ملخص
تُثبت الانفجارات البركانية أن كوكبنا حي ومتطور. التقط صورًا للبراكين في جميع أنحاء العالم وسترى أنها تبدو مختلفة الشكل تمامًا، لكنها تشترك في سمات مهمة، حيث تأتي بعض البراكين في شكل مخروطي كامل، بينما يكون الكثير منها أكثر استواءً ويصعب رصده، فالبراكين في ذلك تشبه البشر تمامًا، البعض يتميز بالطول والآخر بالقِصر، والبعض له شعر داكن، بينما للآخر شعر فاتح. وهذا مهم لأن شكل البركان يمكن أن يخبر العلماء بنوع الثوران البركاني الذي يمكن أن يحدث؛ أي ملامح شخصية البركان! هذا ويختلف البشر عن البراكين، حيث يمكن أن يكون لهم نفس الشكل لكن شخصياتهم مختلفة للغاية، ونشرح فيما يلي كيفية توصيف ملامح الشخصيات المختلفة للبراكين، وكيف يمكن أن يساعد ذلك العلماء والشعوب حول العالم في التنبؤ بالآثار المستقبلية لثوران البراكين.
أشكال البراكين
يُسمى العلماء الذين يدرسون البراكين بعلماء البراكين؛ يسافر علماء البراكين مثلنا حول العالم لدراسة أكبر عدد ممكن من البراكين، فكلما درسنا مزيدًا من البراكين، اكتسبنا فهمًا أفضل حول كيفية عملها. أحيانًا نصل إلى مدينة مثل نابولي في إيطاليا ونرى من القطار مباشرًة وجود بركان جميل يسيطر على المدينة (بركان فيزوف، الشكل 1)؛ وعندما نستكشف المنطقة حول بركان فيزوف، نجد صخورًا تعطينا معلومات كثيرة عن تاريخ البركان، ولكي نحصل على تلك المعلومات، نحدد محتوى المعادن في صخور العينة ونحلل تركيبها الكيميائي مما يسمح لنا بقراءة الصخور مثل الكتب! وهذا ما نفعله بدورنا كعلماء براكين.
هذا والمثير في نابولي أنك عندما تجول في أرجاء المدينة، تكتشف صخورًا بركانية أخرى. ويختلف التركيب الكيميائي لتلك الصخور عن الصخور الموجودة بجوار بركان فيزوف وتختلف عنها شكلًا، حيث تنتمي هذه الصخور إلى بركان آخر قريب، يُسمى الحقول الفليغرية أو كامبي فليغري (الشكل 1). من الصعب للغاية أن ترى هذا البركان من الأرض، لكنه كبير للغاية لدرجة أنه يمكن رؤيته من الفضاء (الشكل 1).
تُسمى البراكين المخروطية مثل بركان فيزوف براكينًا طبقية، وتُسمى البراكين المسطحة مثل الحقول الفليغرية بالفوهات البركانية؛ البراكين الطبقية تشبه البراكين التي ترسمها في المدرسة فهي من أسهل البراكين التي يمكن رصدها، حيث إنها تشبه الجبال وبها فتحة مركزية، تُسمى الفوهة، وهي متصلة بفجوة عميقة تحت الأرض؛ أما الفوهات البركانية فتشبه طبق الحساء (الشكل 2)، وقد أطلق عليها بعض علماء البراكين الأوائل اسم "البراكين المقلوبة" [1].
لماذا يوجد هذا الاختلاف في أشكال البراكين؟ عندما يكون البركان خاملًا، تكون الصخور التي ستثور لاحقًا مُخزنة عميقًا في غرفة الصهارة، على بعد ما بين 5 إلى 15 كيلومترًا تحت البركان (الشكل 2). درجة حرارة الصخور المُخزنة في غرفة الصهارة مرتفعة للغاية (تتراوح بين 800 إلى 1000 درجة مئوية، والمعروف أن البيتزا تُخبز عند درجة حرارة 300) بما يكفي لانصهارها، وتُسمى تلك الصخور المنصهرة الصهارة. عندما يثور بركان طبقي، لا يثور إلا جزء صغير من الصهارة الموجودة في غرفة الصهارة، ومع تكرار الثوران، تكوّن الصهارة التي بردت شكلًا مخروطيًا. لكن تختلف الفوهات البركانية في ذلك، فعندما تثور، تخرج صهارة كثيرة للغاية من غرفة الصهارة، ثم يمتصها السطح لتُشكل "الوعاء" الذي نسميه الفوهة البركانية. وهنا سؤال مهم للعلماء، "لماذا تختلف أشكال البراكين؟"
حجم غرفة الصهارة قد يحدد ملامح شخصية البركان
تكون الصهارة الموجودة في الفجوة العميقة تحت البركان في حالة منصهرة، مما يجعل كثافتها أقل من الصخور الموجودة حولها، وهذا يعني أن الصهارة في الغرفة تصبح طافية (تريد الصعود إلى السطح)، فالطفو هو القوة التي تشعر بها عندما تحاول أن تغمر كرة في الماء، حيث يمكنك الشعور بقوة الطفو هذه وهي تحاول دفع الكرة إلى سطح المياه. وقد وصف العالم أرشميدس من سيراكيوز هذه القوة قبل 2200 سنة، وكانت اكتشافًا مهمًا، لأنها تشرح سبب طفو القوارب على سطح الماء؛ وعلى عكس كرة القدم القابعة تحت الماء، التي تريد دائمًا الصعود إلى السطح، تبقى الصهارة أسفل البركان بسبب قوة الصخور المحيطة بغرفة الصهارة، التي تكفي لإيقاف الصهارة ومنعها من الصعود. إذن كيف تثور الصهارة؟
تؤدي الصخور المحيطة بغرفة الصهارة نفس دورك عند محاولة إبقاء الكرة تحت الماء؛ فإذا كانت الكرة صغيرة ستنجح في ذلك، لكن كلما كبرت الكرة، كان إبقائها تحت الماء أصعب. تنمو غرفة الصهارة أسفل الفوهات البركانية وتصبح كبيرة للغاية ثم تثور في نهاية المطاف. كما أظهر علماء براكين آخرون أنه في بعض الحالات تتسبب الحرارة الكامنة في الصهارة في تآكل الصخور الموجودة أعلى غرفة الصهارة، مثلك عندما تُبقي الكرة تحت الماء بقوة أقل مما يسمح للصهارة بالصعود وحدوث الثوران البركاني [2]. وفي حالات أخرى، يمكن أن يتسبب زلزال في اهتزاز غرفة الصهارة، مثل رج زجاجة مشروب غازي، مما قد يؤدي إلى ثوران [3]. هذا ما نعرفه عن غرف الصهارة الكبيرة، لكن لماذا تثور البراكين الطبقية التي بها غرف صهارة أصغر كثيرًا؟
يختلف العامل المحفز للثوران بالنسبة للغرف الصغيرة. بالنسبة لتلك البراكين، فإن ضخ صهارة جديدة أشد حرارة من أعماق الأرض (على عمق بين 60 إلى 100 كيلومتر) يمكنه زيادة الضغط في غرفة الصهارة بما يكفي لتكسير الصخور المحيطة بها [4].
على سطح الأرض، تحدث الانفجارات الكبيرة أقل بكثير من الانفجارات الصغيرة [5]، وهذا يعني أن معظم غرف الصهارة لا يمكنها أن تكبر بما يكفي لتكوين فوهات بركانية، كما أنها تفقد صهارة في الانفجارات البركانية الصغيرة؛ ومن خلال دراسة الصخور الناتجة عن انفجارات بركانية، يمكننا ملاحظة أن أحجام انفجارات الفوهات البركانية أكبر من أحجام انفجارات البراكين الطبقية [6]، فعلى سبيل المثال، بينما وُجدت صخورًا مرتبطة ببركان فيزوف في فينيسيا، إيطاليا (على بعد 540 كيلومترًا من البركان)، وُجدت صخور مرتبطة بالحقول الفليغرية في أماكن مثل روسيا (على بعد 4,000 كيلومتر)؛ ومن خلال فهم سبب اختلاف أحجام انفجارات الفوهات البركانية والبراكين الطبقية (ملامح شخصية البركان)، وكيف أن حجم الثوران مرتبط بحجم غرفة الصهارة، يمكن أن يتنبأ العلماء بالتأثيرات التي قد يُحدثها ذلك الثوران.
ما هي ملامح شخصية البركان الأكثر خطورة؟
يدرس علماء البراكين ملامح شخصية البراكين لأن هذه المعلومات يمكنها أن تحدد إلى أي مدى سيصل تأثير الثوران بعيدًا عن البركان−تذكر أنه تم العثور على صخور من الحقول الفليغرية على بعد 4,000 كيلومتر! والآن، سنخبرك بالكوارث المختلفة المرتبطة بثوران البراكين.
عندما ينفجر البركان ويثور، تبرد الصهارة وتتحول إلى رماد بركاني وغازات، مثل ثاني أكسيد الكربون (CO2) وثنائي أكسيد الكبريت (SO2)؛ ينتقل الرماد بسرعة كبيرة لدرجة أنه يدخل إلى الغلاف الجوي، على ارتفاع يضاهي ارتفاع تحليق الطائرات المسافرة، ويمكن أن يمنع الرماد البركاني الطائرات من التحليق، لأن الرماد يلحق الضرر بالمحركات، كما يمكن للرماد البركاني والغازات اللذان ينتجان عن انفجارات كبيرة الصعود إلى الغلاف الجوي حول الأرض، مما يتسبب في تغيير المناخ. هذا وتُشكل الغازات البركانية الهباء الجوي (خليط من جسيمات دقيقة) في الغلاف الجوي، الذي يعكس أشعة الشمس إلى الفضاء ويؤدي إلى التبريد العالمي؛ في الحقيقة، تسبب ثوران بركان في إندونيسيا عام 1815 (بركان تامبورا، الشكل 3) في مرور عام كامل بدون صيف في أوروبا وأمريكا الشمالية عام 1816.
ويمكن أن يدمر الرماد الحياة المتواجدة بالقرب منه، من خلال تغطية النباتات وتلويث مصادر المياه، كما حدث في عام 2010 في ثوران بركان إيافيالايوكل (Eyjafjallajökull) في أيسلندا، وثوران بركان كوردون كاول في شيلي في عام 2011 (الشكل 3).
ويمكن أن ينتقل الرماد إلى أسفل منحدرات البركان في سحب ضخمة، تسمى بالتدفق البركاني الفتاتي، لمسافة عشرات الكيلومترات، وتكون التدفقات البركانية الفتاتية (أو تدفق الحمم البركانية) عبارة عن مخاليط شديدة السخونة وفائقة السرعة من الرماد والكتل البركانية (الصخور البركانية ذات قطر < 64 مم) التي تنتقل إلى أسفل البركان وتدمر كل شيء في مساراتها، ويمكنها الانتقال بسرعة تصل إلى 400 كم/ساعة. وقد حدث تدفق الحمم البركانية خلال ثوران بركان فيزوف في سنة 79 ميلادية الذي دمر مدينتي بومبي وهركولانيوم بالكامل؛ وعندما يمتزج الرماد بالماء ويتدفق لأسفل جوانب البركان فإنه يشكل اللاهار (كلمة إندونيسية تعني فيضانًا طينيًا)، ويعتبر اللاهار أكثر برودة من التدفقات البركانية الفتاتية ولكن يمكنه الانتقال بسرعة كبيرة كما أنه يشكل خطرًا على المجتمعات المحيطة بمنطقة البركان، حيث قتلت واحدة من أسوأ الفيضانات الطينية الأكثر شهرة في التاريخ أكثر من 26,000 شخص في كولومبيا نتيجة لثوران بركان نيفادو ديل رويز عام 1985 (الشكل 3). إذا لم يكن الثوران متفجرًا فإنه يكون انصبابيًا، مما يعني أن الصهارة تتدفق من البركان وتشكل فيضانات من الحمم البركانية، وتكون الحمم البركانية أكثر سخونة و أبطأ في حركتها بكثير من التدفقات البركانية الفتاتية ويمكنها أن تحرق أي شيء في طريقها، وقد حدثت التدفقات البركانية الفتاتية خلال ثوران بركانيّ مونا لوا وكيلاويا في هاواي وبركان نيراجونجو في جمهورية الكونغو الديمقراطية (الشكل 3).
هذا ويمكن للعلماء توقع إلى أي مدى سيكون لهذه المخاطر البركانية تأثير باستخدام نماذج الكمبيوتر لوضع ما يسمى خرائط المخاطر، ويوجد بالخرائط الموجودة في فصلك بالمدرسة، ألوان تشير إلى تصنيف الأراضي (الأخضر للمناطق المسطحة والبني والأبيض للجبال، على سبيل المثال)، ويوجد على خرائط المخاطر ألوان تشير إلى أين ستؤثر الأنواع المختلفة من المخاطر عند حدوث انفجار؛ وتتطلب الانفجارات الأكبر، كتلك التي تنتج من الفوهات البركانية مثل كامبي فليغري، خريطة مخاطر أكبر، لذا قد تعتقد أن هذه البراكين لها ملامح أكثر خطورة، ومع ذلك، ونظرًا لأنه من الصعب للغاية إنتاج غرفة صهارية عملاقة، فإن هذه الانفجارات نادرة للغاية، وسيكون للانفجارات الأصغر، كتلك الموجودة في فيزوف، خريطة مخاطر أصغر ولكن يمكن أن تحدث بشكل متكرر. ونظرًا لوجود مزيد من الانفجارات في فيزوف، فيمكن أن يكون هذا البركان أكثر خطورة من كامبي فليغري.
لماذا يجب مراعاة ملامح شخصية البراكين
يعيش اليوم أكثر من 500 مليون شخص بجوار البراكين، وقد تبدو البراكين مخيفة في الواقع، لكن الصخور التي تثور منها غنية بالعناصر التي تجعل التربة من حولها خصبة للغاية، كما أن البراكين مصادر مهمة للطاقة المتجددة، حيث يمكن استخدام الحرارة الكامنة في الصهارة في إنتاج الكهرباء ويمكن استخدام العناصر التي توفرها لنا البراكين في بناء الألواح الشمسية، وهذا يعني أن البراكين مهمة للحياة على الأرض، ولكن يمكن أن تكون أيضًا شديدة الخطورة. للعيش بالقرب من البراكين، نحتاج إلى فهم لغتها والرسائل التي ترسلها إلينا، حيث يقرأ علماء البراكين الصخور التي تنتجها البراكين لفهم ما يحدث قبل الثوران، مما يساعد على التنبؤ بالانفجارات البركانية المستقبلية وتأثيراتها.
هذا وتقدم البراكين عرضًا استثنائيًا لجمال الطبيعة وقوتها، يتمتع البشر بامتياز مشاهدتها في حياتهم، ومع ذلك فإنها تُذكرنا أيضًا أنه لكي نستمتع بالطبيعة بشكل كامل، نحتاج أيضًا إلى تعلم كيفية احترامها، ويمكننا بناء مستقبل أكثر إشراقًا إذا فهمنا واحترمنا "قواعد" الطبيعة، وهذا يعني أنه لا يمكننا بناء منازلنا ومبانينا المهمة (من مدارس ومستشفيات) بالقرب من البراكين في المواقع التي من المحتمل أن يدمرها ثوران البركان. كما أن العديد من البراكين لا تثور لآلاف السنين، لذا علينا أن نفهم سبب حدوث الانفجارات وكيف تتفاعل البراكين المختلفة بشكل مختلف، ويمكننا بدورنا نحن العلماء، أن نفهم ملامح شخصية البركان مما يبدو عليه والصخور التي ينتجها، فنحن نحتاج إلى فهم الطبيعة واحترامها، لأنها يمكن أن تعيش بسهولة دون بشر لكن البشر لا يمكنهم العيش بدون الطبيعة.
مسرد للمصطلحات
الصهارة (Magma): ↑ صخور منصهرة تصعد من عمق البركان لتغذية الانفجارات البركانية.
التدفق البركاني الفتاتي (أو تدفق الحمم البركانية) (Pyroclastic flows): ↑ خليط ساخن من الغاز والرماد والصخور الناتجة عن البراكين.
اللاهار (Lahar): ↑ هو فيضان طيني مكون من (ماء + مواد بركانية).
الحمم البركانية (Lava): ↑ هي الصهارة التي تصل إلى سطح الأرض.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
المراجع
[1] ↑ Walker, G. P. L. 1984. Downsag calderas, ring faults, caldera sizes, and incremental caldera growth. J. Geophys. Res. 89:8407–16. doi: 10.1029/JB089iB10p08407
[2] ↑ Gregg, P. M., de Silva, S. L., Grosfils, E. B., and Parmigiani, J. P. 2012. Catastrophic caldera-forming eruptions: thermomechanics and implications for eruption triggering and maximum caldera dimensions on Earth. J. Volcanol. Geother. Res. 241–242:1–12. doi: 10.1016/j.jvolgeores.2012.06.009
[3] ↑ Sumita, I., and Manga, M. 2008. Suspension rheology under oscillatory shear and its geophysical implications. Earth Planet. Sci. Lett. 269:468–77. doi: 10.1016/j.epsl.2008.02.043
[4] ↑ Caricchi, L., Annen, C., Blundy, J., Simpson, G., and Pinel, V. 2014. Frequency and magnitude of volcanic eruptions controlled by magma injection and buoyancy. Nat. Geosci. 7:126–30. doi: 10.1038/ngeo2041
[5] ↑ Newhall, C. G., and Self, S. 1982. The volcanic explosivity index (VEI) an estimate of explosive magnitude for historical volcanism. J Geophys Res Oceans Atmos. 87:1231–8. doi: 10.1029/JC087iC02p01231
[6] ↑ Sheldrake, T., and Caricchi, L. 2016. Regional variability in the frequency and magnitude of large explosive volcanic eruptions. Geology. 45:111–4. doi: 10.1130/G38372.1