مفاهيم أساسية صحة الإنسان نشر بتاريخ: 9 يناير 2023

ثلاثة مبادئ أخلاقية لحماية الحيوانات الخاضعة للتجارب

ملخص

يعني التشابه بين بعض الحيوانات والبشر أن البحوث التي تخضع لها تلك الحيوانات يُمكن الاستفادة منها في فهم آلية عمل الأجسام البشرية، وفي تطوير الأدوية العلاجية الجديدة واختبارها. وبفضل ذلك، حدثت العديد من الاكتشافات الطبية الكبيرة إثر إجراء التجارب على الحيوانات؛ مثل اكتشاف المضادات الحيوية، واللقاحات، وعلاجات السرطان. ومن ناحيةٍ أُخرى، قد يتسبب إجراء بعض الأبحاث في ألم ومعاناة الحيوانات. ورغم وجود قوانين سارية تعمل على حماية الحيوانات، فإنه من الأفضل إيجاد وسائل بديلة للمضي بالعلوم الطبية قدمًا نحو الأمام. ولذلك يعمل العلماء على إيجاد طرق جديدة من شأنها استبدال إجراء التجارب على الحيوانات، وتقليلها، وتحسينها (إصلاحها). ويُعرف هذا الأمر بالمبادئ الثلاثة الأخلاقية للبحث العلمي. ويركز جانب من هذا العمل على تحسين سكن الحيوانات، بينما يصب الجانب الآخر اهتمامه على استخدام الخلايا في أنبوب اختبار، أو نماذج حاسوبية كبدائل لحيوانات التجارب. وتُمثل المبادئ الثلاثة الأخلاقية خطوة في الاتجاه الصحيح للعلوم الطبية.

المقدمة

من الخطورة بمكان محاولة تجربة دواء جديد على البشر قبل فحصه والتأكد من سلامته وفاعليته؛ فمن الممكن أن يتعرض البشر للإعياء الشديد، أو الموت خلال تجربته. وبسبب أوجه التشابه الشديد بين البشر والحيوانات، حتى أنهم يُصابون بالأمراض نفسها، يمكن أن تُساعدنا إجراء التجارب على الحيوانات على فَهم الأمراض المختلفة، واختراع علاجات جديدة لها وتجربتها.

تمتلك الثدييات؛ مثل الفئران، الجرذان، والأرانب مجموعة الأعضاء نفسها الخاصة بالأجهزة الداخلية للجسم؛ مثل المخ، والقلب، والرئتين، والتي تعمل بطريقة عمل نظائرهم في البشر نفسها. وذلك يعني أن إجراء تجارب على الحيوانات يمكنه أن يمنحنا إحدى الأفكار المنطقية فيما قد يحدث لأحد الأشخاص. فيمكن لأبسط الحيوانات؛ مثل حشرات ذبابة الفاكهة والديدان مساعدتنا على فَهم كيفية عمل الجينات والجهاز المناعي.

اكتُشِفت العديد من الاكتشافات الطبية الكبيرة بفضل إجراء التجارب على الحيوانات. فمثلًا؛ أكتشف أحد الجراحين في عشرينيات القرن الماضي استطاعته تخفيف حدة أعراض داء السكري للكلاب المصابة به، من خلال حقنهم بالأنسولين. وقبل ذلك الحين، كان مصابو داء السكري يتعرضون للإعياء الشديد، ولا يعيشون فتراتٍ طويلة، لكن الآن بفضل اختراع الأنسولين، يُمكنهم التحكم بمستوى السكر في دمهم، وأن ينعموا بحياة طبيعية. وقد استُخدمت الحيوانات باستمرار كوسيلةً للتجارب، في سبيل تطوير اللقاحات التي تمنع تفشي الأمراض التي أودت بحياة الملايين فيما مضى؛ مثل شلل الأطفال، والتهاب السحايا. إذ سمحت لنا التجارب الحيوانية كذلك بتطوير الممارسات الطبية المهمة التي نَعدّها الآن من المسلَّمات؛ مثل التخدير، لمساعدة البشر على الاستسلام للنوم خلال العمليات الجراحية، وعلاجات السرطان، والمضادات الحيوية. فبينما كان مُقدّرًا للشخص الذي ولد قبل 100 عام مضى أن يحيا لمدة 30 عامًا فقط، فإن الشخص الذي ولد في يومنا هذا يُمكنه العيش لما يقرب من 70 عامًا. ويعود الفضل الكبير في زيادة دورة الحياة إلى اكتشافات التجارب الحيوانية.

بيد أن تلك التجارب ينتج عنها آثار سلبية بالنسبة تضر بالحيوانات، تتمثل في آلامها ومعاناتها، وربما لا نستطيع تفادي تلك الآثار بعض الأحيان. فمثلًا؛ تخضع الحيوانات لعمليات الحقن، أو الجراحة، أو الإصابة بمرض السرطان، بغرض تجربة أدوية جديدة. وتُصنّف الإجراءات التي يتم تنفيذها على الحيوانات بأنها ''خفيفة'' أو ''متوسطة'' أو ''شديدة''، ويعتمد الأمر على مستوى معاناة الحيوانات. ويتم إجراء ثلثي التجارب الحيوانية على الفئران، وتُصنّف نسبة 8% من هذه التجارب باعتبارها شديدة الخطورة.

القانون

لم يوجد في الماضي قوانين سارية بخصوص السيطرة على تنفيذ التجارب الحيوانية، بالإضافة إلى أنَّ بعضها كان يتسبب في معاناة غير مقبولة للحيوانات. ولحسن الحظ، عام 1876، وضع برلمان المملكة المتحدة ''قانون القسوة على الحيوانات''، وكان مقصده تقيُّد الباحثين باتِّباع لائحة القوانين، وفحص الحيوانات بانتظام، ومواجهة العواقب في حالة إثبات وجود قسوة. بالإضافة إلى أن مقصد هذا القانون كان عدم إخضاع الحيوانات للتجارب إلا عند وجود الضرورة القصوى، كأن تكون الغاية منها إنقاذ الأرواح البشرية، وليس فقط لإرضاء فضول العلماء.

وقد جرى تحديث القانون في ثمانينيات القرن الماضي، وتوجد الآن تعليمات دقيقة تنص على كيفية الاعتناء بالحيوانات، فضلًا عن ذكر أي التجارب يُمكن تنفيذها وأيها لا يمكن إجراؤها. وقد درس العلماءُ الحيواناتِ للعمل على توفير أفضل بيئة معيشية لهم، وقد استُخدمت تلك المعلومات عند كتابة القواعد التي يجب على العلماء اتِّباعها.

يُحكم سلفًا على جميع الخطط البحثية قبل تنفيذها للتأكد من حصول المنفعة بصورة أكبر من الضرر، ويجب الموافقة على هذه الخطط من قِبل الأطباء البيطريين المُتخصِّصِين. وقد حظر القانون كذلك استخدام حيوانات القردة العليا؛ مثل الشمبانزي، والغوريلا لإجراء التجارب وذلك في المملكة المتحدة. ويتم إجراء جميع التجارب تقريبًا على الفئران، والجرزان، والأسماك، والطيور. إذ أصبحت الآن اختبارات مستحضرات التجميل (مثل: جيل الاستحمام، الشامبو)، والبضائع المنزلية (مثل: المنظفات) التي تخضع لها الحيوانات، أعمالًا غير قانونية في العديد من الدول مثل: دول أوروبا، والهند.

أُدرج قانون الرفق بالحيوان في الولايات المتحدة عام 1966، وأصبح أحد القوانين الفيدرالية القائمة على حماية الثدييات من خضوعها لتجارب الأبحاث العلمية.

المبادئ الأخلاقية الثلاثة

على الرغم من تحقيق اكتشافات مهمة، ووجود قدر كبير من التحسين في التعامل مع الحيوانات المختبرية، فإننا نُفضِّل عدم استخدام تلك الحيوانات وسائلَ للتجارب على الإطلاق. وهنا نسأل: هل يبذُل العلماء أي جهود لإيجاد بدائل؟ الإجابة تأتيك بنعم مُدوّية! فقبل 50 عامًا مضى، كتب بيل راسيل، وريكس بورش كتابًا قدَّما فيه ''المبادئ الأخلاقية الثلاثة'' للبحث العلمي [1]. فبدلًا من القراءة، والكتابة، والعمليات الحسابية (التي من المحتمل أن مررت بها في المدرسة)، أشار بيل وريكس إلى مصطلحات الاستبدال، والتقليل، والتحسين. ويعني مصطلح الاستبدال إيجاد خيارات مختلفة لأداء التجارب عليها؛ أي بدائلَ عن الحيوانات. ويعني مصطلح التقليل: تطوير الأساليب العلمية لاستخدام أقل عدد ممكن من الحيوانات في كل تجربة. ويعني مصطلح التحسين: الاعتناء بتطوير البحوث الحيوانية الحالية، لتقليل معاناة الحيوانات قدر الإمكان خلال خضوعها للتجارب.

تُستخدم المبادئ الثلاثة الأخلاقية الآن في وضع القوانين المتعلقة بالبحوث الحيوانية، فلا يمكن إجراء أي تجربة في هذه الأيام خاصةً عند وجود بديل متاح للحيوانات. إذ يجب تقليص عدد الحيوانات المستخدمة في كل تجربة قدر المستطاع، ويجب أن تؤتي الأساليب المستخدمة ثمارها بتقليل المعاناة والألم التي تسببت فيها هذه التجارب للحيوانات. وتعمل وزارة الزراعة الأمريكية على تنظيم الأبحاث التي يتم استخدام الحيوانات فيها. بينما يوجد بالمملكة المتحدة هيئة (NC3Rs) تعمل على تطبيق المبادئ الأخلاقية الثلاثة،1 وتهدف إلى دعم أعمال تطوير أساليب البحث الجديدة بخصوص استبدال، وتقليل، وتحسين استخدام الحيوانات في التجارب البحثية.

الاستبدال

البديل الأساسي عن استخدام الحيوانات لأداء التجارب هو استخدام البشر، أو دماء البشر، أو عينات الأنسجة البشرية، بالإضافة إلى أن التجارب المؤدّاة على البشر ستُصبح أكثر دقة، وذات صلة بموضوع التجربة. إلا أنَّ هذا الأمر غير ممكن في كثيرٍ من الحالات بسبب المخاطر المحتملة، لكن يوجد أحد الأساليب التي تُدعى ''الجرعات الدقيقة'' قيد التطوير، ويعني ذلك إعطاء الأشخاص كميات صغيرة من الدواء الجديد للكشف عن استجابة جهازهم المناعي تجاه هذا الدواء.

ويُمكن استبدال الحيوانات؛ مثل الفئران، والجرزان بكائنات حية أخرى، نعتقد أنها قادرة على تحمُّل الألم؛ مثل حشرات ذبابة الفاكهة. وقد استُخدمت الديدان مؤخرًا في عمليات اكتشاف علاجات المضادات الحيوية جديدة.

تُعدُّ أحد الخيارات المتاحة لاستبدال الحيوانات هو استخدام نماذج مختبرية. ويعني مصطلح ''مختبرية'' بالمعنى الحرفي له ''في أنابيب اختبار زجاجية''، ويُشير هذا المصطلح إلى الدراسات المعملية التي يتم إجراؤها داخل الأنابيب المعملية، بدلًا من تطبيقها داخل جسم أحد الأشخاص أو الحيوانات (فيم يُسمى داخل الجسم الحي). إذ تُبسَّط الأنظمة المعقدة داخل الجسم باستخدام نماذج مخبرية، مما يُمكّن العلماء من التركيز على عضوٍ واحدٍ بعينه - الذي يُثير اهتمامهم - ويمكنهم من خلال ذلك إجراء الكثير من التجارب في وقتٍ قصير. وقد أثمرت نتائج عمل النماذج المختبرية في العديد من الاكتشافات المهمة؛ مثل اكتشاف الأجسام المضادة، والتي تُعد ركيزة أساسية من ركائز الجهاز المناعي تساعده في التعرف على الميكروبات والقضاء عليها.

نعمل - تحت سقف مختبرنا بجامعة أكسفورد - على تطوير أحد النماذج المختبرية لتجربة اللقاحات الجديدة. وفي العادة، عند إجراء اختبار لعمل أحد اللقاحات الجديدة على مرض معين، مثلًا، داء السُّل، يُحصِّن العلماء الحيوانات باللقاح، ثم يتم حقنها بداء السُّل، لملاحظة إذا ما كانت الحيوانات محصنة ضده أم لا. وباستخدام أسلوب النماذج المختبرية، نختبر الخلايا (غالبًا الخلايا البشرية) في أنبوب معملي، دون الحاجة إلى الاستعانة بالحيوانات والتسبب في إعيائها. إذ يُمكننا المقارنة بين أفضلية خلايا الحيوانات أو البشر المحصنة في قتل بكتيريا داء السُّل، مقارنة بتلك الخلايا من الحيوانات أو البشر غير المحصنين [2]. ويستخدم علماء آخرين أنظمةً مشابهةً لاختبار الأدوية الجديدة، وفحص سلامتها، ومدى فاعليتها.

تتمثل إحدى مشكلات استخدام النماذج المختبرية في كونها بسيطة للغاية، وبناءً عليه فلا يُمكننا التنبؤ بما يُمكن أن يحدث داخل الجسم الفعلي للإنسان. فمثلًا؛ من الممكن أن يقتل أحد العلاجات أحد الفيروسات خلال إجراء التجربة في أنبوب المختبر، ولكن لا يُمكنه قتل ذلك الفيروس داخل جسم الحيوان، بسبب اختبائه في عضو معين من أعضاء هذا الحيوان. أو من ناحيةٍ أخرى، ربما يتبيّن أن العلاج آمن خلال إجراء التجربة داخل المختبر، لكنه قد يُحدث آثارًا جانبية في أعضاء الجسم التي لم تظهر خلال التجربة في أنبوب الاختبار. ويحاول العلماء في هذه الآونة التغلب على هذه المشكلات من خلال تصميم نماذج مختبرية ثلاثية الأبعاد. إذ تُعدُّ تلك النماذج أكثر تعقيدًا، وتحتوي على العديد من الأنواع المختلفة من الخلايا التي تتجمع معًا لتُشكل عضوًا مُشابهًا لكامل العضو الأساسي؛ مثل الكبد، أو القلب.

تتمثل أحد طرق استبدال التجارب الحيوانية في استخدام الحاسوب، أو النماذج الرياضية. ويعتمد الأمر على تطبيق العمليات الحسابية في البحوث السابقة، للتنبؤ بنوع العلاجات الفعّالة للبشر، والأخرى التي قد تُسبّب آثارًا جانبية. وتعني التطورات الأخيرة في مجال التكنولوجيا إمكانية محاكاة العمليات البيولوجية الحقيقية في بيئة نظام محاكاة افتراضي بالحاسوب. فقد استُخدمت تلك الأساليب لتطوير اللقاحات القائمة على المعلومات المتعلقة بالجينات البكتيرية، كما تم استخدامها في الأبحاث السرطانية لمحاكاة الأورام السرطانية. وصممت إحدى المجموعات بجامعة أكسفورد أحد حواسيب المحاكاة، لاختبار إمكانية تأثير العقاقير على القلب [3]. وقد تم تلخيص طرق استبدال التجارب الحيوانية كما هو موضَّح في الشكل رقم 1.

شكل 1 - نبذة عن الأساليب المختلفة لعمليات استبدال التجارب الحيوانية بأنواع التجارب الأخرى البديلة.
  • شكل 1 - نبذة عن الأساليب المختلفة لعمليات استبدال التجارب الحيوانية بأنواع التجارب الأخرى البديلة.
  • *كودنورمبرج -أحد المبادئ الأخلاقية الأساسية لإجراء التجارب البحثية على الإنسان؛ ويقضي بأن تكون التجارب على الإنسان نتاج التجارب الحيوانية، وذلك لحماية البشر من الأذى. بيد أن هناك بعض المواقف التي يمكن من خلالها الاستعانة بالمتطوعين من البشر مكان الحيوانات؛ فيُمكننا مثلًا في بعض الأحيان دراسة الاستجابة المناعية في الأجسام البشرية التي تعرضت طبيعيًّا للإصابة بعدوى ما بدلًا من إخضاع الحيوانات للتجربة.

التقليل

يجب توخي الحذر الشديد عند إجراء التصاميم والتحليلات، وذلك في سبيل تقليل أعداد الحيوانات المستخدمة في الأبحاث المعملية. فإذا استُخدم عدد ضئيل للغاية من الحيوانات في أداء إحدى التجارب، فقد لا يتضح الاختلاف بين المجموعات، (مثلًا: إذا خضعت مجموعة من الفئران لتجربةٍ ما وتلقت علاجات مختلفة لمعرفة أي العلاجات آمنة)، ومن ثم يتعين إعادة التجربة مرةً أخرى. وربما يتم استخدام حيوانات أكثر عند إعادة التجربة على المدى البعيد.

يحاول العلماء تحقيق الاستفادة القصوى من المعلومات التي يتحصّلون عليها من كل حيوان قيد التجربة. فمثلًا؛ إذا كانوا يبحثون في سير عملية تضخم أحد الأورام، فقد يحتاجون إلى التضحية بعدد من الحيوانات المختلفة كل أسبوع لمعاينة حجم الورم بداخله. لكن باستخدامهم تقنية الفحص بالتصوير المقطعي للورم، حينها يمكنهم تقييم الحيوان نفسه كل أسبوع، ومن ثم الاستعانة بعدد أقل من الحيوانات بوجهٍ عام.

يُمكن من خلال مشاركة نتائج البحوث بين المجموعات المختلفة من الباحثين، والمنظمات، ومن خلال المقالات المكتوبة، وتقديم عروض إيضاحية لموضوع التجربة، أن يُسفر الأمر عن تقليل إجراء التجارب غير الضرورية من قِبل أشخاصٍ مختلفين. وبالفعل يتبنى مجموعة من الناشرين في بعض المجلات العلمية تطبيق هذه الفكرة من خلال مشاركتهم النتائج التي قد تكون غير متاحة للبعض. ويوجز الشكل رقم 2 الأساليب المختلفة المتخذة لتقليل أعداد الحيوانات المستخدمة عند إجراء التجارب.

شكل 2 - عبارة عن الأساليب المختلفة المتخذة لتقليل أعداد الحيوانات المستخدمة عند إجراء التجارب.
  • شكل 2 - عبارة عن الأساليب المختلفة المتخذة لتقليل أعداد الحيوانات المستخدمة عند إجراء التجارب.

التحسين

يُقصد به: تقليص الألم والمعاناة إلى الحد الأدنى، وتحسين صحة الحيوانات وسبل سعادتها. وتشمل التحسينات التأكد من توفر ظروف المعيشة المناسبة للحيوانات، التي تتماشى مع احتياجاتهم الطبيعية مثل: احتياجاتهم في التواصل مع بعضهم بعضًا، الاختباء، والقضم، وبناء الأعشاش.

وتوجد الآن قواعد سارية بخصوص حجم الأقفاص اللازمة، وأنواع الألعاب، وأماكن الاختباء، ومواد الفراش التي ينبغي توفيرها للحيوانات. وقد ظل العلماء يدرسون بجامعة ليفربول أفضل الأساليب لانتقاء الفئران، في محاولة للتقليل من الضغوط الواقعة عليها [4]. بينما اكتشف علماء آخرون بجامعة كولومبيا البريطانية، أن الفئران تُفضّل المواد التي تستطيع حفرها، والتي توفر لها فرصة التسلق [5].

تتمثل أحد أوجه التحسين المهمة في التجارب الحيوانية في استخدام تقنيات التصوير، بدلًا من التقنيات الجراحية؛ مثل الجراحة، أو سحب عينات من الدم. إذ يُمكن استخدام تقنيات التصوير للتسبب في أقل قدر من الاضطرابات للحيوان الحي، بدلًا من إنهاء حياته لمعرفة كيفية انتشار المرض داخل الجسم. إذ يُمكن إجراء التصوير بالأشعة السينية، أو التصوير المقطعي المحوسب، أو جعل أجزاء من جسم الحيوان ''تتوهج في الظلام''، وذلك عند استخدام مواد كيميائية متوفرة طبيعيًّا في الطحالب، وقنديل البحر.

فيستطيع العلماء الآن رصد تفشي الأورام السرطانية، وعدوى الفيروسات أو البكتيريا على هذا النحو. ويمكنهم حتى استخدام هذه الأساليب للنظر إلى أماكن انتقال الأدوية في الجسم. وتُعد أساليب تقصير مدة التجارب، واستخدام مسكنات ألم أفضل من ضمن أساليب تحسين التعامل مع الحيوانات. وقد تم تلخيص أساليب تحسين التجارب الحيوانية كما هو موضح في الشكل رقم 3.

شكل 3 - عبارة عن الأساليب المختلفة المتخذة لتحسين (إصلاح) معيشة حيوانات التجارب.
  • شكل 3 - عبارة عن الأساليب المختلفة المتخذة لتحسين (إصلاح) معيشة حيوانات التجارب.

الخلاصة

أثمرت الأبحاث التي أُجريت على الحيوانات عن عدد كبير من الاكتشافات الطبية المهمة، بالإضافة إلى تحسين، أو إنقاذ عدد لا يُحصى من الأرواح البشرية خلال التجارب الحيوانية. فقد مرَّت الاختبارات الحيوانية بالعديد من المراحل غير الخاضعة للتنظيم الرقابي على مدار القرن الماضي، لكن في هذه الآونة توجد قوانين صارمة، وسارية المفعول، ومطبقة بشأن حماية الحيوانات وحمايتهم من التعرض للمعاناة. بيد أن الجميع يُفضّل التوقف عن استخدام الحيوانات في الأبحاث الطبية بصورةٍ كاملة، إذا استطعنا إلى ذلك سبيلًا.

إذ يعمل العلماء في جميع أنحاء العالم بجدٍ لإيجاد أساليب جديدة تقوم مقام استخدام الحيوانات وسيلةً للتجارب، أو تقليل عددها المُستخدَم، أو تحسين التجارب لتقليل معاناتها. وهذا مما يتماشى مع المبادئ المستخدمة في الأساليب الجديدة للأبحاث العلمية، أعنى تطبيق المبادئ الأخلاقية الثلاثة. وتقوم معظم الأبحاث في هذه الآونة على استخدام الأساليب البديلة، مما أدى ذلك إلى انخفاض عدد الحيوانات المختبرية المستخدمة في المملكة المتحدة بمقدار النصف في الثلاثين عامًا المنصرمة، ومع ذلك ما تزال هناك حاجة لاستخدام الحيوانات في العديد من المواقف. فتُعد طبيعة الأجسام معقدة للغاية، لدرجة أننا لا نستطيع دائمًا معرفة كيفية تفاعلها مع أحد الأمراض، أو مع دواءٍ ما بمجرد النظر إلى الخلايا في أحد أنابيب الاختبار، أو برامج الحاسوب، أو في حشرات ذبابة الفاكهة. فثمّة أمل أن يأتي يوم تُصبح فيه الحيوانات المختبرية مجرد ذكرى في صفحات التاريخ، وذلك من خلال تقدم وسائل التكنولوجية في المستقبل، واستمرار العلماء في العمل على تطبيق المبادئ الثلاثة الأخلاقية.

مسرد للمصطلحات

الجينات (Genes): هي ''التعليمات'' البيولوجية التي تُورَث من الآباء إلى الأبناء وتُحدد صفاتنا الموروثة.

الجهاز المناعي (Immune System): هو الحماية الطبيعة التي نمتلكها ونواجه بها الكائنات الحية المسببة للأمراض؛ مثل البكتيريا، والفيروسات.

داء السكري (Diabetes): هو مرض مزمن يتسبب في ارتفاع نسبة السكر في الدم ارتفاعًا كثيرًا. ويحدث نتيجة عجز البنكرياس عن إنتاج كمية كافية من هرمون الأنسولين، أو تراجع خلايا الدم عن الاستجابة بفاعلية للأنسولين الذي يفرزه البنكرياس.

اللقاح (Vaccine): كمية صغيرة من البكتيريا الضعيفة، أو الميتة، أو الفيروسات التي تساعد الجهاز المناعي في استعداده لمحاربة الأمراض بسرعة كبيرة وأكثر فاعلية، وذلك للوقاية من الإعياء.

داء السُّل (Tuberculosis): مرض يُصيب الرئتين، ويحدث بسبب البكتيريا التي يُمكن أن تنتشر عن طريق السعال، والعطس من الشخص المصاب.

تقنيات التصوير (Imaging Technologies): تعني إنشاء صور داخلية لأحد الأجسام بغرض الدراسة التحليلية. وتشمل هذه التقنية الأشعة السينية، والأشعة فوق الصوتية.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.


إقرار

أود أن أشكر Daniel McShane على قراءته النقدية لهذه المقالة، كما أتوجه بالشكر إلى NC3Rs على دعمهم لبحثي.


المراجع

[1] Russell, W., and Burch, R. 1959. The Principles of Humane Experimental Technique. Wheathampstead, UK: Universities Federation for Animal Welfare.

[2] Brennan, M. J., Tanner, R., Morris, S., Scriba, T. J., Achkar, J. M., Zelmer, A., et al. 2017. The cross-species mycobacterial growth inhibition assay (MGIA) project, 2010-2014. Clin. Vaccine Immunol. 24(9):e00142–17. doi: 10.1128/CVI.00142-17

[3] Britton, O. J., Bueno-Orovio, A., Van Ammel, K., Lu, H. R., Towart, R., Gallacher, D. J., et al. 2013. Experimentally calibrated population of models predicts and explains intersubject variability in cardiac cellular electrophysiology. Proc. Natl. Acad. Sci. U.S.A. 110(23):E2098–105. doi: 1073/pnas.1304382110

[4] Gouveia, K., and Hurst, J. L. 2013. Reducing mouse anxiety during handling: effect of experience with handling tunnels. PLoS ONE 8(6):e66401. doi: 10.1371/journal.pone.0066401

[5] Makowska, I. J., and Weary, D. M. 2016. The importance of burrowing, climbing and standing upright for laboratory rats. R. Soc. Open Sci. 3(6):160136. doi: 10.1098/rsos.160136


هامش

[1] https://nc3rs.org.uk/ (اِطُلِعَ عليها بتاريخ: 22 مايو 2018).