مفاهيم أساسية التنوع الحيوي نشر بتاريخ: 22 يناير 2021

كيف تتكيف النباتات مع فترات الجفاف؟

ملخص

تشهد النباتات ظروف الجفاف بصورة منتظمة، ويشكّل عدم وجود كمية كافية من الماء تهديدًا خطيرًا بالنسبة لقدرة النباتات على النمو والازدهار أو حتى البقاء على قيد الحياة! إذا ماتت النباتات، فلن يكون لدينا ما يكفي من الطعام لنأكله! كيف تستطيع النباتات البقاء على قيد الحياة ومواجهة نقص المياه؟ لا بد وأن تكون النباتات قادرة بطريقة أو بأخرى على استشعار التغيرات في مستويات توافر المياه والاستجابة لها. تكافح النباتات مشكلة نقص المياه من خلال مجموعة من الطرق. تساعد ”الدروع” الهيكلية للنباتات على تقليل كمية المياه التي تفقدها في البيئة وزيادة تخزين المياه. تستجيب النباتات لنقص المياه من خلال طرق معقدة للغاية؛ وقد تتضمن تلك الاستجابات تغيرات تطرأ على نمو النباتات وقدرتها على حماية نفسها من المواد الكيميائية السامة التي تتراكم داخلها خلال فترات الجفاف. تتحكم جينات النباتات في جميع استجاباتها بطريقة مباشرة. إذا تمكنا من فهم الجينات التي تشارك في حماية النباتات من الجفاف، فقد نتمكن في المستقبل من إنتاج محاصيل معدلة وراثيًا يمكنها تحمل الاحتباس الحراري وتغيرات المناخ.

هل سمعت من قبل أناسًا يتحدثون عن الاحتباس الحراري وتغير المناخ؟ هل تعرف ما المقصود بهذين المصطلحين؟ يشير هذان المصطلحان ببساطة إلى أن الأرض تزداد سخونة كل عام. وتؤدي درجات الحرارة المرتفعة هذه إلى حدوث تقلبات مناخية غير متوقعة وغير معتادة، من ضمنها فترات الجفاف المتكررة والشديدة.

فترات الجفاف هي فترات زمنية طويلة للغاية تخلو من أي مطر. ماذا يعني الجفاف الشديد للنباتات؟ نحن نعلم أن النباتات كائنات لاطئة، مما يعني أنها تبقى في مكان واحد ولا يمكنها التحرك كما يفعل البشر، كما لا يمكنها سحب جذورها والانتقال إلى مكان ظليل أو رطب.

وبالتالي، تضطر النباتات بطريقة أو بأخرى إلى التعامل مع ظروف الجفاف المتزايدة باستمرار، وإلا ستموت ببساطة. لا تنسّ أن النباتات هي مصدر غذائنا، فنحن نتناولها نيئة أو مطبوخة (تلك الخضروات التي تصر والدتك على أن تتناولها!) أو بعد معالجتها، مثل علبة حبوب الإفطار المفضلة لديك [المصنوعة من القمح أو الذرة]. لذا، إذا ماتت النباتات نتيجة الجفاف، فلن يكون لدينا ما يكفي من الطعام لنتناوله!

ماذا يمكن أن تفعل النباتات من أجل البقاء إذا لم تتوافر المياه حولها؟ من الحقائق المثيرة للدهشة أن النباتات كافة تمتلك عددًا من الجينات الخاصة باستراتيجيات تحمل الجفاف تكون مشفرة في حمضها النووي. الجينات هي أجزاء صغيرة من الحمض النووي، مثل الفصول التي يتألف منها الكتاب. وتعتمد قدرة النباتات على النجاة من فترات الجفاف على كيفية استخدام النباتات لهذه الجينات. تستخدم النباتات تلك الجينات لزيادة قدرتها على النجاة من الجفاف.

بعض النباتات مقاومة للجفاف. نقصد بمصطلح النباتات المقاومة للجفاف تلك النباتات التي يمكنها تحمل الظروف الجافة دون أن تموت. يمكن للنباتات المقاومة للجفاف أن تصمد أمام الجفاف باستخدام ثلاث استراتيجيات دفاعية: الهروب من فقدان المياه، أو الوقاية منه، أو تحمله [1]. يندر وجود النباتات المقاومة للجفاف في الطبيعة ويمكن لتلك النباتات النادرة أن تتحمل فترات طويلة بدون مياه على الإطلاق. من ضمن أكثر النباتات مقاومة للجفاف نبات يطلق عليه اسم نبات القيامة. يستطيع نبات القيامة البقاء لفترات طويلة على قيد الحياة (حتى 3 سنوات!) دون الارتواء بأي ماء. ومع ذلك، إذا سقيته بالقليل من الماء، فسوف يعود إلى الحياة ويزدهر خلال يوم أو يومين. قد لا تتمتع النباتات الأخرى المقاومة للجفاف بنفس القدرة على تحمل الجفاف، إلا أنه بإمكانها أيضًا النجاة من فترات الجفاف القصيرة باستخدام طرق خاصة واستراتيجيات دفاعية.

بعض النباتات لها بنية خاصة تساعدها على النجاة

تتمتع بعض النباتات بقدرتها على النجاة من الجفاف بفضل بنيتها الفريدة. ومن بين هذه الخواص البنيوية الفريدة الدروع الخارجية للنباتات التي تحميها من فقدان المياه، بالإضافة إلى وسائل لمساعدة النباتات على امتصاص المياه وتخزينها. قد تتكيف النباتات المقاومة للجفاف خصيصًا للعيش والبقاء في البيئات شديدة الجفاف. غالبًا ما تبدو هذه النباتات مختلفة تمامًا عن النباتات التي تعيش في المناطق التي تتوفر فيها المياه بسهولة. تتميز النباتات المقاومة للجفاف عادةً بميزات ”وقاية” خاصة (إحدى وسائل التكيف الدفاعي!) لضمان فقدان كمية أقل من المياه في البيئة أو امتصاص المزيد من المياه وتخزينها في النبات. تعد النباتات المسماة بالنباتات العصارية الصحراوية مثالًا جيدًا للنباتات التي لديها استراتيجيات لتفادي الجفاف [2]. تمتاز النباتات العصارية الصحراوية بوجود أوراق لحمية سميكة لا تشبه على الأغلب الأوراق على الإطلاق، ولديها طبقة شمعية سميكة لمنع فقدان المياه. تحتوي النباتات العصارية الصحراوية أيضًا على مجموعات جذرية متشعبة تمكنها من البحث عن المياه تحت التربة الصحراوية الجافة (الشكل 1). تتميز بعض النباتات العصارية بجذور خاصة على هيئة بصيلات كبيرة، تشكل في الواقع خزانات مياه جوفية للنبات. تستطيع هذه النباتات البقاء على قيد الحياة لسنوات من الجفاف باستخدام المياه المخزنة في البصيلات.

شكل 1 - تتمتع النباتات بوسائل تكيف هيكلية فائقة لمكافحة فقدان المياه وتخزين المزيد منها.
  • شكل 1 - تتمتع النباتات بوسائل تكيف هيكلية فائقة لمكافحة فقدان المياه وتخزين المزيد منها.

معظم المياه التي تفقدها النباتات تكون نتيجة عملية طبيعية تُسمى النتح. تحتوي النباتات على مسام صغيرة (ثقوب أو فتحات) على الجانب السفلي من أوراقها، تسمى الثغور. تمتص النباتات الماء من خلال جذورها وتطلق الماء على هيئة بخار في الهواء من خلال الثغور. للبقاء على قيد الحياة في ظروف الجفاف، تضطر النباتات إلى تقليل عملية النتح للحد من فقدان المياه. تطورت بعض النباتات التي تعيش في ظروف أكثر جفافًا لتصبح أوراقها أصغر وبالتالي يصبح لديها عدد أقل من الثغور. من أشهر الأمثلة على ذلك بعض النباتات التي لديها أوراق تشبه الزوائد الشوكية. قد يقوم بعض النباتات أيضًا بإسقاط أوراقها تمامًا في ظروف الجفاف؛ لمنع فقدان المياه. فالقاعدة الأساسية هي أنه كلما قل عدد الأوراق، قلت كمية المياه المفقودة إثر عملية النتح. ومن شأن وسائل التكيف الشديدة هذه أن تحمي النباتات من الطيور والحيوانات الجائعة والباحثة عن المياه (الشكل 1). فهي لن ترغب بالتأكيد في تناول وجبة شائكة!

يتسم بعض وسائل التكيف لدى النباتات بالذكاء الشديد وتنطوي على استراتيجية ”هروب” النبات من الجفاف في صورة بذور (تذكر أن الهروب هو استراتيجية دفاعية أخرى). إذ تبقى البذور حية أثناء فترات الجفاف وتنمو (تنبت) وتكبر وتنتج المزيد من البذور بسرعة عند سقوط الأمطار. تنتشر هذه البذور بعد ذلك ويمكنها أن تتحمل أيضًا الظروف القاحلة القاسية لفترات طويلة من الزمن. إذا نظرت عن كثب إلى التربة الصحراوية، فستجد الكثير من البذور المبعثرة، في انتظار المطر لكي تنبت مرة أخرى.

يتميز بعض النباتات أيضًا بأنظمة دفاع داخلية ضد الجفاف

فضلاً عن البنيات الخاصة، تحتوي النباتات على أنظمة دفاع داخلية لحمايتها من نقص المياه أيضًا. عندما يواجه النبات ظروف الجفاف، ستحدث بعض التفاعلات بسرعة داخل النبات لمساعدته على مقاومة الإجهاد الناجم عن الجفاف. غالبًا ما تكون هذه التفاعلات التي تحدث في النبات معقدة ومتطورة للغاية. سنضرب لك بعض الأمثلة.

تظل النباتات بحاجة إلى أداء عملية البناء الضوئي أثناء الجفاف

تكتسب النباتات اللون الأخضر لأنها تحتوي على مادة كيميائية خضراء تسمى الكلوروفيل. ويخزن النبات الكلورفيل في بُنى خاصة تسمى البلاستيدات الخضراء، وهي مصانع الطاقة للنباتات. إلى جانب الماء وثاني أكسيد الكربون (CO2) ، يستخدم الكلوروفيل ضوء الشمس لإنتاج السكريات، وتسمح هذه السكريات للنبات بالنمو والازدهار. تسمى هذه العملية بعملية البناء الضوئي وترتبط بتوافر المياه.

في حالة عدم توافر الكثير من المياه في تربة النبات، ستحدث عملية البناء الضوئي بشكل مختلف قليلاً من شأنه أن يؤدي إلى تراكم مواد كيميائية ضارة تسمى الجذور الحرة. يعني هذا أن النباتات تحتاج إلى التحكم بعناية في كيفية استخدامها لطاقة الشمس. أثناء عملية البناء الضوئي، يجب أن يدخل ثاني أكسيد الكربون (CO2) النبات من خلال الثغور (المسام الصغيرة المذكورة سابقًا). لكن تذكر أن الثغور المفتوحة تعني فقدان المياه من خلال عملية النتح! وبالتالي، يواجه النبات مشكلة صعبة تتمثل في التأكد من توافر ما يكفي من المياه وكذلك ما يكفي من ثاني أكسيد الكربون (CO2) لحدوث عملية البناء الضوئي. لتحقيق ذلك، تستخدم النباتات ”مادة مُنظمة” تُسمى حمض الأبسيسيك (ABA).

عندما يعاني النبات نقصًا في المياه، يتم إنتاج حمض الأبسيسيك بسرعة ونقله إلى الثغور، حيث يتحكم الحمض في كيفية فتح الثغور وإغلاقها عن طريق التلاعب بشيء يسمى ضغط الامتلاء (الشكل 2) [3]. هو الضغط المؤثر على جدران الخلية النباتية بفعل السوائل التي تملأ الخلية؛ فكلما زادت كمية المياه في الخلية (كلما كانت الخلية ممتلئة)، ازداد ضغط الامتلاء بها. من شأن التحكم في ضغط الامتلاء أن يحقق التوزان بين امتصاص ثاني أكسيد الكربون وفقدان المياه، مما يسمح بحدوث عملية البناء الضوئي. لكن، إذا ظلت المياه محدودة نظرًا لظروف الجفاف، فسيفشل النبات في نهاية المطاف في تحمل ضغط الجفاف، وقد تتوقف عملية البناء الضوئي بالكامل عن العمل بشكل صحيح. ومع ذلك، توصلت النباتات المقاومة للجفاف إلى طريقة ذكية لتجنب مشكلة فقدان المياه أثناء عملية البناء الضوئي، حيث تفتح ثغورها فقط خلال برودة الليل لتمتص ثاني أكسيد الكربون، ثم تقوم بتخزين ثاني أكسيد الكربون الذي امتصته وتستخدمه في النهار خلال عملية البناء الضوئي. بهذه الطريقة، تفقد النباتات قدرًا أقل من المياه خلال النهار، حيث يمكنها إبقاء ثغورها مغلقة، إلا أنها في الوقت ذاته سوف تستمر بالنمو - حتى ولو كان ذلك النمو بمعدل أبطأ قليلًا عن المعتاد.

شكل 2 - أنظمة الدفاع الداخلية للنباتات في ظل نقص المياه.
  • شكل 2 - أنظمة الدفاع الداخلية للنباتات في ظل نقص المياه.
  • (A). عندما يتوفر الكثير من المياه في التربة، تمتص النباتات المياه من خلال جذورها. تستخدم النباتات تلك المياه أو يتم إطلاقها من خلال النتح بواسطة الثغور المفتوحة في الأوراق. تحدث عملية البناء الضوئي بشكل طبيعي أيضًا مع امتصاص ثاني أكسيد الكربون (CO2) والأكسجين وإطلاقهما عبر الثغور المفتوحة. (B). وعند وجود كمية محدودة من المياه في التربة، تحاول النباتات منع فقدان المياه. يمكن تقليل فقدان المياه من خلال النتح عن طريق إغلاق الثغور الموجودة في الأوراق باستخدام مادة تسمى حمض الأبسيسيك. عند إغلاق الثغور، ينخفض معدل البناء الضوئي لأنه لا يمكن لثاني أكسيد الكربون (CO2) الدخول من خلال الثغور المغلقة. وانخفاض نشاط عملية البناء الضوئي يعني إنتاج قدر أقل من الطاقة في النبات، وبالتالي يتوقف النبات عن النمو.

تحتاج النباتات إلى حماية نفسها من الجذور الحرة الخطيرة

في ظل ظروف الجفاف، عندما يفشل النبات في تحقيق توزان مناسب بين عملية البناء الضوئي وفقدان المياه، سيضطر النبات إلى التعامل مع جزيئات صغيرة ضارة تُسمى الجذور الحرة. تحدث الجذور الحرة بشكل طبيعي أثناء عملية البناء الضوئي، لكن إذا لم تتوافر كمية كبيرة من المياه، فستزداد كمية الجذور الحرة المتكونة. قد تشكل الجذور الحرة خطرًا كبيرًا على الخلية، حيث يمكنها أن تسبب تلف الحمض النووي وأغشية الخلية والبروتينات والسكريات (هذه المواد جميعها ضرورية لبقاء الخلية)!

عادة ما تستطيع النباتات التأقلم مع وجود كميات ضئيلة من الجذور الحرة. لكن تتمتع النباتات المقاومة للجفاف بقدرة متميزة في التعامل مع الجذور الحرة، حيث تقوم بتخزين مواد واقية تسمى مزيلات الجذور الحرة. غالبًا ما يتسبب وجود مزيلات الجذور الحرة في تغيير لون النبات، حيث تتحول النباتات إلى اللون الأحمر أو الأرجواني عندما تتراكم هذه المواد (هل ترى الأوراق الأرجوانية للنبات الجاف في الشكل 3B؟). يشيع وجود مزيلات الجذور الحرة في الطبيعة على نطاق واسع، وهي مثالية في القضاء على الجذور الحرة لحماية النباتات من آثارها الضارة.

شكل 3 - نبات القيامة (Craterostigma pumilum) (A). هكذا يكون شكل النبات عندما ينمو في ظروف تتوافر فيها المياه الكافية.
  • شكل 3 - نبات القيامة (Craterostigma pumilum) (A). هكذا يكون شكل النبات عندما ينمو في ظروف تتوافر فيها المياه الكافية.
  • (B). توضح الصورتان اللتان تقعان في المنتصف شكل النبات الذي يكون عليه في بيئة جافة لا تتوافر بها مياه، وخاصة بعد 3 أسابيع بدون مياه. هل يبدو النبات ميتًا بالنسبة لك؟ (C). في حال إرواء هذا النبات الجاف ذي المظهر الميت، يتعافى النبات في غضون أسبوعين من الجفاف ويبدأ في إنتاج البذور.

تحتاج النباتات إلى التحكم في كمية المياه داخل خلاياها

يعتبر التناضح (أو الخاصة الأسموزية) من أهم المفاهيم في علم الأحياء، وهو عبارة عن انتقال المياه عبر غشاء ما (مثل غشاء الخلية) إلى منطقة توجد بها جزيئات معينة (مثل الأملاح والسكريات والجذور الحرة) بتركيزات عالية. ومن خلال هذه العملية، يخفف الماء تركيز هذه الجزيئات بحيث يكون التركيز متساويًا على جانبي الغشاء. والآن دعونا نفكر في النتائج المترتبة على نقص المياه في النبات. سنجد أن عدم كفاية المياه للقيام بعملية التناضح ينتج عنه زيادة تركيز الجزيئات داخل الخلايا النباتية بشكل كبير للغاية، وهذا ليس بالأمر الجيد بشكل عام، خاصة إذا كانت هذه الجزيئات جذورًا حرة.

وكما ورد سابقًا، تتمتع النباتات المقاومة للجفاف ببعض القدرات المميزة للغاية التي تساعدها على مواجهة هذه المشكلة. فعند ظهور مؤشرات مبكرة على وجود جفاف، تقوم خلايا هذه النباتات بتجميع مجموعة من الجزيئات المشاركة في ما يُسمى بالتعديل التناضحي(OA) [3]. والتعديل التناضحي هو تغيير تركيز المادة المُذابة في الخلية، وذلك يشبه عملية إذابة سكر في المياه حيث إن السكر هو المادة المُذابة. قد تكون هذه الجزئيات (المواد المُذابة) عبارة عن سكريات أو أحماض أمينية أو بروتينات صغيرة، والغرض من وجود هذه الجزيئات هو الحد من خروج المياه من الخلية. وأكثر ما يميز جزيئات التعديل التناضحي هذه في خاصية تحمل الجفاف هو أنها تؤدي وظائف عديدة، فهي تندمج ماديًا مع الحمض النووي (DNA) ومع البروتينات لحمايتها من الجذور الحرة. وتندمج أيضًا مع المياه للحد من خروجها من الخلايا النباتية، كما إنها تندمج مع الأغشية، مما يؤدي إلى استقرار هيكل النبات والحفاظ عليه عندما تكون المياه محدودة.

تعتبر نباتات القيامة أمثلة حية للنباتات المقاومة للجفاف التي تجري العمليات التي تمت مناقشتها حتى الآن. إذ تستطيع نباتات القيامة تحمل الفقدان الكامل للمياه فهي تخزن كميات كبيرة من جزيئات التعديل التناضحي، وتفرز مُزيلات الجذور الحرة وتنتج بروتينات وقائية خاصة لكي تنجو من فترات الجفاف القاسية والطويلة. والجدير بالذكر أن هذه النباتات تقوم بجميع هذه العمليات أثناء انطواء أوراقها والتي تظل مغلقة حتى تهطل الأمطار (انظر الشكل 3). فالأمر مشابه للدببة التي تدخل بياتًا شتويًا.

جينات النبات تتحكم في استجابته للجفاف

يُرجى العلم أننا قد ناقشنا العمليات المستخدمة لحماية النباتات من الجفاف بطريقة مبسطة للغاية، والتعمق فيها يعد أمرًا معقدًا. وإذا أردنا التعبير عن الأمر ببساطة شديدة، فيمكننا القول إن النبات يستخدم شفرته الجينية - أي جيناته - في تنظيم هذه العمليات. وسينتج النبات المواد التي يحتاجها لمقاومة الجفاف من خلال تفعيل دور هذه الشفرة في الوقت المناسب، وتُسمى عملية تفعيل الشفرة الجنينة التي من شأنها مساعدة النبات على مقاومة الجفاف باسم الاستجابة الجينية للنبات.

تتسم الاستجابات الجينية للنبات الذي يعاني من الجفاف بالتعقيد الشديد؛ حيث يتم تنشيط الكثير من الجينات (التعبير عنها)، ويتم كبت البعض الآخر منها. يستطيع العلماء الآن تحديد معظم الجينات التي تلعب دورًا مهمًا في عملية حماية النبات من الجفاف وذلك باستخدام التقنيات الحاسوبية المتقدمة. وأوضحت هذه التقنيات أنه يتم تنشيط المئات من الجينات وكبتها وفقًا لأوقات وأماكن الحاجة إليها! لا نستطيع سرد كل هذه الجينات لأنك ستشعر بالملل الشديد، ولكن يمكن أن نبسط الأمر ونقول إن هذه الجينات تنقسم إلى ثلاث مجموعات: (1) الجينات التي تتحكم في الجينات الأخرى اللازمة لتنشيط الجينات وكبتها؛ (2) والجينات التي تُنتج المواد التي تساعد على حماية النبات من الجفاف، و(3) الجينات التي تدخل في عملية امتصاص المياه ونقلها.

لماذا في رأيك من المهم أن نكون على دراية بالجينات التي تلعب دورًا في مساعدة النباتات على تجنب الجفاف أو تحمله؟ الجدير بالذكر أن معظم محاصيلنا لا تستطيع تحمل الجفاف، لذلك علينا معرفة كيف سنتمكن من حماية محاصلينا من الجفاف أو تحديد الطرق اللازمة لدعمها ليكون لديها مقاومة أعلى لموجات الجفاف. نحن بحاجة إلى استخدام المعلومات المتعلقة بالجينات التي يتم تنشيطها أو كبتها خلال أوقات الجفاف للحصول على نباتات تتمتع بمقاومة أعلى للجفاف.

على مر السنين، حقق علماء النباتات بعض النجاحات وتتمثل في إنتاج محاصيل مقاومة للجفاف، وهذه المحاصيل تم إنتاجها من خلال انتقاء نباتات فردية تحملت ظروف الجفاف بشكل جيد والقيام بزراعتها. علاوةً على ذلك، على مدار العقود القليلة الماضية، بدأ العلماء المهتمون بالنباتات المعدلة وراثيًا (GM) في التركيز على إنتاج محاصيل مقاومة للجفاف [4].

لإنتاج نبات معدل وراثيًا، يتم دمج جين جديد (من أي مصدر) في الحمض النووي للنبات، ومن خلال عملية دمج هذا الجين (أو الجينات) يأمل العلماء في إكساب النبات المُعدل وراثيًا سمة جديدة ونافعة. فمثلًا تخيل أن يكون لدينا القدرة على الاختيار من بين مئات الجينات المفيدة في نبات القيامة ودمج بعضها في القمح! ولكن من المؤسف إنه لم يتم إنتاج إلا عدد قليل من النباتات المعدلة وراثيًا المقاومة للجفاف (مثل الذرة وقصب السكر) بنجاح. يحتاج الأمر إلى المزيد من العمل فضلًا عن إقناع عامة الناس أن النباتات المعدلة وراثيًا ليست خطيرة!

الخلاصة

نخلص في هذا المقال إلى القول بأن النباتات تتعرض للخطر الشديد عندما تحدث ندرة في المياه، فالجفاف يؤثر على نمو النبات وإنتاجيته وبالتالي على بقائه. ولكن تتمتع النباتات ببعض الحماية الذاتية ضد الجفاف، حيث يمكنها أن تجري بعض التعديلات الهيكلية التكيفية لتجنب الجفاف أو تحمله. بالإضافة إلى ذلك، تمتلك النباتات آليات دفاعية داخلية يتم تفعليها في محاولة للحد من فقدان المياه عند التنبؤ بندرتها. والجدير بالذكر أن كل هذه الأنظمة الدفاعية تخضع للتنظيم من قبل جينات النبات. لذلك فإن الإلمام بهذه الجينات وطرق حمايتها للنبات ضد الجفاف تفتح طاقة أمل أمام البشرية لإنتاج محاصيل معدلة وراثيًا مقاومة للجفاف.

إقرار

صُممت الأشكال على منصة Mind the Graph (www.mindthegraph.com).

مسرد للمصطلحات

الكائنات الحية اللاطئة (Sessile): هي كائنات حية غير قادرة على الحركة، ولا تبرح مكانها، مثل النباتات.

نباتات عصارية (Succulents): النباتات ذات الأوراق والسيقان السميكة واللحمية التي يمكن تخزين المياه فيها.

ثغور النباتات (Stomata): ثقوب صغيرة في السطح السفلي للورقة يمكن من خلالها تحرك المياه والغازات داخل النبات وخارجه.

عملية النتح (Transpiration): العملية التي تمتص فيها جذور النباتات المياه ثم تطلق بخار الماء من خلال المسام (ثغور النبات) في الأوراق.

عملية البناء الضوئي (Photosynthesis): العملية التي تستخدم فيها النباتات الماء والضوء وثاني أكسيد الكربون (CO2) لإنتاج طعامها (على شكل سكريات) وإطلاق الأكسجين في الهواء.

الجذور الحرة (Free radicals): الجزيئات التي تتفاعل مع أي شيء تتلامس معه وتتلفه.

حمض الأبسيسيك (ABA): هرمون نباتي يسمى حمض الأبسيسيك يساعد في الحفاظ على توازن الماء داخل النباتات.

ضغط الامتلاء (Turgor pressure): الضغط المؤثر على جدار الخلية النباتية بواسطة السوائل داخل الخلية.تخيل أنك تملأ بالونًا وضعته داخل وعاء زجاجي. عندما تملأ البالون أكثر، فإنه يضغط على الوعاء الزجاجي الصلب تمامًا مثل السوائل على جدار الخلية النباتية الصلبة.

التناضح/الخاصية الأسموزية (Osmosis): نقل المياه من خلال غشاء الخلية من خلية إلى خلية أخرى تليها. لماذا؟ لضمان تركيزات متساوية من المواد المذابة على جانبي الغشاء.

التعديل التناضحي (Osmotic adjustment): تغيير تركيز المواد المُذابة في الخلية النباتية.

المادة المُذابة (Solute): المادة (مثل السكر) التي تتم إذابتها في محلول (مثل الماء).

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.


المراجع

[1] Basu, S., Ramegowda, V., Kumar, A., and Pereira, A. 2016. Plant adaptation to drought stress F1000Res. 5(F1000 Faculty Rev)1554. doi: 10.12688/f1000research.7678.1

[2] Dimmitt, M. A. 1997. How plants cope with the desert climate Sonorensis. Vol. 17.: Available at: http://www.desertmuseum.org/programs/succulents_adaptation.php

[3] Osakabe, Y., Osakabe, K., Shinozaki, K., and Lam-Son, T. 2014. Response of plants to water stress. Front. Plant Sci. 5(86)1–8. doi: 10.3389/fpls.2014.00086

[4] Blum, A. 2014. Genomics for drought resistance – getting down to earth. Funct. Plant Biol. 41:1191–8. doi: 10.1071/FP14018