ملخص
هل سبق وأن ألقيت لُب تفاحة أو قشرة برتقالة من نافذة السيارة؟ هل يعتبر هذا إلقاء قمامة؟ ماذا سيحدث إذا استقرت التفاحة على الرصيف؟ هل سيكون الأمر مشابهًا لو أنها سقطت في رقعة من التراب على جانب الطريق؟ حسنًا، يتكون لُب التفاح، وقشر البرتقال، والأوراق، والمواد النباتية الأخرى من مركبات كربونية معقدة، تتحلل بمرور الوقت إلى أشكال أبسط من الكربون في عملية تسمى التحلل. والتحلل جزء رئيسي من دورة الكربون. وتحدث عملية التحلل بصورة عامة عن طريق مجتمعات ميكروبية، وهي مجموعة من الكائنات الحية المجهرية، ومدن غير مرئية تعيش في كل مكان على الأرض. هل يمكنك تخيل هذه المدن غير المرئية، التي تأكل لُب التفاحة التي تلقيها أو كومة من الأوراق على الأرض؟ ما مدى سرعة تحلل النباتات الميتة؟ وأين يذهب الكربون؟ إليك الإجابات.
ما المقصود بالتحلل؟
يعتبر التسميد، وهو إنشاء كومة أو حاوية من بقايا الطعام أو بقايا تقليم الحدائق والسماح لهذه النفايات بالتحلل لتكوين تربة، أحد الأمثلة على عملية التحلل .
التحلل هو العملية التي تتحلل من خلالها المركبات؛ مثل أنسجة النباتات، المصنوعة من الكربون المعقد، إلى أشكال أبسط من الكربون. عنصر الكربون (C) هو أساس جميع أشكال الحياة على سطح الأرض، ويمثل جزءًا من المحيط والهواء والصخور وحتى نحن البشر. يتخذ الكربون أشكالًا مختلفة خلال دورة الكربون . إذ يرتبط الكربون بالأكسجين في الغلاف الجوي، ويكوّن غازًا يسمى ثاني أكسيد الكربون (CO2). وتستخدم النباتات ثاني أكسيد الكربون، والمياه، والمغذيات، وضوء الشمس لتنمو. ويُدمَج الكربون في النباتات في شكل مركبات معقدة. وفي نهاية المطاف، تموت النباتات ثم تتحلل. وينطلق بعض الكربون في الهواء، خلال عملية التحلل، في صورة ثاني أكسيد الكربون، ويتم تخزين بعض الكربون في التربة. وتنطلق كذلك عناصر غذائية أخرى؛ مثل النيتروجين والفوسفور، من النباتات الميتة، لتخصيب التربة (الشكل 1).
هل تعلم كيف تتحلل النباتات الميتة؟
تُحلل الميكروبات، وهي كائنات حية مجهرية؛ مثل البكتيريا والفطريات، النسيج النباتي عن طريق استخدامه كغذاء ومصدر للطاقة. وتعيش الميكروبات في كل جزء من الأرض. وعندما نعثر على أنواع مختلفة من الميكروبات معًا في المكان نفسه، يشير العلماء إليها باسم المجتمعات الميكروبية. وعلى الرغم من أن هذه المجتمعات تتكون من ملايين الميكروبات الفردية، فهي صغيرة جدًا بحيث لا يمكننا رؤيتها؛ إنها بمثابة مدن غير مرئية تعيش بيننا. ولكن مجرد كونها صغيرة لا يعني أنها ليست مهمة. فالمجتمعات الميكروبية ضرورية للحياة على الأرض. وأحد الأدوار المهمة التي تلعبها المجتمعات الميكروبية هو تحلل النباتات والحيوانات الميتة، من أجل المساعدة في نقل الكربون خلال دورة الكربون وإطلاق العناصر الغذائية في التربة (الشكل 1). عندما تستخدم الميكروبات الكربون من النباتات الميتة، فإنها تُطلق بعضًا منه في الهواء على شكل ثاني أكسيد الكربون، وتخزن بعض الكربون في التربة. يتخذ كربون التربة هذا أشكالًا عديدة. على سبيل المثال، يندمج بعض الكربون في الخلايا الميكروبية خلال نموها، ويساعد بعض الكربون في تكوين جسيمات التربة الجديدة، أو الارتباط بجسيمات التربة القديمة.
يعمل التسميد على تسريع عملية التحلل الطبيعية من خلال تهيئة الظروف التي تسمح للمجتمعات الميكروبية بالعمل بكفاءة أكبر. لكن التحلل لا يحدث فقط في السماد العضوي، بل إنه ضروري أيضًا في البيئة الطبيعية. فماذا يحدث برأيك عندما تتساقط الأوراق من الشجر؟ حسنًا، في حديقتك، يمكنك جمعها والتخلص منها. ولكن ماذا لو لم تفعل ذلك؟ لن تتراكم فقط أكثر وأكثر عامًا بعد عام؛ بل سوف تتحلل بفعل الميكروبات في نهاية المطاف، تمامًا مثل المادة في كومة التسميد.
كيف يقيس العلماء عملية التحلل؟
بينما لا يمكننا رؤية التحلل أثناء حدوثه، يمكننا قياس تأثيراته من خلال وزن المادة المتحللة لمعرفة مقدار الكتلة المفقودة بمرور الوقت. ويُطلق على الأدوات التي يستخدمها العلماء عادةً لقياس تحلل النباتات اسم أكياس قمامة (الشكل 2). أكياس القمامة هي حاويات تتكون من شبكة، والشبكة مادة تتمتع بدرجة من النفاذية تسمح بمرور الماء والهواء والعناصر الغذائية منها. وتمتلئ أكياس القمامة بالمواد النباتية، ويتم وزنها، وتُترك بالخارج في الحقل لبعض الوقت، ثم يتم جمعها وإعادة وزنها. يمكن استخدام كمية الكتلة المفقودة لحساب معدل التحلل (الكتلة المفقودة خلال فترة زمنية معينة). يخبرك معدل التحلل بمدى سرعة أو بطء تحلل المادة. وتسمح أكياس القمامة للعلماء باختبار العوامل التي تؤثر على معدلات التحلل في نظام بيئي بعينه. وتشمل العوامل التي يرغب العلماء في اختبارها مستوى الرطوبة الموجود، والأس الهيدروجيني (pH) للتربة، وأنواع النباتات التي تتحلل، والتنوع الميكروبي، وهو ما يعني وجود أنواع مختلفة وأعداد متنوعة من الميكروبات في التربة [1, 2].
هل يختلف معدل التحلل، من حيث السرعة والبطء، باختلاف الأنواع الميكروبية؟
أحد الأمثلة التي أبرزت أهمية الميكروبات في التحلل كان تجربة عَرضية، وهي كارثة تشيرنوبيل؛ وهي عبارة عن حادث نووي كارثي وقع في عام 1986 في منطقة تعرف الآن بأوكرانيا. وأطلّق الحادث كميات هائلة من المواد المشعة من محطة نووية، مما أثر على البشر والبيئة. وفيما يتعلق بالميكروبات، أدى الحادث إلى تعقيم التربة، وقتل المجتمعات الميكروبية فيها. وبعد قرابة 30 عامًا، تجمعت، في موقع هذا الحادث، أكوامًا شاهقة من الأوراق المتساقطة والعديد من الأشجار الميتة؛ والجدير بالذكر أن مواد النباتات الميتة لا تتحلل. وعندما طبق العلماء تجارب أكياس القمامة لتحديد سبب عدم التحلل، اكتشفوا أن التحلل البطيء يرجع في الغالب إلى غياب الميكروبات [3].
يمكن للعلماء إجراء تجارب ميدانية عندما تراودهم أسئلة يريدون الإجابة عليها. على سبيل المثال: كيف سيؤثر تغير المناخ على معدلات التحلل؟ حسنًا، أضاف الباحثون، في دراسة أُجريت للإجابة عن هذا السؤال، مجتمعات ميكروبية مختلفة؛ تشمل مجتمعًا ميكروبيًا من بيئة أرض عشبية جافة، ومجتمعًا ميكروبيًا من بيئة أرض عشبية رطبة، إلى أكياس قمامة تحتوي على مادة نباتية عشبية معقمة؛ أي خالية من الميكروبات [2] (الشكل 3A). وصُنعت أكياس القمامة هذه من شبكة بها ثقوب صغيرة جدًّا لعمل قفص لحبس الميكروبات حتى لا تتمكن من الدخول أو الخروج. وسُجل وزن أكياس القمامة، ثم وضعت في الهواء الطلق في أرض عشبية، وجُمعت بعد عدة أشهر.
واكتشف الباحثون أن أكياس القمامة التي تحتوي على المجتمعات الميكروبية المستخرجة من الظروف الجافة لها معدلات تحلل أبطأ مقارنة بالمجتمعات الميكروبية المأخوذة من الظروف الأكثر رطوبة، وذلك على الرغم من وضع أكياس القمامة في البيئة نفسها خلال التجربة (الشكل 3B). يوضح هذا المثال أن أنواع الكائنات الحية المجهرية الموجودة في المجتمع الميكروبي تؤثر على معدل التحلل. افترض الباحثون أن المجتمع الميكروبي المستخلص من البيئة الجافة يعمل بشكل أبطأ، لأن تلك الميكروبات كانت متخصصة في العيش في ظروف أكثر قسوة، بينما كانت الميكروبات المستخلصة من البيئة الرطبة أفضل وأسرع في تحلل النباتات الميتة. ولا زالت التجارب قائمة لاختبار هذه الفرضية.
لماذا يهتم العلماء بمعرفة المزيد عن التحلل؟
يعد التحلل جزءًا من عملية إعادة التدوير في الطبيعة. فهو ليس مجرد نهاية، بل هو بداية أيضًا. إنه جزء من دورة الكربون العالمية، وهو أمر بالغ الأهمية للحياة على الأرض. وفيما يخص المواد النباتية على وجه التحديد، في النظم البيئية الطبيعية، يريد الباحثون معرفة كيفية تأثير التحلل على جودة التربة، وكيف يمكن أن يتغير التحلل مع تغير المناخ. هل ستؤدي درجات الحرارة الأكثر احترارًا إلى تسريع عملية التحلل، مما يؤدي بدوره إلى زيادة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي؟ ربما، لكن المجتمعات الميكروبية قد لا تعمل بالسرعة نفسها في المناخات الأكثر احترارًا، أو قد تُغيّر ما تحب أن تأكله. إذ تعمل العديد من الأجزاء المعقدة معًا لتحفيز عملية التحلل، ولا نعرف حتى الآن آلية عمل هذه الأجزاء جميعها معًا.
يلعب التحلل العديد من الوظائف المهمة الأخرى. فالتحلل عامل رئيسي في تحسين نوعية الوقود المصنوع من المواد النباتية. ويحتاج العلماء إلى معرفة كيفية تحلل المواد النباتية بشكل أكثر كفاءة؛ من أجل استخدام المحاصيل الزراعية مثل الذرة أو فول الصويا للحصول على الوقود. أحد الحلول الممكنة هو معرفة الميكروبات أو المجتمعات الميكروبية التي يمكنها القيام بهذه المهمة [4]. ويحدث التحلل داخلنا أيضًا. إذ تساعدنا المجتمعات الميكروبية التي تعيش في الأمعاء على تحليل الطعام الذي نتناوله، وهضمه [5]. لا يزال هناك الكثير لنتعلمه حول كيفية تأثير هذه المجتمعات الميكروبية علينا وعلى صحتنا.
كيف يمكنك معرفة المزيد عن التحلل؟
هل تعلم أنه يمكنك إجراء تجربة على التحلل أيضًا! الأدوات اللازمة للبدء بسيطة؛ مثل قطعة من القماش والغراء لصنع أكياس قمامة، ومواد نباتية، وميزان لقياس التغيرات التي تطرأ على الوزن بمرور الوقت. ما سؤالك البحثي؟ وما العوامل التي تريد تقصيها؟ أو، في المرة القادمة التي تكون فيها على وشك التخلص من شيء ما من نافذة سيارتك، فكّر في هذا السؤال: ما مدى سرعة تحلل هذا الشيء؟
إذا سقط على قطعة تربة، قد تحتوي على قدر كبير من التنوع الميكروبي، فربما يتحلل بوتيرة أسرع مقارنةً بما إذا سقط على رصيف، حيث ربما يكون التنوع الميكروبي أقل. وإذا كان يسهل على الميكروبات أكل الشيء الذي ترميه، مثل لُب التفاح، فقد يكون التحلل أسرع مما لو رميت شيئًا يصعب تحلله، مثل قشر البرتقال. لكن في كلتا الحالتين، قد يستغرق ما ترميه شهورًا حتى يتحلل. ويمكنك أيضًا البدء في استكشاف التحلل عن طريق صنع كومة تسميد مستخدمًا بقايا خضراوات المطبخ وقصاصات العشب ومشاهدتها وهي تتحول إلى تربة.
مسرد للمصطلحات
التحلل (Decomposition): ↑ العملية التي تتحلل من خلالها المركبات؛ مثل المواد النباتية، والمصنوعة من الكربون المعقد، إلى أشكال أبسط من الكربون؛ وتسمى أيضًا الانحلال أو التعفن.
دورة الكربون (Carbon Cycle): ↑ سلسلة من العمليات التي تتغير من خلالها مركبات الكربون في البيئة. وتعتبر عملية امتصاص النباتات لثاني أكسيد الكربون (CO2) من الغلاف الجوي، وعملية عودة الكربون (C) إلى الغلاف الجوي من خلال التحلل مكونين رئيسيين من مكونات هذه الدورة.
المغذيات (Nutrients): ↑ مواد توفر التغذية اللازمة للنمو والحياة.
المجتمعات الميكروبية (Microbial Communities): ↑ مجموعات من الكائنات الحية المجهرية (كائنات حية تكون أصغر عادة من أن تُرى بالعين المجردة)، مثل البكتيريا والفطريات التي تتشاطر حيز معيشة مشترك.
الكتلة(Mass): ↑ تقدير لكمية المادة التي يحتوي عليها شيء ما. على الأرض، الكتلة والوزن متماثلان، ولكن على القمر، حيث تختلف الجاذبية، سيكون للجسم الكتلة نفسها الموجودة على الأرض ولكن بوزن مختلف.
كيس قمامة (Litterbag): ↑ حاوية، تُصنع عادة من القماش أو شبكة، مملوءة بالمواد النباتية، يستخدمها العلماء لقياس التغيرات التي تطرأ على وزن المادة النباتية بمرور الوقت (معدل التحلل).
التنوع الميكروبي (Microbial Diversity): ↑ تنوع وتباين في وفرة الكائنات الحية المجهرية وأنواعها.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
إقرار
نتقدم بجزيل الشكر إلى Sara Ludovise وKaitlin Magliano وCrystal Cove Alliance على مشاركتهم في ترجمة علم البيئة الميكروبي لأطفال المدارس والجمهور العام. كما نشكر Jessica Pratt من أجل التعليقات التي قدمتها على الإصدارات السابقة من هذا المقال. تم دعم هذا العمل من قِبل برنامج مساعدة الخريجين التربويين في المجالات الوطنية المطلوبة التابع لوزارة التعليم الأمريكية، ووزارة الطاقة الأمريكية، ومؤسسة العلوم الوطنية.
المراجع
[1] ↑ Couteaux, M. M., Bottner, P., and Berg, B. 1995. Litter decomposition, climate and liter quality. Trends Ecol. Evol. 10, 63–66. doi: 10.1016/S0169-5347(00)88978-8
[2] ↑ Allison, S. D., Lu, Y., Weihe, C., Goulden, M. L., Martiny, A. C., Treseder, K. K., et al. 2013. Microbial abundance and composition influence litter decomposition response to environmental change. Ecology 94, 714–725. doi: 10.1890/12-1243.1
[3] ↑ Mousseau, T. A., Milinevsky, G., Kenney-Hunt, J., and Moller, A. P. 2014. Highly reduced mass loss rates and increased litter layer in radioactively contaminated areas. Oecologia 175, 429–437. doi: 10.1007/s00442-014-2908-8
[4] ↑ Rubin, E. M. 2008. Genomics of cellulosic biofuels. Nature 454, 841–845. doi: 10.1038/nature07190
[5] ↑ Gill, S. R., Pop, M., Deboy, R. T., Eckburg, P. B., Turnbaugh, P. J., Samuel, B. S., et al. 2006. Metagenomic analysis of the human distal gut microbiome. Science 312, 1355–1359. doi: 10.1126/science.1124234