اكتشافات جديدة علم الفلك والفيزياء نشر بتاريخ: 22 يناير 2021

علم الفلك الحديث: مراقبة كوننا بالضوء والجاذبية

ملخص

في أحد أيام صيف عام 2017، تلقى علماء الفلك حول العالم رسالة حول اصطدام مثير بين نجمين بعيدين للغاية. أرسل الرسالة فريق من علماء الفلك من مرصدي “ليجو” (LIGO) و“فيرجو” (Virgo). هذان المرصدان الجديدان يختلفان اختلافًا كبيرًا عن التليسكوبات التي استخدمناها لدراسة الكون حتى الآن. مرصدا ليجو وفيرجو هما مرصدان للموجات الثقالية (موجات الجاذبية)، إذ يرصدان التموجات الهادئة في نسيج الزمكان (الزمان والمكان)، والناتجة عن اصطدام الثقوب السوداء البعيدة والنجوم النيوترونية. في 17 أغسطس 2017، رصد ليجو وفيرجو إشارة من اصطدام نجمين نيوترونيين أطلق عليها علماء الفلك اسم GW170817. وبعد أقل من ثانيتين، التقط القمر الصناعي “فيرمي” (Fermi) التابع لوكالة ناسا، إشارة معروفة باسم دفق أشعة جاما، وفي غضون دقائق بدأت التليسكوبات حول العالم تفتش السماء. ووجدت التليسكوبات في أمريكا الجنوبية موقع الاصطدام في مجرة بعيدة تعرف باسم NGC 4993. وخلال الأسابيع والأشهر التالية، راقب علماء الفلك المجرة، والضوء المتلاشي الناتج عن الاصطدام. يعد هذا نوعًا جديدًا من علم الفلك متعدد مصادر الإرسال، حيث رصد العلماء، في السابقة الأولى من نوعها، الحدث الفلكي نفسه من خلال الموجات الثقالية والضوء.

النجوم النيوترونية

قد تبدو النجوم في السماء ليلًا وكأنها كانت موجودة منذ الأزل، ولكن كل نجم تكون من الغاز والغبار اللذين تجمعا في الفضاء بفعل الجاذبية. حيث يحترق النجم حديث النشأة بشكل متوهج حتى ينفذ وقوده، وتنهي النجوم الصغيرة والمتوسطة مثل شمسنا حياتها كنجوم قزمة بيضاء، وهي البقايا المتوهجة من مركز النجم. وتموت النجوم الأكبر بكثير من شمسنا بطريقة مذهلة، حيث تنفجر وتتحول إلى مُسْتَعِرُ أعظم، وتصبح بقايا انفجار المُسْتَعِرُ الأعظم مركزًا كثيفًا داكنًا، إما في صورة نجم نيوتروني أو ثقب أسود، طُرحت فكرة النجم النيوتروني لأول مرة قبل 80 عامًا في عام 1934. لكن لم يعثر علماء الفلك على نجم نيوتروني إلا بعد 33 عامًا أخرى. ففي عام 1967، رصد العلماء أشعة سينية قادمة من نجم نيوتروني بعيد، وفي وقت لاحق من العام نفسه، تم اكتشاف أول نجم نابض راديوي. والنجم النابض هو نجم نيوتروني ممغنط للغاية يدور ويرسل شعاعًا من النبض الراديوي نحو الأرض مع كل دوران، وتستطيع التليسكوبات الراديوية الموجودة هنا على الأرض مشاهدة تلك النبضات، التي تصل إلينا مثل ساعة تدق بانتظام. وقد وجد علماء الفلك أيضًا أنظمة نجمية نيوترونية ثنائية بها نجمين نيوترونيين يدوران حول بعضهما بعضًا. وعندما خطط العلماء لبناء مرصدي ليجو وفيرجو الجديدين لرصد الموجات الثقالية، كانوا يأملون في العثور على إشارات موجات ثقالية من بعض الأنظمة النجمية النيوترونية الثنائية هذه (الشكل 1).

شكل 1 - رسم توضيحي يُبين اصطدام نجمين نيوترونيين يظهران بعد اصطدامهما في وسط الصورة.
  • شكل 1 - رسم توضيحي يُبين اصطدام نجمين نيوترونيين يظهران بعد اصطدامهما في وسط الصورة.
  • وتمثل الحزم الضيقة انفجار أشعة جاما، بينما تشير شبكة الزمكان المتموجة إلى الموجات الثقالية الناتجة عن الاصطدام. والسحب الدائرية المكونة من المواد المقذوفة من النجوم المدمجة هي مصدر محتمل للضوء الذي شاهده علماء الفلك. حقوق الصورة: National Science Foundation/LIGO/Sonoma State University/A. Simonnet.

الموجات الثقالية

قدم ألبرت أينشتاين قبل 100 عام نظرية النسبية العامة، وهي وصف للجاذبية يتنبأ بالثقوب السوداء والزمكان المنحني. وتتنبأ النظرية أيضًا بالموجات الثقالية، وهي عبارة عن تموجات في المكان والزمان تنتقل بسرعة الضوء، تنشأ نتيجة تسارع الأجسام الضخمة مثل الثقوب السوداء والنجوم النيوترونية.

وفي سبتمبر عام 2015، رصدت أجهزة رصد ليجو المتقدمة التي تم تطويرها حديثًا التابعة لمؤسسة العلوم الوطنية أول إشارة لموجة ثقالية من اصطدام ثقبين أسودين في مجرة بعيدة [1]. وقد سمي الحدث GW150914 وفقًا لإشارة الموجة الثقالية المرصودة في 14 سبتمبر 2015. ويقع مرصدا قياس التداخل الليزري للموجات الثقالية (ليجو) في هانفورد بواشنطون وفي وليفينغستون بلويزيانا في الولايات المتحدة الأمريكية، ويشكلان جنبًا إلى جنب مع مرصد فيرجو الأوروبي في إيطاليا شبكة من مراصد الموجات الثقالية التي رصدت 10 إشارات موجات ثقالية منفصلة من أزواج من الثقوب السوداء المتصادمة في أول جولتين للمراقبة من 2015 حتى 2017. وفي فترة الصيف في نصف الكرة الشمالي عام 2017، رصدت المراصد نوعًا جديدًا من الإشارات الناتجة عن اصطدام نجمين نيوترونيين [2].

انفجارات أشعة جاما

أشعة جاما هي نوع من أنواع الضوء أعلى طاقة من الأشعة السينية، وفي منتصف الستينيات، تم اكتشاف انفجارات أشعة جاما (GRBs) عن طريق أقمار فيلا (Vela) الصناعية. ووجد علماء الفلك لاحقًا أن هذه الانفجارات تأتي من الفضاء، ولكن ما الذي يمكن أن يُحدث انفجار أشعة جاما ذا الطاقة العالية؟ ولطالما كان تحديد مصدر انفجارات أشعة جاما تحديًا رئيسيًا يواجه علم الفيزياء الفلكية للجسيمات ذات الطاقة العالية منذ ذلك الحين. وفي عام 2005، تم اكتشاف انفجار أشعة جاما قصير المدى (sGRB) يأتي من مجرة بعيدة وقدمت الملاحظات دليلًا على أن الانفجارات قد تكون نتيجة اصطدام نجمين نيوترونيين أو اندماج نجم نيوتروني مع ثقب أسود. فمن الصعب العثور على هذه الأحداث البعيدة للغاية، لذلك تطلب الأمر نوعًا جديدًا من علم الفلك وتطوير مراصد موجات ثقالية حساسة لاكتشاف اصطدام النجم النيوتروني الذي أحدث إشارة الموجات الثقالية GW170817 وانفجار أشعة جاما المرصودان بواسطة القمر الصناعي فيرمي التابع لوكالة ناسا في 17 أغسطس 2017.

اكتشاف متعدد وسائل الرصد

في 17 أغسطس 2017، أرسل القمر الصناعي فيرمي التابع لوكالة ناسا تنبيهًا تلقائيًا حول إشارة انفجار أشعة جاما المعروفة الآن باسم [3] GRB170817A. بينما استغرقت حواسيب مرصد ليجو حوالي 6 دقائق لتكتشف أنه تم رصد إشارة موجية ثقالية محتملة في نفس الوقت تقريبًا في موقع المرصد بهانفورد. ويبدو أن إشارة الموجة الثقالية ناتجة عن اصطدام نجمين نيوترونيين تم رصدهما قبل ثانيتين من إشارة انفجار أشعة جاما. وأصدر علماء ليجو وفيرجو تنبيهًا لعلماء الفلك حول العالم، وبعد فترة وجيزة، شاركوا خريطة للمنطقة في السماء التي كانت على الأرجح مصدر انفجار أشعة جاما وإشارات الموجة الثقالية، وهذه الخريطة موضحة في الشكلين 2 و3.

شكل 2 - جمع العلماء المعلومات من مرصد ليجو وفيرجو ومن فيرمي ومن التليسكوبات للعثور على المجرة التي تصطدم فيها النجوم النيوترونية.
  • شكل 2 - جمع العلماء المعلومات من مرصد ليجو وفيرجو ومن فيرمي ومن التليسكوبات للعثور على المجرة التي تصطدم فيها النجوم النيوترونية.
  • وفي الدائرة التي تمثل جزءًا من السماء، إلى اليسار يظهر اتجاه الإشارة من مرصد ليجو باللون الأخضر الفاتح، ويظهر اتجاه إشارة مرصدي ليجو وفيرجو المدمجين باللون الأخضر الداكن، ويظهر الاتجاه من فيرمي والقمر الصناعي إنتجرال (INTEGRAL) باللون الأزرق الفاتح، والاتجاه من مرصد فيرمي لانفجار أشعة جاما (GBM) يظهر باللون الأزرق الداكن. حيث قامت التليسكوبات بمسح المنطقة المتداخلة في السماء ووجدت مصدرًا متوهجًا جديدًا في المجرة 4993 NGC الظاهرة بعلامات التجزئة الأفقية والرأسية الصغيرة على صورة التليسكوب في أعلى اليمين. ويُظهر المربع العلوي المجرة من تليسكوب Swope بعد 11 ساعة من الاكتشاف ويظهر المربع السفلي المجرة من تليسكوب DLT40 قبلها بـحوالي 20 يومًا [3].
شكل 3 - خريطة للسماء تُظهر اتجاه إشارة GW170817 من مرصدي ليجو وفيرجو مجتمعين.
  • شكل 3 - خريطة للسماء تُظهر اتجاه إشارة GW170817 من مرصدي ليجو وفيرجو مجتمعين.
  • حقوق الصورة: LIGO-Virgo/Cardiff Uni./C. North.

كان هذا الحدث بمثابة أول اكتشاف لموجة ثقالية بدلالة مصادر متعددة: فقد لوحظ من خلال كل من الموجات الثقالية والضوء، وهو ما يُعرف أيضًا باسم الموجات الكهرومغناطيسية. وفي وقت التنبيه، كان وقت الظهيرة في نصف الكرة الغربي، وبحلول الليل كانت التليسكوبات في أمريكا الجنوبية في موقع جيد لتفتيش السماء بحثًا عن الضوء الناتج عن التصادم؛ وفي الساعات القليلة الأولى من الظلام، عثرت مجموعة من التليسكوبات على مصدر متوهج جديد في المجرة NGC 4993؛ ثم وُجِهت التليسكوبات حول العالم إلى NGC 4993 لمعرفة ما سيحدث بعد ذلك، وعلى مدى الأسبوعين التاليين، تابعت شبكة من التليسكوبات الأرضية والمراصد الفضائية عمليات الرصد الأولية. وسُجِلت أرصاد عن جميع الأنواع المختلفة للضوء باستخدام تليسكوبات يمكنها قياس الإشارات بما في ذلك الأشعة فوق البنفسجية والضوء المرئي والأشعة تحت الحمراء.

كما اكتشف علماء الفلك أن المصدر الجديد للضوء كان كيلونوفا (مستعر ماكرو)، وهو حدث متوهج قصير العمر ناجم عن اصطدام نجمين نيوترونيين. وتمت مشاهدة هذا الجزء من السماء بعد حدوث كيلونوفا باستخدام الأشعة السينية والتليسكوبات الراديوية لفهم التصادم بشكل أفضل. حيث كشفت هذه الملاحظات عن معلومات مهمة حول الطاقة الناتجة عن الانفجار والمواد المقذوفة وبيئة الاصطدام. وأظهرت لنا هذه الملاحظات أن تصادم النجوم النيوترونية قادر على تكوين عناصر ثقيلة، بما في ذلك الذهب، مما يؤكد ما كان مجرد فرضية قبل القياس. وبحثت مراصد النيوترينو عن النيوترينوات عالية الطاقة القادمة من منطقة GW170817 لكن دون جدوى. ويهدف علم الفلك متعدد وسائل الرصد إلى اكتشاف الموجات الثقالية والإشعاع الكهرومغناطيسي والنيوترينوات من نفس الحدث الكوني [4]. وبما أن توقيت حدوث الموجات الثقالية وإشارات انفجار أشعة جاما متطابق تقريبًا، فأصبح لدينا الآن ما يؤكد تنبؤات أينشتاين بأن الموجات الثقالية وموجات الضوء تسير بالسرعة نفسها قاطعة ملايين الكيلومترات.

علم الفلك الحديث

يمثل اكتشاف إشارة الموجة الثقالية GW170817 وانفجار أشعة جاما الذي اكتشفه القمر الصناعي فيرمي في 17 أغسطس 2017، السابقة الأولى من نوعها التي رُصدت فيها الموجات الثقالية والضوء من مصدر فيزيائي فلكي واحد. حيث أرسل مرصدا ليجو وفيرجو للموجات الثقالية تنبيهًا إلى علماء الفلك في جميع أنحاء العالم للبحث عن الضوء الناتج عن اصطدام نجمين نيوترونيين. وعثرت التليسكوبات على موقع الاصطدام في مجرة بعيدة وخلال الأسابيع والأشهر التالية، راقب علماء الفلك الضوء المتلاشي الناتج عن الاصطدام وسجلوه. هذا الحدث هو المرة الأولى التي يُرصد فيها الحدث الكوني نفسه من خلال الموجات الثقالية والضوء على حد سواء، مما يوضح مدى أهمية عمل علماء الفلك معًا لتحقيق اكتشافات جديدة ومثيرة في عصر جديد من علم الفلك متعدد وسائل الرصد.

مسرد للمصطلحات

نجم نيوتروني (Neutron star): هو الجسم شديد الكثافة المتبقي بعد انهيار أحد النجوم الضخمة.

الثقب الأسود (Black hole): منطقة من نسيج الزمكان تسببها كتلة شديدة الكثافة، حيث تكون الجاذبية قوية للغاية بحيث تمنع أي شيء من الهروب بما في ذلك الضوء.

أشعة جاما (Gamma-rays): هي الضوء ذو الطاقة الأعلى، وتعرف أيضًا بالإشعاع الكهرومغناطيسي.

نيوترينو (Neutrino): جسيم صغير ليس له شحنة كهربائية.

علم الفلك متعدد وسائل الرصد (Multi-messenger astronomy): استخدام بيانات الموجات الكهرومغناطيسية والثقالية والجسيمات الفلكية معًا للتعرف على الكون.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.


مقال المصدر الأصلي

Abbott, B. P., Abbott, R., Abbott, T. D., Acernese, F., Ackley, K., Adams, C., et al., LIGO Scientific Collaboration, Virgo Collaboration, Multi-Messenger Partners. 2017. Multi-messenger observations of a binary neutron star merger. Astrophys. J. Lett. 848:L12. doi: 10.3847/2041-8213/aa91c9


المراجع

[1] LIGO Scientific Collaboration and Virgo Collaboration. 2016. Observation of gravitational waves from a binary black hole merger. Phys. Rev. Lett. 116:061102. doi:10.1103/PhysRevLett.116.061102

[2] LIGO Scientific Collaboration and Virgo Collaboration. 2017. GW170817: observation of gravitational waves from a binary neutron star inspiral. Phys. Rev. Lett. 119:161101. doi:10.1103/PhysRevLett.119.161101

[3] Abbott, B. P., Abbott, R., Abbott, T. D., Acernese, F., Ackley, K., Adams, C., et al., LIGO Scientific Collaboration, Virgo Collaboration, Multi-Messenger Partners. 2017. Multi-messenger observations of a binary neutron star merger. Astrophys. J. Lett. 848:L12. doi:10.3847/2041-8213/aa91c9

[4] LIGO Scientific Collaboration, Virgo Collaboration, ANTARES, IceCube, and Pierre Auger Observatory. 2017. Search for high-energy neutrinos from binary neutron star merger GW170817 with ANTARES, IceCube, and the Pierre Auger Observatory. Astrophys. J. Lett. 850:L35. doi:10.3847/2041-8213/aa9aed