مفاهيم أساسية علوم الأرض نشر بتاريخ: 10 ديسمبر 2021

رسم خريطة المجال المغناطيسي للأرض

ملخص

للأرض لب داخلي صلب ولب خارجي سائل، وكلاهما مكونان من الحديد والنيكل. تحمل المعادن التيار الكهربي الذي تقدمه حركة السائل. يُنشئ التيار الكهربي مجالًا مغناطيسيًا والذي يصل من اللب إلى سطح الأرض وما فوقه. ويُعتقد أن المجال المغناطيسي الذي يكونه لب الأرض يتوازى مع محور دورانها، ولكنه ينحرف قليلًا لأسباب غير مفهومة. ولا تشير إبرة البوصلة في العموم إلى الشمال الحقيقي (محور دوران الأرض)، ولكن إلى القطب المغناطيسي الشمالي. وتسمى الزاوية بين اتجاه الشمال والشمال المغناطيسي في أي موضع محدد على الأرض ”زاوية الانحراف“. وخرائط ”زاوية الانحراف“ معقدة جدًا؛ وبسبب تدفق اللب الخارجي، يتغير موقع الشمال المغناطيسي بمرور الوقت.

مقدمة

اللب الخارجي للأرض

يمكن تقسيم كوكب الأرض إلى أربع طبقات: اللب الداخلي الصلب في المركز، واللب الخارجي السائل، والغطاء الصخري والقشرة على السطح، وهي الجزء الذي نعيش عليه.

يبلغ عرض لب الأرض نحو 6.800 كم، ويبدأ من منتصف المسافة تقريبًا إلى مركز الأرض (الشكل 1B). ويتكون تسعة أعشاره من الحديد والنيكل [1]. أما اللب الداخلي، فهو بحجم القمر تقريبًا. وهو شديد السخونة (أعلى من 5.000 درجة مئوية)، وصلب نتيجة الضغط المرتفع للغاية والناجم عن وزن المواد فوقه.

شكل 1 - (a) رسم توضيحي لخطوط المجال المغناطيسي من قضيب مغناطيسي يشبه المجال المغناطيسي للأرض.
  • شكل 1 - (a) رسم توضيحي لخطوط المجال المغناطيسي من قضيب مغناطيسي يشبه المجال المغناطيسي للأرض.
  • وعلى غرار الأرض تمامًا، فإن القطب الجنوبي (المشار إليه بحرف “S”) يوجد في الحقيقة في نصف الكرة الشمالي. (b) ويمكن رؤية لب الأرض من مركز الكوكب، حيث يظهر الغطاء الصخري والقشرة بمظهر شفاف في هذه الصورة. ويظهر اللب الخارجي باللون البرتقالي، بينما يظهر اللب الداخلي في صورة الكرة المعتمة في المركز. ينشأ المجال المغناطيسي (الخطوط الزرقاء) في اللب الخارجي. يوجد على اليمين مشهد تخيلي رسمه أحد الفنانين للمجال المغناطيسي الذي تولده الأقمار الصناعية Swarm، والذي يستشعر تغيير اتجاه البوصلة بينما تحلق خلال المجال المغناطيسي للأرض في مدارها (الخط الرمادي). ESA/ATG Medialab. الشكل 1a, https://commons.wikimedia.org/wiki/File:Earth’s_magnetic_field_pole.svg

وبعيدًا عن مركز الأرض، يوجد اللب الخارجي السائل الذي يماثل حجمه حجم كوكب المريخ. وفيه تظل المعادن ساخنة للغاية (أعلى من 3.000 درجة مئوية)؛ ولكن على الرغم من الضغط المرتفع، يبقى اللب الخارجي سائلًا في الحقيقة، حيث تتغلب الحرارة على تأثيرات الضغط. ويتدفق اللب الخارجي بسهولة كما يفعل الماء على سطح الأرض. وهو ما يعني أن المعدن يتحرك ويتدفق باستمرار، مثل المحيطات. وتمامًا مثلما يحدث عندما تحرك فنجانًا من الشاي بسرعة، فإن الدوران السريع للأرض مرة كل يوم يجعل السائل في اللب الخارجي يدور أيضًا.

بيد أن اللب يحاول أن يلطف من حرارته. ومع ذلك، يعمل الغطاء الصخري بين اللب والسطح بمثابة بطانية، حيث يعمل الغطاء على منع اللب من تخفيض حرارته بسرعة. ومن ثم، يحاول اللب أن يجد طرقًا أخرى للتخلص من حرارته وطاقته المفرطة. وتتمثل إحدى هذه الطرق في توليد مجال مغناطيسي. ويمكن أن يمر هذا المجال المغناطيسي عبر لب الأرض بالكامل وصولًا إلى سطح الأرض، وهو ما يتيح تحرير كمية صغيرة من الطاقة من اللب.

الكهرباء تولد مجالًا مغناطيسيًا

ترتبط الخاصية المغناطيسية بالكهرباء بعلاقة فيزيائية طبيعية؛ بمعنى أنك تحصل على إحدى هاتين الخاصيتين عندما تكون الأخرى موجودة، وهو نفس الأمر الذي يحدث أيضًا داخل اللب. فالمعدن السائل في اللب ساخن جدًا، ما يعني أنه لا يصلح أن يكون مغناطيسًا دائمًا، مثل مغناطيس الثلاجة؛ ولكنه عبارة عن مادة موصلة للتيار الكهربي، مثل السلك النحاسي. وعلى غرار الأسلاك التي في منزلك، يحمل اللب السائل تيارًا كهربيًا ضخمًا، وهو ما يولد بدوره مجالًا مغناطيسيًا ضخمًا.

تنشأ الكهرباء من حركة المعدن السائل على غرار ما يحدث في المحركات التوربينية التي تعمل بالهواء والتي تولد الكهرباء من حركة الشفرات. تتدفق الكهرباء حول خط الاستواء في حلقة ضخمة تنشـئ مجالًا مغناطيسيًا قويًا يهرب من اللب الخارجي. ويمر المجال المغناطيسي في جميع أجزاء سطح الأرض، ويخرج منها إلى الفضاء مكونًا بذلك مجالًا مغناطيسيًا على شكل قضيب مغناطيسي (الشكل 1a). يمتد المجال المغناطيسي إلى الفضاء مكونًا “فقاعة” تتموضع بها الأرض. توفر الفقاعة المغناطيسية درعًا حول الغلاف الجوي للأرض يحميها من المجال المغناطيسي للشمس، والذي لولاه لزال الغلاف الجوي للأرض قبل ملايين السنين.

تمثل الطريقة التي يتكون بها المجال المغناطيسي للأرض عملية معقدة جدًا؛ لدرجة أن العلماء لا يستطيعون فهمها تفصيلًا. وعليه، لا يمكن لدائرة التيار الكهربي في اللب أن تشكل دائرة مستوية تدور حول خط الاستواء، وهذا هو السبب في أن المجال المغناطيسي “منحرف” قليلًا في الحقيقة بمقدار 11 درجة تقريبًا، بعيدًا عن محور دوران الأرض. وتتغير قوة التيار الكهربي مع مرور الوقت أيضًا، وهو ما يؤدي إلى تغير المجال المغناطيسي على سطح الأرض. وفي النهاية، “يجذب” تدفق المعدن السائل المجال المغناطيسي نحو الغرب. وتجتمع جميع هذه العمليات لجعل المجال المغناطيسي أكثر تعقيدًا، كما أنه من الصعب أن نتنبأ بمدى تغيره عبر الزمن. ويتعرض المجال المغناطيسي لانعكاس، حيث “ينقلب” القطبان بمعدل أربع مرات تقريبًا كل مليون سنة، وذلك على الرغم من أن هذه العملية تستغرق آلاف السنين لحدوثها.

المجال المغناطيسي عند سطح الأرض

على الرغم من أن الشكل العام للمجال المغناطيسي للأرض يشبه قضيب مغناطيس بسيط، فإنه عند دراسة المجال المغناطيسي بالتفصيل، نجد أنه أكثر تعقيدًا من ذلك. وعمومًا، تشير إبرة البوصلة إلى الشمال تقريبًا، ولكنها لا تشير إلى الشمال الحقيقي (النقطة التي تدور الأرض حولها). وتعرف الزاوية الواقعة بين الشمال الحقيقي واتجاه إبرة البوصلة باسم الانحراف. تشير إبرة البوصلة إلى اتجاه يعرف باسم قطب الشمال المغناطيسي.

والمجال المغناطيسي من الأمور المفيدة جدًا في قطاع الملاحة. وقد استخدم الصينيون في القرن الثاني عشر البوصلات لتحديد الاتجاهات. وفي عام 1699، صمم إدموند هالي أول خريطة لتستخدمها السفن أثناء إبحارها في المحيط الأطلسي. وقد أدرك هالي أن المجال المغناطيسي يتغير باستمرار، ومن ثم اقترح وجود طبقة سائلة في مركز الأرض. وفي عام 1831، اكتشف جيمس كليرك روس القطب الشمالي المغناطيسي في كندا. ومع ذلك، لإضفاء المزيد من التعقيد على هذه المسألة، لا يستقر القطب الشمالي المغناطيسي في موضعه ذاته؛ ولكنه يتحرك طيلة الوقت بسبب تدفق وسيلان اللب الخارجي.

في وقتنا الحالي، لا يزال القطب الشمالي المغناطيسي في المنطقة الشمالية من كندا، ولكنه يتحرك بمعدل 50 كم في السنة وسوف يعبر المنطقة الشمالية من روسيا في وقت ما من العقد الحالي. يظهر الشكل 2 مواقع القطبين الشمالي والجنوبي المغناطيسيين في الفترة من عام 1900 إلى 2020. لاحظ السرعة التي تحرك بها القطب الشمالي منذ عام 2000، في الوقت الذي لم يتحرك فيه القطب الجنوبي كثيرًا مقارنة به.

شكل 2 - موقع القطبين المغناطيسيين كل خمس سنوات (النقاط الحمراء) يظهر في الفترة من 1900 إلى 2020، (a) يشير إلى القطب الشمالي المغناطيسي، بينما (b) يشير إلى القطب الجنوبي المغناطيسي.
  • شكل 2 - موقع القطبين المغناطيسيين كل خمس سنوات (النقاط الحمراء) يظهر في الفترة من 1900 إلى 2020، (a) يشير إلى القطب الشمالي المغناطيسي، بينما (b) يشير إلى القطب الجنوبي المغناطيسي.
  • لاحظ أن القطب الشمالي المغناطيسي قد تحرك بعيدًا جدًا وبسرعة كبيرة عن القطب الجنوبي المغناطيسي منذ عام 1900.

رسم خريطة للمجال المغناطيسي

تمثل عملية رسم خريطة للمجال المغناطيسي مهمة سهلة نسبيًا من الناحية النظرية. فكل ما تحتاج إليه هو جهاز تحديد المواقع (GPS) مثل (هاتف ذكي) لتحديد موقعك بدقة ولمساعدتك في العثور على اتجاه الشمال الحقيقي. أنت أيضًا بحاجة إلى البوصلة. أولًا، استخدم جهاز الـ GPS لتحديد اتجاه الشمال الحقيقي. ويمكن فعل هذا عن طريق وضع عودين في الأرض على امتداد خط طول مستقر. قف بين العودين وحدد الزاوية بين إبرة البوصلة وخط الشمال الحقيقي الذي صنعته باستخدام العودين. تهانينا، لقد تمكنت من قياس زاوية الانحراف! أما لرسم خريطة للمجال المغناطيسي، فكرر هذا القياس في موقع آخر وآخر. وقم بهذا الأمر ملايين المرات في جميع أرجاء الكرة الأرضية بما في ذلك المحيطات والصحاري، وستنهي عملك في غضون بضع سنوات على الأقل ... إذا لم ينحرف الشمال المغناطيسي مجددًا. ومن الواضح، أنه يستحيل على الإنسان فعل هذا الأمر، ولكنه متاح وممكن للأقمار الصناعية.

ومنذ عام 1999، كانت هناك ثلاثة أقمار صناعية أوروبية في رحلات لأخذ قياسات دقيقة جدًا للمجال المغناطيسي للأرض. يبين الشكل 1b كيف يستشعر القمر الصناعي المجال المغناطيسي القادم من اللب الخارجي. وتدور هذه الأقمار الثلاثة الحالية، والتي تعرف باسم Swarm، على ارتفاع يقدر بـ 450 إلى 500 كم فوق سطح الأرض، وتسير بسرعة 8 كم في الثانية. وتستغرق هذه الأقمار 90 دقيقة لإتمام دورة حول الأرض، كما أنها تشكل 15 مدارًا يوميًا. وبعد 4 أشهر، جمعت هذه الأقمار قياسات من جميع أنحاء العالم، وهي القياسات الكافية لرسم خريطة للمجال المغناطيسي [2].

يجرى تجميع القياسات المأخوذة من هذه الأقمار الصناعية على الحاسوب، حيث تستخدم عملية حسابية تعرف باسم “الانعكاس” لإنتاج خريطة (أو لقطة فوتوغرافية) للمجال المغناطيسي في نقطة معينة في الزمن. يبين الشكل 3 خريطة لزاوية الانحراف في يناير من عام 2019، والتي توضح درجة تعقيد المجال المغناطيسي.

شكل 3 - زاوية الانحراف لعام 2019 (بالدرجات) وفق نموذج المجال المغناطيسي الدولي المرجعي للأرض (IGRF-12).
  • شكل 3 - زاوية الانحراف لعام 2019 (بالدرجات) وفق نموذج المجال المغناطيسي الدولي المرجعي للأرض (IGRF-12).
  • تظهر الألوان الزاوية بين الشمال المغناطيسي والشمال الحقيقي. معظم المناطق ذات اللون الأبيض هي النقاط التي تشير عندها البوصلة مباشرة إلى الشمال. تظهر الألوان الزرقاء المناطق التي تشير فيها البوصلة إلى غرب الشمال الحقيقي، بينما تبين الألوان الحمراء التي تشير إليها البوصلة موقع شرق الشمال الحقيقي. يمكنك الاطلاع على النموذج المعقد جدًا لزوايا الانحراف حول العالم [3].

وحيث إن التغيير في المجال المغناطيسي أمر لا يمكن التنبؤ به لفترة أكثر من 10 سنوات، فإن خرائط المجال المغناطيسي هذه تُحدث دوريًا كل خمس سنوات. وقد تتولى مجموعات من العلماء، من أرجاء مختلفة من العالم، رسم بعض الخرائط مجانًا، فيما يعرف باسم المجال المغناطيسي الدولي المرجعي للأرض أو IGRF اختصارًا [3]. ويتطلب رسم خريطة جيدة جهدًا كبيرًا، كما أن الأمر يستغرق شهورًا من العمل. وقد أطلقت النسخة السابقة منه في عام 2015، بينما أُطلقت أحدث نسخة منه في عام 2020.

الخريطة المغناطيسية على هاتفك

ربما تكون على دراية باستخدام المجال المغناطيسي لأغراض الملاحة؛ فكر مثلًا في السفن التي تبحر في المحيط أو الأشخاص الذين يمشون بين الجبال. ومع ذلك، لو سبق واستخدمت خريطة على هاتفك الذكي للعثور على المكان الذي تريد الذهاب إليه، فأنت حينها قد استخدمت خريطة المجال المغناطيسي للأرض.

فعندما تفتح تطبيق الخريطة، يظهر موقعك عادة كنقطة صغيرة ذات سهم أو مثلث يشير إلى الاتجاه الذي تنظر إليه. تستخدم الهواتف الذكية بوصلة رقمية مثبتة بداخلها لتحديد اتجاه الشمال المغناطيسي. إلا أنه بسبب اتساق الخرائط مع الشمال الحقيقي، فإنه يجب على برنامج الهاتف أن يصحح الفارق في الانحراف. يستخدم الهاتف موقع الـ GPS الخاص بك لتحديد الزاوية الصحيحة على خريطة الانحراف، على غرار المجال المغناطيسي الدولي المرجعي للأرض. ويتضح من خلال الشكل 3 أن هذه الزاوية قد تصل في بعض أجزاء العالم إلى 45 درجة.

الخلاصة

إن رسم خرائط للمجال المغناطيسي للأرض عملية معقدة يجب أن تتكرر مرة على الأقل كل خمس سنوات حتى تظل الخرائط محدثة. يمكن للخرائط أن تخبرنا عن اللب الخارجي للأرض، كما أنها مفيدة أيضًا في الكثير من التطبيقات العملية التي ربما تكون قد استخدمتها؛ مثل الملاحة عبر المدينة باستخدام هاتف ذكي.

مسرد للمصطلحات

اللب الخارجي (Outer Core): هو الطبقة المعدنية السائلة داخل الأرض، وتبدأ من منتصف المسافة تقريبًا إلى مركز الأرض.

المواد الموصلة للتيار الكهربي (Electrically Conductive Material): هي المواد التي تسمح بمرور التيار الكهربي بسهولة خلالها.

الانحراف (Declination): هي الزاوية بين الشمال المغناطيسي والشمال الحقيقي.

الشمال المغناطيسي (Magnetic North): هو النقطة على سطح الأرض التي يشير عندها المجال المغناطيسي مباشرة إلى مركز الأرض.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.


المراجع

[1] Lowrie, W. 2007. Fundamentals of Geophysics, 2nd Edn. Cambridge: Cambridge University Press.

[2] Olsen, N., Hulot, G., Lesur, V., Finlay, C. C., Beggan, C., Chulliat, A., et al. 2015. The Swarm Initial Field Model for the 2014 geomagnetic field. Geophys. Res. Lett. 42:1092–8. doi: 10.1002/2014GL062659

[3] Thébault, E., Finlay, C. C., Beggan, C. D., Alken, P., Aubert, J., Barrois, O., et al. 2015. International Geomagnetic Reference Field (IGRF): the 12th generation. Earth Planets Space 67:79. doi: 10.1186/s40623-015-0228-9