ملخص
يمثل تلوث الماء مشكلة مقلقة للغاية لأن تأثيره يمتد إلى ملايين الأشخاص حول العالم. والزرنيخ عبارة عن معدن شديد السُمية ويمكن أن يسبب مشاكل صحية خطيرة في حالة تناوله. ولكن، يمكن للمواد التي تسمى الأكاسيد الفلزية أن تساعد في إزالة الملوثات مثل الزرنيخ من الماء، وقد أظهر الباحثون مؤخرًا أن هؤلاء الأبطال الخارقين يصبحون أكثر قوة عند دمجهم. في عالم الرسوم المتحركة، يمكن للبطلين الخارقين غوكو وفيجيتا أن يندمجا ليصبحا غوجيتا، وعندما يفعلان ذلك، تزداد قوتهما. وبالمثل، فإن دمج الأكاسيد الفلزية هو قوة خارقة يمكن أن تنقذ العالم من الزرنيخ السام، من خلال آلية محاصرة تسمى الامتزاز. وفي هذا المقال، سنشرح ماهية الزرنيخ، وكيف يمكن أن يؤثر على البشر، وكيف يمكن أن تساعدنا الأكاسيد الفلزية في النهاية على إنتاج مياه أكثر أمانًا.
الماء: لا غنى عنه لجميع الكائنات الحية
الماء من أهم الموارد الطبيعية، فهو بالغ الأهمية لبقاء الكائنات الحية وتطور المجتمعات. بيد أن الماء ليس مُوزعًا بالتساوي في جميع أنحاء العالم؛ فبعض المناطق رطبة للغاية والبعض الآخر جاف جدًا. وبالإضافة إلى ذلك، زاد الطلب على الماء مع نمو عدد السكان. ولتلبية الحاجة المتزايدة، استُخدمت التكنولوجيا لاستخراج الماء من مستودعات المياه الجوفية الأكثر عمقًا. بيد أن هذه المياه غالبًا ما تحتوي على تركيزات عالية من مواد مثل الزرنيخ من الصخور المحيطة بمستودعات المياه الجوفية، مما يجعلها غير صالحة للشرب. وفي الوقت نفسه، ساهمت الأنشطة البشرية أيضًا في تلوث المياه بعناصر مثل الزرنيخ والزئبق والكادميوم والكروم والرصاص. ومن بين هذه العناصر، يبدو الزرنيخ هو الأكثر سمية للإنسان والحيوانات الأخرى [1].
ما هو الزرنيخ وكيف يؤثر على البشر؟
الزرنيخ هو أحد العناصر الطبيعية في القشرة الأرضية، ويوجد في الهواء والماء والتربة. ويمكن أن يكون الزرنيخ موجودًا في شكلين: عضوي وغير عضوي. مركبات الزرنيخ غير العضوية الموجودة في الماء شديدة السمية، في حين أن المركبات العضوية أقل سمية وتوجد في الأسماك والمحاريات. وعادةً ما يحدث التعرض لمستويات عالية من الزرنيخ غير العضوي من خلال شرب المياه الملوثة أو استخدام المياه الملوثة لإعداد الطعام وري المحاصيل الغذائية. وقد أصبح تعرض البشر للزرنيخ مصدر قلق عالمي شديد.
فقد يشكّل تناول المياه الملوثة بالزرنيخ على المدى الطويل -حتى بكميات قليلة جدًا- مخاطر صحية (الشكل 1) [2]. وفقًا لتصريحات منظمة الصحة العالمية، فإن التعرض لكميات منخفضة من الزرنيخ على مدى 5 سنوات تقريبًا يمكن أن يسبب تغيرات في تصبغ الجلد، وآفات جلدية، وأنسجة سميكة على راحتي اليدين وأخمص القدمين. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يتسبب الزرنيخ في الإصابة بسرطان الجلد والمثانة والرئة. وتوصي منظمة الصحة العالمية بالحد من الزرنيخ غير العضوي إلى 10 ميكروغرام لكل لتر (ميكروغرام/لتر) من الماء للاستهلاك البشري. وقد أُبلغ عن التلوث الطبيعي للمياه الجوفية بالزرنيخ في جميع أنحاء العالم، بتركيزات أعلى بكثير من الحد الأقصى المسموح به. وأُبلغ عن تركيزات زرنيخ تصل إلى 25 ميكروغرام/لتر في المياه الجوفية في أجزاء من المكسيك. [3]. وعُثر على تركيزات زرنيخ في المياه الجوفية في بلدان أخرى، مثل بوليفيا 45.9 وبنغلاديش 4,600 وكمبوديا 178 وتايوان 1,800 وباكستان 2,580 وتايلاند 5,000 وفيتنام 159ميكروغرام/لتر [3].
الأكاسيد الفلزية: أبطال الإنقاذ
الأكاسيد الفلزية هي مركبات تنتج من اتحاد المعدن مع اللافلز، مثل الأكسجين. ويعد الصدأ الناعم المحمر الذي ربما رأيته على جسم معدني متروك بالخارج مثالًا على الأكسيد الفلزي. وعندما توضع الأكاسيد الفلزية في الماء، يمكن أن تلتصق أسطحها بالملوثات ذات الشحنة السالبة، مثل الزرنيخ. تثير هذه الخاصية اهتمام الباحثين لأنها تعني أن الأكاسيد الفلزية قد تكون قادرة على تنقية المياه عن طريق إزالة الملوثات. فعلى سبيل المثال، ثبت أن الأكاسيد الفلزية للسيريوم (CeOx) والحديد (FeOx) جيدة جدًا في إزالة الزرنيخ من الماء.
إذا كنت تعرف مسلسل الرسوم المتحركة دراغون بول، فيمكنك أن تتخيل أن غوكو هو أكسيد السيريوم الفلزي CeOx وأن فيجيتا هو أكسيد الحديد الفلزي FeOx. يتمتع كلا الأكسيدين بالقدرة على التقاط الملوثات المختلفة من الماء، بما في ذلك الزرنيخ، بالطريقة نفسها التي يتمتع بها غوكو وفيجيتا بالقدرة على هزيمة الأشرار الذين يهددون سلامة الأرض. ربما تتذكر أن غوكو تعلم تقنية تُعرف باسم رقصة الاندماج، التي يمكنها توحيد جسدين في كائن واحد. على المنوال نفسه، شهدت السنوات الأخيرة اهتمامًا خاصًا بدمج الأكاسيد الفلزية لإزالة الزرنيخ من الماء. ويرجع هذا إلى أن هذه الأكاسيد ثنائية الفلز أفضل في إزالة الملوثات من الماء مقارنةً بأي من الأكسيدين بمفرده [4]. وبعبارةٍ أخرى، فإن الأكسيدين الفلزين السيريوم CeOx والحديد FeOx يزيدان من قدرتهما على التقاط الزرنيخ من خلال الاندماج لتكوين الأكسيد ثنائي الفلز CeOx:FeOx، وهو مشابه لغوكو وفيجيتا اللذين -من خلال الاندماج ليصبحا غوجيتا- يزيدان من قوتهما لهزيمة الأشرار الذين يهددون الأرض. ولتحقيق ذلك، يجب على غوكو وفيجيتا محاذاة أصابعهما تمامًا، ويجب أن تكون مواضع أرجلهما وأذرعهما بالزاوية نفسها (الشكل 2A).
ولإنشاء أكاسيد ثنائية الفلز، من المهم للباحثين تحديد المؤشرات المثلى، مثل درجة الحرارة والضغط وتركيز كل أكسيد فلزي(الشكل 2B).
يوضح الشكل 2C بنية هذه المواد المُلاحظة باستخدام المجهر الإلكتروني الماسح (SEM). أكسيد السيريوم له بنية ثمانية الأوجه ويظهر أكسيد الحديد وكأنه مبني على شكل زهرة. ومع ذلك، فإن للأكسيد ثنائي الفلز (CeOx:FeOx) بنية مختلفة تمامًا تشبه مجموعة من الإبر الصغيرة الملتصقة ببعضها البعض في أشكال تشبه السحابة [5]. وتظهر الصورة المجهرية المُلتقطة بالمجهر الإلكتروني الماسح للأكسيد ثنائي الفلز CeOx:FeOx (غوجيتا) العديد من الفروع متناهية الصغر، مما يوفر مساحة سطح كبيرة للزرنيخ ليلتصق بها.
كيف تنجح الأكاسيد ثنائية الفلز في إزالة الزرنيخ من الماء؟
برولي شخص شرير قوي جدًا، وحتى عندما كان طفلًا صغيرًا، زرعت قوته الهائلة الخوف في قلوب من حوله. ويشبه الزرنيخ برولي في خطورته لأنه يمكنه أن يسبب أضرارًا جسيمة للإنسان حتى عند التركيزات المنخفضة جدًا. ومن ثم، يتحد غوكو (CeOx) وفيجيتا (FeOx) لهزيمة الشرير القوي برولي (الزرنيخ). وتعمل الأكاسيد ثنائية الفلز على إزالة الزرنيخ من خلال عملية تُسمى الامتزاز. الامتزاز هو عملية تتراكم فيها مادة أو أكثر من المواد الموجودة في المائع (السائل أو الغاز) على السطح وبالتالي تُزال من المائع. وبصورة أساسية، يحل الزرنيخ محل قطع من جزيئات الأكسيد ثنائي الفلز، من خلال تفاعل يُسمى تبادل المركبات الترابطية (الشكل 3). وفور ارتباط الزرنيخ بالأكسيد ثنائي الفلز، يُزال من الماء وتتشكل جزيئات الماء عن طريق التفاعل [5].
وينتج عن هذا مياه خالية من الزرنيخ تتوافق مع الحد الأقصى الذي أوصت به منظمة الصحة العالمية وهو 10 ميكروغرام/لتر.
مستقبل استخدام الأكاسيد ثنائية الفلز في تنقية المياه
إن التقدم العلمي في تصنيع المواد الممتزة، مثل الأكسيد ثنائي الفلز CeOx:FeOx لا يحل مشكلة بيئية (تلوث مستودعات المياه الجوفية بالزرنيخ) فحسب، بل يمنع أيضًا تسمم الحيوانات والبشر. فالأكاسيد ثنائية الفلز واعدة للغاية في إزالة الملوثات المختلفة من الماء، ولكن لا يزال القيام بذلك على نطاق واسع أمرًا صعبًا للغاية. ففي الوقت الراهن، يصعُب استخدام هذه الأكاسيد الفلزية في أنظمة تنقية المياه النموذجية نظرًا لحجمها بالغ الصغر. يعمل العلماء على ربط أكاسيد فلزية بقالب -يشبه السقالة- مما قد يسمح باستخدامها في تنقية المياه [6]. وثمة حاجة إلى المزيد من العمل لمواصلة تطوير مواد جديدة وفعالة يمكنها مكافحة تلوث المياه وحماية صحة البيئة والإنسانية.
مسرد للمصطلحات
مستودعات المياه الجوفية (AQUIFERS): ↑ هي خزانات مياه موجودة تحت سطح الأرض تدور فيها المياه من خلال شقوق في الصخور.
الأكسيد الفلزي (METAL OXIDE): ↑ هو مزيج من المعدن (مثل السيريوم أو الحديد) ع الأكسجين.
الأكاسيد ثنائية الفلز (BIMETALLIC OXIDE): ↑ هي مزيج من معدنين مختلفين (مثل السيريوم والحديد) مع الأكسجين.
الفحص المجهري الإلكتروني الماسح (SCANNING ELECTRON MICROSCOPY): ↑ هو تقنية مستخدمة على نطاق واسع لفحص الأجسام الصغيرة جدًا التي لا يمكن رؤيتها بالمجهر الضوئي ''العادي'' وتحليلها.
مساحة السطح (SURFACE AREA): ↑ المساحة الإجمالية للمادة الصلبة، بما في ذلك المساحة الموجودة داخل أي مسام.
الامتزاز (ADSORPTION): ↑ عندما تلتصق الجزيئات أو الأيونات أو المركبات الموجودة في المحلول بسطح مادة صلبة.
تبادل المركبات الترابطية (LIGAND EXCHANGE): ↑ عندما يتبادل الجزيء جزءًا من نفسه مع جزيء آخر لتكوين مركب أو جزيء جديد.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
إقرار
تلقى هذا العمل الدعم المالي من مشروع SEPCB-2014-01-237118 التابع للمجلس الوطني للعلوم الإنسانية والعلوم والتكنولوجيا (CONAHCYT) ومشروع 2018-8-297525 التابع للصندوق المؤسسي لصندوق التنمية الإقليمية للعلوم والتكنولوجيا والابتكار (FORDECYT).
المراجع
[1] ↑ Shaji, E., Santosh, M., Sarath, K. V., Prakash, P., Deepchand, V., and Divya, B. V. 2021. Arsenic contamination of groundwater: a global synopsis with focus on the Indian Peninsula. Geosci. Front. 12:101079. doi: 10.1016/j.gsf.2020.08.015
[2] ↑ Patel, R., Shah, D., Shah, S., and Shah, M. 2022. Green nanomaterials for removal of arsenic and fluoride contamination from wastewater. Mater. Today Proc. 62:7318–23. doi: 10.1016/j.matpr.2022.05.100
[3] ↑ Shaji, E., Santosh, M., Sarath, K. V., Prakash, P., Deepchand, V., and Divya, B. V. 2021. Arsenic contamination of groundwater: a global synopsis with focus on the Indian Peninsula. Geosci. Front. 12:101079. doi: 10.1016/j.gsf.2020.08.015
[4] ↑ Hristovski, K., Baumgardner, A., and Westerhoff, P. 2007. Selecting metal oxide nanomaterials for arsenic removal in fixed bed columns: from nanopowders to aggregated nanoparticle media. J. Hazard. Mater. 147:265–74. doi: 10.1016/j.jhazmat.2007.01.017
[5] ↑ Vences-Alvarez, E., Chazaro-Ruiz, L. F., and Rangel-Mendez, J. R. 2022. New bimetallic adsorbent material based on cerium-iron nanoparticles highly selective and affine for arsenic(V). Chemosphere 297:134177. doi: 10.1016/j.chemosphere.2022.134177
[6] ↑ Rios-Saldaña, L. E., Pérez-Rodríguez, F., Vence-Alvarez, E., Nieto-Delgado, C., and Rangel-Mendez, J. R. 2022. Synthesis of a granular composite based on polyvinyl alcohol-Fe:Ce bimetallic oxide particles for the selective adsorption of As(V) from water. J. Water Process. Eng. 46:102621. doi: 10.1016/j.jwpe.2022.102621