ملخص
نرى بأعيننا المجردة آلاف النجوم في سماء الليل، ولكننا نعلم يقينًا أن هناك ملايين الأجسام الأخرى بالأعلى. ولرؤية هذه النجوم والمجرات والسدم الأخرى وغيرها، نحتاج إلى التلسكوبات والتي لا تنحصر مميزاتها في أنها أكثر قوة من العين البشرية، بل أن بإمكانها رؤية أنواع من الضوء لا يمكن لحاسة البصر البشرية التعامل معها. وكل تلسكوب متخصص في رصد نوع معين من الضوء وتوفير معلومات فريدة. وبجمع الصور الملتقطة بواسطة عدة تلسكوبات، يمكننا التوصّل إلى فهم أوسع للأجسام الموجودة في الكون. في هذا المقال، نستخدم مركز مجرتنا درب التبانة وسديم العنكبوت وبقايا المستعر الأعظم ''تيخو'' كأمثلة لاستكشاف كيف يمكن استخدام التلسكوبات المختلفة (مثل مرصد تشاندرا الفضائي للأشعة السينية التابع لوكالة ناسا وتلسكوب جيمس ويب الفضائي وتلسكوب سبيتزر الفضائي وتلسكوب هابل الفضائي) معًا لإصدار صور خلابة ومفيدة حول الكون.
الكون ''الخفيّ''
عند مراقبة سماء الليل، يمكننا أن نرى الكثير من السواد الذي تتوسطه النجوم كنقاط بيضاء بسيطة. ولكن إذا تعمقنا في النظر باستخدام أنواع مختلفة من التلسكوبات، فسنرى أن الفضاء ونجومه يخبئان بجعبتهما الكثير.
ربما سمعت من قبل عن مصطلح الضوء المرئي. يشير هذا إلى نطاق الألوان التي يمكن للبشر رؤيتها، ولكن الضوء المرئي مجرد جزء صغير من كل الضوء. فبالنسبة إلى لوحة مفاتيح بيانو، يمثل الضوء المرئي المفتاح الأوسط C وبضعة مفاتيح على كل جانب. ويمثل باقي المفاتيح الأنواع الأخرى المتاحة من الضوء، على سبيل المثال لا الحصر: الأشعة تحت الحمراء والأشعة السينية وأشعة جاما والأشعة فوق البنفسجية.
وفقًا للعلماء، تبعث الأجسام الفضائية كل أنواع الضوء هذه، والتي غالبًا ما تستحيل رؤيتها بالعين البشرية. لحل هذه المشكلة، يبني علماء الفلك التلسكوبات ويضعونها على الأرض أو يطلقونها إلى الفضاء لرصد أنواع الضوء التي لا يمكننا كبشر رؤيتها. يمتص الغلاف الجوي للأرض بعض أنواع الضوء ولذلك يجب وضع التلسكوبات الراصدة لهذه الأنواع في الفضاء. وتوضع تلسكوبات أخرى في الفضاء للحصول على رؤية أفضل.
ترجمة الضوء
ربما تتساءل عن كيفية إطلاق الأجسام الفضائية لأنواع مختلفة من الضوء. قبل أن نتطرق أكثر في هذا الموضوع، لا بد أن نشير إلى أن الضوء ينتقل كموجة. وكما في المحيط، يمكنك قياس المسافة بين قمم الموجات الضوئية. تشير هذه المسافة إلى الطول الموجي، ويستخدم العلماء وحدة القياس هذه لتقسيم الموجات الضوئية إلى فئات مثل الموجات الراديوية (ذات الطول الموجي الكبير) والضوء المرئي (ذي الطول الموجي المتوسط) والأشعة السينية (ذات الطول الموجي الصغير).
تبعث الكثير من الأشياء نوعًا واحدًا أو أكثر من الضوء، بما في ذلك البشر والكائنات غير الحية. لا ينبعث الضوء المرئي من البشر (على الرغم من أننا نعكس الضوء المرئي الصادر من الشمس والمصادر الأخرى) ولكننا نطلق أشعة تحت حمراء. وهذه هي الطريقة التي تلتقط بها الكاميرات الحرارية وبعض نظارات الرؤية الليلة البشر في الظلام. وكما نستخدم أنواعًا مختلفة من الأدوات لرؤية الأشياء هنا على كوكب الأرض، يستخدم علماء الفلك عدة أنواع مختلفة من التلسكوبات لرصد مجموعة متنوعة من الظواهر الفضائية.
عند رجوع بيانات التلسكوبات إلى الأرض، يمكن للعلماء إعادة ترتيب هذه البيانات حتى يمكن لحواسنا البشرية المحدودة إدراكها. يتم جمع أنواع مختلفة من الضوء في طبقات باستخدام ألوان مختلفة من الضوء المرئي، مثل الأحمر أو البرتقالي أو الأصفر أو الأخضر أو الأزرق أو الأرجواني [1].
قد تقول لنفسك الآن: ''مهلاً! هل هذا غش؟ ألم تقولوا للتوّ إنه لا يمكننا رؤية هذه الأنواع الأخرى من الضوء؟ فهل كل هذا مختلق؟'' الإجابة بكل تأكيد؛ لا! هذه ليست خدعة سحرية أو حيلة، بل اسمها الترجمة.
إذا زرت من قبل بلدًا أجنبيًا أو تحدثت مع شخص لا يتحدث بلغة بلدك، فربما تكون اضطررت إلى الترجمة من لغتك إلى اللغة الأخرى. ولا يتغير المعنى الإجمالي، بل مجرد الكلمات. تنطبق الفكرة نفسها على البيانات، فنحن نترجم البيانات من أنواع الضوء غير المرئية إلى الألوان التي يمكن لأعيننا وأدمغتنا رؤيتها [2].
رصد مركز المجرة
لتوضيح الفكرة، لنلق نظرة على مركز مجرتنا درب التبانة. يمكنك من بعض الأماكن على كوكب الأرض رؤية مجرة درب التبانة تغطي جزءًا كبيرًا من سماء الليل. في المشهد المعروض في الشكل 1، نكبّر جزءًا صغيرًا نسبيًا من ''وسط'' مجرتنا. يتوسط المجرة ثقب أسود عملاق وزنه أكبر 4 ملايين مرة
من الشمس، وقد أطلق علماء الفلك عليه اسم ''منطقة الرامي أ*''. وعلى الرغم من استحالة رؤية ما وراء حافة الثقب الأسود نفسه، يمكننا رؤية ما يحيطه من النجوم والغاز والغبار وغيرها. في هذا الشكل، يمكنك رؤية مركز مجرة درب التبانة بثلاثة مرشحات ضوئية مختلفة (الأشعة تحت الحمراء القريبة والأشعة تحت الحمراء والأشعة السينية).
لالتقاط الصورة في الشكل 1 لمنطقة الرامي أ*والتي تبعدحوالي26,000 سنة ضوئية (أي 150,000,000,000,000,000 ميل)، استخدم علماء الفلك ثلاثة تلسكوبات مختلفة تابعة لوكالة ناسا تمّ إطلاقها إلى الفضاء. يرصد كل تلسكوب منها أنواعًا محددة من الضوء ويجمع معلومات مهمة حول هذه المنطقة في المجرة. ولكن عند جمع المعلومات والصور معًا، تتكوّن صورة أكثر اكتمالاً لا يمكن لتلسكوب واحد الحصول عليها وحده.
إليك ما يشير إليه كل لون:
الأصفر: تضم هذه الطبقة ملاحظات بصرية بالأشعة تحت الحمراء القريبة تمّ الحصول عليها من تلسكوب هابل الفضائي. تعرض بيانات هابل المناطق التي تولد فيها النجوم وكذلك مئات آلاف النجوم الفردية.
الأحمر: تلسكوب سبيتزر الفضائي (متوقّف عن العمل الآن) من التلسكوبات الفضائية الأخرى التي رصدت الأشعة تحت الحمراء. تحتوي هذه الطبقة على أنواع من الأشعة تحت الحمراء أكثر جمالاً من طبقة هابل، وتكشف عن الإشعاع والرياح الصادرة من النجوم والتي تنتج سحبًا غبارية براقة وبنى معقدة.
الأزرق والبنفسجي: لا تنحصر أهمية الأشعة السينية في عيادات الأطباء أو عيادات الأسنان. ففي الفضاء، تبعث الأجسام أشعة سينية عندما تكون مفرطة السخونة أو الطاقة وهذا ما يمكن لمرصد تشاندرا الفضائي للأشعة السينية رصده.
هل يمكن رصد شيء آخر؟
رأينا الشكل 1 يعرض صورة واحدة لمكان واحد في الفضاء. فهل يمكن استخدام الطريقة نفسها لمناطق أخرى؟ الإجابة هي نعم بكل تأكيد، والشكل 2 يعرض مثالاً آخر لنوع مختلف تمامًا من الأجسام في الفضاء.
وهي سحابة عملاقة تتولّد فيها النجوم. ويسميها علماء الفلك السديم. تُظهر لك الصورة ما يحدث عندما يجمع علماء الفلك بيانات الأشعة السينية من مرصد تشاندرا مع بيانات أحد أحدث تلسكوبات ناسا الفضائية وهو تلسكوب جيمس ويب الفضائي (JWST).
ومثل تلسكوب سبيتزر وهابل، يرصد تلسكوب جيمس ويب الأشعة تحت الحمراء. ولكن المرايا في تلسكوب جيمس ويب أكبر كثيرًا ومعداته أحدث والتلسكوب نفسه يقع على بُعد مليون ميل تقريبًا من كوكب الأرض حيث يشتد البرد والظلام. وربما تكون سمعت عن هذا التلسكوب أو رأيت بعض الصور الحديثة التي أصدرها على مدار العام الماضي.
يمكن أن يستخدم علماء الفلك أسلوب الترجمة مع صورة لهذا السديم، تمامًا كما فعلوا مع مركز المجرة. فالأشعة تحت الحمراء من تلسكوب جيمس ويب تعرض أماكن مغبّرة في سديم العنكبوت تتكوّن فيها النجوم. وفي الشكل 2، تم تلوين الأشعة تحت الحمراء باللونين البرتقالي والبني.
X- تعرض الأشعة السينية من تلسكوب تشاندرا الغاز الذي ارتفعت حرارته للغاية بسبب النجوم الصغيرة الساخنة. ميزنا هذه البيانات باللونين الأزرق والأرجواني. وعلى الرغم من اختلاف تخصص التلسكوبين في الرصد، فكلاهما يعرضان حقائق. تعطينا هذه الصورة مشهدًا فريدًا لسديم العنكبوت (لا داعي للقلق إذا كنت تخاف العناكب، فهذا السديم بعيد للغاية عن كوكب الأرض).
من الأمثلة الأخرى للأجسام الخفية التي لا تظهر إلا في أنواع معينة من الضوء هي بقايا المستعر الأعظم ''تيخو'' والتي يعرضها الشكل 3، وهي عبارة عن بقايا نجم منفجر. عند النظر إلى ''تيخو'' من تلسكوب يعمل بالضوء المرئي، لا نرى سوى المجال النجمي، فلا شيء يثير الأهمية. ولكن عند نقل مرصد تشاندرا الفضائي للأشعة السينية إلى المنطقة نفسها، نرى انفجارًا (حرفيًا) من الغاز الملون الصادر من نجم ميت. من المهم دراسة المستعرات العظمى لأنها محل ميلاد العديد من العناصر الكيميائية الثقيلة في كوننا وتمدنا بالكثير من المعلومات حول دورة حياة النجوم. ولولا الصور الملونة متعددة الأطوال الموجية، لم تكن معلوماتنا عن الكون كما هي حاليًا.
هل تريد معرفة المزيد؟
هناك أمثلة أخرى لا حصر لها تثبت كيف يمكن استجلاب المزيد من المعلومات عن الكون من جمع بيانات التلسكوبات المختلفة التي ترصد أنواعًا متعددة من الضوء [3]. وعند رؤية هذه الصور على الإنترنت أو في كتاب أو حتى في فيديو موسيقي (مثلاً في فيديوهات ''أريانا غراندي'' لأنها مولعة بالفضاء)، يجب ألا ننسى أنها دائمًا تقريبًا ترجمات من شيء غير مرئي إلى ألوان يمكننا رؤيتها. وعلى الرغم من روعة هذه الصور الكونية، ستستكشف جمالاً أكبر عندما تتعمق في تعلّم الحقائق والعجائب العلمية التي تمثلها.
إذا كنت مهتمًا بمعرفة المزيد، يمكنك الاطلاع على الموقع الإلكتروني لمرصد تشاندرا الفضائي للأشعة السينية والمخصص لشباب علماء الفلك والطلاب (https://chandra.si.edu/index_kids.html وhttps://chandra.si.edu/index_students.html). وستجد هناك مقالات حول مختلف الأجسام التي يمكنك رؤيتها من خلال التلسكوبات التي أشرنا إليها (الثقوب السوداء والمستعرات العظمى والنجوم والمجرات وغيرها). وهناك أيضًا أنشطة وألعاب مرحة (https://chandra.si.edu/make/ وhttps://chandra.si.edu/corps/) تتيح لك تطبيقًا عمليًا لبعض هذه الأفكار الفلكية.
مسرد للمصطلحات
الضوء المرئي (VISIBLE LIGHT): ↑ النطاق الصغير لأنواع الضوء التي يمكن رؤيتها بالعين البشرية.
الأشعة تحت الحمراء (INFRARED): ↑ نوع من الضوء يرتبط بقياس الحرارة وهو أقل طاقة وأكبر من حيث الأطوال الموجية مقارنةً بالضوء المرئي.
الأشعة السينية (X-RAY): ↑ نوع من الضوء أكبر طاقة وأقل من حيث الأطوال الموجية مقارنةً بالضوء المرئي، ويرتبط في العادة بفحوص مسح العظام عند الأطباء.
الطول الموجي (WAVELENGTH): ↑ فرق الطول بين قمتي موجة متتاليتين أو طول تكرار (أو دورة) كامل لموجة.
الترجمة (TRANSLATION): ↑ استخدام أدوات التصوير لمطابقة الألوان المرئية (الأحمر والأخضر والأرجواني وما إلى ذلك) مع قيم الضوء غير المرئي من أجل توفير صورة يمكننا رؤيتها بأعيننا المجردة.
الأشعة تحت الحمراء القريبة (NEAR-INFRARED): ↑ نوع محدد من الأشعة تحت الحمراء يتسم بطاقة أقل قليلاً وطول موجي أكبر مقارنةً بالضوء المرئي وموقعها بين الضوء المرئي والأشعة تحت الحمراء على الطيف الضوئي.
السديم (NEBULA): ↑ مصطلح عام يتم استخدامه للإشارة إلى أي رقعة ''غير واضحة'' في السماء وتكون إما مضيئة أو مظلمة وعبارة عن سحابة من الغاز والغبار بين النجوم.
المستعر الأعظم (SUPERNOVA): ↑ انفجار نجم وموته إما بسبب احتراقه أو انهياره من الداخل بسبب فرط كتلته.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
المراجع
[1] ↑ Rector, T., Arcand, K. K., Watzke, M. 2015. Coloring the Universe: An Insider’s Look at the Making of Space Images. Fairbanks: University of Alaska Press..
[2] ↑ Arcand, K. K., Watzke, M., Rector, T. Levay, Z. G., DePasquale, J., Smarr, O. 2016. “Processing color in astronomical imagery,” in Photomediations: A Reader, eds K. Kuc, and J. Zylinska (London: Open Humanities Press).
[3] ↑ DePasquale, J., Arcand, K. K., and Edmonds, P. 2015. High energy vision: processing X-rays. Stud Media Commun. 3. doi: 10.11114/smc.v3i2.913