ملخص
يُعد سمك المحار العملاق، كما يُوحي اسمه، من بين أكبر أنواع المحار الموجودة على ظهر الأرض. فهي حيوانات بحرية مفعمة بالألوان، وتعيش بين ثنايا الشعاب المرجانية. ويحصُل المحار العملاق على الدعم والعون من كائنات دقيقة موجودة داخل ثناياه؛ تحديدًا في الجزء الملون بين أصدافه. إذ تستطيع هذه الكائنات المعاونة المجهرية؛ ألا وهي الطحالب المجهرية الصغيرة، أن تستخدم ضوء الشمس وثاني أكسيد الكربون لإنتاج الطعام، الذي تشاركه مع المحار. وبفضل هذا التعاون يصبح المحار قادرًا على النمو بهذا الحجم الكبير! وفي المقابل، يمنح سمك المحار الطحالب المجهرية بعض العناصر الغذائية. فرُغم أن عملية إنتاج الطعام لدى هذه الكائنات مشروطة بالتعرض لضوء الشمس، فإن التعرض لحرارة الشمس الحارقة، يؤدي بهذه الكائنات إلى الإصابة بضربة شمس، تمامًا كما يحدث لمعشر البشر. لذلك، كان على سمك المحار، والطحالب المجهرية داخلها أيضًا، أن يطور من ألوانه الخلابة الزاهية، التي تعمل بمثابة حمايةً طبيعيةً من أشعة الشمس، وتعد وسيلةً فعَّالةً للغاية للحماية من أشعة الشمس الزائدة، ومن التعرض لحروق الشمس.
المحار العملاق وأصدقائه الصغار
عندما يسمع الناس كلمة ”الشعاب المُرجانية“ يتبادرُ إلى أذهانهم حيوان المرجان البحري. رغم وجود الكثير من الحيوانات المهمة الضخمة والمُلونة التي تعيش وسط هذه الشعاب المُرجانية، مثل سمك المحار العملاق، الذي يُعد منتشرًا في منطقة الشعاب المرجانية الاستوائية في المُحِيطين الهادئ والهندي. فلا يقتصرُ سمك المحار الصدفي على كونه حسنَ المظهر، بل يعد كيانًا مُهمًّا أيضًا، بوجوده في الشعاب المُرجانية. فهو يمد، على سبيل المثال لا الحصر، الكثير من الأسماك بالغذاء، وتنمو بعض الحيوانات والنباتات على الجزء الخارجي من أصدافه، بل ويصل الأمر إلى أن حيوانات (مثل سَمك الجمبري الصغير) تعيش داخله [1].
يُمكن للمحار الضخم أن يُصبح كبيرًا جدًّا، كما يوحي اسمه. إذ يُمكن أن يزيد طوله عن متر؛ أي أضخم على من حوض الغسيل الموجود بحمام منزلك! يعتقد العلماء أن أحد الأسباب التي جعلت من سمك المحار الصدفي ضخمًا بهذا الحجم، أنه يحصل على مساعدات من الكائنات الحية الأُخرى. وهذه الكائنات المعاونة هي الطحالب المجهرية وحيدة الخلية، التي تعيش على الجزء الخارجي من جسم سمك المحار، الذي يُسمى الرداء الخارجي (الشكل 1A). تستطيع هذه الطحالب المجهرية القيام بعملية البناء الضوئي مثل النباتات، التي تتمثل في استخدامُها للطاقة القادمة من الشمس وثاني أكسيد الكربون لإنتاج الطعام. وتنتج هذه الكائنات المجهرية التي تعيش داخل سمك المحار العملاق، كمياتٍ كبيرةً من الغذاء عبر عملية البناء الضوئي، لتغذية أنفسها ومشاركة بعض بقايا الطعام مع سمك المحار العملاق. في المقابل، يعمل سمك المحار العملاق على حماية الطحالب المجهرية من الحيوانات المفترسة ويعمل أيضًا على إمداد الطحالب المجهرية ببعض العناصر الغذائية كالنيتروجين. وتُسمَّى هذه العلاقة ”تكافل متبادل المنفعة“، وربما تكون قد سمعت بها من قبل، وذلك لأن هذه العلاقة قائمة بين الشعاب المرجانية والطحالب المجهرية. إذ يعتمد سمك المحار العملاق اعتمادًا كبيرًا على الغذاء الذي توفره له هذه الكائنات المجهرية المتكافلة معه. يفترض العلماء أن هذه العلاقة التكافلية، بجانب الطاقة الإضافية المُقدمة لسمك المحار؛ هي أحد الأسباب التي تفسر سبب بلوغ سمك المحار العملاق هذا الحجم الكبير [2].
المحار العملاق قد يصاب بضربة شمس!
تحتاج الطحالب المجهرية المتكافلة مع سمك المحار الضخم إلى كمية كافية من الضوء، كي تتمكن من إنتاج الغذاء، ويكون ذلك عبر عملية البناء الضوئي تمامًا مثل النباتات. لذلك، على سمك المحار العملاق أن يعيش في المياه الضحلة، التي تكون قريبة من سطح الماء كي تتمكن أشعة الشمس من اختراق مياه المحيط والوصول إليه.
لكن، من شأن البقاء في الشمس دون استخدام حماية كالظل أو واقٍ شمسي أن يعرض المحار إلى مخاطر بعد بُرهة من الزمن، وذلك على غرار ما يحدث للبشر. وهذا لأن ضوء الشمس يتألف من ألوان مختلفة من الضوء. لقد شاهدت على الأرجح قوس قزح بألوانه الرائعة من قبل، إذ تتنوع ألوانه بدايةً من اللون البنفسجي مرورًا بالأزرق والأخضر والأصفر والبرتقالي والأحمر. يعتمد لون الضوء على مستوى طاقته، فالضوء الأزرق أكثر نشاطًا من الضوء الأحمر. ويُسمَّى الضوء ذو الطاقة الأعلى بالأشعة فوق البنفسجية. تتسم الأشعة فوق البنفسجية بأنها غير مرئية لعيوننا المجردة، وتتمتع بطاقة أعلى من لون آخر في ألوان قوس القزح. في حقيقة الأمر، تتمتع الأشعة فوق البنفسجية بمقدار كبير من الطاقة، يمكن أن يتسبب في ضرر، أو ربما يصل الأمر إلى قتل خلايا الحيوانات والنباتات [3]. وأغلب الظن أنَّك عاينت ذلك بنفسك! فرُبّما قد قضيت يومًا ما خارج المنزل تحت أشعة الشمس، وقد نسيت ارتداء نظارة واقية. وربما أُصيب جلدك بالاحمرار أو الحكة، أو حتى قد بدء في تكوين قشرة عقب بضعة أيام. ويُمكن أن يحدث الشيء نفسه لجميع الكائنات الحية الأخرى، إذا ظلت معرضة لأشعة الشمس الساطعة لفترات طويلة دون حماية. ويُمكن أن يحدث الشيء نفسه لسمك المحار العملاق، لأنه يبقى في البُقعة نفسها دائمًا، ولا يستطيع المُضي والاحتماء في الظل. ولحسن الحظ، طوَّرت هذه الحيوانات طريقة بارعة حدَّ البراعة لحماية أنفسها من الأشعة الضارة.
كيف يحمي سمك المحار العملاق نفسه من أشعة الشمس الحارقة؟
يحتوي سمك المحار العملاق على خلايا صغيرة تُعرف بالخلايا الصبغية القزحية (الشكل 1B). يبدو مُسمى ”الخلايا القزحية“ منطقيًّا، لأن العلماء يعتقدون أن الخلايا القزحية أحد الأسباب التي تجعل سمك المحار العملاق مفعمًا بالألوان الخلابة، مع وجود الأغطية المذهلة وظلها الباهر من الألوان كالأزرق والأخضر والبُني.
ويوجد داخل الخلايا القزحية ألواح صغيرة متراصة بعضها فوق بعض. وهذه الألواح مصنوعة من البلور اللامع، مما يجعلها تبدو وتعمل كمرايا صغيرة. فعندما تتسلط الأشعة فوق البنفسجية على هذه الخلايا؛ ينعكسُ بعضها على الفور بواسطة هذه المرايا الصغيرة الشبيهة بالألواح [4] (الشكل 2). ولا تستطيع أشعة الشمس فوق البنفسجية المنعكسة أن تصل إلى خلايا المحار أو خلايا الطحالب المجهرية أو أن تُلحق بها ضرر؛ وذلك لأنها ارتدت بعيدًا قبل أن تصل إليها، ويرجع الفضل في ذلك إلى هذه المرايا البلورية الصغيرة. ويعمل هذا الأمر بمثابة حماية مذهلة من الشمس! ورُغم ذلك، ينفذ جزء من ضوء الأشعة فوق البنفسجية ويصل إلى الخلايا القزحية، حيث ترتد الأشعة ذهابًا وإيابًا بين المرايا الصغيرة التي تُشبه الألواح. وتفقد الأشعة جزءًا من طاقتها خلال قيامُها بذلك، مما يجعل بدوره الضوء أقل خطرًا على سمك المحار والطحالب المجهرية. وبمرور لوقت، يترك الضوء الخلايا القزحية، وتحوي حينئذ قدرًا أقل من الطاقة، ويكون لونه قد تغير من الأشعة فوق البنفسجية إلى اللون الأزرق.
وهذا الضوء الأزرق المنبعث من الخلايا الصبغية القزحية، هو الذي يمنح سمك المحار العملاق لونه الأزرق الساطع، كما يبدو في الشكل 1. وتمتلك الكائنات الحية الأُخرى، كالحرباء أو مجذافيات الأرجل (كائنات صغيرة تشبه سرطان البحر وجراد البحر)، خلايا صبغية قزحية مسؤولة بدورها عن ألوانها الزاهية. وتستخدم هذه الحيوانات غالبًا ألوانها في التمويه أو في مهاجمة خُصومها. ولكن، كما يبدو لمُخيلاتنا، فإن سمك المحار العملاق ليس ماهرًا في عملية التخفي هذه.
ففي الواقع، لا يجيد المحار العملاق التخفي؛ نظرًا لألوانه الخلابة الخاطفة للأضواء! وعلاوةً على ذلك، لا يلتقي سمك المحار العملاق ببعضه البعض من أجل عملية التزاوج، لذا فهو لا يحتاج ألوانه الزاهية ليبدو جميلًا حتى يجذب شركاء التزاوج المحتملين. لذا، السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا يُنتج المحار العملاق هذا اللون الأزرق الساطع؟ يمكننا القول إنه لا يساعد سمك المحار على تجنُّب حروق الشمس فحسب، بل إنه أيضًا الضوء المثالي الذي تستخدمه الطحالب المجهرية في عملية البناء الضوئي! فهذا يعني أن الخلايا الصبغية القزحية لا تخدم باعتبارها واقيًا فعالًا من أشعة الشمس فحسب، بل إنها تساعد أيضًا الطحالب المجهرية التكافلية على النمو، من خلال إعطائها لونها المفضل من الضوء!
السر وراء توهج المحار العملاق بالألوان
في حين أن الخلايا الصبغية القزحية تُظهر لونًا أزرق بفضل الضوء الأزرق المنبعث منها، فإن الطحالب المجهرية تُظهر لونًا أخضر. وتستخدم معظم الكائنات الحية التي تقوم بعملية البناء الضوئي جزءًا ضئيلًا من الضوء الأخضر الذي يأتي من الشمس، لذلك فإن معظم هذا الضوء يرتد مُنعكسًا على أجسادها في الخارج. وهذا بدوره يُفسر لماذا تبدو مُعظم الطحالب المجهرية والنباتات مُزينة باللون الأخضر. ويعتقد العلماء أن هذه الألوان الزاهية الموجودة في سمك المحار العملاق، هي نتيجة أمزجة متنوعة من الخلايا الصبغية القزحية (أزرق/ فيروزي) والطحالب المجهرية (أخضر/بني داكن/). وإذا كان سمك المحار يحتوي على طحالب دقيقة أكثر من الخلايا الصبغية القزحية داخل عباءته، فسيُصبح لونه بنيًا داكنًا (الشكل 3A)، بينما المحار الذي يحتوي على خلايا قزحية أكثر من الطحالب المجهرية، فسيبدو مائلًا إلى الزُرقة أو حتى اللون الفيروزي (الشكل 3B).
ومن هنا يمكننا إدراك أن سمك المحار العملاق يُعد هدفًا بحثيًا ثمينًا للعلماء، بسبب العلاقة الخاصة بينه وبين طحالبه المجهرية، والطرق التي طوُّرتها هذه الكائنات معًا لدعم وحماية بعضها بعضًا.
وفي حين أنه من الضروري فَهم كيفية سير حياة هذه الحيوانات وكيفية بقائها في المحيطات، فمن الضروري أيضًا معرفة المزيد عن خلاياها القزحية المتخصصة. وفي يوم من الأيام، قد تُلهمنا معرفتنا عن كيفية عمل الخلايا الصبغية القزحية لابتكار تقنيات تعتمد على الضوء والألوان، ونطمح بأن تجلب لنا، على سبيل المثال، نسخًا أفضل وأكثر تطورًا من أجهزة الحاسوب أو شاشات التلفزيون. فمن كان يظن أن سمك المحار القديم سيمثل مفتاحًا لتقنيات المستقبل!
مسرد للمصطلحات
الطحالب المجهرية (Microalgae): ↑ تستطيع هذه الكائنات الحية وحيدة الخلية، أن تستمد الكربون من الغلاف الجوي، كما تفعل النباتات على سطح الأرض، ويمثل ذلك عاملًا ضروريًا في عملية البناء الضوئي.
الرداء الخارجي للمحار (Mantle): ↑ هو الهيكل الخارجي ذو النسيج اللحمي من جسم المحار. ويتميز الرداء الخارجي للمحار الضخم بألوانه الزاهية الساطعة، مع إضفاء ظلال من اللون الأزرق، والأخضر، والبُني.
التكافل متبادل المنفعة (Mutualistic Symbiosis): ↑ هو تفاعل بين نوعين أو أكثر من الكائنات الحية، يستفيد منه كل كائن حي بطريقة ما.
ضوء الأشعة فوق البنفسجية (Ultraviolet Light): ↑ تُعرف هذه الأشعة بأنها ذات طاقة عالية، ولا يُمكن رؤيتُها بعين الإنسان المُجردة. ويُمكن لضوء الأشعة فوق البنفسجية القادم من الشمس أن يتسبب في حروق أو قد يُلحق الضرر بأنسجة الجلد.
الخلايا الصبغية القزحية (Iridocyte): ↑ خلايا صغيرة توجد داخل رداء سمك المحار الصدفي الضخم وتحتوي على مرآة تُشبه الألواح، مما يُمَكّنُها من أن تعكس ضوء الأشعة فوق البنفسجية.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
مقال المصدر الأصلي
↑ Rossbach, S., Subedi, R. C., Ng, T. K., Ooi, B. S., and Duarte, C. M. 2020. Iridocytes mediate photonic cooperation between giant clams (Tridacninae) and their photosynthetic symbionts. Front. Mar. Sci. 7:465. doi: 10.3389/fmars.2020.00465
المراجع
[1] ↑ Neo, M. L., Eckman, W., Vicentuan, K., Teo, S. L. M., and Todd, P. A. 2015. The ecological significance of giant clams in coral reef ecosystems. Biol. Conserv. 181:111–23. doi: 10.1016/j.biocon.2014.11.004
[2] ↑ Rossbach, S., Saderne, V., Anton, A., and Duarte, C. M. 2019. Light-dependent calcification in Red Sea giant clam Tridacna maxima. Biogeosciences 16:2635–50. doi: 10.5194/bg-16-2635-2019
[3] ↑ Ravanat, J.-L., Douki, T., and Cadet, J. 2001. Direct and indirect effects of UV radiation on DNA and its components. J. Photochem. Photobiol. B Biol. 63:88–102. doi: 10.1016/S1011-1344(01)00206-8
[4] ↑ Holt, A. L., Vahidinia, S., Gagnon, Y. L., Morse, D. E., and Sweeney, A. M. 2014. Photosymbiotic giant clams are transformers of solar flux. J. R. Soc. Interface 11:20140678-20140678. doi: 10.1098/rsif.2014.0678
[5] ↑ Rossbach, S., Subedi, R. C., Ng, T. K., Ooi, B. S., and Duarte, C. M. 2020. Iridocytes mediate photonic cooperation between giant clams (Tridacninae) and their photosynthetic symbionts. Front. Mar. Sci. 7:465. doi: 10.3389/fmars.2020.00465