مفاهيم أساسية صحة الإنسان نشر بتاريخ: 7 أبريل 2023

الحساسية: آليات حدوثها وطرق علاجاها

ملخص

الحساسية عبارة عن اضطراب يظهر في صورة رد فعل مزعج في جسم شخص معين تجاه مادة غير مضرة لمعظم الناس. والجدير بالذكر أن أمراض الحساسية شائعة جدًا، وخلال الخمسين سنة الماضية استمرت هذه الأمراض في الانتشار بدرجة كبيرة. ولا نعرف بوضوح كامل سبب إصابة بعض الأشخاص برد فعل تحسسي دون غيرهم. وسنشرح في هذا المقال كيف يحدث رد الفعل التحسسي بالإضافة إلى أسباب الحساسية والعلاجات المتاحة لها.

علاقة الحساسية بالأطفال والمراهقين

الحساسية مشكلة عامة تمس العالم كله، ويعاني كثير من الأطفال من اضطرابات تحسسية مثل الربو التحسسي وحالات الحساسية من الأغذية. ومن المهم فهم العوامل التي تحفز رد الفعل التحسسي وكيفية منعه أو علاجه. ولن ننسى كذلك استخدام العلاج المناعي في علاج اضطرابات الحساسية ودوره في تحسين جودة حياة المرضى الذين لا يستجيبون للأدوية.

تعريف الحساسية

تحتوي أجسامنا جميعًا على جهاز رصد ودفاع، وهو الجهاز المناعي. ويتكون الجهاز المناعي من خلايا ومواد تُسمى الأجسام المضادة، إلى جانب عناصر أخرى كثيرة. وعندما نتلقى لقاحًا أو تصيبنا عدوى كائن حي دقيق مسبب للمرض، ينتج الجهاز المناعي خلايا وأجسامًا مضادة لحمايتنا من هذا الكائن بالتحديد. والأجسام المضادة جزيئات تنتجها خلايا اسمها الخلايا البائية، وهذه الأجسام قادرة على الالتصاق بالكائنات الحية الدقيقة المهاجمة لمنع حدوث العدوى أو مكافحتها. ولكن الجهاز المناعي يصدر رد فعل مختلفًا في حالة الحساسية.

تحدث الحساسية عندما يصدر الجهاز المناعي لسبب ما رد فعل تجاه مادة غير مضرة لمعظم الناس؛ مثل حبوب اللقاح أو طعام معيّن. وحالات الحساسية شائعة جدًا، فواحد من كل ثلاثة أشخاص تقريبًا مصاب بنوع معين من الحساسية. ويمكن أن تؤدي الحساسية إلى رد فعل يظهر في أي جزء من الجسم. على سبيل المثال، الحساسية من غذاء معين يمكن أن تسبب مشكلات في الأمعاء مع أعراض مثل الإسهال وألم البطن. يمكن أن تظهر الحساسية في الرئتين في شكل الربو التحسسي الذي يسبب صعوبة في التنفس وإفراز الكثير من المخاط.

كيف يحدث رد الفعل التحسسي؟

عند تعرّض جسم مريض حساسية لمسبب الحساسية (المادة التي تسبب رد الفعل التحسسي)، ينتج الجهاز المناعي خلايا وأجسامًا مضادة لهذه المادة غير المضرة. ويعرض شكل 1 مسببات الحساسية الشائعة. كجزء من رد الفعل التحسسي، يتم إنتاج الخلايا التائية المساعدة (Th2)، وهذه الخلايا تساعد الخلايا البائية في إنتاج نوع معين من الأجسام المضادة يُسمى الجلوبيولين المناعي E (يُسمى اختصارًا بـIgE). وهذا الجلوبيولين يلتصق بالخلايا المناعية الأخرى، ما يجعلها شديدة التأثر بمسبب الحساسية. وعندما يتعرض المريض لمسبب الحساسية نفسه مرة أخرى، تصدر الخلايا المناعية الملتصق بها الجلوبيولين المناعي E موادًا كيميائية تسبب الالتهاب والتورم، وهذه المواد هي سبب أعراض الحكة والعطس التي يحاول بها الجسم في أغلب الحالات التخلص من مسبب الحساسية. ويمكن أيضًا أن تتنقل الخلايا التائية المساعدة إلى الموضع الذي دخل منه مسبب الحساسية الجسم وتسبب التهابًا لهذا الموضع. فمثلاً، يمكن أن تتورم العينان وتصابان بالاحمرار والحكة استجابةً لمسبب الحساسية في الهواء، كحبوب اللقاح.

شكل 1 - أمثلة على مسببات الحساسية الشائعة: العث الموجود في غبار المنزل وفرو الحيوانات الأليفة ومركبات الأدوية والسم والمواد الأخرى الموجودة في لدغات الحشرات والمكسرات والبيض والحليب وحبوب اللقاح في الزهور.
  • شكل 1 - أمثلة على مسببات الحساسية الشائعة: العث الموجود في غبار المنزل وفرو الحيوانات الأليفة ومركبات الأدوية والسم والمواد الأخرى الموجودة في لدغات الحشرات والمكسرات والبيض والحليب وحبوب اللقاح في الزهور.

لماذا يصاب بعض الأشخاص بالحساسية دون غيرهم؟

على الرغم من معلوماتنا الوافرة حول كيفية حدوث ردود الفعل التحسسية، فالسبب المحدد لإصابة بعض الأشخاص بالحساسية دون غيرهم ما يزال غير معروف. فنحن نعرف بالطبع دور الاستعداد الوراثي لهذا الأمر، ومعناه أنك ستصاب على الأرجح بالحساسية لو كان والدك أو والدتك يعانيان منها.

تلعب الظروف المحيطة أيضًا دورًا في احتمالية الإصابة بالحساسية [31]، مثل:

- المكان الذي تعيش فيه (الريف أم الحضر)

- أسلوب حياتك (أداء التمارين الرياضية على سبيل المثال)

- عاداتك الغذائية (الطعام الذي تتناوله)

- بعض الأدوية (المضادات الحيوية على سبيل المثال)

كيف تُشخص حالات الحساسية؟

حتى نتأكد من إصابة المريض بحساسية معينة، يمكن أن يجري الطبيب بعض الاختبارات البسيطة. وأشهر هذه الاختبارات هو اختبار وخزة الجلد واختبار مستوى الجلوبيولين المناعي E.

في اختبار وخزة الجلد، يحقنك الطبيب أو الممرضة بكميات ضئيلة من مسببات حساسية مختلفة تحت جلدك. إذا كنت مصابًا بالحساسية، فسيظهر نتوء أحمر في موضع حقن مسبب الحساسية. ويمكن أن يحدد الطبيب مستوى حساسيتك من خلال حجم هذا النتوء الأحمر. في اختبار الجلوبيولين المناعي E، سيجري الطبيب بعض اختبارات الدم لمعرفة إذا كان مجرى الدم لديك به كمية كبيرة من الجلوبيولين المناعي E، أو لمعرفة مستوى الجلوبيولين المناعي E المرتبط ببعض مسببات الحساسية الشائعة.

كيف يمكن علاج حالات الحساسية؟

إذا أثبت الاختبار إصابتك بالحساسية وكنت تعرف مسببات هذه الحساسية بالتحديد، فأفضل علاج لك هو تجنّب ملامسة هذه المسببات أو تجنب التعرض لها. ولكن يسهل كثيرًا تجنب بعض مسببات الحساسية مثل الفول السوداني أو الحليب، مقارنة بمسببات الحساسية التي تنتقل عبر الهواء مثل الغبار أو حبوب اللقاح. هل من الممكن تجنب التعرض لأي حبوب لقاح خلال فصل الربيع؟ بالطبع لا. وبسبب صعوبة تفادي بعض مسببات الحساسية بشكل كامل، ولا سيما المسببات التي تنتقل عبر الهواء، أُنتجت أدوية للحد من الالتهاب ومنع حدوث رد الفعل التحسسي.

إذا تعرّض مريض حساسية لكمية كبيرة من مسبب الحساسية أو إذا كان المريض مصابًا بحساسية شديدة جدًا، فقد ينتج رد فعل خطير على مستوى الجسم يمكن أن يهدد الحياة. ويُسمى رد الفعل هذا صدمة الحساسية. ويمكن أن تحدث صدمة الحساسية بسرعة كبيرة بعد التعرض لمسبب الحساسية. فينخفض ضغط الدم فجأة لدى المريض ويصاب بصعوبة كبيرة في التنفس، ويمكن أن يتفاقم الوضع وصولًا إلى الوفاة. وبالتالي إذا صادفت شخصًا مصابًا بصدمة حساسية، فاطلب المساعدة على الفور لأن هذه حالة طوارئ طبية حقيقية.

هل يوجد علاج للحساسية؟

أدوية الحساسية آمنة ومفيدة في تخفيف أعراض الحساسية، ولكنها لا تعالج الحساسية [4]. يعمل العلماء منذ أكثر من 100 عام على صنع علاج لاضطرابات الحساسية [5]. وهذا مهم للغاية لأن جزءًا من مرضى الحساسية لا يستجيبون بشكل جيد لأدوية الحساسية المعتادة.

وفي الوقت الحالي، العلاج الوحيد القادر على الشفاء من الحساسية هو العلاج المناعي. يتحكم هذا العلاج في الجهاز المناعي لدى المريض حتى يستجيب بشكل مختلف لمسببات الحساسية. والعلاج المناعي له استخدامات في أمراض أخرى بجانب الحساسية، مثل أنواع معينة من السرطان.

في العلاج المناعي لحالات الحساسية، يُعطى المريض جرعات متزايدة من مسبب الحساسية تدريجيًا. هناك نوعان مختلفان من العلاج المناعي للحساسية: حَقن مسبب الحساسية تحت جلد المريض (يسمى أيضًا حقنة الحساسية)، ووضع مسبب الحساسية تحت اللسان (يسمى أيضًا قُرص الحساسية). ولهذين النوعين نقاط قوة وضعف، ولكنهما فعالان إلى حد ما في تقليل ردود الفعل التحسسية.

بشكل عام، الهدف من العلاج المناعي للحساسية هو أن يتعلّم الجهاز المناعي الاستجابة بشكل مختلف، من خلال إنتاج نوع آخر من الخلايا التائية اسمه الخلايا التائية التنظيمية (Treg) ونوع آخر من الأجسام المضادة، وهو الجلوبيولين (الشكل 2). تواجه الخلايا التائية التنظيمية الخلايا التائية المساعدة وتمنع نشاطها. ويجد مسبب الحساسية في مواجهته أجسام الجلوبيولين الجلوبيولين المناعي G المضادة قبل أن يصل مسبب الحساسية إلى أجسام الجلوبيولين المناعي E المضادة في الخلايا المناعية، وهذا يمكن أن يساعد في منع رد الفعل التحسسي.

شكل 2 - العلاج المناعي للحساسية هو ''بطلنا الخارق''.
  • شكل 2 - العلاج المناعي للحساسية هو ''بطلنا الخارق''.
  • آلية العمل الرئيسية للعلاج المناعي للحساسية تكون كالتالي: تُنتج خلايا تائية تنظيمية تثبط الخلايا التائية المساعدة المسببة لرد الفعل التحسسي، وتحفز في الوقت ذاته إنتاج الأجسام المضادة الحاجبة التي تمنع ملامسة مسبب الحساسية للجسم المضاد للحساسية، ألا وهو الجلوبيولين المناعي E.

الخلاصة

الحساسية مشكلة صحية خطيرة. وعلى الرغم من وجود أدوية تخفف أعراض الحساسية، فإن العلاج الوحيد للحساسية هو استخدام العلاج المناعي الذي يغيّر استجابة المريض لمسبب الحساسية. وفي العادة، يتم وصف العلاج المناعي للمرضى الذين لا يستجيبون للأدوية المعتادة. ويواصل العلماء في العالم كله تكثيف جهودهم لفهم الحساسية حتى يتمكنوا من صناعة أدوية أفضل، بل وعلاج محتمل للحساسية.

مسرد للمصطلحات

العلاج المناعي (Immunotherapy): العلاج المناعي هو نوع من العلاج هدفه تغيير رد فعل الجهاز المناعي تجاه شيء ما، أما العلاج المناعي للحساسية فالهدف فيه تغيير رد الفعل تجاه مسبب الحساسية.

مسبب الحساسية (Allergen): هو مادة غير مضرة بطبيعتها ولكن عندما يتعرض شخص مصاب بحساسية لها، يمكن أن تولّد استجابة من الجهاز المناعي، ما يؤدي إلى رد فعل تحسسي.

الجسم المضاد (Antibody): هو بروتين على شكل حرف Y تنتجه الخلايا البائية. وتلتصق الأجسام المضادة بالكائنات الحية الدقيقة التي تصيب الجسم بالعدوى، وهذا لتحييد خطرها، كما تلتصق بمسببات الحساسية مما يؤدي إلى رد فعل تحسسي.

الجلوبيولين المناعي (E IgE): هو نوع من الأجسام المضادة ينتجه شخص مصاب بحساسية. يلتصق الجلوبيولين المناعي E بخلايا معينة في الجهاز المناعي ويسبب رد فعل تحسسيًا فورًا لو تعرّض المريض لمسبب الحساسية مرة أخرى.

صدمة الحساسية/فرط الحساسية (Anaphylactic Shock): هي رد فعل تحسسي خطير ويمكن أن يهدد الحياة. ومن أعراضها الشائعة تورم الحلق أو اللسان وصعوبة التنفس والتقيؤ والدوار والانخفاض المفاجئ في ضغط الدم.

الجلوبيولين المناعي G (IgG): هو نوع من الأجسام المضادة يمكن أن ينتج بعد العلاج المناعي للحساسية. يمكن أن يمنع الجلوبيولين المناعي (IgG) G رد الفعل التحسسي الفوري من خلال الالتصاق بمسبب الحساسية وحجبه قبل أن يلتصق بالجلوبيولين المناعي E.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.


المراجع

[1] Alberca-Custódio, R. W., Greiffo, F. R., MacKenzie, B., Oliveira-Junior, M. C., Andrade-Sousa, A. S., Graudenz, G. S., et al. 2016. Aerobic exercise reduces asthma phenotype by modulation of the leukotriene pathway. Front. Immunol. 7:237. doi: 10.3389/fimmu.2016.00237

[2] Schröder, P. C., Li, J., Wong, G. W., and Schaub, B. 2015. The rural-urban enigma of allergy: what can we learn from studies around the world? Pediatr. Allergy Immunol. 26:95–102. doi: 10.1111/pai.12341

[3] Yilmaz, B., Carvalho, J. C., and Marialva, M. 2019. The intestinal universe—full of gut heroes who need sidekicks. Front. Young Minds 7:111. doi: 10.3389/frym.2019.00111

[4] Larsen, J. N., Broge, L., and Jacobi, H. 2016. Allergy immunotherapy: the future of allergy treatment. Drug Discov. Today 21:26–37. doi: 10.1016/j.drudis.2015.07.010

[5] Ring, J., and Gutermuth, J. 2011. 100 years of hyposensitization: history of allergen-specific immunotherapy (ASIT). Allergy 66:713–24. doi: 10.1111/j.1398-9995.2010.02541.x