Frontiers for Young Minds

Frontiers for Young Minds
القائمة
مفاهيم أساسية علم الأعصاب وعلم النفس نشر بتاريخ: 9 يناير 2023

كيف يساعدنا المخ على التعلم بشكل أفضل؟

ملخص

تميزت السنوات القليلة الماضية بعدد كبير من الاكتشافات الجديدة حول مخ المتعلم. ويمكن لهذه الدراسات أن تدعم المعلمين في خلق بيئات تعليمية تساعدك على التعلم بصورة أكثر فعالية. فتعزيز فهمنا للمخ لا يلعب دورًا مساعدًا للمدرسين فحسب، بل يمكن أن يكون مفيدًا للطلاب أيضًا. فعلى سبيل المثال، يمكن لهذه المعرفة أن تزيد من إيمانك بقدرتك على تحسين مهاراتك، وهذه القناعات تجعلك أكثر رغبة في بذل الجهد والاستفادة القصوى من الاستراتيجيات الداعمة لعملية التعلم [1]. ونقدم، في هذه المقال، بعض المبادئ الرئيسية للمخ المتعلم بصورة مختصرة، ونقترح استراتيجيات تعليمية مستوحاة من علم الأعصاب كي تقوم بتجربتها في المدرسة أو المنزل.

ماذا يحدث في مخي أثناء عملية التعلم؟

يتكون المخ بصورة رئيسية من 85 مليار خلية عصبية، وهو أكبر من عدد النجوم التي يمكنك أن تراها بالعين المجردة في السماء. وتقوم الخلية العصبية بدور الرسول؛ إذ ترسل المعلومات في هيئة نبضات عصبية (مثل الإشارات الكهربائية) للخلايا العصبية الأخرى (انظر الشكل 1). فعلى سبيل المثال؛ عندما تكتب ترسل بعض الخلايا العصبية في المخ رسالة مفادها: ''حرك الأصابع'' لباقي الخلايا العصبية ثم تنتقل هذه الرسالة عبر الأعصاب (مثل الأسلاك) لتصل إلى الأصابع. والإشارات الكهربائية التي تنتقل من خلية عصبية إلى خلية أخرى هي ما تتيح لك إمكانية القيام بأي فعل تقوم به: الكتابة والتفكير والنظر والقفز والحديث والتنقل وما إلى ذلك. ويمكن أن تتصل كل خلية عصبية بعشرة آلاف خلية عصبية أخرى، مما يؤدي بدوره إلى كم هائل من الاتصالات داخل المخ [2]، والتي تبدو كشبكة عنكبوتية شديدة التشابك والتعقيد (انظر الشكل 2).

شكل 1 - صورة توضح خليتين عصبيتين متتاليتين.
  • شكل 1 - صورة توضح خليتين عصبيتين متتاليتين.
شكل 2 - صورة توضح كم العدد الهائل من الاتصالات بين الخلايا العصبية.
  • شكل 2 - صورة توضح كم العدد الهائل من الاتصالات بين الخلايا العصبية.

أثناء عملية التعلم تحدث تغييرات مهمة داخل المخ، بما في ذلك خلق اتصالات جديدة بين الخلايا العصبية. وتُسمى هذه الظاهرة المرونة العصبية. وكلما تدربت أكثر، زادت قوة هذه الاتصالات، وتؤدي تقوية هذه الاتصالات إلى زيادة سرعة انتقال الرسائل (النبضات العصبية)، مما يجعلك تعمل بكفاءة أعلى [3]. وهذا يفسر كيف تصبح أفضل في ممارسة أي شيء تتعلمه سواء لعب كرة القدم أو القراءة أو الرسم...إلخ. يمكننا تشبيه هذه الاتصالات بين الخلايا العصبية بالمسارات في الغابة (انظر الشكل 3).

شكل 3 - صورة توضح تشبيه المسارات في الغابة بالمسارات العصبية داخل المخ.
  • شكل 3 - صورة توضح تشبيه المسارات في الغابة بالمسارات العصبية داخل المخ.

فلا شك أن السير داخل الغابة دون مسار محدد أمر صعب، لأن عليك أن تدفع النباتات وأفرع الشجر بعيدًا لتشق طريقك. ولكن كلما استخدمت نفس المسار مرارًا وتكرارًا يصبح الأمر أسهل. وعلى النقيض من ذلك، إذا توقفت عن استخدام المسار تعود النباتات إلى النمو ويبدأ المسار في الاختفاء تدريجيًا. وهذا يشبه ما يحدث داخل المخ؛ عندما تتوقف عن ممارسة فعل ما، تضعف الاتصالات بين الخلايا العصبية ويمكن أن تتفكك تمامًا أو تنقطع. وهذا يفسر لماذا تكون القراءة في المدرسة بعد عطلة الصيف أمرًا صعبًا إذا لم تمارس القراءة طوال الصيف. لكن من الممكن أن تصبح الشبكات العصبية قوية للدرجة التي تمنع المسارات أو الاتصالات من الاختفاء تمامًا.

تعيد عملية التعلم الاتصالات بين الخلايا العصبية مما يشير إلى مدى حيوية المخ؛ إذ إن المخ يتغير باستمرار ولا يبقى ثابتًا. ولا شك أن المواظبة على الممارسة والتدريب تنشط الخلايا العصبية وتحفز العملية التعليمية، وتبدأ هذه التغييرات باكرًا منذ أن كان الطفل جنينًا في رحم أمه وتستمر مدى الحياة. والسؤال هنا: كيف يمكنك أن تدعم الخلايا العصبية وتقوي اتصالاتها ببعضها البعض؟ نقدم هنا استراتيجيتين يبدو أنهما أكثر توافقًا مع كيفية عمل المخ، وربما تساعدانك على التعلم بصورة أفضل.

ما الاستراتيجيات التعليمية الأكثر توافقا مع مخك؟

الاستراتيجية 1: تنشيط الخلايا العصبية باستمرار

تحتاج الاتصالات بين الخلايا العصبية أن تنشط أكثر من مرة كي تصبح أقوى وأكثر فاعلية، لذلك تظل الاستراتيجية الأولى والأهم هي تنشيط الخلايا العصبية باستمرار. فإذا أردت إتقان جدول الضرب مثلًا، فعليك أن تتدرب عليه بلا كلل، لبناء ''مسار'' خاص به بين الخلايا العصبية.

عندما كنت رضيعًا لم تكتسب القدرة على الكلام أو المشي في يوم واحد؛ بل تدربت كثيرًا حتى استطعت السير. ولكن عليك أن تعرف أن القراءة أو التحديق في جدول الضرب وحده ليس كافيًا لتقوية الاتصالات بين الخلايا العصبية، كما أنك قد تشعر بالضيق والملل، بل لبناء الاتصالات بين الخلايا العصبية تحتاج إلى استعادة جدول الضرب من الذاكرة، أي عليك أن تحاول أن تتذكر الإجابة من الذاكرة كي تنشط الاتصالات، وبالتأكيد لا ندّعي أن هذا أمر سهل! إلا أن العلماء يعتقدون أن هذا ≪الجهد≫ يحسن من عملية التعلم لأن هذا التحدي علامة على أنك تبني اتصالات جديدة. تذكر دائمًا أن تعلم شيئًا جديدًا يشبه التنزه في غابة بلا مسار محدد، في الأغلب ستكون حركة سيرك بطيئة، ولكن إذا داومت المسير سوف تبدأ في تحديد المسار وفي النهاية تجد نفسك تسير في مسارات محددة بشكل جيد. علاوة على ذلك، عندما تحاول تذكر شيئًا ما تعلمته وتخطئ، يمكن أن يساعدك ذلك على تحديد الثغرات داخل رحلة التعلم ويشير هذا الخطأ إلا أن هناك المزيد من المسارات التي عليك العمل عليها.

لاحظ العلماء أن حل الاختبارات أيضًا يمكنه أن يساعدك على تذكر المعلومات بدلًا من الاستذكار فقط [4]. على سبيل المثال، إذا كنت تحفظ الجداول الحسابية وفي نفس الوقت تعطي وقتًا لحل الاختبارات في الأغلب سيكون أداؤك أفضل في الاختبار النهائي عما إذا كنت تحفظه فقط دون حل الاختبارات. ولكن لماذا؟ يتطلب الاختبار منك أن تستعيد المعلومات من الخلايا العصبية التي تخزن هذه المعلومات، مما يعني تنشيط الاتصالات ودعم قوتها، فالهدف إذن ممارسة عملية استرجاع المعلومات بطريقة جذابة. هناك العديد من الاستراتيجيات المختلفة التي يمكنك تجربتها في المنزل، على سبيل المثال حل الأسئلة التدريبية أو استخدام البطاقات الإيضاحية. تساعد هذه الطرق على تحسين عملية التعليم بصورة أفضل مقارنة بمجرد إعادة قراءة أو الاستماع للمحاضرات (طالما أنك لا تنظر إلى الإجابات على البطاقات الإيضاحية قبل استرجاع الإجابة!). وتشمل الاستراتيجيات الأخرى عملية إعداد الأسئلة لطرحها على زميلك أو والدك بالإضافة إلى إعادة حل الاختبارات أو التدريبات؛ اطلق العنان لمخيلتك! وكي تقوي الاتصالات بين الخلايا العصبية عليك أن تتذكر أولًا أنك تحتاج إلى استرجاع المعلومات وتجنب الاكتفاء بالقراءة فقط أو الاستماع إلى الإجابة. ثانيًا عليك أن تحدد طريقة لحصول تقييم لتعرف ما إذا كان ما قمت به صحيحًا أم خطأ. لا تشعر بالإحباط إذا واجهت التحديات، فهي خطوة طبيعية في عملية التعلم التي تحدث داخل المخ!

الاستراتيجية 2: المباعدة بين عملية تنشيط خلايا المخ

الآن أنت تعلم أن الخلايا العصبية تحتاج إلى أن تنشط باستمرار كي تتم عملية التعلم (وهذا يعني استرجاع المعلومات)، ولكن في الأغلب تتساءل عن المدة المناسبة للتدريب. لاحظ العلماء الذين يجرون أبحاثًا حول المخ أن الاستراحات والنوم بين فترات التعليم تعزز من عملية التعلم وتقلل من النسيان إلى حده الأدنى [5]، لذلك يبدو من الأفضل أن تسترجع المعلومات على فترات تدريبية متباعدة، بدلًا من الضغط المتواصل (ممارسة مهمة ما باستمرار دون فترات راحة). على سبيل المثال، بدلًا من استذكار الدروس وأداء الواجبات المنزلية لمدة 3 ساعات، والتي ستؤدي بالتأكيد إلى شعورك بالإرهاق، يمكنك تقسيم فترات التعلم إلى 3 فترات مدة كل فترة منها ساعة واحدة أو حتى 6 فترات مدة كل منها نصف ساعة.

باختصار، عندما تتباعد جلسات الاسترجاع، يمنح هذا المخ الفرصة لبناء الاتصالات التي قمت بتقويتها من خلال جلسات التدريب بكفاءة أعلى. وعندما تحصل على قسط سريع من الراحة أثناء التدريب، فنقل مثلا 20 دقيقة راحة، أنت تعطي الفرصة لإصلاح أو استبدال المستقبلات الموجودة على سطح الخلايا العصبية. تشبه المستقبلات المقابس الكهربائية التي تستقبل النبضات (الإشارات الكهربائية) من الخلايا العصبية الأخرى. وتحسن فترات الاستراحة من الأداء؛ حيث تكون الخلايا العصبية قادرة على نقل النبضات العصبية للخلايا العصبية الأخرى بصورة أسهل. وفي النهاية عندما تحصل على نوم ليلي بين جلسات التدريب أنت في حقيقة الأمر تستفيد من جلسة استرجاع مجانية لأن أثناء النوم يعيد المخ تنشيط الاتصال بين الخلايا العصبية التي قمت بتنشيطها خلال اليوم. وتحصل على نفس هذه الفوائد من القيلولة، عندما تشعر بالنعاس في الصف المرة القادمة يمكنك أن تخبر معلمك أنك في الحقيقة تحاول أن تسترجع المعلومات! وباختصار فإن التباعد بين جلسات التعلم، خاصة التدريب على استرجاع المعلومات، يزيد من نشاط المخ مقارنة بتراكم المعلومات في جلسة واحدة طويلة.

هنا ربما تسأل نفسك كيف يمكنك أن تحقق مبدأ التباعد فيما يخص عملية التعليم في حياتك اليومية؟ والخبر الجيد أن هناك العديد من الطرق التي تحقق لك ذلك ويمكنها أن توافق مختلف المهارات مثل حل المسائل الرياضية أو حفظ التعريفات. إن التغيير الأكبر الذي عليك أن تقوم به في جدول المذاكرة هو تقسيم جلسات الاستذكار إلى جلسات قصيرة. ويمكنك أيضًا أن تسأل معلمك أن يحدد اختبارات مراجعة يومية أو أسبوعية أو يكلفك ببعض الواجبات. وأخيرًا يمكنك تحقيق التباعد من خلال تبني مبدأ التدريب المتداخل، ويتكون هذا التدريب من المسائل المرتبة بطريقة تمنع حل المشكلات المتتالية بنفس الاستراتيجية. على سبيل المثال، يمكنك الدمج بين المسائل الرياضية بشكل تكون فيه أسئلة الهندسة والجبر أو المتباينات مرتبة بطريقة عشوائية متداخلة، وهذه الميزة المضافة لعملية التداخل تجعلك تنشغل في الأنشطة بين الجلستين مما يمكنك من استغلال وقتك بصورة أفضل. باختصار، ما يجب تذكره دائمًا أن المعلومات التي تعلمتها سابقًا تحتاج جهدًا أقل لإعادة تعلمها لأن التباعد يعطي المخ الوقت الكافي لترسيخ المعلومات؛ ما يعني أن المخ ينتج اللبنات الأساسية التي يحتاجها لبناء الاتصالات بين الخلايا العصبية.

الخلاصة

المخ هو المكان الذي تحدث فيه عملية التعلم، لذلك عليك أن تحافظ على نشاط الخلايا العصبية لتحسين الاستفادة من الصف الدراسي أو وقت المذاكرة. وقدم المقال استراتيجيتين للتعلّم من شأنهما المساعدة على التعلم بصورة أفضل من خلال خلق ظروف أفضل لتقوية الاتصالات بين الخلايا العصبية وترسيخها. والآن أصبحت تعرف أنه يمكنك تحقيق تقدم في مسيرتك الدراسية من خلال استخدام ''المسارات'' داخل مخك باستمرار ومن خلال تحقيق التباعد بين جلسات التدريب.

وهذا الفهم الأفضل لعملية التعلم التي تتم داخل المخ، والاستفادة من استراتيجيات التعلم الداعمة من شأنه مساعدة المخ على التعلم بصورة أفضل!

إقرار

نود أن نتقدم بشكر الخالص لكل من ساعدنا في ترجمة المقالات في هذه المجموعة، لتكون هذه المقالات متاحة لعدد أكبر من الأطفال الذين يعيشون في بلاد لا تتحدث باللغة الإنجليزية، ولمؤسسة جاكوبز لتقديم الدعم المادي اللازم لترجمة هذه المقالات، وفي هذا المقال نود أن نشكر بالتحديد نينكي فان أتفيلدت وسابين بيترز لترجمتها المقال للغة الهولندية.

مسرد للمصطلحات

المرونة (اللدونة) العصبية (Neuroplasticity): هي قدرة المخ على تغيير الاتصالات القائمة بين الخلايا العصبية أو خلقها أو تقويتها أو إضعافها أو تفكيكها.

تنشيط الخلايا العصبية باستمرار (Repeatedly Activating Your Neurons): التدريب والممارسة باستمرار، ومحاولة استعادة المعلومات من الذاكرة. على سبيل المثال من خلال شرح مفهوم ما لصديق أو حل الاختبارات.

المباعدة بين عملية تنشيط خلايا المخ (Spacing the Activation of Neurons): يقصد بها التدريب بوتيرة أعلى ولكن لفترات أقل. على سبيل المثال بدلًا من استذكار الدروس لمدة ساعتين متواصلتين، يمكنك تقسيم المذاكرة إلى 4 فترات مدة كل فترة منها 30 دقيقة على مدار أيام قليلة مما يتيح لمخك الفرصة لأخذ فترات استراحة وأخذ قيلولة نوم، ويكون لهذا تأثير جيد على الذاكرة على المدى الطويل.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.


المراجع

[1] Blanchette Sarrasin, J., Nenciovici, L., Brault Foisy, L.-M., Allaire-Duquette, G., Riopel, M., and Masson, S. 2018. Effects of inducing a growth mindset in students by teaching the concept of neuroplasticity on motivation, achievement, and brain activity: a meta-analysis. Trends Neurosci. Educ. 12:22–31. doi: 10.1016/j.tine.2018.07.003

[2] Rossi, S., Lanoë, C., Poirel, N., Pineau, A., Houdé, O., and Lubin, A. 2015. When i met my brain: participating in a neuroimaging study influences children’s naive mind-brain conceptions. Trends Neurosci. Educ. 4:92–7. doi: 10.1016/j.tine.2015.07.001

[3] Kania, B. F., Wronska, D., and Zieba, D. 2017. Introduction to neural plasticity mechanism. J. Behav. Brain Sci. 7:41–8. doi: 10.4236/jbbs.2017.72005

[4] Zaromb, F. M., and Roediger, H. L. 2010. The testing effect in free recall is associated with enhanced organizational processes. Mem. Cogn. 38:995–1008. doi: 10.3758/MC.38.8.995

[5] Callan, D. E., and Schweighofer, N. 2010. Neural correlates of the spacing effect in explicit verbal semantic encoding support the deficient-processing theory. Hum. Brain Mapp. 31:645–59. doi: 10.1002/hbm.20894