على الموائع الماء والزيت والهواء. يمكن أن تختلط بعض الموائع معًا بسهولة، ولكن بعضها غير قابل للامتزاج، مما يعني أنه لا يمكن خلطه؛ مثل الماء والزيت. و السطح البيني هو الحد الفاصل بين مائعين غير قابلين للامتزاج. توجد الأسطح البينية للموائع في كل مكان في حياتنا اليومية، ولكن لا يمكننا رؤيتها دائمًا.

فنحن -مثلًا- نصادف الأسطح البينية في الحمام، عندما نصنع رغوة لطيفة باستخدام الشامبو أو الصابون. ولولا تكوّن الأسطح البينية ما كنا سنجد أطعمة مثل الآيس كريم والمايونيز [1]. وينطبق هذا أيضًا علينا، إذ لا يمكن لجسم الإنسان أن يعمل بدون الأسطح البينية [2]. تتكون هذه الأسطح البينية بين السوائل (مثل الزيت والماء) والسوائل والغازات (مثل الهواء والماء).

وعلى غرار الزيت والماء، يؤدي مزج أي سوائل غير قابلة للامتزاج إلى تكوين الأسطح البينية. وينطبق هذا أيضًا على مزائج الغاز والسائل، مثل الهواء والماء: فالمرحلتان غير قابلتين للامتزاج؛ فهما لا يذوبان في بعضهما البعض كما يذوب السكر في الماء. وبسبب عدم قابلية الامتزاج، يمكننا إنشاء قطرات كروية من سائل داخل سائل آخر. في حالة الأسطح البينية بين الزيت والماء، نسميها المستحلب، أما في حالة الأسطح البينية بين الهواء والماء، نسميها الرغوة. ويمكن استخدام الرغوة والمستحلبات لإعطاء بنية لمنتجات معينة، مثل الآيس كريم (الشكل 1). فبدون الرغوة والمستحلب، سيكون الآيس كريم عبارة عن قالب مجمد بدون قوام لطيف.

شكل 1 - الآيس كريم: منتج معروف بالتقاء الأسطح البينية فيه.
  • شكل 1 - الآيس كريم: منتج معروف بالتقاء الأسطح البينية فيه.
  • إن مفهوم السطح البيني بسيط جدًا في الواقع. فيمكنك تكوين سطحك البيني من خلال ملء دورق شفاف أو كوب زجاجي حتى ربعه بالماء. ثم اسكب بحرص بعض الزيت (على سبيل المثال زيت الزيتون) في الأعلى، وانتظر. بمرور الوقت، ستلاحظ طبقة من الماء في الأسفل وطبقة من الزيت في الأعلى. توضح هذه التجربة أن الماء والزيت غير قابلين للامتزاج. ويرجع ذلك إلى أن كثافة معظم الزيوت أقل من كثافة الماء (10 مل من الزيت أخف من 10 مل من الماء)، لذلك -بسبب عدم الامتزاج والجاذبية- تطفو طبقة الزيت فوق الماء. ويُسمى الحاجز الفاصل بين الزيت والماء بالسطح البيني.

كما أنه منتج غذائي لذيذ ولكنه معقد. فهو يحتوي على قطيرات زيت وفقاعات هواء. يحيط الماء بقطيرات الزيت، ويُسمى الحد الفاصل بين قطيرات الزيت والماء بالسطح البيني بين الزيت والماء. وينطبق الأمر نفسه على فقاعات الهواء الموجودة في الآيس كريم؛ حيث يُسمى الحد الفاصل بين الهواء والماء بالسطح البيني بين الهواء والماء.

كيف يمكننا تكوين المزيد من الأسطح البينية؟

هل تتذكر أننا قلنا لك إن الأسطح البينية موجودة في كل مكان، لكن لا يمكنك رؤيتها دائمًا؟ فالسطح البيني بين الزيت والماء الذي كوّنته في الكوب الزجاجي واضح للعيان.

بيد أن ثمة العديد من الأسطح البينية التي لا يمكنك رؤيتها. فمثلًا، عندما تفرك الصابون أثناء الاستحمام أو عندما تغسل يديك، فإنك تكوِّن الرغوة. تحتوي هذه الرغوة على الملايين من فقاعات الهواء، وكل فقاعة من هذه الفقاعات مُحاطة بالماء. ومن ثمّ، فإن الأسطح البينية بين الهواء والماء موجودة. وتحتوي الملايين من فقاعات الهواء الصغيرة التي تشكِّل الرغوة على كمية كبيرة جدًا من الأسطح البينية.

يمكننا تصور هذا من خلال تجربة (الشكل 2). ستحتاج -في هذه التجربة- إلى زجاجتين بلاستيكيتين بغطائين. املأ نصف الزجاجة رقم 1 بماء الصنبور. أضِف الكمية نفسها من الماء ومعها بضع قطيرات من الصابون إلى الزجاجة رقم 2. إنك تعرف بالفعل أن ثمة سطح بيني بين الهواء والماء. الآن، أغلق الزجاجتين ورجهما بقوة لمدة 15 ثانية. ماذا ترى؟

شكل 2 - (A) يمكننا استخدام الصابون لتكوين المزيد من الأسطح البينية للموائع.
  • شكل 2 - (A) يمكننا استخدام الصابون لتكوين المزيد من الأسطح البينية للموائع.
  • املأ زجاجتين إلى المنتصف بالماء. أضِف بضع قطرات من الصابون إلى إحدى الزجاجتين. رُّج كلتا الزجاجتين، ماذا يحدث؟ (B) في الزجاجة رقم 1، لا يحدث شيء، ولكن إذا بدأت في رّج الزجاجة التي تحتوي على الصابون (الزجاجة رقم 2) لفترة كافية، فسوف تزيد من كمية السطح البيني من خلال تكوين رغوة تتكون من العديد من فقاعات الهواء. ويرجع هذا إلى وجود مستحلبات في الصابون.

في الزجاجة رقم 1، قد لا ترى الكثير من التغيير. وفي الزجاجة رقم 2، قد ترى طبقة بيضاء كبيرة، هي الرغوة. تتكون الرغوة من فقاعات هواء كثيرة، كل واحدة منها مُحاطة بسطح بيني. لقد صنعت الكثير من فقاعات الهواء في الزجاجة رقم 2، ومن ثمّ فقد كوّنت سطحًا بينيًا أكثر بكثير مما هو موجود في الزجاجة رقم 1. إنه لأمر مذهل، أليس كذلك؟!

ما سبب عدم تكوّن الرغوة في الزجاجة رقم 1؟

إذن، لماذا صنعنا فقاعات هواء في الزجاجة رقم 2 فحسب، وليس في الزجاجة رقم 1؟ لشرح هذه الظاهرة، علينا تكبير السطح البيني بين الهواء والماء. فجزيئات الماء الفردية صغيرة جدًا لدرجة أننا لا نستطيع رؤيتها حتى باستخدام المجاهر القوية. فعلى سبيل المثال، يحتوي اللتر الواحد من الماء على 3,343,000,000,000,000,000,000,000 جزيء ماء.

هل يمكنك أن تتخيل مدى صغر حجم جزيء الماء؟ لنعد الآن إلى السطح البيني: تحب جزيئات الماء أن تكون محاطة بجزيئات ماء أخرى، وذلك عندما تكون في أكثر حالاتها هدوءًا. تكون جزيئات الماء الموجودة في السطح البيني بين الهواء والماء مُحاطة جزئيًا فقط بالماء، لأنها مُحاطة أيضًا بالهواء (الشكل 3A). وهذا أمر مرهق وغير مرغوب فيه لجزيئات الماء؛ فهي لا تريد البقاء في هذا الوضع. والآن، تخيل رّج الزجاجة رقم 1: نحاول إنشاء المزيد من الأسطح البينية عن طريق صنع فقاعات هواء. هذا أمر غير مناسب لجزيئات الماء الموجودة في الأسطح البينية الجديدة، وبالتالي ستعود جزيئات الماء إلى وضعها المفضل، وهو أن تكون محاطة بالماء. إذن، ماذا يحدث في الزجاجة رقم 2 عند إضافة الصابون؟

شكل 3 - (A) تحب جزيئات الماء (الكرات الزرقاء) أن تكون مُحاطة بجزيئات ماء أخرى، لكن تلك الموجودة في السطح البيني بين الهواء والماء تكون محاطة جزئيًا بالهواء.
  • شكل 3 - (A) تحب جزيئات الماء (الكرات الزرقاء) أن تكون مُحاطة بجزيئات ماء أخرى، لكن تلك الموجودة في السطح البيني بين الهواء والماء تكون محاطة جزئيًا بالهواء.
  • لذلك، تميل جزيئات الماء إلى تقليل كمية السطح البيني، حتى بعد رّجها. (B) تحتوي المستحلبات على رؤوس محبة للماء (الكرات الحمراء) وذيول كارهة للماء (الخطوط الزرقاء)، لذا فإن جزءًا من المستحلب يريد أن يكون في الماء ولكن الجزء الآخر يريد أن يكون في المرحلة غير المائية، أي السطح البيني. يؤدي هذا إلى تقليل الاحتكاك بين جزيئات الماء والمرحلة غير المائية، مما يؤدي بدوره إلى استقرار السطح البيني. ملحوظة: المستحلبات أكبر بعشر مرات من جزيئات الماء.

المستحلبات هي فريق الإنقاذ للأسطح البينية اليومية

يمتلئ الصابون بجزيئات تُسمى المستحلبات. والمستحلبات هي جزيئات لها طابع خاص جدًا فهي تحتوي على رأس محب للماء وذيل كاره للماء (الشكل 3B). لذلك، يريد جزء من جزيء المستحلب أن يكون في الماء، بينما يفضل الجزء الآخر أن يكون في المرحلة غير المائية (مثل الهواء أو الزيت). وثمة مكان مثالي في الواقع يمكن لهذه الجزيئات أن تذهب إليه. هل يمكنك تخمين هذا المكان؟ نعم، إنه السطح البيني!

كما تعرف، فإن نصف السطح البيني عبارة عن ماء، والنصف الآخر هواء أو زيت. لذا، تحب المستحلبات البقاء في السطح البيني. والآن، فلتفكر في رّج الزجاجة رقم 2. أثناء الرّج، ندفع الهواء إلى المرحلة المائية. عندما نفعل ذلك، نصنع فقاعات هواء ذات أسطح بينية خاصة بها. وستذهب المستحلبات إلى الأسطح البينية المُكونة حديثًا. ومن هنا، لم تعد جزيئات الماء تحتك احتكاكًا مباشرًا بالهواء بعد الآن. تذكّر أن جزيئات الماء لا تريد أن تكون عند السطح البيني. لذا، تعمل المستحلبات الموجودة في الصابون على تقليل الاحتكاك بين جزيئات الهواء والماء عند السطح البيني. وإذا تابعت الرّج، ستتكوّن المزيد من الأسطح البينية الجديدة، مما يؤدي إلى صنع العديد من فقاعات الهواء، وأخيرًا طبقة من الرغوة. هذا ما نسميه بـ التثبيت، حيث تعمل المستحلبات على تثبيت السطح البيني، مما يجعل فقاعات الهواء والرغوة الناتجة تدوم لفترة أطول.

وتنطبق تجربة الزجاجتين أيضًا على الماء والزيت؛ حيث يحب الجزء المُحب للماء من جزيئات المستحلبات أيضًا أن يكون في الزيت. ومن خلال رّج زجاجة تحتوي على الزيت والماء والصابون، فإنك تصنع العديد من قطيرات الزيت الصغيرة. ويُحدد حجم قطيرات الزيت حسب الطاقة التي ترج بها الزجاجة؛ فإذا اخترت رّجها لفترة أطول وبقوة أكبر، فسوف تحصل على قطيرات زيت أصغر. وهذا في الواقع ما يحدث في مصانع المواد الغذائية أثناء إنتاج الآيس كريم والمايونيز المفضلين لديك.

رحلة البحث عن مستحلبات مستدامة

تؤدي المستحلبات الموجودة في الصابون عملها بصورة جيدة للغاية، ولكن لها عيوب. فيجب تصنيعها باستخدام عمليات كيميائية مكثفة وهي غير صالحة للأكل، لذلك لا يمكن استخدامها في إنتاج الأطعمة مثل الآيس كريم والمايونيز. بيد أن ثمة مستحلبات صالحة للأكل، مثل البروتينات. توجد البروتينات في الحليب والبيض والعديد من المنتجات الصالحة للأكل. لذلك، كثيرًا ما يُستخدم الحليب والبيض لتصنيع أطعمة بها الكثير من الأسطح البينية. فيُستخدم الحليب -مثلًا- لصنع مخفوق الحليب والآيس كريم. في حين يُستخدم البيض لصنع المايونيز. وفي الوقت الحاضر، نريد مستحلبات مستدامة، أي تلك التي لا تضر بالبيئة [3]. يمكن العثور على المستحلبات المستدامة في نباتات مثل البازلاء أو الصويا أو القمح [4]. تحتوي المستحلبات النباتية على البروتينات والألياف والدهون التي يمكنها جميعًا تثبيت الأسطح البينية. وتُستخدم المستحلبات النباتية بالفعل في العديد من المنتجات، مثل الآيس كريم والكابوتشينو وبدائل الألبان النباتية. كما تُستخدم هذه المستحلبات النباتية الأكثر استدامة أيضًا في منتجات أخرى، مثل مرطبات الجسم والمنظفات.

باختصار، فإن الأسطح البينية للسوائل غير ثابتة بطبيعتها ولكن يمكن تثبيتها بسهولة بواسطة المستحلبات. وتتوفر العديد من المستحلبات لتسهيل حياتك، في عدد لا يحصى من استخدامات الحياة اليومية. ولكننا لم نصل إلى هذه المرحلة بعد، لأن علينا أن نواصل البحث عن مستحلبات جديدة وأفضل وأكثر استدامة. فهل ستمد لنا يد العون؟

مسرد للمصطلحات

المائع (FLUID): هو سائل أو غاز أو مادة أخرى يمكنها الانسياب تحت تأثير قوةٍ ما.

غير القابل للامتزاج (IMMISCIBLE): تصف مائعين لا يمكن خلطهما، مثل الزيت والماء.

السطح البيني (INTERFACE): هو حد يلتقي فيه مائعان غير قابلين للامتزاج.

المستحلب (EMULSION): هو مزيج من سائلين أو أكثر من السوائل غير القابلة للامتزاج، حيث توجد إحدى السوائل على شكل قطيرات في السائل الآخر، مثل قطيرات الزيت في الماء.

الرغوة (FOAM): هي مزيج من غاز وسائل، حيث يحيط السائل بالعديد من فقاعات الغاز.

المستحلب (EMULSIFIER): هو جزيء محب للماء جزئيًا وكاره للماء جزئيًا.

المحب للماء (HYDROPHILIC): يصف شيء يحب أن يكون في الماء/ينجذب للماء.

الكاره للماء (HYDROPHOBIC): يصف شيء لا يحب أن يكون في الماء/ينفر من الماء.

التثبيت (STABILIZATION): هو جعل شيء ما ثابتًا، ويعني في هذه الحالة استخدام المستحلبات لجعل السطح البيني ثابتًا. فسوف ينهار السطح البيني الذي لا يحتوي على مستحلب.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.


المراجع

[1] Murray, B. S. 2020. Recent developments in food foams. Curr. Opin. Colloid Interface Sci. 50:101394. doi: 10.1016/j.cocis.2020.101394

[2] Rühs, P. A., Bergfreund, J., Bertsch, P., Gstöhl, S. J., and Fischer, P. 2021. Complex fluids in animal survival strategies. Soft Matter 17:3022–36. doi: 10.1039/d1sm00142f

[3] Hinderink, E. B. A., Boire, A., Renard, D., Riaublanc, A., Sagis, L. M. C., Schroën, K., et al. (2021). Combining plant and dairy proteins in food colloid design. Curr. Opin. Colloid Interface Sci. 56:101507. doi: 10.1016/j.cocis.2021.101507

[4] Yang, J., and Sagis, L. M. C. 2021. Interfacial behavior of plant proteins–novel sources and extraction methods. Curr. Opin. Colloid Interface Sci. 56:101499. doi: 10.1016/j.cocis.2021.101499