ملخص
اشتهر كلب بافلوف في عام 1927 برن الجرس عند قدوم الطعام. واليوم، ما زال يهتم العلماء بفهم كيفية تأثر السلوك بالمشاهد والروائح والأصوات والأماكن. وهذه الأشياء تسمى الإشارات والسياقات. في حالة إدمان العقاقير، يصادف الناس إشارات وسياقات وعقاقير في الوقت نفسه تقريبًا، ويكوّنون روابط أو ارتباطات ذهنية بين الإشارات/السياقات من جهة والعقاقير من جهة أخرى. يمكن لهذه الروابط الذهنية أن تحفز الناس على البحث عن العقاقير حتى لو كانوا يحاولون الإقلاع عنها. ومن خلال دراسة الدماغ وهو المكان الذي تتكون فيه هذه الروابط الذهنية أو تتفكك، يتعرف الباحثون على أحد الأشياء التي تمنع الناس من الإقلاع عن الإدمان، كما يتسنى لهم تحسين العلاجات المتوفرة لمساعدة مدمني العقاقير.
مقدمة
إدمان العقاقير عبارة عن اضطراب عقلي يؤذي المدمنين وأصدقاءهم وعائلتهم ومجتمعاتهم الأكبر. والإدمان يعني تعاطي العقاقير بدرجة تخرج عن سيطرة الشخص، ما يسبب له مشاكل في المدرسة أو العمل أو المنزل.
بمرور الوقت، قد يحتاج المدمنون إلى تعاطي المزيد والمزيد من العقاقير، وقد يزيد اعتمادهم عليها لدرجة أن محاولة الإقلاع تمرضهم كثيرًا. وحتى بعد إقلاع المرضى عن العقاقير، يشيع كثيرًا بينهم اشتهاء العقاقير الذين اعتادوا على تعاطيها وقد ينتكسون في النهاية ويعاودون استخدامها.
ومن أسباب الضرر الكبير لإدمان العقاقير أن الفئة الأكثر تعرضًا له هم الشباب، وحتى مع أفضل العلاجات المتاحة، فإن شفاء غالبية مدمني العقاقير يستغرق الكثير من السنين. وبدلاً من الاستمتاع بالحياة إلى أقصى حد، غالبًا ما يعيش هؤلاء الأشخاص في دوامة، حيث يتعاطون العقاقير ثم يقلعون عنها مرارًا وتكرارًا. وفقًا للعلماء، يمكن أن ينتج تعاطي العقاقير عن إشارات في البيئة المحيطة تذكّر الأشخاص بالعقاقير، مثل أماكن أو أشياء أو أصوات أو روائح معينة. ومعنى هذا أنه من المهم أن يدرس العلماء هذه الإشارات. من خلال فهم آلية هذه العمليات العقلية بشكل أفضل، نأمل أن نتمكن من تطوير علاجات أكثر فعالية لمساعدة مدمني العقاقير والكحول.
كيف تتحكم فيك الإشارات والسياقات؟
كان إيفان بافلوف خبيرًا فيزيولوجيًا يدرس الجهاز الهضمي عند الكلاب، ولاحظ أن لعاب الكلاب يبدأ في السيلان عندما يقترب وقت تقديم الطعام. وجد إيفان أنه يستطيع تدريب الكلاب على التحمس (الذي يظهر في سيلان اللعاب) بعد إشارة معينة، مثل صوت جرس، وهذا من خلال تقديم هذه الإشارة قبل إعطاء الكلاب الطعام [1]. وبمرور الوقت، سيبدأ لعاب الكلاب يسيل عند سماع الإشارة وليس عند تلقي الطعام.
لا تقتصر هذه العملية على الكلاب، فعلى سبيل المثال، إذا كنت معتادًا على الذهاب إلى متجر مثلجات وكانت رائحته كرائحة الفراولة، قد يتكون عندك في النهاية رابط ذهني بين المثلجات ورائحة الفراولة، لتصبح هذه الرائحة إشارة تجعل لعابك يسيل لأنها تذكّرك بالمثلجات. هذه العملية التي تتكون فيها روابط ذهنية بين الإشارات في البيئة المحيطة وشيء عالي التحفيز، مثل الطعام الذي تحبه، هي الإشراط الكلاسيكي.
اكتشف العلماء أيضًا أن الإشراط الكلاسيكي يحدث في حالة إدمان العقاقير، تمامًا كما في تجربة كلب بافلوف، أو في حالة المثلجات التي عرضناها. وهذا بسبب أن عملية الإشراط الكلاسيكي تحدث بنفس الطريقة تقريبًا لمختلف الأجناس وفي وجود إشارات أو منبهات مختلفة (شكل 1). عندما يستهلك الناس العقاقير، بما في ذلك الكحول، غالبًا ما يحدث هذا بطريقة معينة. قد يشترون سجائر من علامة تجارية معينة أو يشربون الكحول في وقت معين من اليوم. وفي العملية كلها، يكوّنون روابط بين الإشارات في البيئة التي يرونها ويسمعونها ويشمونها والعقار الذي يتناولونه.
عندما يتعاطى الأشخاص العقاقير مطولاً أو يعانون إدمانًا أشدّ، يتفاعلون في الغالب بشكل أكبر مع الإشارات ويصعب عليهم كثيرًا الإقلاع عن العقاقير التي أدمنوها [2].
يمكن أن تمثل السياقات إشارات أيضًا. يتكون السياق من عدة خواص تتواجد دائمًا في بيئة محددة، مثل زخارف أو روائح أو أصوات. إذا ذهب شخص إلى حانة لتناول الكحول، فسيبدأ في الربط بين الحانات والكحول. وقد تتميز الحانة بشكل ورائحة وإحساس خاص بها. ستختلف خصائصها كثيرًا عن متجر مثلجات أو مدرسة. وخصائص الحانة هذه هي السياق ويمكن أن ترتبط ذهنيًا بشرب الكحول، كما قد تؤدي إلى الانتكاس لاحقًا. على سبيل المثال، لو كان شخص يتعافى من إدمان الكحول وذهب إلى الحانة مع أصدقائه، فإن احتمالات انتكاسه تكون أكبر مما لو ظل بالمنزل.
مراحل الإدمان الثلاثة
في تجارب المختبر، يريد العلماء دراسة آلية بين ارتباط العقاقير من ناحية والإشارات أو السياقات من ناحية أخرى، ولكن لا يستطيع العلماء اختبار العقاقير على المراهقين، فإعطاء الأدوية سلطة مقتصرة على الأطباء والصيادلة، كما أنه من غير القانوني والأخلاقي بالتأكيد للعلماء أن يختبروا العقاقير الإدمانية على الشباب.
بدلاً من البشر، يستخدم العلماء حيوانات مثل الجرذان والفئران. وهذا بسبب أن الجرذان والفئران يمكن استخدامها أيضًا في تعلم كيفية ارتباط الإشارات والسياقات بعقار إدماني، لأن هذه الحيوانات تستجيب كذلك للإشارات والسياقات. وهذه الحيوانات ستتناول بإرادتها أيضًا العديد من أنواع العقاقير، بما فيها الكحول والنيكوتين (المادة الإدمانية في التبغ) والكوكايين والهيروين.
هناك ثلاث مراحل للإدمان يهتم العلماء بدراستها. وتسمى هذه المراحل الاكتساب والخمود والإعادة إلى السياق. يتعلق الاكتساب بالطريقة التي ينشأ فيها ارتباط عند الحيوان بين بعض الإشارات أو السياقات وعقار معين. يحاكي الخمود الطريقة التي يعالج بها الإدمان في أغلب الحالات، وهذا من خلال محاولة إبعاد العقار عن المدمن. أما الإعادة إلى السياق، فتشبه الانسحاب حيث يتم دفع الحيوان إلى البحث عن العقار من جديد. في المثال الموضح في شكل 2، يدرس العلماء كيف تبدأ الجرذان في ربط سياق محدد وإشارة معينة بالكحول [3].
يصف الاكتساب المرحلة التي يتوفر فيها العقار للحيوانات. في مثال شكل 2، توضع الجرذان في حاويات تسمى بغرف الإشراط، وقد تم تمييز كل غرفة منها باستخدام نوع معين من الخلفيات والروائح والأرضيات. وهذا يميز شكل السياق ورائحته والإحساس السائد فيه، تمامًا كما نجد أن لكل حانة شكل وإحساس معينين ورائحة خاصة. وبعد ذلك، تتعرض الجرذان عدة مرات لإشارة عبارة عن ضوء يظهر لها عدة ثوانٍ قبل الحصول على الكحول. في البداية، لا تلاحظ الجرذان الضوء، ولكن بعد تكرار عملية ظهور الضوء ثم تقديم الكحول، ستبدأ الجرذان في الاستجابة لهذه الإشارة من خلال الاقتراب من الكوب الذي تتناول منه الكحول. وبعد وقت قصير، سيتكون لديهم ارتباط قوي بين الكحول والإشارة المتمثلة في الضوء. يمكن للعلماء عندئذ دراسة التغيرات التي حدثت في أدمغة هذه الجرذان وجعلتها تستجيب للإشارة والسياق.
المرحلة التالية هي الخمود، وتشبه ما يحدث عندما يحاول شخص الإقلاع عن إدمان العقاقير من خلال تلقي العلاج على سبيل المثال. في هذه المرحلة، توضع الجرذان في غرفة إشراط بمظهر ورائحة وإحساس مختلف عن السياق الأول الذي حصلت فيه على الكحول. سبب هذا الاختلاف لا يذهب مدمني الكحول بالطبع إلى مواعيدهم مع المعالجين في الحانات. فالمواعيد مع المعالجين أو الاستشاريين تتم في العيادات. في هذا السياق الجديد، تتعرض الجرذان لإشارة الضوء دون أن تحصل على الكحول. الهدف هو كسر الارتباط بين الإشارات والكحول. في البداية، ستستجيب الجرذان كثيرًا لأنها تعلمت أن إشارة الضوء تعني وصول الكحول. ولكن بمرور الوقت ستتعلم أن هذه الإشارة لم تعد تعني وصول الكحول، مما سيجعلها تتوقف عن البحث عن الكحول. تعلّم العلماء أن الخمود يوقف الاستجابات للإشارات، ولكن يصعب محو الذكرى الكاملة لارتباط الإشارة بالعقار [4].
المرحلة الأخيرة هي الإعادة إلى السياق وتشبه الانتكاس. في المثال الوارد في شكل 2، تتم إعادة الجرذان إلى السياق الأول، تمامًا كما لو أعيد شخص خضع للعلاج إلى عالمه حيث الأماكن التي اعتاد فيها على تعاطي العقاقير أو الكحول. عند تقديم الضوء في هذا السياق، ستستجيب الجرذان له من جديد. وعلى الرغم من عدم وجود كحول، يظل الجرذ يبحث عنه. سيبحث عن الكحول كثيرًا في بداية الجلسة، ولكن هذا السلوك سيقل سريعًا لأنه ما من محفز له. قد يكون هذا هو الحال عندما ينتكس البشر، ما قد يشبه اشتهاءً كبيرًا مفاجئًا للكحول. يركز الكثير من العلماء على مرحلة الإعادة إلى السياق لأنها وقت حرج للغاية. فهي في الغالب الاختبار الأهم لفاعلية علاج تجريبي أو فشله، لأن الانتكاس مشكلة كبيرة للبشر الذين يعانون من الإدمان.
كيف تساعدنا أبحاث الحيوانات على فهم الإدمان؟
ثمة أساليب كثيرة ومتنوعة يستخدمها العلماء الذين يدرسون آلية عمل الإشارات والسياقات. قد يحقنون الحيوانات بعقاقير يتم توجيهها مباشرةً في بعض الأحيان إلى أجزاء محددة من الدماغ.
يمكن من خلال ذلك قياس طريقة استجابة الخلايا العصبية للإشارات والسياقات والعقاقير. يمكن للعلماء أيضًا دراسة طريقة تفاعل الجينات مع الإدمان والسلوك. على سبيل المثال، قد ينشط جين معين بعد تعرض الحيوان للكحول لمدة طويلة. وهكذا ندرك أنه على الرغم من تشابه إجراءات الإشراط الكلاسيكي المستخدمة في المختبرات الحالية مع تجربة بافلوف في الغالب، فالعلماء يتعرفون على أشياء جديدة حول آلية عمل الإشراط. على سبيل المثال، من خلال حقن العقاقير في أجزاء معينة من الدماغ، زادت معرفة العلماء حول مناطق الدماغ المشاركة في الاستجابة لمنبه مشروط، وهو إشارة تم ربطها بشيء محفز، مثل الطعام [3].
ومن خلال هذه المعرفة المتزايدة حول الإشراط الكلاسيكي والإدمان بين الجرذان والفئران، يمكن للعلماء التوصل إلى علاجات جديدة. يستخلص العلماء نتائج واعدة من أبحاث الحيوانات ويحاولون تطوير علاجات جديدة أو تحسين العلاجات الحالية من أجل البشرية (شكل 3). على سبيل المثال، من العلاجات الجديدة الواعدة استهداف الأوركسين، وهو ناقل عصبي صغير يفرزه جزء معين من الدماغ اسمه منطقة تحت المهاد. يدرس العلماء منذ فترة طويلة استخدام العقاقير التي تحجب رسائل الأوركسين، وهذا في الأساس بسبب الدراسات الحيوانية التي أثبتت الدور الفعال لهذه العقاقير في الحد من استهلاك الكحول والانتكاس. على سبيل المثال، تم تدريب جرذان على الضغط على رافعة للحصول على الكحول، ثم قُدّم لهم دواء حاجب للأوركسين الذي منَع إشارات الكحول من التسبب في الانتكاس أثناء مرحلة الإعادة إلى السياق [5]. بما أن الأدوية الحاجبة للأوركسين آمنة الاستخدام بالنسبة للبشر، يقترح العلماء أن يتم اختبارها للتأكد من فاعليتها لعلاج إدمان الكحول [6].
الخاتمة
أثبت كلب بافلوف أن الحيوانات تكوّن روابط بين الإشارات والأشياء الأخرى عالية التحفيز، مثل الطعام. ومنذ تلك التجربة، تعلّم العلماء أن هذه الروابط الذهنية تحدث أيضًا في حالة إدمان العقاقير، بما في ذلك إدمان الكحول. في تجارب المختبر، يستخدم العلماء الحيوانات لدراسة طريقة تكوّن هذه الارتباطات الذهنية بين الإشارات أو السياقات من جانب والعقاقير والكحول من جانب آخر. بإمكان العلماء استخدام مجموعة متنوعة من الأساليب لدراسة طريقة استجابة الدماغ أثناء تكوّن هذه الارتباطات، أو أثناء مرحلة العلاج لكسر هذه الارتباطات، أو لدراسة ما يحدث أثناء الانتكاس. ومع تقدم العلم حول آلية عمل الدماغ، يحاول العلماء تطوير علاجات جديدة يمكنها ذات يوم أن تساعد الناس الذين يعانون من إدمان العقاقير والكحول.
مسرد للمصطلحات
الإدمان (Addiction): ↑ اضطراب عقلي يعجز فيه الشخص عن السيطرة على تعاطيه للعقاقير أو الكحول، على الرغم من الأذى الذي يعانيه هو والآخرون نتيجة هذا الإدمان.
الإشارة (Cue): ↑ عبارة عن منبه مثل مشهد أو صوت أو رائحة لا معنى له بمفرده في العادة. ولكن يصبح له معنى عندما يرتبط ذهنيًا بشيء محفز.
الإشراط الكلاسيكي (Classical Conditioning): ↑ عملية ارتباط منبه محايد في السابق (مثل مشهد أو صوت أو رائحة) بشيء عالي التحفيز (مثل الطعام) عندما يتم اختبار الشيئين معًا بشكل متكرر.
السياق (Context): ↑ مجموعة من الإشارات الحاضرة في الخلفية، غالبًا في مكان مادي. على سبيل المثال: يكون الفصل الدراسي سياقًا مختلفًا عن المستشفى.
الارتباط (Association): ↑ الروابط الذهنية بين إشارة معينة أو سياق محدد وشيء عالي التحفيز. في حالة الإدمان، ترتبط الإشارات والسياقات بالعقاقير والكحول.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
المراجع
[1] ↑ Pavlov, I. 1927. Conditional Reflexes: An Investigation of the Physiological Activity of the Cerebral Cortex. New York, NY: Dover Publications.
[2] ↑ Jasinska, A. J., Stein, E. A., Kaiser, J., Naumer, M. J., and Yalachkov, Y. 2014. Factors modulating neural reactivity to drug cues in addiction: a survey of human neuroimaging studies. Neurosci. Biobehav. Rev. 38:1–16. doi: 10.1016/j.neubiorev.2013.10.013
[3] ↑ Sciascia, J. M., Reese, R. M., Janak, P. H., and Chaudhri, N. 2015. Alcohol-seeking triggered by discrete pavlovian cues is invigorated by alcohol contexts and mediated by glutamate signaling in the basolateral amygdala. Neuropsychopharmacology. 40:2801–12. doi: 10.1038/npp.2015.130
[4] ↑ Bouton, M. E., and Swartzentruber, D. 1991. Sources of relapse after extinction in Pavlovian and instrumental learning. Clin. Psychol. Rev. 11:123–40. doi: 10.1016/0272-7358(91)90091-8
[5] ↑ Lawrence, A. J., Cowen, M. S., Yang, H.-J., Chen, F., and Oldfield, B. 2006. The orexin system regulates alcohol-seeking in rats. Br. J. Pharmacol. 148:752–9. doi: 10.1038/sj.bjp.0706789
[6] ↑ Campbell, E. J., Marchant, N. J., and Lawrence, A. J. 2018. A sleeping giant: suvorexant for the treatment of alcohol use disorder? Brain Res. doi: 10.1016/j.brainres.2018.08.005