Frontiers for Young Minds

Frontiers for Young Minds
القائمة
مفاهيم أساسية علم الأعصاب وعلم النفس نشر بتاريخ: 28 يوليو 2023

تمرين رياضي لدماغك: كيف تساهم اليقظة الذهنية في تحسين الصحة العقلية

ملخص

ربما تعلم أن الذهاب لصالة الألعاب الرياضية مفيد لجسمك. فالتمارين الرياضية تحافظ على لياقتنا وصحتنا. ولكن، هل تعلم أن بإمكانك تمرين دماغك أيضًا للحفاظ على لياقته وصحته؟ التدريب على اليقظة الذهنية يشبه تمامًا اصطحاب دماغك إلى صالة الألعاب الرياضية للتمرن. فعندما نمارس اليقظة الذهنية، ندرّب انتباهنا على البقاء في اللحظة الحالية بدلًا من الشرود بأفكارنا في الماضي أو المستقبل. وإبقاء انتباهنا في الحاضر، وإعادته إليه في كل مرة يشرد فيها، هو تدريب لشبكات الدماغ التي نستخدمها للتحكم في انتباهنا. ويمكن أن يؤدي هذا النوع من التدريب إلى تحسين صحتنا العقلية، مثلما تؤدي التمارين البدنية إلى تحسين صحتنا الجسدية.

هل تعني اليقظة الذهنية أن دماغي ممتلئ؟

هل سبق لك الاستغراق في التفكير لدرجة أنك لم تسمع أحدًا يناديك باسمك؟ في أوقات كالتي نمر بها، تعج عقولنا بالأفكار ولا ندرك ما يدور حولنا. وغالبًا، ما نكون مشغولين بالتفكير فيما سيحدث لاحقًا، أو بالتفكير فيما حدث سابقًا، أو بالتفكير فيما يحدث الآن. وقد يبدو بالطبع أن عقولنا تعج بالأفكار! ولكن، ليس هذا ما تعنيه اليقظة الذهنية. فاليقظة الذهنية تعني إدراك ما يحدث الآن، دون الضياع في كل تلك الأفكار. كما أن اليقظة الذهنية تعزز إدراكنا لما يحدث داخل أنفسنا أو خارجها، دون السماح لأفكارنا بأن تشتت انتباهنا. وهي تساعدنا على أن ندرك عقولنا تمامًا (انظر شكل 1).

شكل 1 - عندما نركز وعينا الكامل على ما يحدث في الدماغ، نصل إلى اليقظة الذهنية.
  • شكل 1 - عندما نركز وعينا الكامل على ما يحدث في الدماغ، نصل إلى اليقظة الذهنية.

تمرين للدماغ

تمامًا مثلما نحتاج إلى تمرين أجسامنا للحفاظ على صحتنا الجسدية، قد يحافظ تدريب عقولنا على صحتنا العقلية أيضًا. وتتضمن اليقظة الذهنية تدريب انتباهنا على البقاء في اللحظة الحالية، بدلًا من متابعة أفكارنا في الماضي أو المستقبل. وبالطريقة نفسها التي نمارس بها تمارين رياضية معينة لتقوية عضلات أجسامنا، فإننا- باليقظة الذهنية- ندرب عضلة دماغنا، أي الانتباه.

فالانتباه هو الطريقة التي يتبعها الدماغ لاختيار شيء واحد للتركيز عليه من بين مجموعة كبيرة من الأشياء في البيئة المحيطة به. ويتلقى الدماغ باستمرار المعلومات عن العالم من حولنا عن طريق حواسنا الخمس، كما أنه يفسر تلك المعلومات باستخدام الكثير من الأفكار. وثمة الكثير من الأشياء في البيئة المحيطة بنا، ولكننا غالبًا ما نحتاج إلى اختيار شيء واحد للتركيز عليه، دون تشتيت انتباهنا. وتتمثل وظيفة الانتباه في وضع شيء واحد في الاعتبار، بحيث نتمكن من التركيز عليه، فالانتباه هو أحد أهم وظائف الدماغ. وعندما لا يعمل الانتباه جيدًا، نواجه الكثير من المشكلات، مثل اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط. في هذا الاضطراب، يواجه الأشخاص مشكلة في الانتباه إلى مهمة واحدة، مما يجعل التركيز عند محاولة حل مسألة حسابية في المدرسة مثلًا أمرًا صعبًا.

عندما تركز على شيءٍ ما، فأنت تستخدم شبكات مُكونة من خلايا دماغية تُسمى الخلايا العصبية. وعندما تمارس تمرينًا رياضيًا لتقوية عضلة، فإنك تمرن تلك العضلة بإعادة التمرين مرارًا وتكرارًا. وفي اليقظة الذهنية، يمكنك استهداف شبكات الدماغ هذه من خلال إبقاء انتباهك على شيء واحد دون تشتيته. وعندما يتشتت انتباهك، فإنك تجذبه مرارًا وتكرارًا. فهذا يشبه التمرين الرياضي لدماغك! وقد اكتشف العلماء أن هذا النوع من التمرين قد يفيد الصحة العقلية [1].

اليقظة الذهنية

دعونا نجرب أحد تمارين اليقظة الذهنية الآن.

ابدأ التمرين بالجلوس إما على الأرض أو على كرسي مع فرد ظهرك. وأثناء جلوسك، ما عليك سوى الاسترخاء. كن واعيًا بجسمك وأنت جالس. وأثناء جلوسك ساكنًا، لاحظ ارتفاع بطنك وهبوطها أثناء الشهيق والزفير. لا تحاول أن تجعل أنفاسك أعمق أو أطول، بل اتركها كما هي. واشعر بها فقط. هل يمكنك الشعور بالحركة أثناء ارتفاع بطنك وانخفاضه مع التنفس؟ حاول ألا تفكر في هذه الحركة. وانتبه فقط لأحاسيس ارتفاع وانخفاض البطن أثناء الشهيق والزفير. ودون اتباع الأفكار فور ظهورها، ركّز فقط على شعور الارتفاع والهبوط.

ولن يمر وقت طويل قبل أن تبدأ في التفكير في شيء آخر غير أنفاسك. سوف يريد انتباهك متابعة إحدى الأفكار، لأن مشاهدة التنفس قد تكون أمرًا مملًا جدًا! فنحن عادةً ما نحب الانتباه إلى الأشياء المثيرة. ولكن، بإيقاف انتباهك عن متابعة الأفكار وإعادته إلى ارتفاع أنفاسك وهبوطها، فإنك تدرب العديد من شبكات الانتباه في دماغك.

  • وعندما تركز على التنفس، فإنك تستخدم شبكة دماغ لتركيز الانتباه.
  • وعندما تلاحظ فكرة شاردة، فإنك تستخدم شبكة دماغ لاكتشاف الإلهاء.
  • وعندما توقف تلك الفكرة الشاردة، فإنك تستخدم شبكة دماغ لمنع انتباهك من متابعة تلك الفكرة.
  • وعندما تعيد انتباهك إلى التنفس، فإنك تستخدم شبكة دماغ لإعادة توجيه الانتباه.

وعندما نمارس اليقظة الذهنية، فدائمًا ما يُصرف انتباهنا عن التنفس، لذا علينا تنشيط جميع هذه الشبكات مرارًا وتكرارًا (انظر شكل 2). وهذا هو السبب في أن اليقظة الذهنية قد تبدو عملًا شاقًا. لأنها كذلك! ونحن حقًا نمرن الدماغ عندما نحاول إبقاء انتباهنا على التنفس.

شكل 2 - عملية التحكم في الانتباه أثناء ممارسة اليقظة الذهنية.
  • شكل 2 - عملية التحكم في الانتباه أثناء ممارسة اليقظة الذهنية.
  • أولًا، حاول متابعة شعورك بالتنفس. وعندما يشرد عقلك، لاحظ ما يحدث وأعِد انتباهك إلى التنفس. كرر هذا مرارًا! فهذا يشبه التمرين الرياضي لدماغك!

أحد الأجزاء المهمة من اليقظة الذهنية هو الانتباه دون التفاعل مع ما يحدث. ومن السهل أن تصاب بالإحباط بسبب شرود عقلك. وأثناء محاولتك متابعة ارتفاع أنفاسك وهبوطها، انتبه فقط دون التفاعل مع ما تمر به. ولا تقلق حيال سهولة هذه العملية أو صعوبتها. فإذا تفاعلت مع ما يحدث، فإنك تشغل نفسك فقط بمزيد من الأفكار! ركز انتباهك على التنفس. وأعده في كل مرة يحاول فيها الشرود.

هل يمكنك فعل هذا لمدة دقيقة واحدة؟ حاول!

ما الذي يحدث للعقل الشارد؟

اكتشف العلماء أنه كلما شردت أفكارنا، زادت فرصة عدم شعورنا بالسعادة [2]. وعندما نواصل التفكير في شيء سيء حدث في الماضي، قد يصيبنا الاكتئاب. وإذا قلقنا باستمرار حيال شيء سيء قد يحدث في المستقبل، فقد نشعر بالقلق. فنحن نُصاب بالاكتئاب والقلق عندما تأخذنا أفكارنا بعيدًا عما يحدث الآن، إلى الماضي أو المستقبل.

وقد اكتشف علماء الأعصاب (العلماء الذين يدرسون الدماغ) أن الاكتئاب والقلق مرتبطان بتغيرات في الدماغ. ويمكن للعلماء قياس نشاط الخلايا العصبية في الدماغ باستخدام جهاز يُسمى مخطط كهربية الدماغ. يقيس المخطط نشاط الدماغ من خلال تسجيل الإشارات الكهربائية التي تنتجها الخلايا العصبية (انظر شكل 3).

شكل 3 - يُقاس نشاط دماغ الفتاة بمخطط كهربية الدماغ.
  • شكل 3 - يُقاس نشاط دماغ الفتاة بمخطط كهربية الدماغ.
  • وتتصل الأسلاك في هذه القبعة بالأقطاب الكهربائية التي تسجل النشاط الكهربائي الناتج من الخلايا العصبية في الدماغ. وبهذه الطريقة، يمكن للعلماء قياس ما إذا كان ثمة المزيد من نشاط الدماغ في الجانب الأيسر أو الأيمن. ويرتبط النشاط الأكبر في جانب الدماغ الأيسر بالمشاعر الإيجابية.

وتُقاس هذه الإشارات الكهربائية باستخدام الأقطاب الكهربائية الموضوعة على فروة الرأس. وفي حالة قياس النشاط الكهربائي على كلا جانبي الدماغ، يمكن لعلماء الأعصاب معرفة ما إذا كان النشاط متطابقًا على كلا الجانبين. وإذا كان ثمة عدم تماثل (انعدام تساوي) بين جانبي الدماغ، يمكن لعلماء الأعصاب معرفة ما إذا كان ثمة نشاط دماغي أكثر نسبيًا في الجانب الأيمن أو الأيسر.

وقد أوضحت الدراسات أن النشاط الأكبر في جانب الدماغ الأيسر مرتبط بالمشاعر والسلوك الإيجابي، في حين يرتبط النشاط الأكبر في جانب الدماغ الأيمن بالمزيد من المشاعر والسلوك السلبي [3]. وثبت أن الأشخاص المصابين بالاكتئاب والقلق لديهم مستويات أعلى من النشاط في جانب الدماغ الأيمن من الأشخاص غير المصابين بهذه الحالات [4].

الاهتمام بالحاضر مفيد لنا

قد تتساءل الآن عن سبب وجوب الانتباه إلى تنفسك عندما تتمرن على اليقظة الذهنية. والإجابة هي أن التنفس له ميزة خاصة جدًا. فهو يحدث الآن فقط، أي في اللحظة الحالية. فإذا انتبهت إلى تنفسك، فإنك بذلك تنتبه إلى ما يحدث الآن. وعندما تشرد أفكارك، فإنك تفقد اللحظة الحالية. ولكن يمكنك الرجوع دائمًا إلى الحاضر إذا تذكرت التنفس.

وقد بدأت الدراسات العلمية تظهر أن تمرين اليقظة الذهنية قد يؤدي إلى زيادة النشاط في جانب الدماغ الأيسر [5]. وقد تكون هذه الزيادة في نشاط الجانب الأيسر مصحوبة أيضًا بمزيد من المشاعر الإيجابية والعافية. وهذه أخبار جيدة حقًا، لأنها تعني أن بإمكاننا تغيير أدمغتنا بالتمرن على الطريقة التي ننتبه بها. فبتمرين انتباهنا على البقاء في اللحظة الحالية، يمكننا منع عقولنا من الهروب إلى الماضي والمستقبل والقلق بشأن كل تلك الأشياء. وقد يؤدي هذا إلى تغيير أدمغتنا بطريقة تساعدنا على الشعور بالتحسن.

مسرد للمصطلحات

اليقظة الذهنية (Mindfulness): هي القدرة على الانتباه للحظة الحالية، دون إصدار أحكام أو ردود أفعال.

الانتباه (Attention): هو قدرة الدماغ على التركيز على شيء واحد من بين مجموعة كبيرة من الأشياء.

علماء الأعصاب (Neuroscientists): هم العلماء الذين يدرسون الدماغ وطريقة عمله (الأعصاب = الدماغ).

مخطط كهربية الدماغ [Electroencephalograph (EEG)]: هو جهاز لتسجيل (مخطط) النشاط الكهربائي (كهربية) الناتج عن الدماغ (الدماغ).

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.


المراجع

[1] Gotink, R. A., Chu, P., Busschbach, J. J. V., Benson, H., Fricchione, G. L., and Hunink, M. G. M. 2015. Standardised mindfulness-based interventions in healthcare: an overview of systematic reviews and meta-analyses of RCTs. PLoS ONE 10:e0124344. doi: 10.1371/journal.pone.0124344

[2] Killingsworth, M. A., and Gilbert, D. T. 2010. A wandering mind is an unhappy mind. Science 330:932. doi: 10.1126/science.1192439

[3] Tomarken, A. J., Davidson, R. J., Wheeler, R. E., and Doss, R. C. 1992. Individual differences in anterior brain asymmetry and fundamental dimensions of emotion. J. Pers. Soc. Psychol. 62:676–87. doi: 10.1037/0022-3514.62.4.676

[4] Adolph, D., and Margraf, J. 2017. The differential relationship between trait anxiety, depression, and resting frontal α-asymmetry. J. Neural Transm. (Vienna) 124:379–86. doi: 10.1007/s00702-016-1664-9

[5] Zhou, R., and Liu, L. 2017. Eight-week mindfulness training enhances left frontal EEG asymmetry during emotional challenge: a randomized controlled trial. Mindfulness 8:181–9. doi: 10.1007/s12671-016-0591-z