ملخص
يُعد وحيد القرن الجاوي من المخلوقات المثيرة للاهتمام التي يكتنفها الغموض. حيث اعتاد وحيد القرن أن يعيش في جميع أنحاء المنطقتين؛ شمال شرق الهند وجنوب شرق آسيا. لكن الغابات المطيرة التي تحتاجها هذه الحيوانات آخذة في الاختفاء. ويعد فقدان الموئل الطبيعي، جنبًا إلى جنب مع التنمية البشرية والصيد، من الأسباب الرئيسية لوجود هذه الحيوانات الآن في منطقة واحدة فقط في العالم. وتحلى بعض العلماء بتفكير استقصائي، وخرجوا بفكرة استخدام ”مصائد الكاميرات“ كي يستطيعوا إحصاء أعداد وحيد القرن. وحصل هؤلاء العلماء في نهاية المطاف على 1660 مقطع فيديو مصوَّرًا لحيوان وحيد القرن الجاوي من هذه الكاميرات. واستطاعوا أن يقدِّروا أن هناك 62 وحيد قرن في المنتزه، وذلك من الأدلة التي حصلوا عليها. وباستخدام هذا التقدير الموثوق لأعداد حيوانات وحيد القرن، وأعمارها وأجناسها المختلفة، والأماكن التي تحب البقاء فيها، يستطيع العلماء التوصل إلى خطة مُحكمة تُساعد هذا الحيوان على التعافي والازدهار.
ما المميز حيال حيوان وحيد القرن الجاوي؟
يُعد وحيد القرن الجاوي من المخلوقات الغامضة والمثيرة للاهتمام. فهو لا يعيش إلا في بقعة واحدة وصغيرة في جزيرة جاوا (إندونيسيا) وهو معرض لخَطَرٍ مُحْدِق. فهو من الحيوانات العملاقة حقًّا؛ إذ يتراوح طوله بين 4.5 و5.8 من الأقدام، ويزن ما بين 2000 و5000 رطل (أي بحجم وزن سيارة فولكس فاغن بيتل!). لكنها حيوانات ذات حياة سرية، لذا يجد العلماء صعوبةً في العثور عليها، على الرغم من حجمها الكبير. والأمر الأكثر غموضًا هو أن عدد حيوانات وحيد القرن الجاوي آخذ في الاختفاء، ولسنا متأكدين مما يجب فعله حيال ذلك الأمر.
اعتاد وحيد القرن الجاوي أن يعيش في جميع أنحاء منطقتي شمال شرق الهند، وجنوب شرق آسيا. بعبارة أخرى، اعتادت هذه الحيوانات على التجول في مناطق شاسعة المساحة؛ بحجم قارة أوروبا تقريبًا. وعلى عكس أبناء عمومتها من حيوانات وحيد القرن الإفريقي، التي تعيش في الصحاري الجافة، يحتاج وحيد القرن الجاوي إلى الغابات المطيرة. لكن الغابات المطيرة المطلوبة في طريقها إلى الاختفاء. وتعد التنمية العمرانية البشرية، وأنشطة الصيد، إلى جانب فقدان الموئل الطبيعي، من الأسباب الرئيسية لوجود وحيد القرن الجاوي الآن في منطقة واحدة فقط في العالم (الشكل 1).
يُطلق على المكان، الذي يأوي حيوانات وحيد القرن الجاوي، اسم ”منتزه أوجونج كولون الوطني“ وهو بحجم مدينة كبيرة تقريبًا؛ مثل مدينة نيويورك أو لندن. وهذه المساحة ليست كبيرةً كفاية لتعيش فيها مجموعة من حيوان وحيد القرن الضخم. فهو في حاجة إلى مساحة أكبر يتجول فيها، وتنمو فيها النباتات التي يقتات عليها، ويتواجد بها الطين اللازم للاستحمام، وذلك كله من أجل البقاء على قيد الحياة والازدهار. ويهتم العديد من العلماء ومناصرو الحفاظ على موارد البيئة وأفراد المجتمع في إندونيسيا، بإنقاذ وحيد القرن الجاوي. قرر هؤلاء الأشخاص أن أفضل طريقة للمساعدة هي إجراء بحث علمي يهدف إلى إحصاء الأعداد المُتبقية من حيوان وحيد القرن الجاوي، ومعرفة متطلباتها، والأماكن التي تفضل قضاء الوقت فيها. لذا يعكف العلماء على حلّ هذا الأمر جاهدين لإيجاد حل لهذه الأُحجية!
كيف يمكن إحصاء أعداد حيوان وحيد القرن الجاوي؟
يمثل إحصاء أعداد حيوان وحيد القرن الجاوي عملًا شاقًا! فمثلًا، فكِّر فيما يُمكن أن يحدث إذا ذهبت إلى الغابة، وحاولت عدَّ كل الطيور التي تحلق من حولك. فالنتيجة أن بعض هذه الطيور سيُحلِّق من حولك في كل مكان، وبعضها الآخر سيختبئ بمجرد أن يراك لك. وقد توجد طيور أخرى على الأشجار، ولن تعرف أبدًا أنها كانت هناك. لذا، وإذا ما ذهبت إلى الغابة المطيرة وحاولت عدَّ كل حيوان من وحيد القرن الجاوي، فمن المرجح ألا تستطيع إحصاء ولو واحد منها!
من الواضح أن وحيد القرن لا يمكنه التحليق، لكن لكي يتسنى لك إدراك الأمر؛ قد يُبدي وحيد القرن سلوكًا يتسم بالسرية الشديدة، كما أنه لا يحب التواجد في محيط البشر. علاوةً على ذلك، فإن الغابة المطيرة كثيفة المظهر، حيث تحوي آلاف الأشجار والنباتات المتشابكة معًا. لذلك، نحتاج إلى الإتيان بطرق مُبتكرة لاستخدام العلم في إحصاء حيوان وحيد القرن، على غرار الطريقة التي يَستخدم فيها المحققون القرائن والمنطق لحل الألغاز!
استخدم العلماء المحققون أدلةً مثل آثار أقدام وحيد القرن (وحتى بُراز وحيد القرن!) لإحصاء أعداد حيوان وحيد القرن الجاوي التي تعيش في المنتزه. لكن مثل هذه الأشياء لا تستطيع أن تمنحُنا تقديرات دقيقة لأعداد هذه الحيوانات. فعلى سبيل المثال؛ كيف يمكن للعالم المحقق أن يتأكد من أن كل مجموعة من آثار الأقدام تنتمي إلى وحيد قرن بعينه، وليس لغيره؟ وأيضًا، لا تستطيع آثار البُراز ولا الأقدام، أن تُخبرنا بالمناطق المُعينة التي يُفضل حيوان وحيد القرن الجاوي أن يتجول فيها. بالإضافة إلى ذلك، ماذا عن وحيد القرن الذي لم يتغوط أو يتحرك في هذه المناطق منذ فترة؟! على الأغلب لا يُمكنُنا إحصاء أعدادهم!
بعبارة أخرى؛ لم تكن الأدلة التي جمعناها تُجيب بطريقة مناسبة عن الأسئلة التي نتطلع إلى إجابتها؛ ألا وهي: كم عدد حيوانات وحيد القرن المتواجدة هناك؟ ما الموارد التي تحتاجها؟ وما أماكن التجول المفضلة بالنسبة لها؟ فضلًا عن حقيقة أن هذه الأدلة التي جُمعت كريهة الرائحة! لذلك، توصَّل بعض العلماء المحققين الفُطناء إلى طريقة جديدة ومُطوَّرة لجمع أدلة أفضل، من خلال مصائد الكاميرات.
ما المقصود بمصائد الكاميرات؟
تمعن عددٌ قليلٌ من العلماء في التفكير، وتوصلوا إلى فكرة استخدام ”مصائد الكاميرات“ كي يستطيعوا عد حيوان وحيد القرن. لا تجزع، فالأمر ليس كما يبدو؛ فالعلماء لا يحبِسون حيوان وحيد القرن في أقفاص.
مصائد الكاميرات هي عبارة عن كاميرات خاصة وقوية، يُمكنها تحمل الطين والقاذورات في الغابة المطيرة (الشكل 2). وبالتالي، لا تتطلب هذه الكاميرات وجود العُنصر البشري لتسجيل مقاطع لفيديو.
كما أن الكاميرا مزوَّدة بأجهزة استشعار يمكنها رصد حرارة جسد الحيوان عند مروره، وعندها يتم تشغيل الكاميرا وتبدأ في التصوير. ولا يكون الحيوان على دراية بأنه يتم تصوريه، ومن ثم يتصرف على سجيته كحيوان وحيد القرن (فربما يمرح في طين الغابات المطيرة الجميلة ليُبقي جسده باردًا، أو ربما يأكل بعض النباتات، أو يتغوط برازًا بحجم كلب صغير!). لقد اشتبهنا أن وحيد القرن ربما يعرف أن هناك شيئًا ما يحيط به، وربما يربط بين وجود الكاميرات وتواجد البشر. لكنه لا يُولي أي اهتمامٍ إلى وجود الكاميرات؛ إذ لا يبدو أن وجود الكاميرات يؤثر على سلوك وحيد القرن.
توضح مقاطع الفيديو شيئًا من هذا القبيل (انظر الفيديو 1).
يستخدم العلماء المحققون أدلة الفيديو هذه لرصد كل فرد من حيوان وحيد القرن. ولا شك أنه أمر معقَّد بعض الشيء، لكن فكِّر في كيفية امتلاك الأشخاص لأشياءَ معينةٍ في أجسادهم تجعلهم استثنائيين، على سبيل المثال؛ الوحمات والطول وألوان الشعر المختلفة. فعلى غرار ذلك، يمتلك وحيد القرن أشياءَ مميزة على أجسامه، تجعل كل فرد فيه فريدًا من نوعه مقارنة بغيره. وتتضمن بعض الأمثلة على هذه السمات؛ شكل قُرون هذه الحيوانات، وتجاعيد وجهها، وأحجامها. وبمجرد أن علم المحققون العلماء على وجه اليقين أنهم لم يقوموا بإحصاء حيوان وحيد القرن نفسه مرتين، كان لديهم تقدير أكثر دقة لأعداد حيوان وحيد القرن في المنتزه.
وكان من الصعب معرفة عدد الكاميرات المطلوبة بالضبط لجمع أدلة كافية. وتبلغ تكلفة كل كاميرا ما بين 100 و250 دولارًا أمريكيًّا، بالإضافة إلى تكلفة الصيانة والتشغيل. وأدرك العلماء أن 200-150 كاميرا سيكون عددًا مثاليًا لتغطية المنطقة بأكملها، وستكون التكلفة ميسورة في الوقت ذاته. ويعتقد العلماء أن الأمر يستحق التكلفة، لأنه دون هذه الكاميرات لن يستطيعوا جمع تقديرات دقيقة لأعداد وحيد القرن الجاوي.
لذلك، بعد أن اكتشفوا عدد الكاميرات التي يحتاجون إليها، وحصلوا على أدلة كافية من مواقع الكاميرات المختلفة البالغ عددها 178 (الشكل 3)، اكتشفوا بعض الأشياء المثيرة للاهتمام حول وحيد القرن الجاوي!
ما الذي اكتشفه العلماء؟
حصل العلماء في نهاية المطاف على 1660 مقطع فيديو مصوَّر لحيوان وحيد القرن الجاوي من الكاميرات! وبمساعدة مقاطع الفيديو هذه، رصدوا 22 أنثى و32 ذكرًا. ومن المستحيل عمليًا بالطبع وضع مصيدة في كل نقطة من نقاط المنتزه لرصد كل حيوان وحيد قرن موجود هناك. لذلك، استخدم العلماء أدلة الفيديو هذه، وعددًا قليلًا من المعادلات الرياضية المختلفة، لتقدير وجود ما يقرب من 62 حيوان وحيد قرن في المنتزه (ومن بين هؤلاء الـ 62؛ عدد الذكور أكثر قليلًا من الإناث) [2]. اكتشف العلماء أيضًا أنه كلما كان هناك وحل في منطقة ما (منطقة موحلة مليئة بالنباتات التي يحبها وحيد القرن للاستمتاع والاستحمام)، زاد احتمال ظهور وحيد القرن في تلك المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، اكتشف العلماء أن وحيد القرن الجاوي يحب التجول في المناطق منخفضة الارتفاع. ويشير مصطلح الارتفاع إلى مقدار ارتفاع شيء ما عن سطح الأرض؛ لذلك نقول إن الجبل مرتفع، بينما يكون الخط الساحلي منخفضًا. وبناءً على الأدلة المستقاة من مصائد الكاميرات، يبدو أن حيوان وحيد القرن يستمتع بالوجود على ارتفاعات منخفضة بالقرب من السواحل، وليس على ارتفاعات شاهقة (الشكل 3). وينسب العلماء ذلك إلى ارتطام الأمواج بالساحل وتكون رذاذ ملحي. إذ يتراكم الرذاذ الملحي على الأرض، ويحب وحيد القرن أن يلعق الملح!
لكن من شأن العيش على ارتفاعات منخفضة أن يجعل حيوان وحيد قرن الجاوي عرضة للخطر. فأولًا؛ يعني هذا أن هذه الحيوانات تكون على مقربة من البشر، وفي تواصل معهم، ويمكن أن تصاب بأذى جراء المُضايقات البشرية. على سبيل المثال؛ قد يقضي حيوان وحيد القرن الخجول معظم وقته في الهروب من البشر. وهذا يستقطع من وقت هذه الحيوانات المخصص للاستمتاع بأكل النباتات، واللهو في مناطق الوحل. وهذا يعني أيضًا أنه في حالة حدوث عاصفة محيطية كبيرة (ما نسميه تسونامي) يمكن أن يتعرض الكثير من مَواطنها للدمار، وقد تنفُق أعداد كبيرة من حيوان وحيد القرن، لأنها بذلك تكون قريبة من الماء. ومن المحتمل ألا يلوذ وحيد القرن بالفرار إلى أرض مرتفعة بسرعة كافية تجعله يفلت من فك تسونامي. لذلك، نستطيع أن نستخدم هذه الأدلة التي جمعها العلماء، إنْ أردنا أن نبتكر خطة مُحكمة تهدف إلى مساعدة حيوان وحيد القرن. ويُمكننا وضع خطة حماية لهذا الحيوان. إذ تَستخدم خطة الحماية هذه -وهي خطة تمتد لسنوات عديدة - أدلةً علميةً لمساعدة مجموعة من الحيوانات على زيادة أعدادها.
اللغز التالي: كيف لنا أن نساعد هذه الحيوانات؟
نظرًا لوجود عدد صغير من وحيد القرن في مكان واحد فقط على الأرض، فإن الكوارث غير المتوقعة يمكن أن تتسبب في فناء هذه الحيوانات على بكرة أبيها. على سبيل المثال؛ إذا نشأت عاصفة شديدة، فقد يُصاب أو ينفق الكثير من حيوان وحيد القرن بين عشية وضحاها. أو إذا أُصيب عدد قليل من وحيد القرن بنوعٍ من المرض، فقد ينتشر المرض بسرعة إلى جميع الحيوانات الأخرى المجاورة له. وإذا أطلق صياد النار على آخر عدد قليل من إناث وحيد القرن، فستبقى الذكور بمفردها؛ وعليه لن يكون لدينا أي صغار من حيوان وحيد القرن الجاوي. يبدو الأمر مؤسفًا، لكن هذه معلومات مهمة، ويجب أن نكون على دراية بها!
الآن وبعد أن أصبح لدى العلماء المحققين تقديرًا قويًا حول أعداد حيوانات وحيد القرن الجاوي، وأعمارها وأجناسها المختلفة، والأماكن التي تفضل قضاء الوقت فيها، يُمكننا أن نستخدم هذه الأدلة لإنشاء مجموعة جديدة من حيوان وحيد القرن في منطقة مختلفة تكون أقل عرضة لمخاطر الكوارث غير المتوقعة. أو ربما يُمكننا إنشاء موطن جديد في مكان ما داخل إندونيسيا، يتمتع بالمساحة اللازمة للتجول، ويزخر بالنباتات اللازمة للأكل، والطين الضروري للمرح؛ إذ يمكننا نقل بعض من حيوان وحيد القرن من المنتزه إلى هذه المساحة الجديدة.
وإليك بعض الأفكار المُعاونة التي يُمكن أن تنفذها أنت أيضُا للمُساعدة! يُمكنك أن تُعلِّم أصدقاءك وعائلتُك ما تعلَّمته عن حيوان وحيد القرن الجاوي. ويُمكنك أيضًا أن تزور موقع مؤسسة الحياة البرية العالمية [3]، أو أضعف الإيمان أن تزور حديقة الحيوان المحلية الأقرب لك، لمعرفة المزيد عن حيوان وحيد القرن. ولكن ربما يكون الشيء الأكثر فائدة الذي يمكنك القيام به، هو أن تصبح عالمًا مُحققًا، وتعمل على حل الألغاز العلمية!
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
مقال المصدر الأصلي
↑ Setiawan, R., Gerber, B. D., Rahmat, U. M., Daryan, D., Firdaus, A. Y., Haryono, M., et al. 2018. Preventing global extinction of the Javan Rhino: tsunami risk and future conservation direction. Conserv. Lett. 11:e12366. doi: 10.1111/conl.12366
المراجع
[1] ↑ Groves, C. P., and Leslie, D. M. Jr. 2011. Rhinoceros sondaicus (Perissodactyla: Rhinocerotidae). Mamm. Species 43:190–208. doi: 10.1644/88.1
[2] ↑ Setiawan, R., Gerber, B. D., Rahmat, U. M., Daryan, D., Firdaus, A. Y., Haryono, M., et al. 2018. Preventing global extinction of the Javan Rhino: tsunami risk and future conservation direction. Conserv. Lett. 11:e12366. doi: 10.1111/conl.12366
[3] ↑ The WWF’s website on the Javan Rhino: https://www.worldwildlife.org/species/javan-rhino