اكتشافات جديدة صحة الإنسان نشر بتاريخ: 10 ديسمبر 2021

على غرار البشر... البكتيريا تحتاج إلى تغذية سليمة أيضًا!

ملخص

توجد البكتيريا في كل مكان من حولنا وفي داخل أجسامنا. هل أنت خائف منها؟ لا تخف، لأن معظم البكتيريا مفيدة لنا في حقيقة الأمر. فقط عدد صغير منها قد يصيبنا بالعدوى أحيانًا، وهو ما يجعلنا نمرض. تتسبب البكتيريا في إصابة الإنسان بالمرض جراء انقسامها بسرعة داخل الجسم البشري، وهو ما يعني أن الخلية الواحدة تنقسم إلى خليتين بوتيرة سريعة. ولكي تتزود البكتيريا بالطاقة لتنمو وتنقسم، فإنها تحتاج إلى غذائها المفضل وأن تكون قادرة على معالجته (هضمه) على نحو صحيح. وعلى غرار حُب البشر لتناول الحلوى، فإن أحد الاختيارات الغذائية المفضلة للبكتيريا هو السكر البسيط المعروف بالجلوكوز. وقد اكتشفنا أنه إذا لم تعالج البكتيريا الجلوكوز على نحو صحيح، فإنها لا تتمكن من الانقسام على الوجه الذي ينبغي. إننا بحاجة لفهم الرابط بين الغذاء المعالج وانقسام الخلية في البكتيريا، ولا سيما خلال الإصابة بالعدوى حتى يمكننا أن نضع حدًا لانقسام البكتيريا إما من خلال تزويدها بالغذاء الذي لا تحبه، أو جعلها تعالج غذائها المفضل على نحو غير صحيح، وهو ما سيؤدي إلى قتل البكتيريا ومنعها من إصابتنا بالمرض.

هل جميع البكتيريا ضارة؟

توجد كميات كبيرة جدًا من البكتيريا في كل مكان حولنا، فهي تعيش غالبًا في كل مكان: في الهواء، وفي التربة، وفي أجزاء مختلفة من الجسم، وحتى في بعض الأغذية التي نتناولها مثل الزبادي والجبن والمخللات. لكن لا تقلق! فمعظم البكتيريا مفيدة لنا. تعيش بعض البكتيريا في أجهزتنا الهضمية وتساعدنا على هضم الطعام، بينما تعيش بعضها في البيئة من حولنا وتنتج الأكسجين حتى نستطيع أن نتنفس ونعيش على ظهر كوكب الأرض. ولكن لسوء الحظ، فإن عددًا قليلًا من هذه الكائنات الرائعة قد تتسبب لنا في المرض. وذلك عندما تكون بحاجة إلى الذهاب للطبيب الذي قد يصف لك بعض الأدوية للتحكم في العدوى. ولكن ماهية هذه الأدوية بالضبط وكيف تحارب البكتيريا؟ تعرف هذه الأدوية باسم “المضادات الحيوية” - وهي الكلمة التي تعني “ضد حياة البكتيريا”. وكما تدل التسمية، فإن المضادات الحيوية إما تقتل البكتيريا أو توقف نموها من خلال إيقاف عملية معينة تجري داخل الخلية البكتيرية نفسها. وعندما يتوقف نمو البكتيريا، يمكن لأجسامنا حينها التخلص من العدوى والشعور بالتحسن.

يعد تطوير المضادات الحيوية أحد أضخم نجاحات الطب الحديث، حيث أنقذت هذه الأدوية حياة الملايين من البشر منذ أن بدأ الأطباء في استخدامها في خمسينيات القرن الماضي. فلقد ساعدت المضادات الحيوية على جعل حياة الإنسان أفضل، حيث نجحت في علاج جميع أنواع العدوى البكتيرية. ولكن على غرار البشر، تتسم البكتيريا بالذكاء أيضًا! فمنذ خمسينيات القرن الماضي، وهي آخذة في تطوير آليات للتغلب على آثار المضادات الحيوية، ومن ثم فإننا نرى اليوم أعدادًا ضخمة من البكتيريا التي لا تموت بالمضادات الحيوية أبدًا. وعليه، عرفت هذه الأنواع منها باسم البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية أو “البكتيريا الخارقة”، وهي تشكل تهديدًا حقيقيًا لصحة الإنسان في جميع أنحاء العالم. وإذا لم يكن لدينا مضادات حيوية لإيقاف العدوى البكتيرية، فإن إصابة بسيطة؛ مثل جرح صغير في الإصبع، قد يكون مهددًا للحياة. ومن ثم، فإننا بحاجة إلى أسلحة جديدة في شكل مضادات حيوية جديدة لمعالجة هذه الأنواع المختلفة من العدوى التي تسببها البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية. ولتصنيع مضادات حيوية جديدة، نحتاج أولًا إلى أن نفهم جميع العمليات الداخلية التي تحدث داخل الخلية البكتيرية فهمًا كاملًا. وتركز مختبراتنا على فهم أمرٍ مهمٍ عن عمل البكتيريا، وهو كيف تنقسم الخلية البكتيرية الواحدة وتكون خليتين، وهي العملية التي تعرف أيضًا باسم الانقسام الخلوي البكتيري.

طريقة البكتيريا في الانقسام والتضاعف

على غرار جميع أنواع الكائنات الحية، تحتاج جميع أنواع البكتيريا إلى النمو والتكاثر لبقاء نوعها على قيد الحياة. وعند وجود الغذاء الكافي لها، تتكاثر البكتيريا بسرعة عن طريق مضاعفة حجهما ومن ثم تنقسم إلى نصفين، وهو ما يُوجد خليتين جديدتين [1]. هذه هي عملية الانقسام المبنية في الشكل 1A. وتستخدم البكتيريا نوعًا من الآلات الحيوية بداخلها للقيام بهذه العلمية، وهو ما يعرف بالحلقة Z (الحلقة الخضراء في الشكل 1). تتشكل الحلقة Z بالضبط في منتصف الخلية وتلتف حولها. وعندما تنقسم الخلية، يؤدي هذا إلى وجود خليتين في نفس الحجم. وخلال عملية الانقسام، يكون كل شيء داخل الخلية بحاجة لأن يُنسخ ولأن تتم مشاركته بين الخليتين الجديدتين. ويشمل هذا الحمض النووي البكتيري (المبين على هيئة نقاط داخل الخلية في الشكل 1)، والذي يشبه شفرة البكتيريا التي تحمل جميع المعلومات اللازمة للخلية كي تبقى على قيد الحياة. وإذا لم تتلق الخلايا الجديدة نسخة كاملة من هذه المعلومات، فلا يمكنها النمو بشكل صحيح، ومن ثم فلن تبقى على قيد الحياة.

شكل 1 - (A) هي عملية انقسام الخلية، والتي تُشكل فيها الخلية البكتيرية حلقة Z في منتصف الخلية وتنقسم إلى خليتين متساويتين، وكلاهما يبقى على قيد الحياة.
  • شكل 1 - (A) هي عملية انقسام الخلية، والتي تُشكل فيها الخلية البكتيرية حلقة Z في منتصف الخلية وتنقسم إلى خليتين متساويتين، وكلاهما يبقى على قيد الحياة.
  • (B) ولو تكونت حلقة Z في موضع آخر خلاف منتصف الخلية، سيتم إنتاج خليتين غير متساويتين، وتكون الخلية الأصغر غير قادرة على العيش لأنها لم تحصل على الحمض النووي. يظهر الحمض النووي كنقاط بنية داخل الخلية البكتيرية. يوضح هذا أنه من المهم أن تتشكل الحلقة Z في منتصف الخلية.

أن تكون الحلقة Z في منتصف الخلية تمامًا أمر ضروري لإنتاج خليتين سليمتين؛ وإلا فلن تحتوي إحدى الخليتين على الحمض النووي، ومن ثم فسوف تموت. وهو ما يؤدي إلى بقاء أحد نصفي الخلية على قيد الحياة، وهو أمر غير جيد للنمو البكتيري. وهنا يطرأ سؤال شيق جدًا: كيف تتأكد الخلية البكتيرية من أن حلقة Z تتكون فقط في منتصف الخلية وليس في أي مكان آخر فيها؟ إن المكان الذي تتكون فيه حلقة Z مهم جدًا حتى إنه يقع تحت تحكم العديد من الأنظمة [2] التي تعمل سويا لمنع حلقة Z من التكون في أي مكان آخر غير منتصف الخلية.

وبالإضافة إلى ذلك، فلكي تتأكد من أن حلقة Z تتشكل في المكان الصحيح، تحتاج الخلية أيضًا إلى استشعار الوقت المناسب لتكون حلقة Z ومن ثم تنقسم. ويعتمد هذا بشدة على البيئة التي تنمو فيها البكتيريا. على سبيل المثال، لو كان الجو قارس البرودة أو لم يكن هناك طعام في الجوار، فإن البكتيريا تنمو ببطء، ومن ثم فليست بحاجة إلى الانقسام بوتيرة عالية. ومن الأوقات الجيدة التي تنقسم فيها الخلية عند وجود وفرة من طعامها المفضل مثل السكريات البسيطة. ففي هذه الحالة، تنمو الخلية البكتيرية على نحو أسرع وتبدأ في الانقسام بسرعة كبيرة لتضمن إنتاج أكبر عدد ممكن من البكتيريا قبل نفاذ الغذاء. ولكن السؤال الذي يطرح هنا، هو: كيف تشعر البكتيريا بوجود الغذاء في البيئة، ومن ثم تستخدم المعلومات لتسريع عملية النمو وانقسام الخلية؟ هذا هو السؤال الذي أردنا أن نجيب عليه في طيات هذه الدراسة.

دراستنا: غذاء البكتيريا ليس فقط لتزويدها بالطاقة، بل له أدوار أكثر من ذلك...

يتحلل الغذاء داخل الخلية لإعطائها الطاقة وبناء كتل للخلية كي تنمو، وتعرف العملية المسؤولة عن هذا باسم الأيض. ولذا، وبعبارة أخرى، يكون السؤال الذي طرحناه في دراستنا هو: كيف ترتبط عملية الأيض بانقسام الخلية في البكتيريا؟ نحن بحاجة، أولًا، أن نخبرك بقليلٍ من المعلومات عن كيفية عمل الأيض. الإنزيمات هي مكونات صغيرة جدًا داخل الخلية تُنفذ التفاعلات الكيميائية اللازمة لتحلل الغذاء خلال عملية الأيض. يتحلل الجلوكوز الذي هو عبارة عن سكر بسيط يأتي من الغذاء الذي تتناوله البكتيريا عن طريق الإنزيمات في عددٍ من الخطوات، والتي تعرف سويًا باسم تحلل الجلوكوز (المربع البرتقالي في الشكل 2A). تنتج الخطوة الأخيرة في عملية تحلل الجلوكوز مركبًا يعرف باسم البيروفات والذي يستخدم في توليد الطاقة وإنتاج الوحدات البنائية اللازمة لنمو الخلية.

وكما ذكرنا آنفًا، تُكوّن الخلية البكتيرية السليمة حلقة Z في منتصف الخلية (الشكل 2B). وقد وجدنا في دراستنا أنه لو فُقِدت الإنزيمات المسؤولة عن الخطوة الأخيرة في عملية تحلل الجلوكوز (وهو ما يعني أن البكتيريا لا تعالج غذائها على نحوٍ صحيحٍ)، فستبدأ الخلية البكتيرية في تكوين حلقة Z في أماكن أخرى غير المنتصف. وكما ترى في الشكل 2C ، فإن الخلايا التي تفقد الإنزيم المشارك في الخطوة الأخيرة من عملية تحلل الجلوكوز تكوّن حلقة Z صوب إحدى نهايتي (طرفي) الخلية. وهذا خبر سيئ، حيث لا تنقسم الخلايا على وجه سليم، ومن ثم تنتج خلية واحدة كبيرة وأخرى صغيرة حيث إنها لا تحتوي على الحمض النووي، وهو ما يجعلها غير قادرة على البقاء على قيد الحياة. وترينا النتيجة أن الخطوة الأخيرة في عملية تحلل الجلوكوز مهمة جدًا لوضع حلقة Z في مكانها الصحيح في منتصف الخلية.

شكل 2 - (A) يتحول الجلوكوز إلى بيروفات من خلال عملية تحلل الجلوكوز، والتي تولد الطاقة وتبني وحدات بنائية للخلية.
  • شكل 2 - (A) يتحول الجلوكوز إلى بيروفات من خلال عملية تحلل الجلوكوز، والتي تولد الطاقة وتبني وحدات بنائية للخلية.
  • (B) تشكل البكتيريا العادية حلقة Z في منتصف الخلية لإنتاج خليتين سليمتين جديدتين بعد الانقسام. (C) تكوّن الخلايا التي تفتقد الإنزيم المشارك في آخر خطوة من عملية تحلل الجلوكوز حلقة Z صوب إحدى نهايتي الخلية (المشار إليها باستخدام السهم)، وهو ما يؤدي إلى إنتاج خلية واحدة سليمة وأخرى لا تستطيع أن تبقى على قيد الحياة لعدم احتوائها على الحمض النووي. (D) عند إضافة البيروفات إلى هذه الخلايا، تبدأ في تكوين حلقات Z في المنتصف مرة ثانية، ولذا تعمل عملية الانقسام بشكل طبيعي مثلما يحدث في خلية بكتيرية طبيعية.

ثم تساءلنا عما إذا كان هذا التغيير في موقع حلقة Z يحدث بسبب غياب الإنزيم المشترك في الخطوة الأخيرة من عملية التحلل، أم يكون جراء غياب المركب الذي يطلقه هذا الإنزيم، البيروفات؟ (انظر الشكل 2A). وقد فحصنا هذه الاحتمالية من خلال إزالة الإنزيم حتى لا يمكن للخلية البكتيرية إنتاج البيروفات بعد ذلك، ثم أضفنا البيروفات كجزء من مصدر غذاء البكتيريا.

من البديهي أن الخلايا المفتقرة إلى الإنزيم الذي يكون البيروفات ستكون حلقات Z صوب نهايتي (طرفي) الخلايا؛ ولكن بعد إضافة البيروفات مرة أخرى، شرعت البكتيريا في تكوين حلقات Z في منتصف الخلية، تمامًا كما تفعل الخلايا البكتيرية السليمة. ألق نظرة على المواقع المختلفة لحلقات Z في الخلايا المفتقرة إلى الإنزيمات المشتركة في الخطوة الأخيرة من عملية تحلل الجلوكوز وبعد إضافة البيروفات إلى هذه الخلايا في الشكلين 2C و2D. وتؤكد هذه النتيجة أن الإنزيم نفسه ليس هو العامل الضروري الذي يتحكم في موضع تكون الحلقة Z، ولكنه البيروفات - العنصر الذي يطلقه الإنزيم. كانت هذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها وجود علاقة بين إحدى المواد الكيميائية المنخرطة في عملية تحلل الجلوكوز وانقسام الخلية، ومن ثم ركز العلماء تجاربهم اللاحقة على البيروفات.

كيف تؤثر إتاحة الغذاء على موقع حلقة Z؟

ومع اكتشاف أن البيروفات ضروري لتكوين حلقة Z في منتصف الدائرة، اعترانا الفضول أكثر لفهم كيفية التواصل بين عملية الأيض وانقسام الخلية. نعلم أنه حين يتم إنتاج البيروفات، فإنه يتم استخدامه بواسطة إنزيم آخر في الخلية لإنتاج الطاقة. وتساءلنا عما إذا كان الإنزيم الثاني يقع في مكان معين داخل الخلية البكتيرية، وهو ما يساعد حلقة Z على التكون في المنتصف، أم لا.

وعن طريق جعل كل من الحمض النووي والإنزيم “يتألقان”، تمكنا من رؤية مكان كل منهما داخل الخلية باستخدام المجهر. ووجدنا أن كلًا من الإنزيم والحمض النووي يوجدان في نفس المكان في البكتيريا السليمة، حيث يمكن رؤيتهما كنقاط دائرية داخل الخلية (الشكل 3). أما في الخلايا غير القادرة على إنتاج البيروفات، فقد اكتشفنا أن الإنزيم لم يعد موجودًا في نفس مكان الحمض النووي، بل إنه انتقل صوب نهايتي الخلية. هذا هو نفس المكان الذي تتكون فيه حلقات Z في الخلايا التي لا تنقسم على نحوٍ صحيح. نحن نعلم بالفعل أن إضافة البيروفات إلى هذه الخلايا تغير من وجهة حلقة Z صوب منتصف الخلية مرة أخرى. وعليه، تساءلنا عما إذا كان بمقدور البيروفات تغيير موقع الإنزيم صوب مكان الحمض النووي، أم لا. وهذا هو ما حدث بالضبط! فقد أظهرت هذه النتائج أن البيروفات مركب ضروري جدًا لجعل حلقة Z تتكون في الموقع الصحيح في منتصف الخلية، وهو ما يقوم به البيروفات نوعًا ما عن طريق العمل سويًا مع الإنزيم الذي يستخدم البيروفات لإنتاج الطاقة. يبدو هذا جيدًا، حيث إن البيروفات والإنزيم يعملان سويًا في نفس العملية.

شكل 3 - يوجد الإنزيم الذي يستخدم البيروفات في نفس المكان الذي يوجد فيه الحمض النووي البكتيري في البكتيريا الطبيعية، وهو ما يساعد على تكون حلقة Z في منتصف الخلية.
  • شكل 3 - يوجد الإنزيم الذي يستخدم البيروفات في نفس المكان الذي يوجد فيه الحمض النووي البكتيري في البكتيريا الطبيعية، وهو ما يساعد على تكون حلقة Z في منتصف الخلية.
  • أما في البكتيريا التي تفتقر إلى وجود الإنزيم المشارك في الخطوة الأخيرة من عملية تحلل الجلوكوز، فيوجد الإنزيم الذي يستخدم البيروفات في منطقة متقدمة صوب نهايتي الخلية، وهو ما يجعل حلقة Z تتكون في هذه الأماكن، ومن ثم تنتج خلية صغيرة غير سليمة. وعند إضافة البيروفات مرة أخرى إلى هذه الخلايا، يعود الإنزيم مرة أخرى إلى مكانه الطبيعي، والذي هو نفس مكان الحمض النووي البكتيري، ومن ثم يساعد على تكون حلقة Z مرة ثانية في منتصف الخلية. (تمثل النقاط البنية الحمض النووي البكتيري، بينما تمثل النقاط الخضراء الإنزيم الذي يستخدم البيروفات لإنتاج الطاقة اللازمة للخلية).

وقد أظهرت نتائجنا أن عملية الأيض وانقسام الخلية يرتبطان ببعضهما من خلال البيروفات (والإنزيم الذي يستخدم البيروفات لإنتاج الطاقة) لضمان تكون حلقة Z في المكان الصحيح. وفي البكتيريا التي تغذت بشكل جيد (والتي يمكنها إنتاج البيروفات على نحو صحيح)، يقع الإنزيم في نفس المكان الذي يوجد فيه الحمض النووي في الخلية. وفي هذا الموقع، يبدو أن الإنزيم يساعد حلقة Z على التكون في منتصف الخلية، وهو ما يساعد الخلية على الانقسام على نحوٍ صحيح. ومع ذلك، إذا لم تنتج الخلية البيروفات، فسينتهي المطاف بالإنزيم في المكان الخطأ، وكذا حلقة Z (صوب نهايتي الخلية). وعليه، فعندما لا يعالج الغذاء على نحو صحيح، وعندما لا تنتج البكتيريا البيروفات، فإنها تبدأ في ارتكاب الأخطاء خلال عملية انقسامها. وهذا يشبه ما يُرى في الأشخاص الذين لا يتحملون اللاكتوز. فعندما يشربون اللبن، لا يمكنهم معالجة اللاكتوز أو هضمه على وجه صحيح، ومن ثم يمرضون. ولذا، فالقدرة على معالجة الطعام على نحوٍ صحيحٍ أمر مهم وضروري حقًا لجميع الكائنات الحية. فعندما لا يُعالج الغذاء كما ينبغي في البكتيريا، تتكون حلقات Z في الأماكن التي لا ينبغي أن تكون فيها، وهو ما يؤدي إلى انقسام الخلية بشكلٍ غير صحيح، ومن ثم يقلل من فرص البكتيريا للبقاء على قيد الحياة. ويمكن إصلاح هذا الخطأ في الانقسام من خلال تزويد البكتيريا بالغذاء المناسب (إضافة البيروفات مرة أخرى)، وهو ما يبين أن طريقة استخدام البكتيريا للغذاء مهمة لقدرتها على النمو والانقسام.

لماذا نهتم بالصلة بين عملية الأيض والانقسام؟

كان السؤال الذي طرحناه في هذه الدراسة: كيف تشعر البكتيريا بوجود الغذاء في البيئة، وكيف يؤثر وجود الغذاء على انقسام الخلية؟ متى كان من السهل العثور على الغذاء، تنمو البكتيريا وتنقسم بسرعة جدًا، ويحدث النقيض عند ندرة الغذاء، إذ تنقسم على نحوٍ أكثر بطئًا. لكن كيف تعلم البكتيريا أن تنقسم بمعدلات مختلفة عندما تكون مستويات الغذاء من حولنا غير معلومة؟ بمعرفة المزيد عن الكيفية التي تتمكن بها البكتيريا من الشعور بوجود مصادر الغذاء، ولا سيما خلال الإصابة بالعدوى، وكيف أن الشعور بالغذاء يتحكم في نموها، يكون بمقدورنا منع البكتيريا من الحصول على النوع المناسب من الغذاء أو إعاقتها عن معالجته وهضمه بشكلٍ صحيح، وهو ما يؤدي إلى منعها من الانقسام، ومن ثم عدم إحداث أي عدوى. وهذا لأن البكتيريا لا يمكنها أن تنمو بشكل سليم إذا لم تحصل على الغذاء المناسب أو إذا لم تعالج هذا الغذاء كما ينبغي.

وهذا يشبه ما يحدث في الإنسان؛ إذ نأكل طعامًا جيدًا كي نبقى أصحاء؛ وإذا أكلنا طعامًا غير صحي، فإننا نمرض. ومن ثم، فإن جملة “نحن ما نأكله” تنطبق على البكتيريا والبشر على حد سواء. وقد اكتشفنا من هذه الدراسة وجود رابطٍ جديدٍ مثير للاهتمام بين الأيض البكتيري وانقسام الخلية. ولكن هذه العمليات معقدة جدًا، وكل ما أنجزناه في هذا الصدد هو فقط فتح الباب لمحاولة فهم هذه العلاقة. ولذا، فإن الخطوة التالية ستعمل على حل اللغز.

وقد تحدثنا في بداية هذا المقال عن مشكلة مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية. فما العلاقة بين الأيض وانقسام الخلية ومقاومتها للمضادات الحيوية؟ لمعالجة مسألة مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية، نحتاج إلى تطوير مضادات حيوية جديدة تستهدف الجوانب غير المكتشفة من النمو البكتيري وبقاء البكتيريا على قيد الحياة. تستهدف العديد من المضادات الحيوية الموجودة حاليًا العمليات التي تستخدمها البكتيريا لصناعة إما الحمض النووي أو البروتينات أو الطبقة الخارجية من الخلية البكتيرية. ولقد حققت هذه المضادات الحيوية نجاحًا كبيرًا، ولكن البكتيريا قد طورت خططًا وأساليب تمكنها من الاستمرار في القيام بهذه العمليات، حتى في وجود المضادات الحيوية. وقد اكتشفنا في طيات هذا البحث وجود رابط جديد بين عملية الأيض وانقسام الخلية، وهو ما يمكن أن يكون هدفًا للمضادات الحيوية الجديدة. ولو تمكنا من إيقاف البكتيريا من صناعة البيروفات، أو غيرنا موقع الإنزيم الذي يستخدم البيروفات داخل الخلية، فستتعطل كل من عملية الأيض والانقسام في الخلية، ومن ثم فستموت. ولو تمكنا من صناعة مضاد حيوي يستهدف هاتين العمليتين المختلفتين المهمتين لبقاء البكتيريا على قيد الحياة (الأيض والانقسام)، فسيكون من الصعب على الخلية البكتيرية أن تقاوم هذا المضاد الحيوي، حيث سيجب عليها حينها أن تطور آليات ووسائل للتغلب على تأثير المضاد الحيوي على كلتا العمليتين. إذا استطعنا وضع بعض العراقيل في طريق البكتيريا لاكتساب سمة مقاومة المضادات الحيوية، فسوف يقدم ذلك لنا حلًا طموحًا لعلاج مسألة مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية.

مسرد للمصطلحات

الانقسام الخلوي البكتيري (Bacterial Cell Division): هو عملية انقسام خلية واحدة بكتيرية إلى خليتين.

الحمض النووي (DNA): هو الشفرة الموجودة داخل الخلية والتي تحمل جميع المعلومات التي تحتاجها الخلية لتظل على قيد الحياة.

عملية الأيض (Metabolism): جميع العمليات الغذائية التي تُسهم في تحويل الغذاء إلى طاقة.

الإنزيم (Enzyme): مركب حيوي يساعد في حدوث الاستجابة/التفاعل بسرعة.

الجلوكوز (Glucose): سكر بسيط.

عملية تحلل الجلوكوز (Glycolysis): عملية انقسام الجلوكوز إلى جزيئين من البيروفات.

البيروفات (Pyruvate): مركب كيميائي ينتج بعد تحلل الجلوكوز (بعد مروره بمرحلة الأيض).

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.


شكر وتقدير

RM مدعومة من منحة برنامج التدريب البحثي الحكومي الأسترالي. AB وEH مدعومتان من منحة مشروع الاستكشاف التابعة لـAustralian Research Council تحت رقم 150102062DP.


مقال المصدر الأصلي

Monahan, L. G., Hajduk, I. V., Blaber, S. P., Charles, I. G., and Harry, E. J. 2014. Coordinating bacterial cell division with nutrient availability: a role for glycolysis. MBio 5(3):1–13. doi: 10.1128/mBio.00935-14


المراجع

[1] Adams, D. W., and Errington, J. 2009. Bacterial cell division: assembly, maintenance and disassembly of the Z ring. Nat. Rev. Microbiol. 7(9):642–53. doi: 10.1038/nrmicro2198

[2] Monahan, L. G., Liew, A. T. F., Bottomley, A. L., and Harry, E. J. 2014. Division site positioning in bacteria: one size does not fit all. Front. Microbiol. 5:1–7. doi: 10.3389/fmicb.2014.00019