مفاهيم أساسية علم الأعصاب وعلم النفس نشر بتاريخ: 9 يناير 2023

التحفيز الدماغي: تقنية واعدة تُعزز وظائف المخ المتنوعة

ملخص

هل تعلم أن أثناء القراءة يرسل المخ إشارات كيميائية وكهربائية لتساعدك على فهم الكلمات ومعانيها؟ يتكون المخ من مجموعة شبكات تحتوي على خلايا صغيرة تسمى الخلايا العصبية، وهي تتصل ببعضها البعض اتصالًا كهروكيميائيًا لتمكنك من التفكير والإحساس والتفاعل مع العالم من حولك. وتعد الشحنات الكهربائية هي المسؤولة عن نشاط المخ، لذلك يمكن استخدام التحفيز الكهربائي لتغيير طريقة عمل المخ. وتُستخدم طريقة تحفيز المخ لمعالجة اضطرابات المزاج والتوتر، كما يمكنها أن تكون عنصرًا مساعدًا في حل المشكلات وتذكر المعلومات والتركيز بصورة أفضل. ولحسن الحظ أن الكثير من مناطق المخ التي تتحكم في هذه الوظائف تقع في قشرة الدماغ، وهي الغطاء الخارجي للمخ والأقرب للجمجمة. ويمكن الوصول للقشرة الدماغية باستخدام تقنية ''التحفيز بالتيار المباشر عبر الجمجمة'' أو tDCS اختصارًا. ونناقش في هذا المقال كيف يمكن استخدام التحفيز بالتيار المباشر عبر الجمجمة لمساعدة البشر في التفكير والإحساس بطريقة مختلفة.

يمكن أن يمثل التحفيز الكهربائي للمخ طريقة آمنة وفعالة لتغيير نشاط المخ بصورة مؤقتة دون الحاجة إلى العمليات للجراحية. لكن السؤال هنا: لِمَ قد نحتاج إلى تغيير نشاط المخ؟ يمكن لمن يعانون من تلف أو اضطرابات في الدماغ أن يتماثلوا الشفاء من الأنماط المعطوبة المحتملة في نشاط المخ الناتجة عن الإصابة من خلال العلاج بالتحفيز. كما يمكن للأصحاء أيضًا الاستفادة من التحفيز الدماغي في تحسين قدراتهم العاطفية والتركيز والتعلم وحل المشكلات والذاكرة. ولعلك تتساءل الآن كيف يمكن تحفيز المخ دون فتح الجمجمة؟ حسنًا، تنتقل الكهرباء من آلة التحفيز عبر الجمجمة لتؤثر على الإشارات الكهربائية المسؤولة عن نشاط المخ. ونناقش في هذا البحث واحدة من أشهر الطرق وأكثرها شيوعًا للتحفيز الدماغي الرامي إلى تغيير نشاط المخ: التحفيز بالتيار المباشر عبر الجمجمة (tDCS).

الشحنات الكهربائية والمواد الكيميائية: أدوات التواصل بين خلايا المخ

تسمى الخلايا داخل المخ بالخلايا العصبية، وتستخدم الخلايا العصبية كل من الشحنات الكهربائية والمواد الكيميائية التي تدعى الأيونات للتواصل مع بعضها البعض. وتحمل الخلايا العصبية شحنة كهروكيميائية، وتتغير هذه الشحنة بناء على ما إذا كانت الخلايا العصبية في حالة السكون أم ترسل الإشارات. ويوجد سائل بين الخلايا وداخلها يحتوي على الأيونات؛ وهي عبارة عن ذرات أو جزيئات محملة بشحنات سالبة أو موجبة. وعندما تكون الخلية العصبية في حالة سكون، تكون أغلب الأيونات داخل الخلية العصبية سالبة الشحنة، بينما تكون الأيونات الموجودة خارج الخلية موجبة الشحنة (انظر الشكل 1A)؛ مما يعطي الغشاء الخلوي شحنة سالبة. وعندما يحدث نشاط ما بالمخ، تندفع الأيونات الموجبة عبر القنوات إلى داخل الغشاء الخلوي (الشكل 1B)، وعندما تزداد الشحنة بمقدار كافٍ تُرسل الخلية العصبية الإشارات للتواصل مع الخلايا العصبية المجاورة (الشكل 1C). ويمكن تشبيه الأمر بعود الثقاب الذي يحتاج إلى حد أدنى من الاحتكاك كي يشتعل، وعندما تشتعل الشرارة الأولى يشتعل العود بأكمله. يمكن أن يستهدف التحفيز الكهربائي على فروة الرأس الأنشطة الكهروكيميائية للمخ، ويغير الشحنات داخل الخلايا العصبية دون الحاجة إلى عمليات جراحية. ويمكن أن يؤثر تغيير شحنات السائل المحيط بالمجموعات العصبية على نشاط المخ بصورة كبيرة، لأنه لا تنشط خلية عصبية واحدة فقط في المرة، وإنما تنشط ''مجموعات'' من الخلايا العصبية.

شكل 1 - (A) مقارنة بين الحالة الكهروكيميائية لخلية عصبية ساكنة و(B) خلية عصبية نشطة تُرسل الإشارات.
  • شكل 1 - (A) مقارنة بين الحالة الكهروكيميائية لخلية عصبية ساكنة و(B) خلية عصبية نشطة تُرسل الإشارات.
  • تمثل الدوائر باللون الأصفر الأيونات المحملة بالشحنات السالبة بينما تمثل الدوائر باللون الزهري الأيونات الموجبة. وعندما تكون الخلية العصبية في حالة سكون تكون أغلبية الأيونات السالبة داخل الخلية والأيونات الموجبة خارجها، لذلك توصف الخلية العصبية بأنها تحتوي بصورة عامة على جهد سلبي. لكن عندما تنشط الخلية العصبية تندفع الأيونات الموجبة داخل الخلية وتخرج الأيونات السالبة مما يجعل الجهد العام للخلية موجبًا. (C) وينتقل هذا التغيير في الشحنات على امتداد طول الخلية العصبية لينشط الخلية المجاورة.

كيف يؤثر التحفيز بالتيار المباشر عبر الجمجمة على الخلايا العصبية؟

يمكن استهداف مجموعة من الخلايا العصبية باستخدام التحفيز بالتيار المباشر عبر الجمجمة التيار الكهربائي لتغيير النشاط الكهروكيميائي لمنطقة محددة بالمخ، ويمكن أن يستهدف التحفيز بالتيار المباشر عبر الجمجمة مجموعة من الخلايا العصبية. حيث يُوضع قطبين مطاطيين كهربائيين على الرأس لاستهداف منطقة المخ المقصودة، وتولد هذه الأقطاب دائرة كهربائية من خلال إرسال تيار عبر الجلد والجمجمة، وتؤثر على منطقة المخ القابعة تحتها (الشكل 2) [1].

شكل 2 - التجهيز المحتمل لأقطاب عملية التحفيز بالتيار المباشر عبر الجمجمة.
  • شكل 2 - التجهيز المحتمل لأقطاب عملية التحفيز بالتيار المباشر عبر الجمجمة.
  • في هذا المثال، سوف تستقبل القشرة الجبهية الأمامية الظهرية الطرفية اليسرى التحفيز ذي الشحنة السالبة، وكما توضح الأسهم يتدفق التيار من جهاز التحفيز بالتيار المباشر عبر الجمجمة من خلال السلك الأحمر إلى القطب السالب، ثم يستمر التيار من القطب السالب إلى القطب الموجب (مرورًا عبر الجمجمة والمخ) ثم يعود من خلال السلك الأزرق للجهاز نفسه مكونًا دائرة كهربائية مكتملة. ونتيجة هذا التيار المتدفق يبدو أن الخلايا العصبية المستهدفة في القشرة تكون أقل عرضة لإطلاق إشارات لأجزاء الجسم الأخرى بسبب الشحنة السالبة للمخ بالقرب من ذلك القطب.

ماذا تفعل هذه الحقول الكهربائية لتغيير نشاط الخلايا العصبي؟ لأن التحفيز بالتيار المباشر عبر الجمجمة يرسل التيار من القطب لآخر في اتجاه واحد، فإنه يكوّن شحنة موجبة عند أحد القطبين، وشحنة سالبة عند القطب الآخر. وتؤثر هذه الشحنات على الخلايا العصبية بطرق مختلفة. وبالعودة إلى تشبيه عود الثقاب، تؤثر عوامل مختلفة؛ مثل حرارة الشمس الحارقة أو المناخ الرطب، على عود الثقاب، وتجعله أقل أو أكثر قابلية للاشتعال.

يعمل التحفيز بالتيار المباشر عبر الجمجمة عن طريق إما زيادة الشحنات المحيطة بمجموعات الخلايا العصبية أو خفضها، لتجعلها أكثر أو أقل عرضة لإرسال الإشارات. وإذا قمت بترتيب أعواد الثقاب بطريقة متتالية، فإن إشعال عود واحد سيؤدي بدوره إلى اشتعال العود الذي يليه. وتتصل الخلايا العصبية بنفس الطريقة، عبر إرسال الإشارات إلى الخلايا العصبية المجاورة التي تقوم بدورها بإرسال الإشارات إلى الخلايا العصبية من حولها، وهكذا دواليك.

ما المجالات التي يستخدم فيها التحفيز بالتيار المباشر عبر الجمجمة؟

تنظيم المشاعر

إن القليل من الحزن والضغط أمر شائع وطبيعي في الحياة، ويعاصر أغلب الناس هذه المشاعر بمقدار طبيعي وصحي، إلا إن الفترات الطويلة من الاكتئاب والقلق والضغط قد تكون في بعض الأحيان مؤشرًا لاضطرابات في تنظيم المزاج تؤثر سلبًا على الصحة العقلية (والجسدية). وقد استخدم فيروتشي وزملاؤه [2] التحفيز بالتيار المباشر عبر الجمجمة لتقليل أعراض أحد أكثر الاضطرابات المزاجية شيوعًا، والذي يعرف باسم الاضطراب الاكتئابي الشديد، ويرتبط هذا المرض بالشعور المستمر بالحزن وانخفاض مستويات الطاقة وتغيرات في الشهية وفقدان الشغف وانعدام الرغبة في القيام بالأنشطة. وتستمر هذه الأعراض طويلًا ويعتقد أنها تحدث نتيجة اختلال في نشاط المخ. وتُظهر صور المخ نشاطًا عصبيًا أقل من الطبيعي في منطقة بالجزء الأمامي من المخ تسمى القشرة الجبهية الأمامية الظهرية الطرفية اليسرى (DLPFC، انظر الشكل 3). وتُظهر أحيانًا أخرى نشاطًا أعلى من الطبيعي في الجانب الأيمن من نفس القشرة. والجدير بالذكر أن هذه القشرة تتصل بمناطق المشاعر التي تقع في مناطق أعمق بالمخ، وعليه تلعب دورًا حيويًا في التحكم بالمزاج. وضمن إطار هذه الدراسة، أجاب المشاركون الذين يعانون من اكتئاب حاد على الاستبيانات أولًا لتحديد حالتهم المزاجية، ثم خضع المشاركون إلى التحفيز بالتيار المباشر على الجانب الأيسر من القشرة السابق ذكرها، وذلك لمدة 5 أيام متتالية، بمعدل 20 دقيقة مرتين يوميًا. وبعد جلسات التحفيز هذه، أجاب المشاركون على الاستبيانات، وأظهرت الإجابات تحسنًا في حالتهم جميعًا!

شكل 3 - مناطق المخ المرتبطة بالوظائف المختلفة التي ناقشها هذا المقال.
  • شكل 3 - مناطق المخ المرتبطة بالوظائف المختلفة التي ناقشها هذا المقال.

وحتى عندما خضع المشاركون للاختبار بعد شهر، أظهروا أيضًا انخفاضًا في حدة أعراض الحزن والاكتئاب لديهم.

هناك الكثير من الدراسات الأخرى التي تستخدم التحفيز بالتيار المباشر عبر الجمجمة على القشرة الجبهية الأمامية لمعالجة الاكتئاب، إلا أن دراسة فيروتشي تتميز بأن جميع من شاركوا فيها لم يستجيبوا من قبل للعقاقير المضادة للاكتئاب. ويمكن للتحفيز بالتيار المباشر عبر الجمجمة أن يعمل بأعلى كفاءة لتقليل حدة أعراض الاكتئاب حين يتم دعمه بالعقاقير وطرق العلاج الأخرى، ولكن يظل من المهم معرفة أن التحفيز وحده يعد عاملًا علاجيًا مفيدًا أيضًا.

تحسين الوظائف الإدراكية

يُقصد بالإدراك عملية فهم العالم من حولنا من خلال الفكر. ويستوجب هذا الفهم تضافر عوامل التركيز والتعلم وحل المشكلات والذاكرة معًا. وتعتمد العمليات الإدراكية المختلفة على أجزاء مختلفة من المخ، ويمكن تطبيق التحفيز الدماغي على أجزاء مختلفة من المخ لتحفيز عناصر الإدراك المختلفة وتعزيزها. ودعنا نتحدث على امتداد السطور القليلة التالية عن بعض الوظائف الإدراكية المحددة التي أثبت التحفيز بالتيار المباشر عبر الجمجمة تأثيره عليها.

الانتباه

تلعب القشرة الجبهية الأمامية الظهرية الطرفية دورًا مهمًا في عملية الانتباه والمواقف الاندفاعية، بالإضافة إلى دورها في تنظيم الحالة المزاجية. وينخفض نشاط هذه القشرة حينما يعاني الشخص من حالة تسمى اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة (ADHD). ويُصعّب هذا الاضطراب عملية التركيز على هدف أو مهمة واحدة في وقت محدد، كما يصعب من عملية مقاومة التشتت والتحكم في السلوك الاندفاعي. ولكن أظهرت دراسة أجريت على 37 مصابًا باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة أن تحفيز هذه القشرة باستخدام التحفيز بالتيار المباشر عبر الجمجمة يزيد من القدرة على التركيز. وقام المشاركون بإنجاز مجموعة من المهام تتطلب منهم التجاوب مع مجموعة محددة من الأسهم أو الأحرف على الشاشة وتجاهل الباقي. وبعد الخضوع لجلسات التحفيز بالتيار المباشر عبر الدماغ، قلت حدة تشتتهم، وزاد انتباههم للصور التي عليهم تجاهلها، مما يعني أنهم تمكنوا من التحكم في سلوكهم بصورة أفضل [3].

التعلّم

يعد التعلم وحل المشكلات من العمليات الإدراكية المهمة التي يمكن دعمها وإثرائها من خلال التحفيز الدماغي، وتعتمد المنطقة التي يجب أن تخضع للتحفيز لإثراء هذه العمليات على ما يتعلمه الفرد، وكيف يتعلمه. فعلى سبيل المثال، يعلم الباحثون أنه حينما نستخدم الأرقام ذهنيًا، يكون الفص الجداري الأيمن للمخ في حالة نشاط (انظر الشكل 3 الذي يوضح موقع الفص الجداري). وعليه، طبق الباحثون [4] التحفيز المباشر عبر الجمجمة على الفص الجداري الأيمن لأشخاص أصحاء بينما يستنتجون العلاقات التي تربط بين رموز عشوائية، ويجدون قيمة رقمية محددة لهم. وبينما كان المشاركون يتعلمون نظام الأرقام الوهمي هذا، تلقى ثلثهم شحنة موجبة على الفص الجداري الأيمن، بينما تلقى الثلث الثاني شحنة سالبة على نفس الفص، أما الثلث الأخير فقد تلقى تحفيزًا وهميًا على الفص الجداري الأيمن. وبعد أن انتهى المشاركون من مرحلة التعلّم، خضعوا لاختبار حول المعلومات الرقمية التي تعلموها حديثًا.

أظهرت نتائج الدراسات أن أفراد المجموعة التي تلقت التحفيز التنشيطي للدماغ تمتعوا بفهم أفضل لنظام الأرقام الوهمي، واستطاعوا التعلم بصورة أسرع مقارنة بأفراد المجموعات التي خضعت للتحفيز المثبط أو الوهمي. وعلاوة على ذلك، تابع الباحثون المشاركين بعد 6 أشهر ليجدوا أن ما تعلموه حول النظام الرقمي الوهمي ظل باقيًا في ذاكرتهم عبر الزمن. وبناء على هذه الدراسة، نعلم أن التحفيز التنشيطي بالتيار المباشر عبر الجمجمة يمكنه أن يعزز من مهارات التعلم الرقمية عندما يطبق على الفص الجداري الأيمن أثناء عملية التعلم [4].

حل المشكلات

يمكن للتحفيز الدماغي أن يعزز مهارات حل المشكلات أيضًا. إذ تقصت مجموعة من الباحثين ما إذا كان بإمكانهم استخدام التحفيز الدماغي لتحسين مهارات المشاركين في حل المشكلات أم لا. وطبق الباحثون التحفيز على منطقتين بالمخ: الفص الصدغي الأمامي الأيمن و الفص الصدغي الأمامي الأيسر (انظر الشكل 3 الذي يوضح موقع الفص الصدغي الأمامي). ويعتبر الفص الصدغي هو المسؤول عن التفكير الإبداعي أو التفكير خارج الصندوق وحل المشكلات بطريقة منظمة. تلقت مجموعة من المشاركين تحفيزًا ذا شحنة إيجابية على الفص الصدغي الأمامي الأيمن، وتحفيزًا ذا شحنة سالبة على الفص الصدغي الأمامي الأيسر. بينما تلقت المجموعة الثانية العكس؛ أي الشحنة السالبة على الفص الأيمن، والشحنة الموجبة على الفص الأيسر. بينما تلقت المجموعة الأخيرة تحفيزًا وهميًا. وفي البداية خضع المشاركون لتدريب حول حل مشكلة ما باتباع استراتيجية محددة، ثم بعد خمس دقائق من التحفيز بالتيار المباشر عبر الجمجمة طُلِبَ منهم حل مشكلة مشابهة تستدعي منك التفكير خارج الصندوق. واستطاع 60% من المشاركين الذين تلقوا تحفيزًا موجب الشحنة على الفص الصدغي الأمامي للمخ وسالب الشحنة على الفص الصدغي الأمامي الأيسر أن يحلوا المشكلة في صورتها الثانية قبل أن ينتهي الوقت المحدد لهم. بينما لم يستطع سوى 20% فقط ممن خضعوا للتحفيز العكسي حل المشكلة، وهي نفس النسبة بالمجموعة التي تلقت التحفيز الوهمي. وتعد هذه الدراسة نموذجًا واضحًا على قدرة التحفيز بالتيار المباشر عبر الجمجمة على تحسين قدرة الفرد على حل المشكلات [5].

الذاكرة

عندما تقابل صديقًا جديدًا، تتعلم اسمه أولًا، وخلال المقابلات القادمة عليك دائمًا أن تذكر نفسك باسم هذا الشخص حتى تتأكد من حفظه. ويُعرف هذا النوع من الذاكرة التي تختص بالمعلومات الواقعية بالذاكرة التقريرية. وأثناء النوم يرسخ المخ الذكريات التقريرية الجديدة التي تعلمناها خلال اليوم داخل الذاكرة طويلة المدى. وقد وجد الباحثون في ألمانيا أن تطبيق التحفيز بالتيار المباشر عبر الجمجمة على المخ أثناء النوم يمكنه أن يعزز الذاكرة التقريرية لدى البالغين الأصحاء. فقبل التحفيز تعلم المشاركون في هذه التجربة 46 زوجًا من الكلمات (مثل طائر-جناح) وبعد تعلم هذه المجموعات خلدت مجموعة من المشاركين إلى النوم، بينما ظل الباقون مستيقظين يشاهدون مقطعًا مرئيًا. وتلقى نصف النائمين تحفيزًا تنشيطيًا على الفص الجبهي للمخ، بينما تلقى النصف الآخر تحفيزًا وهميًا (كما هو الحال مع المشاركين المستيقظين). وبعد الاستيقاظ خاض المشاركون الذين كانوا نائمين اختبارًا لاستذكار الكلمات التي تعلموها لقياس مدى تذكرهم لها.

وخضعت المجموعة المستيقظة لنفس هذا الاختبار بعد الانتهاء من مشاهدة المقطع المرئي، وأظهرت النتائج أن المشاركين الذين تلقوا التحفيز التنشيطي أثناء النوم كانوا قادرين على تذكر عدد أكبر من الكلمات مقارنة بمن كانوا مستيقظين، وكذلك مقارنةً بالمجموعة التي حصلت على تحفيز وهمي. ولكن لم يساعد التحفيز التنشيطي المجموعة المستيقظة على التذكر بصورة أفضل من المجموعة التي تلقت التحفيز الوهمي [6]. ولا تؤكد هذه الدراسة على أهمية الحصول على قدر كافٍ من النوم الليلي فحسب، وإنما تشير أيضًا إلى قدرة تحفيز الدماغ على تعزيز الذاكرة.

ما سبب أهمية هذا البحث؟

يظهر البحث الذي ناقشناه في هذا المقال أن التحفيز بالتيار المباشر عبر الجمجمة قد يكون مفيدًا في عملية تحسين وظائف المخ المتنوعة؛ ويشمل ذلك تنظيم المشاعر وتعزيز الوظائف الإدراكية مثل الانتباه والتعلم وحل المشكلات والذاكرة. ولكن يذكرنا هذا البحث المهم أنه لا يزال أمامنا الكثير لتعلمه. وقد يكون لتحفيز الدماغ القدرة على التأثير إيجابيًا على الطريقة التي نفكر ونشعر بها، ولكن حتى اليوم لا يمكن للتحفيز بالتيار المباشر عبر الجمجمة إلا الوصول إلى الطبقات الخارجية للمخ، لذلك هناك العديد من وظائف المخ التي لم يتم اكتشافها بعد باستخدام هذه التقنية. وربما تتقدم هذه التقنية في المستقبل، وتستطيع اختراق الطبقات الأعمق القابعة تحت القشرة. ويبدو أن تقنية التحفيز بالتيار المباشر عبر الجمجمة سوف تستمر في الازدهار والتقدم، لذلك تابع دائمًا الاكتشافات الجديدة في مجال تحفيز الدماغ!

مسرد للمصطلحات

الخلية العصبية (Neuron): هي الخلايا التي تقع في المخ وتتولى عملية معالجة المعلومات ونقلها داخل المخ من ناحية، وتداولها بين المخ والجسم من الناحية الأخرى.

الأيون (Ion): جزيء مشحون كهربائيًا.

كهروكيميائية (Electrochemical): يقصد بها استخدام الطاقة الكهربائية والكيميائية على حد سواء.

الإدراك (Cognition): يقصد به جميع العمليات العقلية التي تمكننا من التفكير والفهم والتركيز وحل المشكلات وتذكر المعلومات واستيعاب العالم من حولنا.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.


المراجع

[1] Paulus, W. 2011. Transcranial electrical stimulation (tES–tDCS; tRNS, tACS) methods. Neuropsychol. Rehabil. 21:602–17. doi: 10.1080/09602011.2011.557292

[2] Ferrucci, R., Bortolomasi, M., Vergari, M., Tadini, L., Salvoro, B., Giacopuzzi, M., et al. 2009. Transcranial direct current stimulation in severe, drug-resistant major depression. J. AVect. Disord. 118:215–9. doi: 10.1016/j.jad.2009.02.015

[3] Allenby, C., Falcone, M., Bernardo, L., Wileyto, E. P., Rostain, A., Ramsay, J. R., et al. 2018. Transcranial direct current brain stimulation decreases impulsivity in ADHD. Brain Stimul. 11:974–81. doi: 10.1016/j.brs.2018.04.016

[4] Hauser, T. U., Rotzer, S., Grabner, R. H., Mérillat, S., and Jäncke, L. 2013. Enhancing performance in numerical magnitude processing and mental arithmetic using transcranial Direct Current Stimulation (tDCS). Front. Hum. Neurosci. 7:244. doi: 10.3389/fnhum.2013.00244

[5] Chi, R. P., and Snyder, A. W. 2011. Facilitate insight by non-invasive brain stimulation. PLoS ONE. 6:e16655. doi: 10.1371/journal.pone.0016655

[6] Marshall, L., Mölle, M., Hallschmid, M., and Born, J. 2004. Transcranial direct current stimulation during sleep improves declarative memory. J. Neurosci. 24:9985–92. doi: 10.1523/JNEUROSCI.2725-04.2004